مدينة ودمدني تكتظ بالفارين من حرب الخرطوم

بعضهم ينتظرون العودة إلى منازلهم... والشباب يبحثون عن الهجرة

وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)
وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)
TT

مدينة ودمدني تكتظ بالفارين من حرب الخرطوم

وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)
وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)

في حديقة صغيرة بمدينة ودمدني، عاصمة ولاية الجزيرة، يلتقي محمد عبد الكريم بأصدقائه ليتجاذبوا أطراف الحديث عن الحرب ومآلاتها وإمكانية وقوفها، فهذا هو هم كل السودانيين الذين يتحدثون عنه في كل مناسبة تجمعهم، حتى لو كانت دقائق معدودة، ويظل سؤال متى تقف الحرب معلقاً بلا إجابة.

اضطر عبد الكريم، (45 عاماً) يعمل قاضياً، وأسرته الصغيرة إلى ترك منزلهم في العاصمة الخرطوم، بعد أيام من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، الذي أوشك على الدخول شهره الثاني. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح العيش في الخرطوم صعباً، الجميع بدأوا يفرون بعد أن تعقدت الأوضاع من دون كهرباء أو مياه أو حتى طعام كاف». وأضاف: «غادرت إلى أقاربي في منطقة رفاعة بالجزيرة، على أمل أن تهدأ الأحوال لكن تطاول أمد الحرب».

لا نريد مغادرة بلدنا

عبد الكريم وأصدقاؤه يريدون لهذه الحرب أن تتوقف الآن، ويعودون إلى منازلهم وإلى أعمالهم ويعود أطفالهم إلى المدارس، يقول: «لا نريد مغادرة بلادنا، لا توجد لدينا نقود للسفر، لو تكاتف الأهل معنا لما استطعنا أن نواجه هذه الظروف الصعبة». الكثير من الأماكن المفتوحة بمدينة ودمدني أصبحت متنفساً للفارين من الحرب داخل البلاد، تركوا وراهم جزءاً من هوياتهم، منازلهم وأوراقهم الثبوتية وذكريات حياة بكل تفاصيلها.

يداومون على الالتقاء بشكل يومي، وعلى رشفات الشاي والقهوة، يقتلون الوقت في تبادل أخبار الحرب وتحليل اتجاهاتها، ولا يفوتون صب جام سخطهم على «جنرالات» أشعلوا حرباً في بلد لم تكن تنقصه كارثة أخرى فوق ما يعانيه. بين الفينة والأخرى ينكبون على هواتفهم، يلتقطون ما يتداول من أخبار على تطبيق المراسلة الفوري «واتساب»، يعيدون مشاركتها مع آخرين، ثم يعودون ليتصفحوا «فيسبوك» لمعرفة آخر المستجدات.

اكتظت مدينة ودمدني، التي تبعد 180 كيلومتراً جنوب الخرطوم، بآلاف الهاربين من جحيم الحرب. وضمن هؤلاء النازحين أطباء وقضاة وأساتذة جامعات وصحافيون وسياسيون ودراميون.

دمار كبير في العاصمة السودانية بعد 7 أسابيع من القتال (أ.ف.ب)

أوضاع قاسية

وافد جديد روى قصته عن الأوضاع القاسية التي عاشها وأسرته محاصراً في منزله تحت دوي القذائف وأزيز الرصاص لأيام من دون أكل وكهرباء ولا ماء، لا ينسى أن يروي مغامرة خروجه وسط الرصاص. وتبدو القصص متشابهة عدا اختلاف الأماكن، فالكل عايشوا الظروف ذاتها وأكثر منها قسوة وخطورة.

وتقول ربة منزل، من منطقة شرق الخرطوم: «علقنا في المنزل أكثر من 10 أيام، والقذائف تتساقط علينا، استحال البقاء، وأصبحنا في خطر كبير». وتضيف ربة المنزل الخمسينية التي فضلت حجب هويتها: «سقطت قذيفة في المنزل المجاور لنا وأصيب قاطنوه، الكثير من الأسر غادرت الحي، ومن تبقى منهم يواجهون يومياً خطر الموت». وتتابع بحسرة: «علمت أن منزلي تعرض للنهب والسرقة، لكن هذا لا يهم طالما خرجت وأسرتي بسلام، هنالك من فقدوا أرواحهم في هذه الحرب».

