المبعوث الأممي للسودان يحدد أولويات الحل ويحذر من «نزاع عرقي»

إشادة بالوساطة السعودية الأميركية مع بدء أول هدنة برقابة دولية

فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان (رويترز)
فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان (رويترز)
TT

المبعوث الأممي للسودان يحدد أولويات الحل ويحذر من «نزاع عرقي»

فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان (رويترز)
فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان (رويترز)

حذر رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) مبعوث الأمين العام فولكر بيرتس يوم الاثنين، من أن الحرب بين القوات المسلحة و«قوات الدعم السريع» يمكن أن تتخذ «بعداً عرقياً متزايداً»، ما ينذر بـ«نزاع طويل الأمد، مع تداعيات على المنطقة». وجاء هذا التحذير عشية بدء هدنة لمدة 7 أيام بوساطة ورقابة سعودية وأميركية، فيما شهدت العاصمة الخرطوم اشتباكات بين الطرفين في الساعات الأخيرة قبل بدء موعد الهدنة مساء الاثنين.

وسمع دوي انفجارات وقصف مدفعي في العاصمة السودانية الخرطوم قبيل ساعات قليلة من بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» أكدا التزامهما التام بالاتفاق، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية للمدنيين في مناطق الصراع. وقال شهود عيان لــ«الشرق الأوسط» إن معارك دارت بين الطرفين في أحياء واسعة من مدينة أم درمان.

 

العنف الأحمق

في غضون ذلك، عقد مجلس الأمن اجتماعاً لمناقشة التقرير الأحدث للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول عمل «يونيتامس»، فاستمع إلى إحاطة من بيرتس الذي أفاد بأن القتال بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي» لم يُظهر «أي بوادر على التباطؤ رغم الإعلانات المتكررة لوقف إطلاق النار من كلا الجانبين».

وأضاف بيرتس أن المدنيين «دفعوا ثمناً باهظاً لهذا العنف الأحمق»، إذ تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 700 شخص، بينهم 190 طفلاً، وإصابة ستة آلاف آخرين منذ بدء القتال في 15 أبريل (نيسان) الماضي، بالإضافة إلى «عدد كبير» من المفقودين، مع «نزوح أكثر من مليون شخص»، بينهم أكثر من 840 ألفاً لجأوا إلى المناطق الريفية وولايات أخرى، بينما عبر 250 ألفاً آخرون الحدود السودانية.

قوانين الحرب وأعرافها

وقال إنه في الخرطوم ودارفور وأماكن أخرى «تواصل الأطراف المتحاربة قتالها دون مراعاة لقوانين الحرب وأعرافها»، محذراً من أن «استخدام المرافق الصحية كمواقع عسكرية أمر غير مقبول»، معبراً عن «صدمته» من التقارير عن «العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، بما في ذلك مزاعم الاغتصاب في الخرطوم ودارفور». وشدد على أن «الترهيب والمضايقة والاختفاء القسري للسكان أمور مقلقة للغاية»، لافتاً إلى مهاجمة «مباني الأمم المتحدة ومساكنها، بما في ذلك مجمع (يونيتامس)»، بالإضافة إلى «نهب الإمدادات الإنسانية». وكذلك عبّر عن «قلقه» من التقارير عن «تهديدات بالقتل ضد النشطاء والقادة السياسيين، واعتقال المتطوعين السودانيين، وترهيب الصحافيين».

 

وتحدث بيرتس عن الاشتباكات في الجنينة بولاية غرب دارفور، حيث «تصاعدت أعمال العنف العرقي»، مع انضمام «الميليشيات القبلية إلى القتال، وحمل المدنيون السلاح للدفاع عن أنفسهم». وأشار إلى «أنباء عن بوادر مقلقة للتعبئة القبلية في جنوب كردفان وكذلك إقليم النيل الأزرق». وأضاف أن كل أنحاء البلاد تشهد «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي»، مؤكداً أنه «يجب التحقيق في هذه الانتهاكات وتقديم الجناة إلى العدالة». وشدد على أن «مسؤولية القتال تقع على عاتق من يخوضونه يومياً، أي قيادة الجانبين»، الذين اختاروا تسوية النزاع «في ساحة المعركة بدلاً من الجلوس إلى طاولة المفاوضات».

دمار السودان

وقال المبعوث الأممي للسودان إن «قرارهم هو الذي يدمر السودان، ويمكنهم إنهاء ذلك»، معتبراً أن ما يحدث منذ 15 أبريل الماضي «هو بالضبط ما حاولت الأمم المتحدة وشركاؤنا في المجتمع الدولي منعه». وذكر بأنه «دق ناقوس الخطر» أمام مجلس الأمن في مارس (آذار) الماضي، مشيراً أيضاً إلى الجهود التي بذلتها الآلية الثلاثية والمجموعة الرباعية مع القادة العسكريين لتهدئة الوضع. وإذ أسف لأن «الأعمال العدائية أجبرتنا على نقل الكثير من موظفينا مؤقتاً إلى بورتسودان وخارج السودان»، أكد أن «هذا لا يعني أننا تخلينا عن الشعب السوداني»، موضحاً أن المسؤولين الدوليين «لا يزالون ملتزمين بشدة بأولوياتنا الفورية»، وهي أولاً «تحقيق وقف نار مستقر بآلية للمراقبة، ثم منع تصعيد الصراع أو إضفاء الطابع العرقي عليه»، وثالثاً «حماية المدنيين وتقديم الإغاثة الإنسانية»، على أن يبدأ «التحضير، عندما يحين الوقت لعملية سياسية جديدة بمشاركة مجموعة واسعة من الفاعلين المدنيين والسياسيين، بمن في ذلك النساء».

