المتقاعدون في  اليمن... معاناة مستمرة بفعل توقف المعاشات

140 ألف شخص في القطاع العام محرومون من مستحقاتهم

يبحث آلاف اليمنيين عن فرص للعمل بعد تقطع سبل العيش (الشرق الأوسط)
يبحث آلاف اليمنيين عن فرص للعمل بعد تقطع سبل العيش (الشرق الأوسط)
TT

المتقاعدون في  اليمن... معاناة مستمرة بفعل توقف المعاشات

يبحث آلاف اليمنيين عن فرص للعمل بعد تقطع سبل العيش (الشرق الأوسط)
يبحث آلاف اليمنيين عن فرص للعمل بعد تقطع سبل العيش (الشرق الأوسط)

في الوقت الذي يهدد فيه خطر المجاعة 80 في المائة من اليمنيين، وفق تقارير دولية، يرزح عشرات الآلاف من المتقاعدين، وهم الشريحة الأضعف في البلاد، تحت وطأة الحرمان منذ ما يزيد على 7 سنوات مضت على وقف صرف معاشاتهم التقاعدية.

وفي حين لا يتلقى المتقاعدون اليمنيون أي إعانات حكومية أو أممية لضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشية، يقدر عدد المقيدة أسماؤهم في سجلات الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات في صنعاء بأكثر من 140 ألف شخص.

يمنيون يصطفون على رصيف شارع بصنعاء بحثاً عن عمل (الشرق الأوسط)

ويؤكد متقاعدون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن آخر نصف معاش تقاعدي صُرف لهم كان في أواخر يونيو (حزيران) المنصرم، وهو يعد كنصف معاش لشهر يونيو لعام 2020، وهو مبلغ ضئيل لا يغطي أبسط المتطلبات الضرورية.

ويشكو المتقاعدون من تصاعد معاناتهم وهمومهم جراء استمرار توقف صرف المعاشات؛ إذ إن وراء كل متقاعد محروم من معاشه أسرة جُلهم من الأطفال والنساء، ويعد المعاش بالنسبة لهم شريان حياة يوفر بعض احتياجاتهم.

ويتهم المتقاعدون جماعة الحوثي الانقلابية بالوقوف وراء نهب معاشاتهم منذ مطلع عام 2017، مؤكدين أن اشتراكاتهم التي تصل إلى نحو تريليوني ريال يمني، كانت مودعة باسم الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء (الدولار نحو 530 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الانقلابيين).

ويشيرون إلى أن النهب المتعمد للأموال التي كانت مخصصة كمعاشات للمتقاعدين المدنيين والعسكريين والأمنيين من البنك المركزي وصناديق التقاعد في صنعاء، أدى إلى زيادة معاناتهم وأوجاعهم، بعد أن أفنوا معظم سنوات عمرهم في مؤسسات الدولة الرسمية.

مكابدة من أجل العيش

يتحدث أمين أحمد، وهو متقاعد في صنعاء، عن اضطراره بسبب قساوة الظروف وانقطاع المعاش التقاعدي بعد أن كان موظفاً في وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء، إلى العمل بائعاً متجولاً يبيع البيض والبطاطاس للطلبة أمام بوابة إحدى المدارس في صنعاء.

ويشكو أمين (65 عاماً) من هموم عديدة يكابدها منذ انقطاع معاشه، وقال: «في الوقت الذي كنا نأمل فيه بأن نطالب جميعاً بوصفنا متقاعدين وبصوت واحد بزيادة معاشاتنا جاءت الحرب وأطرافها ليلتهموا كل مخصصاتنا، ولم يبقوا على أي شي منها».

ويعد أمين واحداً من بين مئات الآلاف من المتقاعدين الذين يكابدون مرارة العيش بعد فقدان معاشاتهم، في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي المتأزم وانقطاع مصادر دخل الكثير من العائلات؛ بسبب توقف مرتبات موظفي القطاع العام، وإغلاق عدد كبير من المصالح العامة والخاصة.