ومن الخرطوم تأتي أخبار غير سارة، سقطت قذيفة في منزل فلان وحولته إلى ركام، واقتحمت قوات عسكرية منزلاً آخر، واتخذوه مسكناً لهم، بالإضافة إلى اللصوص الذين يفرغون المنازل من كل شيء. هكذا يقضون ساعات النهار، تدور أحاديثهم على ما حاق بالبلاد من خراب ودمار، وعندما تلوح أشعة الغروب مؤذنة بالمغيب، يهمون بالرحيل على أمل أن يلتقون غداً.

جنود من الجيش السوداني في إحدى مناطق الارتكاز بالخرطوم (أ.ف.ب)

ملجأ مؤقت

ودمدني وغيرها من المناطق الأخرى التي نزح إليها الهاربون من الخرطوم، ملجأ إلى حين انجلاء الحرب، يعودون بعدها للخرطوم، لكن عند بعضهم محطة مؤقتة يستعدون منها إلى مغادرة البلاد إلى غير رجعة.

ولا تزال المدينة تستقبل يومياً أفواجاً من المغادرين بحيث تحولت المدارس وداخليات الطلاب الجامعيين إلى دور إيواء وملاجئ لآلاف الأسر، من بينهم من حالت ظروفهم المادية لا تسمح لهم بتحمل تكاليف استئجار منزل صغير، فيجمع أفراد الأسرة، ويفوق سعر إيجار شقة متواضعة أفخم الإيجارات في الخرطوم في الظروف العادية.

ويقول يوسف محمد (39 عاماً): «نزحنا من الخرطوم دون خطة لنواجه مصيراً مجهولاً». وأضاف: «الحياة هنا صعبة نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية، رغم أننا نسكن مع أقربائنا. نأتي إلى وسط المدينة للقاء الأصدقاء والتفاكر حول خطة السفر إلى الخارج وطلب اللجوء، لمساعدة أهالينا داخل السودان».


مقالات ذات صلة

السودان... دولة واحدة بعملتين ومخاوف من تكريس الانقسام

شمال افريقيا عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز)

السودان... دولة واحدة بعملتين ومخاوف من تكريس الانقسام

عزز مُضي الحكومة السودانية في إجراءات التبديل الجزئي لعملات وطنية، مخاوف من تكريس الانقسام.

أحمد يونس (كامبالا)
تحليل إخباري عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

تحليل إخباري عقوبات جديدة ضد المتحاربين السودانيين... هل تفتح باباً للتفاوض؟

أدرج الاتحاد الأوروبي مجدداً عناصر من طرفي الحرب في السودان، على لائحة العقوبات، غير أن محللين وخبراء سودانيين قدروا أنها ربما تكون محاولة لفتح باب التفاوض.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز)

تحليل إخباري السودان... دولة واحدة بعملتين

منذ أعلنت الحكومة بدء التبديل الجزئي لعملات وطنية في العاشر من الشهر الحالي، أصبح السودان عملياً «بلداً واحداً بعملتين»، ما استدعى ذكرى انفصال الجنوب.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا أشخاص يتجمعون بالقرب من مركبة مدمرة بعد قصف سابق لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان (أرشيفية - رويترز)

السودان: 15 قتيلاً في هجوم بمسيّرة «تابعة للجيش» في أم درمان السبت

قالت جمعية «محامو الطوارئ» إن هجوماً شنته مسيّرة تابعة للجيش السوداني على عربة في غرب أم درمان الواقعة ضمن الخرطوم الكبرى أسفر عن مقتل 15 مدنياً السبت.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رمطان لعمامرة (أ.ف.ب)

ترتيب أممي لمحادثات غير مباشرة بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» في جنيف

