صعَّدت الميليشيات الحوثية من الحرب الاقتصادية ضد الحكومة الشرعية في اليمن، وأرغمت التجار على تحرير تعهدات بالاستيراد عبر مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها، كما أغرقوا السوق بكميات كبيرة من غاز الطهي المستورد، ومنعوا دخول الشحنات التي كانت تأتي من مناطق سيطرة الحكومة، بعد أن استهدفوا مواني النفط ومنعوا تصديره.
وذكرت مصادر تجارية في مناطق سيطرة الحوثيين لـ«الشرق الأوسط»، إن الميليشيات بعد أسابيع على احتجاز ناقلات البضائع والمواد الغذائية في منفذ الراهدة الجمركي الذي استحدثته بالقرب من خطوط التماس مع القوات الحكومية في محافظة تعز، سمحت بمرور هذه الشحنات، ولكن بعد أن حرر التجار تعهدات بأن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يستوردون فيها عبر المواني الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وأن يلتزموا بتحويل وارداتهم عبر مواني الحديدة.
ومن شأن هذه الخطوة أن تحرم الحكومة اليمنية من مصدر مهم من مصادر تمويل الموازنة العامة، عبر الجمارك والضرائب التي كانت تدفع في مواني الاستيراد والمنافذ الحدودية، قبل أن يتم تخفيف قيود الاستيراد عبر المواني الخاضعة لسيطرة الميليشيات.
مسؤولان حكوميان وصفا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الخطوة التي أقدمت عليها ميليشيات الحوثي بأنها تصعيد في الحرب الاقتصادية التي أعلنتها ضد الشرعية منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما استهدفت مواني تصدير النفط في محافظتي حضرموت وشبوة، وتهديد سفن الشحن بالقصف إذا ما دخلت تلك المواني لنقل شحنات النفط الخام، وهو ما تسبب في إيقاف التصدير وحرمان الحكومة من نصف عائداتها من العملة الصعبة.
استغلال التسهيلات
وفق ما ذكره المسؤولان فإن الحوثيين يحصلون على شحنات مجانية من غاز الطهي الإيراني، ومنعوا توزيع الغاز المنتج محلياً في مناطق سيطرتهم، وهو ما أدى إلى حرمان الخزينة العامة للدولة من عائدات بيع غاز الطهي.
وأوضح المسؤولان أن الميليشيات إلى جانب أنها تحصل على هذه الشحنات بشكل مجاني فإنها تبيعها بزيادة تصل إلى 70 في المائة عن السعر الذي كان يباع به غاز الطهي المنتج محلياً، وهو ما يشكل مصدر دخل غير عادي للميليشيات، يستخدم في تمويل معسكرات تجنيد الأطفال، والتغيير الطائفي، وتكوين ثروات ضخمة، والاستمرار في وضع الاشتراطات والعراقيل التي أفشلت كل جهود إحلال السلام حتى الآن.
المسؤولان اليمنيان أوضحا أن إقدام ميليشيات الحوثي على إغلاق الطرق الرئيسة التي تربط مناطق سيطرة الحكومة بمناطق سيطرتهم منذ 4 أعوام، كان هدفه الضغط على الشرعية والتحالف، من أجل رفع القيود التي كانت مفروضة على تهريب الأسلحة وسط الشحنات التجارية الواصلة إلى المواني الخاضعة لسيطرة الميليشيات.
واتهم المسؤولان الجماعة الحوثية بأنها استغلت التسهيلات التي قُدمت مع بداية تطبيق الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في مطلع العام الماضي، في الحرب الاقتصادية ضد الحكومة، من خلال إرغام التجار على تحويل بضائعهم إلى المواني التي يديرونها، بغرض الحصول على موارد إضافية وحرمان الحكومة منها.
هذا التصعيد جاء عقب إقدام ميليشيات الحوثي على الإطاحة بقيادة الغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة صنعاء، برئاسة رجل الأعمال المعروف حسن الكبوس، بسبب اعتراضها على ممارسات الميليشيات مع القطاع التجاري، ومداهمة المحال، وابتزاز التجار، ومصادرة البضائع، وفرض أسعار غير واقعية للسلع.
كما عينت الجماعة على رأس الغرفة التجارية أحد قادتها، ويدعى علي الهادي الذي يعمل مقدم خدمات لوجيستية للمنظمات الإغاثية؛ حيث تم فرضه من خلال جهاز المخابرات المشرف على العمل الإغاثي، كما أنه يستخدم مخازن ووسائل نقل المؤسسة الاقتصادية العسكرية، وليس له علاقة بالعمل التجاري من قبل.
التضخم وصل إلى 45 في المائة
سبق للاتحاد العام للغرف التجارية ومنظمات مجتمع مدني يمنية أن قادوا وساطات محلية متعددة طوال العامين الماضيين، بهدف إعادة فتح الطرق الرئيسية التي تربط ميناء عدن بمناطق سيطرة الميليشيات، إلا أنه عند تنفيذ الاتفاقات، وبعد تنفيذ الجانب الحكومي التزاماته، تعود الميليشيات وترفض ما تعهدت به للوسطاء، وتتمسك بموقفها؛ حيث تستغرق الطرق الفرعية التي يعبرها المسافرون من صنعاء إلى عدن أكثر من 13 ساعة بالسيارة الخاصة، ونحو 20 ساعة في حافلات النقل الجماعي، في حين أن هذه المسافة كانت تقطع خلال 6 ساعات.
وكانت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى اليمن جويس وونغ، قد أكدت أن الهجمات على مرافق تصدير النفط «حرمت الحكومة من معظم إيراداتها بالعملة الأجنبية التي تساوي نحو نصف الإيرادات الإجمالية».
وذكرت وونغ، عقب مشاورات مع الجانب الحكومي، أن توقف تصدير النفط إلى جانب ارتفاع أسعاره عالمياً، أدى إلى اتساع العجز في المالية العامة اليمنية؛ حيث وصل إلى 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، وتوقعت أن يتسع هذا العجز أكثر خلال هذا العام «إذا لم تُستأنف صادرات النفط رغم خفض النفقات الضرورية».
ممثلة صندوق النقد الدولي قالت إنه «على الرغم من التفاؤل الحذر بشأن عملية السلام الجارية، فما زالت الأزمة الاقتصادية والإنسانية ماثلة في اليمن»، وإن التقديرات الحالية تشير إلى أن 17 مليون شخص سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، وإن الأسعار المحليّة للغذاء والوقود مرتفعة؛ حيث وصل معدّل التضخم في أسعار الغذاء إلى 45 في المائة في 2022.