يمنيون عاطلون عن العمل ينامون على رصيف شارع في صنعاء (الشرق الأوسط)

ويُنظر إلى المتقاعدين على أنهم أكثر الفئات الوظيفية المتضررة نتيجة توقف المرتبات، لكون غالبيتهم يعجزون بفعل سنهم الكبيرة عن القيام بأي وظائف أو أعمال شاقة، فيلجأ بعضهم إما إلى الجلوس بالمنازل فيصابون بأمراض نفسية، وإما الخروج لانتظار مد يد العون والمساعدة من الآخرين لتأمين قوت يومهم.

ويعرف القانون اليمني المتقاعد بأنه الشخص المؤمّن عليه الذي انتهت خدمته ويستحق معاشاً تقاعدياً. كما يؤكد مختصون قانونيون أن أموال التقاعد خاصة لا يحق لأي جهة كانت التصرّف بها.

ويؤكد حميد عامر، وهو اسم مستعار لمتقاعد في صنعاء، أن نصف راتبه التقاعدي الذي يتسلمه كل عدة أشهر يعادل 62 دولاراً بعد 30 سنة من الخدمة، وأنه لا يلبي الحد الأدنى من متطلبات عائلته.

واكتفى عامر بعد عجزه عن إيجاد فرصة عمل تؤمن احتياجاته بالتفرغ لأحفاده والاهتمام بهم. موضحاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الآثار المدمرة للحرب اليمنية طالت كل فئات وشرائح المجتمع اليمني، خصوصاً النساء والأطفال وكبار السن.

إلغاء معاش التقاعد

ابتسام محمد، القاطنة في صنعاء تشكو هي الأخرى، من حرمانها وأطفالها منذ أشهر من نصف المعاش التقاعدي بعد أن أوقفته الجماعة الحوثية فور وفاة والدتها دون أي مبرر، مطالبة بصرف كل ما نهب من نصف المعاش المخصص لأسرتها.

كما طالبت ابتسام، التي تقطن مع اثنين من أطفالها منزلاً بالإيجار بصنعاء، بتخصيص جزء من المبالغ التي تصرفها هيئة الزكاة الحوثية للمتقاعدين كونهم من أشد المستحقين لها.

مشرد في صنعاء يتناول طعامه في أحد الشوارع (الشرق الأوسط)

ويؤكد المسؤولون في الجمعية الوطنية للمتقاعدين اليمنيين (مقرها صنعاء) أن مشكلة توقف المعاشات وما خلفته من مآسٍ قد قسمت المتقاعدين إلى فئات عدة، يتصدرهم المتقاعدون ممن فارقوا الحياة تاركين خلفهم أسراً تعاني البؤس، وآخرون يعانون من أمراض مزمنة ونفسية حولت بعضهم إلى مشردين أو متسولين في الطرقات والشوارع، بينما يتعرض البعض الآخر من المتقاعدين المغلوبين على أمرهم للتهميش من قبل ذويهم كونهم لم يعودوا أفراداً منتجين، بينما يضطر آخرون بفعل حدة الظروف إلى مزاولة مهن مختلفة لتأمين قوت يومهم.

ومع توالي الاتهامات الموجهة لجماعة الحوثي بنهب معاشات المتقاعدين، كانت جمعية المتقاعدين اليمنيين قد أكدت في بيان سابق لها أن الاشتراكات التأمينية للمتقاعدين يجري توريدها على مدى 35 عاماً إلى البنك المركزي، ويجري قطع شيكات المرتبات من صناديق التقاعد وتسليمها للبنك المركزي، موضحة أنه استناداً إلى قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000، يلتزم البنك المركزي بصرف الشيكات المسحوبة من حسابات صناديق التقاعد.


