عجز المصري الأربعيني سامي محمود (اسم مستعار)، الذي يعمل في مجال الكتابة والنشر، عن إلحاق طفلتيه بمدارس خاصة في مصر رغم ادخاره لذلك؛ بفعل ارتفاع تكلفة المعيشة، ما اضطره لإلحاقهما بمدارس حكومية، وخاصة أن لديه 3 أبناء آخرين في مراحل مختلفة.
والتعليم ليس وحده الذي تأثر داخل الأسرة. يقول محمود لـ«الشرق الأوسط» إن «نوعية الطعام الذي نأكله تغيرت... هناك أكلات لم نعد نراها إلا في المناسبات مثل اللحوم الحمراء، وأخرى نشتريها للأطفال فقط مثل منتجات الألبان، كل ذلك وأنا أعمل في 3 أعمال، وزوجتي اضطرت للعمل بعدما كانت ربة منزل».
وأقر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأربعاء، بارتفاع معدل المصريين تحت خط الفقر خلال العامين الماضيين، وعدّه «ارتفاعاً قليلاً عما كان عليه في آخر إحصائية، وبلغ نحو 30 في المائة، وذلك بسبب التغيرات الاقتصادية»، مؤكداً أن الحكومة تسعى إلى تخفيف معاناة المواطن عبر مسارَي «زيادة الرواتب وخفض الأسعار».
وتوقع مدبولي أن يشعر المواطن بعوائد الخيارات الاقتصادية «الصعبة»، ووعد بـ«نقلة نوعية» خلال عامين، وذلك خلال مؤتمر صحافي، مساء الأربعاء، استعرض خلاله خطط الحكومة لزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار.
#المؤتمر_الصحافي_لرئيس_مجلس_الوزراء #المركز_الإعلامي_لمجلس_الوزراء #رئاسة_مجلس_الوزراء |#مصر pic.twitter.com/ZOX4isjm0y
— رئاسة مجلس الوزراء المصري (@CabinetEgy) December 17, 2025
ووفق بحث «الدخل والإنفاق» الصادر عن جهاز «التعبئة والإحصاء» في سبتمبر (أيلول) 2020 عن عام 2019-2020، فإن «نسبة الفقر بلغت 29.7 في المائة مع وضع مبلغ 857 جنيهاً شهرياً و10279 جنيهاً سنوياً خطاً للفقر، في حين بلغ حد الفقر المدقع 550 جنيهاً شهرياً والسنوي 6604 جنيهات على أساس سعر الصرف حينها 16 جنيهاً لكل دولار» (الدولار يساوي 47.6 جنيه في البنوك المصرية حالياً).

وارتفع دخل الستيني أحمد محمد (بالمعاش) إلى 5 آلاف جنيه مع الزيادات المستمرة، بعدما كان يحصل على 1800 جنيه فقط عند تقاعده عام 2019. ورغم تضاعف دخله، وقلة أوجه إنفاقه؛ إذ يعيش مع زوجته في منزل ملكه، ويحصل على علاجه من «التأمين الصحي» بمبلغ زهيد، فإنه يشكو «صعوبة المعيشة مع ارتفاع الأسعار المستمر»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الـ5 آلاف لا تكفي لشراء ما كنا نشتريه قبل سنوات. اللحوم اقتصر تناولها على 3 أيام في الأسبوع بكميات أقل، والفاكهة أصبح من النادر شراؤها»، مشيراً إلى أن «مساعدة نجلهم (يعمل خارج البلاد) تجعلهم يستطيعون (تكملة الشهر)».
وتشهد مصر أزمة اقتصادية منذ سنوات، تنعكس في موجات من ارتفاع الأسعار، كان آخرها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عقب رفع سعر المحروقات بنسبة تصل إلى 25 في المائة.
وانعكس ارتفاع تكلفة المعيشة على كثير من الأسر التي هبطت في السلم الاجتماعي، فلجأت أسر لنقل أبنائها من مدارس دولية إلى خاصة، وآخرون نقلوا أبناءهم من مدارس خاصة إلى حكومية، واختار البعض أن يستغنوا عن سياراتهم واستخدموا وسائل مواصلات عامة، بخلاف الخيار الأبرز للغالبية بتقليص الرفاهيات.
يأتي ذلك في وقت يثار الجدل في مصر حول قيمة الحد الأدنى للأجور البالغ 7 آلاف جنيه (نحو 150 دولاراً)، باعتباره لا يكفي للوفاء بالاحتياجات الأساسية للأسر، وسط مطالب برفعه إلى 15 ألف جنيه. ويبلغ خط الفقر العالمي حالياً وفق البنك الدولي 3 دولارات يومياً؛ أي 90 دولاراً شهرياً للفرد، في حين يعد الدخل المعادل لـ150 دولاراً شهرياً في مصر مصدراً لإنفاق أسرة تتكون من 3 أو 4 أشخاص في المتوسط.

الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال، محمود جمال سعيد، اعتبر حديث رئيس الوزراء عن زيادة معدلات الفقر «خطوة مهمة وواقعية» تعكس إدراكاً رسمياً لحجم التحديات التي واجهها المواطنون خلال السنوات الأخيرة، وتفتح المجال أمام سياسات أكثر تركيزاً على تحسين مستوى المعيشة، وتمنح الخطاب الاقتصادي قدراً من المصداقية.
وسبق أن انتقد عديد من المراقبين عدم تحديث نسب الفقر في مصر، مع توقعات زيادتها بفعل جائحة «كورونا» والحرب الروسية - الأوكرانية وتأثيراتها على الاقتصاد، وتراجع الدعم. ووجّه عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، فريدي البياضي، سؤالاً عاجلاً للحكومة حول ذلك في أغسطس (آب) الماضي.
وأضاف سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن التغيرات الاقتصادية أثرت بشكل مباشر على حياة المصريين؛ إذ ارتفعت أسعار الغذاء والسكن والنقل بشكل ملحوظ، ما ضغط على ميزانيات الأسر وأضعف قدرتها الشرائية. وبلغت نسبة التضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 12.3 في المائة مقارنة بـ12.5 في المائة في أكتوبر الماضي.

أيضاً تأثرت العشرينية أمل محمد بارتفاعات الأسعار المستمرة، والتي تحرمها من استقلال وسائل مواصلات خاصة مثل «أوبر»، أو شراء وجبة في جامعتها من مصروفها اليومي البالغ 100 جنيه، رغم أن المبلغ نفسه كان يمكّنها من ذلك قبل أعوام. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها فكرت في العمل إلى جانب دراستها للغة الفرنسية، حتى تستطيع شراء ما تحتاجه دون أن تحمّل عبأه لأسرتها.
ويرى الباحث الاقتصادي المتخصص في أسواق المال أن تحقيق طفرة يشعر بها المواطنون خلال الأعوام المقبلة، أمر مرتبط بـ«مدى جدية السياسات المعلنة، مثل خطط إعادة هيكلة الدين وتوسيع الحماية الاجتماعية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن بعض القطاعات في مصر تشهد نمواً قوياً حالياً مثل «السياحة والاتصالات والوساطة المالية».
وغداة تصريحات مدبولي في المؤتمر الصحافي عن التحسن المرتقب في مستوى معيشة المواطنين، أكد الأمر نفسه في مقال عبر صفحة «الوزراء»، قائلاً إن «المعيار الحقيقي لنجاح السياسات الاقتصادية لن يكون في مجرد تراجع الأرقام، بل في قدرتها على الانعكاس على حياة المواطنين، من خلال اقتصاد أكثر قدرة على خلق فرص العمل، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز العدالة في توزيع أعباء التحول».








