معلمون في صنعاء يرفضون التدريس بلا رواتب... ويبحثون عن مهن بديلة

طالبات يمنيات لدى عودتهن إلى الدراسة في العام الجديد (إ.ب.أ)
طالبات يمنيات لدى عودتهن إلى الدراسة في العام الجديد (إ.ب.أ)
TT

معلمون في صنعاء يرفضون التدريس بلا رواتب... ويبحثون عن مهن بديلة

طالبات يمنيات لدى عودتهن إلى الدراسة في العام الجديد (إ.ب.أ)
طالبات يمنيات لدى عودتهن إلى الدراسة في العام الجديد (إ.ب.أ)

لم يُبد رمزي عبد الله، وهو معلم في إحدى مدارس العاصمة اليمنية صنعاء، أي استعداد أو حماس لاستقبال العام الدراسي الجديد؛ خوفاً من أن يترك عمله ومصدر رزق أطفاله، بعد أن تحصَّل عليه في السابق أثناء رحلة بحث كانت، بالنسبة له، شاقة ومُضنية.

يقول رمزي (38 عاماً)، وهو مدرس مادة الاجتماعيات منذ 9 سنوات، وأب لأربعة أولاد، إن عودته إلى المدرسة لتعليم التلاميذ دون راتب سيُفقده عمله، وقد تُواجه أسرته جراء ذلك صعوبات في الحصول على رغيف العيش، في ظل استمرار انقطاع راتبه الحكومي.

ويعمل رمزي، منذ عام، سائقاً لدى تاجر جملة، حيث يقوم بتوزيع أنواع الفخار المصنوع من الطين، على محالّ صغيرة شرق صنعاء، ويتقاضى مقابل ذلك راتباً شهرياً مع نسب وحوافز تُعادل نحو 250 دولاراً، تكفي لتوفير جميع احتياجات أسرته.

وتؤكد مصادر تربوية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، عدم وجود أي مظاهر استعداد، هذا العام، لاستقبال العام الدراسي الجديد في صنعاء ومدن أخرى، باستثناء بعض الشكليات.

فتيات في مدرسة صنعاء أُجبرن على لبس الزي العسكري والاحتفال بمناسبة الذكرى السنوية لقتلى الجماعة (إعلام حوثي)

ويستقبل أزيد من 175 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة يمنية خاضعة للحوثيين، العام الدراسي الجديد دون دواتب، ويمثلون 72 في المائة من إجمالي المعلمين في البلاد، في ظل ما يشهده اليمن من وضع معيشي وإنساني متدهور، يرافقه غلاء الأسعار، وانعدام الخدمات، وتصاعد نسب البطالة والجوع والفقر.

ويروي رمزي عن بعض معاناته التي كان وأسرته يكابدونها مثل هذه الأيام من الأعوام الماضية، حيث كان يشعر، قبيل قدوم كل عام دراسي، بالإحباط، وكثر التفكير حول كيفية توفير قُوت أسرته ومتطلبات أولاده المدرسية.

نصف دوام

على عكس رمزي، أبدت المعلمة ابتسام، من صنعاء، استعدادها للدوام المدرسي، مشترطة بذلك على إدارة المدرسة الحضور كعادتها دائماً نصف دوام يومي، في حين تخصص النصف الآخر للعمل بمدرسة أهلية مجاورة؛ أملاً في تمكنها من توفير بعض احتياجات أسرتها، بعد انقطاع راتبها الحكومي، ومرض زوجها الذي أوكل إليها مهمة إعالته وثلاثة من أطفالهما.

وشكت ابتسام، وهو اسم مستعار، لـ«الشرق الأوسط»، من التدهور المعيشي الذي أصاب أفراد أسرتها، الأمر الذي دفعها إلى التدريس نصف فترة صباحية، وفترة مسائية كاملة بمدرسة أهلية في صنعاء بحافز شهري لا يتعدى 180 دولاراً.

وكانت وزارة التربية في حكومة الانقلاب الحوثي قد أعلنت أن موعد بداية العام الدراسي الجديد 2023/ 2024 لجميع المراحل الدراسية، سيكون في 22 يوليو (تموز) الحالي، على أن يبدأ القيد والتسجيل والانتقال بالمدارس الحكومية والأهلية من يوم 8 هذا الشهر.

مطالبات بالالتزام

بموجب الإعلان، تستعدُّ المدارس الحكومية في صنعاء وغيرها، كعادتها كل عام، لفرض مبالغ على الطلبة وأولياء الأمور تصل إلى 16 دولاراً، ليتم بعد جمعها توزيعها بصفتها مشاركات مجتمعية، على المعلمين لمواجهة مشكلة انقطاع الرواتب، وفق ما تدَّعيه الجماعة الحوثية.

معلم يمني يجول بعربة المثلجات في منطقة الخمسين بالعاصمة صنعاء (الشرق الأوسط)

ويرى معلمون في صنعاء، خلال حديثهم مع «الشرق الأوسط»، أن المبلغ الذي يُدفَع لهم غير مُجدٍ ولا يكاد يعوِّض انقطاع الرواتب، أو حتى يكفي لأجرة المواصلات وبعض مصروفهم اليومي. ويؤكدون أنهم لم يعودوا يطيقون أي حلول ترقيعية لا تلبي احتياجاتهم أو تعالج بعض همومهم.

ويقول سمير، وهو مدرس مادة الكيمياء في إحدى المدارس الحكومية بصنعاء: «بما أنهم سيطلبون منا الالتزام يومياً بالدوام المدرسي، فعليهم أيضاً (الحوثيون) الالتزام بدفع رواتبنا، حتى تسير العملية التعليمية دون صعوبات».

وتحدَّث المعلم عن بعض همومه وزملائه جراء انقطاع الرواتب، وذكر أنهم أصبحوا، هذا العام كغيره من الأعوام السابقة، عاجزين تماماً عن الإيفاء، ولو بقليل من التزاماتهم أولاً تجاه أبنائهم الطلبة، وتجاه أُسرهم بتوفير متطلبات البقاء والعيش الكريم.

وأكد أن البحث عن مصدر عيش، بالنسبة له ولبقية العاملين في قطاع التعليم، هذه الأيام، هو السبيل الوحيدة لمواجهة جميع ضغوطات الحياة المعيشية.

يُشار إلى تعرض نظام التعليم في اليمن إلى أزمة حادّة بعد انقلاب الحوثيين، مما أدى إلى إغلاق المدارس، وإعاقة وصول الطلاب إلى التعليم، حيث تضرر عدد من المدارس أو دُمّر، في حين نزح المعلمون والطلاب من منازلهم، وامتنعت الجماعة عن دفع رواتب المعلمين.


مقالات ذات صلة

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

بعد غياب عن صنعاء لأكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إليها، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح المعتقلين الأمميين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

في خطوة غير مسبوقة أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حرباً لمواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام وملاحقة المتهمين في الداخل والخارج.

علي ربيع (عدن)
الحوثيون ينفذون عملية تعبئة عسكرية بمناطق سيطرتهم للسكان والقطاعات بمن فيهم طلبة المدارس (إ.ب.أ)

اليمن: انتهاكات انقلابية تستهدف قطاع التعليم في عمران

نفذ الحوثيون موجة جديدة من الانتهاكات استهدفت قطاع التعليم ومنتسبيه في عمران شملت تغيير أسماء مدارس وإرغام المعلمين والطلبة على التعبئة الفكرية والعسكرية 

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.