«قوات الدعم السريع» وافقت على استئناف المحادثات، فيما أبدى الجيش «موافقة شبه مبدئية على المشاركة، دون تأكيد رسمي حتى الآن».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

الحوثيون ينفذون أوسع عملية تجنيد لطلاب المدارس الثانوية

طلاب مدرسة في حجة اليمنية أثناء إخضاعهم لتعبئة مذهبية حوثية (إعلام محلي)
طلاب مدرسة في حجة اليمنية أثناء إخضاعهم لتعبئة مذهبية حوثية (إعلام محلي)
TT

الحوثيون ينفذون أوسع عملية تجنيد لطلاب المدارس الثانوية

طلاب مدرسة في حجة اليمنية أثناء إخضاعهم لتعبئة مذهبية حوثية (إعلام محلي)
طلاب مدرسة في حجة اليمنية أثناء إخضاعهم لتعبئة مذهبية حوثية (إعلام محلي)

مع تأكيد الحوثيين أنهم يستعدّون لضربة إسرائيلية جديدة، نفّذوا أوسع عملية لتجنيد طلاب المدارس، وهو ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية في المرحلة الثانوية، وتوسع هذه الحملة إلى خارج المحافظات المعروفة بأنها مَخزن بشري للجماعة منذ انقلابهم على الشرعية، في سبتمبر (أيلول) 2014.

وذكرت مصادر محلية في محافظات إب وصنعاء وتعز، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين أعلنوا حالة الاستنفار القصوى في صفوف مُقاتليهم، وكثّفوا زياراتهم الميدانية للتشكيلات المسلَّحة التابعة لهم، ومناطق الحشد القبلي؛ استعداداً لما قالوا إنه «عدوان إسرائيلي أميركي مرتقب».

الحوثيون أرغموا حتى المزارعين على الانخراط في التدريب على القتال (إعلام محلي)

كما شملت الاستعدادات تغيير مواقع عقد الاجتماعات، ونقل مراكز القيادة والسيطرة من مواقعها السابقة، وتقييد تحركات القيادات البارزة، وخاصة المنتمين للجناح العسكري المعروف باسم «المكتب الجهادي».

المصادر، التي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها حتى لا تكون عرضة لأي عقاب، ذكرت أن الجماعة الحوثية نفذت أخيراً أوسع عملية لتجنيد طلاب المرحلة الثانوية، حيث حوَّلت معظم الحصص الدراسية إلى دروس في استخدام القتال والتعامل مع الأسلحة.

وامتدت عملية التجنيد الحوثية - وفق المصادر- إلى أرياف محافظة إب والأجزاء الخاضعة لسيطرة الجماعة في ريف محافظة تعز، مع أنها، طوال سنوات الحرب، كانت تعتمد على محافظات ذمار وحجة والمحويت وعمران.

حالة قلق

رأت المصادر في هذا التمدد تعبيراً عن حالة القلق التي تعيشها الجماعة، وسعيها لحشد سكان المناطق القريبة من خطوط التَّماس مع القوات الحكومية في جنوب محافظة الحديدة، حيث تتركز هذه القوات في مفرق سقم، الذي يتحكم بالطريق بين مديرية الجراحي التابعة لمحافظة الحديدة، ومديرية العدين التابعة لمحافظة إب، وعلى مقربة من مديرية مقبنة، التابعة لمحافظة تعز.

وكان المركز الإعلامي الحوثي لمديرية فرع العدين غرب محافظة إب قد أفاد بأن وفداً من المديرية شارك في المناورة العسكرية لقوات التعبئة العامة التي أقيمت في مديرية الحزم، حيث تقدَّم وفدَ المديرية مسؤول التعبئة العامة أبو رعد الوايلي، ومدير أمن المديرية حامد عداية، ومدير مكتب الإعلام أبو حرب الأهدل، ومسؤول الحشد أبو صالح المزحاني.