مقالات ذات صلة

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

العالم العربي الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

يتجه الحوثيون إلى توسيع دائرة مواردهم من خلال ابتكار آليات ووسائل جديدة للجبايات بالتزامن مع مساعيهم إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرتهم.

وضاح الجليل (عدن)
يوميات الشرق وزير الإعلام اليمني وعدد من سفراء الدول العربية والأجنبية لدى اليمن خلال انطلاق «ليالٍ يمنية» في الرياض (متداولة)

أنغام الطرب اليمني الأصيل تُعانق رقصات الفلكلور في قلب الرياض

على إيقاع الطرب اليمني الأصيل، وتناغم رقصات الفلكلور التراثي العريق، انطلقت مساء الأحد في قلب العاصمة السعودية الرياض، فعاليات «ليالٍ يمنية» التي تستمر 3 أيام.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)

إرغام محال الإنترنت بصنعاء على المشاركة في التعبئة الحوثية

شنَّت الجماعة الحوثية في الأيام الأخيرة حملات ضد مُلاك مَحال وشبكات الإنترنت في العاصمة المختطفة صنعاء، بغية ابتزازهم وإجبارهم على الترويج لأفكار الجماعة.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

«الرئاسي اليمني» يلتزم بدعم إصلاح الاقتصاد ومعركة استعادة الدولة

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني التزامه بدعم مسار الإصلاحات الاقتصادية، والتركيز على القضية المصيرية المتمثلة في معركة استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي حضور فاعل لمركز الملك سلمان في كل الجوانب الإنسانية داخل اليمن (الأمم المتحدة)

185 ألف يمني يستفيدون من مشروع يموله مركز الملك سلمان

أطلقت المنظمة الدولية للهجرة، بالشراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، مشروعاً حيوياً بقيمة 2.25 مليون دولار لتحسين خدمات الصرف الصحي في مأرب.

محمد ناصر (تعز)

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
TT

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

تتجه الجماعة الحوثية في اليمن إلى توسيع دائرة مواردها من خلال ابتكار آليات ووسائل جديدة للجبايات بالتزامن مع مساعيها إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرتها، وأنشأت أخيراً آلية جديدة تحت اسم «موارد دعم القضاء»، إلى جانب توجهها لفرض جبايات على صناعة المحتوى الإلكتروني، وعلى عدد من الخدمات العمومية.

وكشفت وثيقة جرى تسريبها عن قرار أصدره القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الانقلابي) بدمج عدد من المؤسسات في السلطة القضائية بوزارة العدل وحقوق الإنسان في حكومة الجماعة التي لا يعترف بها أحد، وإعادة تنظيم مهام وأهداف الكيان الجديد، بما في ذلك تولي تحصيل موارد ما سماه «صندوق دعم القضاء».

قرار حوثي بإعادة هيكلة مؤسسات حكومية تضمن الإشارة إلى صندوق موارد لصالح القضاء (إكس)

وبينما لم تعلن الجماعة الحوثية إنشاء هذا الصندوق أو مهامه رسمياً، ترجح مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء صدور قرار بإنشاء الصندوق دون الإعلان عنه، خصوصاً أن الجماعة تتحفظ على الإعلان عن قراراتها الأخيرة بشأن دمج وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختطفة، ومنها هذا القرار الذي جرى تسريب بعض مواده.

وتوقعت المصادر أن يكون قرار إنشاء صندوق بهذا الاسم بوابة لتحصيل جبايات مختلفة من مصادر متعددة، سواء من المؤسسات أو القطاعات الإيرادية، بهدف السيطرة على إيراداتها وضمان دخولها في أرصدة تابعة للجماعة في البنوك، أو من الشركات التجارية والتجار ورجال الأعمال، وحتى من صغار الباعة ومختلف المهن والأعمال.

