معالم مدينة حوثية جديدة في صنعاء... والبسطاء يحاولون النجاة بأملاكهم

الجماعة تكرس إنشاء كانتونات طائفية لعناصرها حول العاصمة المختطفة

قادة حوثيون يتفقدون العمل في أحد شوارع مديرية صنعاء الجديدة (إعلام حوثي)
قادة حوثيون يتفقدون العمل في أحد شوارع مديرية صنعاء الجديدة (إعلام حوثي)
TT

معالم مدينة حوثية جديدة في صنعاء... والبسطاء يحاولون النجاة بأملاكهم

قادة حوثيون يتفقدون العمل في أحد شوارع مديرية صنعاء الجديدة (إعلام حوثي)
قادة حوثيون يتفقدون العمل في أحد شوارع مديرية صنعاء الجديدة (إعلام حوثي)

أنشأ التوسعُ العمراني الجديد، في ظل الحرب، معالم مدينة جديدة في العاصمة اليمنية (صنعاء)، إذ يأتي ما يعرف بـ«مديرية صنعاء الجديدة» تتويجاً لمخططات وأنشطة الانقلابيين الحوثيين لإنشاء حزام طائفي يحيط بالعاصمة، من خلال التهافت للسيطرة على الأراضي، وإنشاء وحدات سكنية لأثرياء الانقلاب، في وقتٍ يحاول فيه البسطاء النجاة بأملاكهم من تغول الجماعة العقاري.

ويحاول السكان في جنوب العاصمة (صنعاء) الإسراع ببيع أراضيهم وعقاراتهم قبل أن تصل إليها أيدي النافذين الحوثيين، وعلى الرغم من أن معظمهم يعمل على تخفيض سعر ما يملكه من عقار من أجل سرعة البيع، فإن مخاوف المشترين من أطماع القادة الحوثيين، مع معوقات عدة، تمنع إتمام أعمال البيع والشراء في تلك المناطق بالصورة المطلوبة.

ومن تلك المعوقات، وفق مصادر «الشرق الأوسط»، أن ممارسات الميليشيات الحوثية خلال السنوات الماضية في السلب والنهب أثارت مخاوف الملاك من الاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم التي أنفقوا أعمارهم من أجلها، أو حصلوا عليها عن طريق ميراث من آبائهم، كما أن تلك الممارسات نفسها تمنع أي شخص من التفكير في الشراء؛ خوفاً من ضياع ثروته.

وإلى جانب ذلك، فإن الميليشيات، وعبر هيئة الأوقاف والهيئة العدلية التابعتين لها، اللتين أنشأتهما كونهما كيانين موازيين لمؤسسات الدولة، تعمل على استقطاع ما يساوي 20 في المائة من الأموال المدفوعة لشراء العقارات من البائع، وما يقابلها من المشتري فيما يعرف بـ«حق الخُمس».

و«حق الخُمس» هو استقطاع ما يساوي 20 في المائة من أموال وثروات اليمنيين، أقرت الميليشيات قانوناً باسمه منتصف عام 2020، بزعم أنها امتيازات حصرية لسلالتهم.

هذه المعوقات، عبّر عنها سمير سلّام الباحث عن مشترٍ لأرض امتلكها بعد أكثر من 30 عاماً من العمل والادخار، وبدأ في بناء منزل عليها قبل الانقلاب بأشهر قليلة، وبسبب الأوضاع التي فرضها الانقلابيون، ومنها إيقاف الرواتب، لم يتمكن من إتمام البناء، ثم أصبح مضطراً للبيع؛ لتحسين ظروف عائلته المعيشة، ثم الخوف من استيلاء الانقلابيين الحوثيين عليها.

في البداية دفعت الظروف المعيشة الصعبة سمير، وهو اسم مستعار، إلى التفكير في بيع الأرض، إلا أن أبناءه أقنعوه بالحفاظ عليها من أجل تقلبات الحياة في المستقبل، ولتوفر عليهم عناء وتكلفة الإيجارات، إلا أنه عاد بعد سنوات وقرر بيعها بجدية، خوفاً من السيطرة عليها ونهبها من طرف النافذين التابعين للميليشيات.

في المقابل يفيد جاره أحمد مقبل، وهو اسم مستعار أيضاً، بأنه كان على استعداد لشراء الأرض بالسعر المناسب لها، قبل أن تتبدد الأموال التي جمعها خلال ما يقارب 20 عاماً من العمل في السعودية، إلا أنه يخشى مثل جاره سمير من نافذي الميليشيات، ويفضل الحفاظ على أموال سائلة دون مجازفة.

