في محاولة من الحكومة المصرية لتقليل تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي على الأوضاع المعيشية للمصريين، تعهد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بـ«تركيز حكومته على تحسين أوضاع المواطن ليشعر بثمار التنمية والإصلاح، بداية من العام المقبل».
تعهدات مدبولي، التي تحدث بها خلال مؤتمر صحافي، مساء الخميس، تزامنت مع إعلان وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية ارتفاع معدل النمو الفصلي في البلاد لأعلى مستوى منذ ثلاث سنوات ليصل إلى 5.3 في المائة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي (2025-2026).
غير أن تأكيد وزارة «التخطيط» على «التحسن المستمر» في مؤشرات الاقتصاد المصري، أثار تساؤلات حول أسباب عدم انعكاسه إيجابياً على انخفاض أسعار السلع في البلاد، لا سيما مع عودة معدلات التضخم للارتفاع الشهر الماضي، في معادلة يراها خبراء تعود إلى أن «معدلات النمو لا تعني تغيّراً في مستويات المعيشة؛ لكن تشير لتحسن في الاقتصاد الكلي وليس على مستوى الأفراد».
وتسبب قرار الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود الشهر الماضي في عودة معدل التضخم السنوي للارتفاع خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد سلسلة من التراجعات على مدى أربعة أشهر، ليسجل 12.5 في المائة، في مقابل 11.7 في المائة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وفقاً لبيانات أعلنها «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في مصر.
وارتفعت أسعار «الفول المعبأ، والأرز، والزيت، والسكر، والجبن الرومي، واللحوم، والمسلي الصناعي» خلال تعاملات الخميس، وفقاً لبيانات نشرها «مركز معلومات مجلس الوزراء» لأسعار عدد من السلع الأساسية على «بوابة أسعار السلع المحلية والعالمية».
واعتبر رئيس الوزراء المصري أن «المصريين سيبدأون في جني ثمار الإصلاح والتنمية بداية من العام المقبل»، وقال خلال مؤتمر صحافي، مساء الخميس، إن «حكومته ستركز على كيفية شعور المواطن بثمار الإصلاحات الاقتصادية على مستوى الأجور وثبات الأسعار وظروف المعيشة وقطاعات الصحة والتعليم».

وخلال المؤتمر الصحافي أشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، رانيا المشاط، إلى أن «الاقتصاد المصري يواصل تحقيق مؤشرات إيجابية تعكس أثر الإصلاحات الهيكلية».
وقالت إن «معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ارتفع خلال الربع الأول من العام المالي الحالي (2025-2026) ليصل إلى 5.3 في المائة، مقابل 3.5 في المائة خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي»، وعدّت هذه النسبة «الأعلى منذ ثلاث سنوات».
«ولا يعني التحسن في مؤشر النمو، تحسناً في المقابل بمستوى المعيشة»، وفق تقدير عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع»، وليد جاب الله، وقال إن «التغيّر في أسعار السلع والخدمات مرتبط بمعايير ومؤشرات أخرى، منها التحسن في مستوى الأجور، وانخفاض أسعار الفائدة، والسياسات المصرفية»، وأشار إلى أن «المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الكلي قد تصل نتائجها لشرائح مجتمعية معينة، وليس لجميع الفئات».
ويعتقد جاب الله أن «التحسن في مستوى المعيشة يجب أن يرتبط بمؤشر البطالة، والأجور في البلاد»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التحسن يمكن أن يشعر به المواطن، حينما تكون الزيادة في نسبة الأجور أعلى من نسبة التضخم»، مضيفاً: «حال تمكنت الحكومة من خفض التضخم إلى أقل من 10 في المائة في مقابل زيادة الأجور العام المالي المقبل لمستوى أعلى من هذه النسبة، وقتها سيشعر المصريون بثمار الإصلاح».
وسجل معدل البطالة في مصر تراجعاً ليصل إلى نسبة 6.1 في المائة من إجمالي قوة العمل، خلال الربع الثاني من العام الحالي، وفق إفادة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر، في أغسطس (آب) الماضي. ورفعت الحكومة المصرية الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه مصري (الدولار يساوي 47.5 جنيه) في يوليو (تموز) الماضي.

عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع» يرى أن «استقرار الأسعار بالفترة الحالية في حد ذاته تحسن بالنظر إلى التحديات الاقتصادية»، وأشار إلى أن «الجهاز المصرفي المصري أمام تحدٍّ مرتقب بنهاية العام الحالي مرتبط بموعد صرف شهادات الادخار المتميزة التي طرحتها البنوك المصرية في بداية عام 2024 بنسبة فائدة 27 في المائة»، عادّاً أن هذا الحدث «سيفتح الباب أمام تحولات اقتصادية مؤثرة في معدلات الادخار والإنفاق والاستثمار».
ويقدر حجم مدخرات البنوك المصرية من الشهادات والودائع ذات العائد المرتفع، بنحو تريليون جنيه مصري، ما يعني تأثر حركة السيولة النقدية داخل الأسواق بموعد صرف فوائد تلك الشهادات، وفقاً لجاب الله.
وأكد رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» بمصر (منظمة مدنية)، محمود العسقلاني، أن «الأسواق المصرية تشهد حالة من الركود على وقع تراجع السيولة»، وقال إن «التجار يلجأون لطرح السلع في الأسواق وفقاً للحد الأدنى للربح نتيجة لتراجع حركة البيع والشراء».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الانخفاض في أسعار السلع بمصر سيكون بطيئاً لارتباطها بمؤشرات أخرى مثل التضخم، وزيادة الاعتماد على المنتجات المحلية، وارتفاع نسب الصادرات»، وقال إن «التحسن الكلي في مؤشرات الاقتصاد المصري لا يعكس تغيّراً إيجابياً على مستوى اقتصاديات الفرد»، مشيراً إلى أن «هناك تعويلاً على السياسات الحكومية لخفض أسعار السلع مع بداية العام المقبل، وقبل تزايد الاستهلاك باقتراب موعد شهر رمضان».
وزادت الصادرات المصرية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي بنسبة 19 في المائة مقارنة بنفس الفترة العام السابق، في ظل انخفاض نسبة العجز التجاري بنسبة 16 في المائة خلال نفس الفترة، وفق بيانات أعلنها رئيس الوزراء المصري، الخميس، عادّاً أن هذه النسب «تؤكد أن بلاده تسير في المسار الصحيح اقتصادياً».