 

ترحيب بالوساطة السعودية والأميركية

ورحب المبعوث الأممي بالوساطة السعودية والأميركية التي أدت إلى توقيع إعلان الالتزامات في جدة في 11 مايو (أيار) الحالي، وتقتضي احترام القانون الإنساني الدولي والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، مؤكداً أن هذه «خطوة مهمة (...) تضمن التزاماً لمواصلة الحديث من أجل الوصول إلى وقف مستقر لإطلاق النار بآلية مراقبة». وأعلن أن «يونيتامس» تقف على استعداد لدعم مثل هذه الآلية، موضحاً أنه «يمكننا أن نبني على الموظفين وعلى الهيكلية التي أنشئت في اللجنة الدائمة لوقف إطلاق النار لدارفور التي ترأسها (يونيتامس)».

وشدد على أن «المجتمع المدني السوداني يضطلع بدور قوي في الدعوة إلى السلام»، محذراً من أن «البعد العرقي المتزايد للنزاع يهدد بإغراق البلاد في صراع طويل الأمد، مع تداعيات على المنطقة». ودعا الجانبين إلى «الانخراط بجدية في المحادثات بحسن نية لدفع وقف حقيقي لإطلاق النار، مع آلية مراقبة قوية»، مؤكداً أنه «في نهاية المطاف، فقط عملية انتقال ذات صدقية بقيادة مدنية يمكن أن ترسم سلاماً دائماً في السودان».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

شمال افريقيا قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)

الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

أعلن الجيش السوداني، السبت، مقتل القائد العسكري في «قوات الدعم السريع» العميد جمعة إدريس، خلال قصف بالمدفعية الثقيلة استهدف تحركات قواته.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)

مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

قالت مصادر سودانية إن قوات «الدعم السريع» هاجمت المستشفى الرئيسي الذي ما زال يعمل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، الجمعة، مما أسفر عن مقتل 9 وإصابة 20.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا إردوغان مستقبلاً البرهان في أنقرة 12 أغسطس 2021 (رويترز)

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان والإمارات على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا في أرض الصومال

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا صورة من المحكمة الجنائية الدولية تظهر القائد السابق في ميليشيا «الجنجويد» السودانية، علي كوشيب، خلال جلسة استماع لتأكيد التهم المتعلقة بجرائم الحرب (أ.ف.ب)

قائد «الجنجويد» في دارفور ينفي أمام الجنائية الدولية ارتكابه جرائم حرب

نفى زعيم ميليشيا سوداني، اليوم (الجمعة)، أمام المحكمة الجنائية الدولية الاتهامات الموجّهة إليه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)

مدعي «الجنائية الدولية»: غالبية الأدلة تثبت التهم ضد «كوشيب»

أبلغ مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية القضاة أن علي عبد الرحمن (كوشيب)، المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، كان زعيم ميليشيا مرهوب الجانب وأمر بارتكاب فظائع.


اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
TT

اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)

طالبت السلطة المحلية في محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء) صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوسيع تدخلاته في المحافظة مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني للنازحين، وقالت إن المساعدات المقدمة تغطي 30 في المائة فقط من الاحتياجات الأساسية للنازحين والمجتمع المضيف.

وبحسب ما أورده الإعلام الحكومي، استعرض وكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، خلال لقائه مدير برنامج الاستجابة الطارئة في صندوق الأمم المتحدة للسكان عدنان عبد السلام، تراجع تدخلات المنظمات الأممية والدولية ونقص التمويل الإنساني.

مسؤول يمني يستقبل في مأرب مسؤولاً أممياً (سبأ)

وطالب مفتاح الصندوق الأممي بتوسيع الاستجابة الطارئة ومضاعفة مستوى تدخلاته لتشمل مجالات التمكين الاقتصادي للمرأة، وبرامج صحة الأم والطفل، وبرامج الصحة النفسية، وغيرها من الاحتياجات الأخرى.

ومع إشادة المسؤول اليمني بالدور الإنساني للصندوق في مأرب خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها استجابته الطارئة لاحتياجات الأسر عقب النزوح، بالإضافة إلى دعم مشاريع المرأة ومشاريع تحسين سبل العيش للفئات الضعيفة والمتضررة، أكد أن هناك احتياجات وتحديات راهنة، وأن تدخلات المنظمات الدولية غالباً ما تصل متأخرة ولا ترقى إلى نسبة 30 في المائة من حجم الاحتياج القائم.