كانتون طائفي

خلال الأيام الماضية أعلن الانقلابيون الحوثيون تدشين عمل فرع هيئة الأوقاف، التابعة لهم في «مديرية صنعاء الجديدة»، ومنذ اليوم الأول لبدء نشاط الفرع، شرع العاملون في المكتب بالنزول الميداني لحصر الأراضي والعقارات في المنطقة، وجمع معلومات وبيانات حولها، في إجراءات أثارت مخاوف ملاك العقارات والأراضي في المنطقة الواقعة جنوب العاصمة صنعاء.

وأقر الانقلابيون الحوثيون، منتصف العام الماضي، إنشاء ما بات يعرف بـ«مديرية صنعاء الجديدة» التي جاءت على حساب أجزاء واسعة من مديريتي سنحان وبني مطر في جنوب العاصمة صنعاء، وفي جنوبها الغربي، الأمر الذي عدّه خبراء قانونيون عبثاً بالتقسيم الإداري، بينما اتهمت شخصيات اجتماعية الواقفين خلفه بالتخطيط لنهب مزيد من أراضي الدولة والسكان.

ويؤكد الجاران سمير وأحمد، وهما من سكان المديرية المستحدثة، أنهما وخلال السنوات الماضية لاحظا تغيراً كبيراً في المنطقة التي يسكناها جنوب العاصمة صنعاء، حيث توسع العمران بشكل لافت، وبدا جلياً أن المباني الكثيرة التي تنتشر في المنطقة تابعة للأثرياء الجدد من الحرب والانقلاب، وأغلبهم قادمون من محافظة صعدة شمالاً، وهي معقل الانقلابيين الحوثيين.

وفي يناير (كانون الثاني) من العام قبل الماضي، أصدر القيادي محمد علي الحوثي أمراً بمنع أي تجارة أو بيع وشراء أو رهن للعقارات والمنازل إلا بتراخيص يشرف على كتابتها بنفسه، وتصدر بناء على موافقته.

تغول عقاري

تفيد مصادر «الشرق الأوسط» بأن محمد علي الحوثي هو المالك الفعلي للشركة العقارية المعروفة باسم «مجموعة الديار الدولية العقارية» لبيع وتخطيط الأراضي السكنية، التي ظهرت فجأة خلال الأشهر الأولى من عام 2021، وتدير وتنفذ عدداً كبيراً من الأنشطة العمرانية في العاصمة صنعاء ومحافظتي صعدة والحديدة.

وتروج الشركة خلال الأشهر الأخيرة لمشروعات عمرانية جديدة فيما يعرف بـ«مديرية صنعاء الجديدة»، حيث تشير إعلانات وبيانات الشركة إلى مشروع ضخم لبناء وحدات سكنية على مساحة واسعة من الأراضي في المنطقة الواقعة جنوب صنعاء وجنوبها الغربي.

وينعت مهندس يمني «مجموعة الديار الدولية العقارية» بـ«الغول العقاري»، حيث إن «البلاد لم تشهد منذ بداية التوسع الحضري والعمراني في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وحتى الآن، ظهور شركة عقارية بهذا الحجم وبهذه السرعة، ولم ينتج عن عمليات الفساد خلال العقود السابقة أن برزت شركة بهذه الكيفية»، حسب رأيه.

ويؤكد المهندس، الذي طلب التحفظ على بياناته، وعمل خلال السنوات السابقة في إحدى شركات المقاولات، أن الشركة العقارية الحوثية برزت من العدم، ولم تكن لها أية جذور سابقة، كما أن مديرها التنفيذي، وهو أحد رجال محمد علي الحوثي، لم تكن لديه الخبرة أو الكفاءة لأن يتمكن من بناء شركة بهذا المستوى.

وفي المقابل يشرف القيادي الحوثي أحمد حامد، وهو مدير مكتب القيادي مهدي المشاط رئيس ما يعرف بـ«المجلس السياسي» للميليشيات، على مشروع باسم «هيئة تسكين المجاهدين»، من أجل العمل على تنظيم السيطرة على الأراضي في محيط العاصمة (صنعاء) لتمليك عناصر الميليشيات القادمين من خارج العاصمة، خصوصاً محافظة صعدة، عقارات ومساكن.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.