وذهبت المصادر في توقعاتها إلى أن مثل هذا الصندوق قد يستخدم في ابتزاز التجار ورجال الأعمال والشركات والبيوت التجارية، من قبيل أن عدم مساهمتهم في رفد موارد القضاء قد يتسبب في تعطيل مصالحهم أو معاملاتهم القانونية، وإجراءات التقاضي الخاصة بهم.

وبدأت الجماعة الحوثية منذ أسابيع تقليص الهيكل الإداري للدولة ومؤسساتها في مناطق سيطرتها من خلال عمليات دمج وإلحاق وإلغاء، بهدف مزيد من السيطرة عليها وإزاحة الموظفين فيها من غير الموالين للمشروع الحوثي.

ملاحقة صناعة المحتوى

وذكرت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تدرس منذ عدة أسابيع إنشاء آلية لفرض رسوم على صناعة المحتوى الإلكتروني من خلال فرض جبايات على المواقع الإلكترونية، وعلى صناع المحتوى والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقاً للمصادر فمن المتوقع أن يجري فرض الجبايات تحت اسم ضريبة الدخل، ويجري تحصيلها مقابل ما يتحصل عليه صناع المحتوى ومالكو المواقع الإلكترونية من مبالغ، سواء كانت عائدات من نشاطهم، أو من الإعلانات التي يقدمونها.

مبنى مجلس القضاء الأعلى في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية وتفرض جبايات باسمه (فيسبوك)

وبينت المصادر أن الجماعة تدرس آليات ووسائل فرض هذه الرسوم من خلال تتبع أنشطة صناع المحتوى، ومراقبة المواقع الإلكترونية وما تعرضه من إعلانات على صفحاتها، وتسعى إلى الاستفادة من تجارب عدد من الدول في هذا الشأن.

إلا أن الجماعة تواجه تحدياً كبيراً في تنفيذ نياتها، ويتمثل ذلك في قلة صناع المحتوى اليمنيين، ووجود كثير منهم خارج البلاد، حيث لا تساعد سرعات وأسعار الإنترنت في مناطق سيطرة الجماعة على إتاحة الفرصة لصناعة محتوى يدر مداخيل كبيرة.

كما أن غالبية مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن لا يحصلون على إيرادات كبيرة، ويكتفي أغلبهم بالحصول على هدايا من الجهات التي يقدمون لها خدمات إعلانية.

ومنذ قرابة شهر ونصف الشهر أخطرت وزارة إعلام الجماعة الحوثية ملاك المواقع الإخبارية ومحركات البحث، بتقديم تخفيضات بنسبة 70 في المائة على رسوم الحصول على تراخيص مزاولة النشاط، ولمدة لا تتجاوز الشهرين، مهددة بإجراءات عقابية على من يتخلف عن السداد والحصول على التراخيص.

جبايات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على نتائج اختبارات النصف الأول من العام الحالي (إعلام حوثي)

ومن المتوقع أن تبدأ الجماعة فرض إجراءات عقابية بحق المواقع الإلكترونية، مثل الحجب، واقتحام المكاتب، ومصادرة الأجهزة والمعدات، ضد كل من تخلف عن الحصول على تلك التراخيص.

وأخيراً فرضت الجماعة الانقلابية رسوماً على نتائج اختبارات طلبة المدارس للنصف الأول من العام الدراسي الحالي في مناطق سيطرتها.

وذكر أولياء أمور الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرسوم التي فرضتها الجماعة الحوثية مقابل الحصول على النتائج تراوحت بين أقل من نصف دولار إلى أكثر من دولار (بين 300 و600 ريال، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ534 ريالاً)، وجرى تحصيلها من دون سندات.

واستنكر أولياء الأمور هذه الجبايات الجديدة، التي تضاف إلى ما يجري فرضه عليهم وعلى أبنائهم من رسوم منذ بداية العام الدراسي، والتي ضاعفت من الأعباء المفروضة عليهم، خصوصاً مع توقف الرواتب، وغلاء الأسعار، وتردي أحوالهم المعيشية.