وحمّل وكيل محافظة مأرب هذا النقص المسؤولية عن توسع واستمرار الفجوات الإنسانية، وطالب بمضاعفة المنظمات من تدخلاتها لتفادي وقوع مجاعة محدقة، مع دخول غالبية النازحين والمجتمع المضيف تحت خط الفقر والعوز في ظل انعدام الدخل وانهيار سعر العملة والاقتصاد.

آليات العمل

استعرض مدير برنامج الاستجابة في صندوق الأمم المتحدة للسكان خلال لقائه الوكيل مفتاح آليات عمل البرنامج في حالات الاستجابة الطارئة والسريعة، إلى جانب خطة الأولويات والاحتياجات المرفوعة من القطاعات الوطنية للصندوق للعام المقبل.

وأكد المسؤول الأممي أن الوضع الإنساني الراهن للنازحين في المحافظة يستدعي حشد المزيد من الدعم والمساعدات لانتشال الأسر الأشد ضعفاً وتحسين ظروفهم.

النازحون في مأرب يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة (إعلام محلي)

وكانت الوحدة الحكومية المعنية بإدارة مخيمات النازحين قد ذكرت أن أكثر من 56 ألف أسرة بحاجة ملحة للغذاء، وأكدت أنها ناقشت مع برنامج الغذاء العالمي احتياجات النازحين وتعزيز الشراكة الإنسانية في مواجهة الفجوة الغذائية المتزايدة بالمحافظة، ومراجعة أسماء المستفيدين الذين تم إسقاط أسمائهم من قوائم البرنامج في دورته الأخيرة، وانتظام دورات توزيع الحصص للمستفيدين.

من جهته، أبدى مكتب برنامج الأغذية العالمي في مأرب تفهمه لطبيعة الضغوط والأعباء التي تتحملها السلطة المحلية جراء الأعداد المتزايدة للنازحين والطلب الكبير على الخدمات، وأكد أنه سيعمل على حشد المزيد من الداعمين والتمويلات الكافية، ما يساعد على انتظام توزيع الحصص الغذائية في حال توفرها.

خطط مستقبلية

بحث وكيل محافظة مأرب، عبد ربه مفتاح، في لقاء آخر، مع الرئيس الجديد لبعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، عبد الستار يوسف، الوضع الإنساني في المحافظة، وخطط المنظمة المستقبلية للتدخلات الإنسانية خصوصاً في مجال مشاريع التنمية المستدامة والتعافي المجتمعي والحاجة لتوسيع وزيادة حجم المساعدات والخدمات للنازحين واللاجئين والمجتمع المضيف، وتحسين أوضاع المخيمات وتوفير الخدمات الأساسية.

وكيل محافظة مأرب يستقبل رئيس منظمة الهجرة الدولية في اليمن (سبأ)

وطبقاً للإعلام الحكومي، قدّم الوكيل مفتاح شرحاً عن الوضع الإنساني المتردي بالمحافظة التي استقبلت أكثر من 62 في المائة من النازحين في اليمن، وزيادة انزلاقه إلى وضع أسوأ جراء تراجع المساعدات الإنسانية، والانهيار الاقتصادي، والمتغيرات المناخية، واستمرار النزوح إلى المحافظة.

ودعا الوكيل مفتاح، المجتمع الدولي وشركاء العمل الإنساني إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في استمرار دعمهم وتدخلاتهم الإنسانية لمساندة السلطة المحلية في مأرب لمواجهة الأزمة الإنسانية.

وأكد المسؤول اليمني أن السلطة المحلية في مأرب ستظل تقدم جميع التسهيلات لإنجاح مشاريع وتدخلات جميع المنظمات الإنسانية، معرباً عن تطلعه لدور قوي وفاعل للمنظمة الدولية للهجرة، إلى جانب الشركاء الآخرين في العمل الإنساني في عملية حشد المزيد من الموارد.

حريق في مخيم

على صعيد آخر، التهم حريق في محافظة أبين (جنوب) نصف مساكن مخيم «مكلان»، وألحق بسكانه خسائر مادية جسيمة، وشرد العشرات منهم، وفق ما أفاد به مدير وحدة إدارة المخيمات في المحافظة ناصر المنصري، الذي بين أن الحريق نتج عن سقوط سلك كهربائي على المساكن المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال، مثل القش والطرابيل البلاستيكية.

مخيم للنازحين في أبين احترق وأصبح نصف سكانه في العراء (إعلام محلي)

وبحسب المسؤول اليمني، فإن نصف سكان المخيم فقدوا مساكنهم وجميع ممتلكاتهم، بما فيها التموينات الغذائية، وأصبحوا يعيشون في العراء في ظل ظروف إنسانية قاسية. وحذر من تدهور الوضع الصحي مع زيادة انتشار الأوبئة وانعدام الخدمات الأساسية.

وطالب المسؤول السلطات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية بسرعة التدخل لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، وفي المقدمة توفير مأوى طارئ ومساعدات غذائية عاجلة، إلى جانب المياه الصالحة للشرب، والأغطية، والأدوية.