عملية التجنيد الحوثية امتدت إلى أرياف محافظتي إب وتعز (إعلام حوثي)

ووفق المركز الحوثي، التقى الوفدُ مدير عام مديرية الحزم زكريا المساوى، ومسؤول التعبئة عماد الشعوري، ومدير مكتب الإرشاد أبو بشار النهاري، والمشرف العسكري أبو جهاد النهاري، ومدير مكتب إعلام الحزم حذيفة الزمر، وعدداً من القيادات العسكرية والتنفيذية والأمنية بالمديرية.

ونقل المركز الحوثي عن المشاركين أنهم أكدوا، في المناورة، جهوزيتهم العالية لمواجهة الهجوم الإسرائيلي المتوقع، حيث استعرضوا تدريبات سبَق أن تلقّوها على ضرب أهداف افتراضية باستخدام مختلف الأسلحة.

وفي مديرية شرعب، التابعة لمحافظة تعز، ذكر سكانٌ أن الحوثيين جمعوا طلاب المرحلة الثانوية في مدرسة الفوز بالمسجد المجاور وأخضعوهم لمحاضرات في التعبئة وتدريبات عسكرية تحت عنوان «الطالب الرسولي»، وهو العنوان الذي يجري تحته حشد وتجنيد طلاب المرحلة الثانوية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة.

ووفق ما أفاد سكان بالمديرية، فإن مشرف المديرية محمد هزبر، ومدير التعليم فؤاد محفوظ، وبعض الوجهاء، يتولون مهمة حشد الطلاب للقتال، وإخضاعهم أيضاً لدورات في التدريب على استخدام الأسلحة داخل المدارس.

تعزيزات عسكرية

هذه التحركات الحوثية ترافقت مع تأكيد مصادر حكومية إرسال الجماعة تعزيزات عسكرية كبيرة إلى خطوط التَّماس في محافظة البيضاء مع محافظة لحج، حيث نُقل عن سكان مشاهدتهم عشرات السيارات والعربات المدرَّعة ومئات المسلَّحين الذين وصلوا إلى مديريتي ذي ناعم والزاهر الحدوديتين مع مديريات يافع بمحافظة لحج، حيث تتركز القوات الحكومية.

ووفق ما أوردته المصادر، فإن الحوثيين يقومون باستحداث طرق التفافية، ويحفرون خنادق في المرتفعات الجبلية، كما أنهم دفعوا بتعزيزات مماثلة إلى خطوط التَّماس مع القوات الحكومية في أطراف محافظة تعز مع محافظة لحج، وقاموا بإغلاق طرق رئيسية، وحفر خنادق ونسف عبارات المياه.

آثار الغارة الأميركية على مجمع الدفاع الخاضع للحوثيين في صنعاء (إعلام حوثي)

وطبقاً لما ذكرته المصادر، فإن القوات الحكومية في الساحل الغربي رصدت أيضاً وصول تعزيزات إضافية للحوثيين إلى خطوط التَّماس في جنوب محافظة الحديدة.

وتشمل هذه التعزيزات، وفق المصادر، المئات من المقاتلين وعربات عسكرية، مع مضاعفة الحواجز الترابية وحقول الألغام التي استُحدثت على طول الخط الذي يمتد من ساحل البحر حتى مديرية الجراحي، إذ تمم هذه التحركات بحجة الاستعداد لأي هجوم قد تُنفذه القوات الحكومية.

وكان محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة وعضو مجلس حكمها، قد زار مجمع الدفاع المعروف باسم «العرضي»، والذي استهدفته غارة أمريكية فجر الثلاثاء، وهدد باستهداف مصالح أميركا من قِبل قواتهم التي زعم أنها أعدّت خطة للمواجهة، في إطار ما أطلق عليه «مسارها العملياتي الذي تستطيع الوصول إليه».

وقال إنهم، بقيادة ابن عمه عبد الملك الحوثي، لا يخشون من أي تحرك، ولا سيما وقد وصلت هجماتهم إلى تل أبيب، وأعاد تأكيد أنه لا توجد لديهم خطوط حمراء، ما دامت مناطقهم تُقصَف، وما دامت الحرب مستمرة في غزة، وفق تعبيره.