استنفار مصري لمواجهة سيول البحر الأحمر وسيناء

«الري» تؤكد جاهزية منشآت الحماية لاستقبال الأمطار

آثار السيول في عدد من المحافظات المصرية (وزارة الموارد المائية)
آثار السيول في عدد من المحافظات المصرية (وزارة الموارد المائية)
TT

استنفار مصري لمواجهة سيول البحر الأحمر وسيناء

آثار السيول في عدد من المحافظات المصرية (وزارة الموارد المائية)
آثار السيول في عدد من المحافظات المصرية (وزارة الموارد المائية)

تتأهب السلطات المصرية لمواجهة أي سيول محتملة بعدما هطلت أمطار غزيرة على محافظتي البحر الأحمر وشمال سيناء هذا الأسبوع، حيث قررت وزارة «الري والموارد المائية» تفعيل أدوات الحماية بتوجيه المياه في المسار المخطط له بهدف حماية القرى المأهولة.

ووجه وزير الموارد المائية هاني سويلم «بمواصلة المتابعة من جانب أجهزة الوزارة، والتنسيق مع كل الجهات المعنية للتعامل مع أي أمطار أو سيول خلال الفترة المقبلة»، وفق بيان صادر الأربعاء عن الوزارة.

وتعرضت شبه جزيرة سيناء، خاصة المنطقة الساحلية ووسط سيناء، إلى عاصفة ممطرة متوسطة الشدة في الأيام الأخيرة، كما شهدت سلسلة جبال البحر الأحمر، وخاصةً المنطقة الجنوبية، عاصفة ممطرة ما بين متوسطة إلى شديدة أو رعدية في بعض الأحيان.

مسؤولون مصريون يتابعون سبل مواجهة آثار السيول (وزارة الموارد المائية)

ووفق تقرير تلقاه سويلم، ونشر في بيان الوزارة، فإن محافظة البحر الأحمر «تعرضت لأمطار متوسطة أدت إلى جريان سطحي بعدد من الأودية المتقاطعة مع طريق مرسى علم – برنيس، حيث تسببت في سيول شديدة بوادي المخيط؛ وعلى الفور قامت أعمال الحماية بتوجيه المياه في المسار المخطط لها بنجاح، ما أدى إلى حماية قرية (عرب صالح) من أخطار السيول».

وفي محافظة شمال سيناء، أشار التقرير إلى هطول أمطار خفيفة إلى متوسطة على وسط سيناء بمناطق الشيخ زويد والعريش ورفح والتمد، أدت إلى حدوث جريان سطحي بمنطقة التمد، بينما لم تصل السيول إلى منشآت الحماية الموجودة بالمنطقة وانتهت داخل الوادي.

وفي قنا بجنوب مصر، واصلت المحافظة رفع درجة الاستعداد القصوى بجميع مراكزها ومدنها لمواجهة التقلبات الجوية التي قد يصاحبها تكاثر للسحب على مناطق جنوب الصعيد، مع احتمالية سقوط أمطار متفاوتة الشدة قد تصل في بعض المناطق إلى حد السيول، وفق التقرير الذي تلقاه وزير الري.

مشكلة «التعديات والمضخات»

وقال أستاذ الموارد المائية «بمركز بحوث المياه» في مصر، أحمد فوزي دياب، إن مصر تمتلك شبكة مضخات قوية لديها القدرة على التعامل مع هطول السيول، مضيفاً أن المشكلة تتمثل «في وجود تعديات عديدة على تلك المضخات ما يحد من فاعليتها».

ولفت إلى أن الوضع الحالي بحاجة إلى حماية البنية الأساسية للمناطق التي قد تتعرض للسيول بما يسهل من مهمة التعامل مع شدة الأمطار.

وأضاف في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»: «الأزمة في مصر تتمثل في ضرورة توفير المزيد من الموارد المالية لتطوير المضخات وزيادة عددها بما يساعد على إقامة مزيد من السدود الصغيرة التي توجّه المياه الزائدة للاستفادة منها في الزراعة وغيرها من استخدامات المياه».

وأرجع اتخاذ وزارة الري إجراءات طوارئ قوية هذا العام لوجود تغيرات مناخية شديدة تنعكس على شدة السيول، إلى جانب البيانات والمعلومات المتداولة من جانب المنظمة الدولية للمناخ، التي وجهت تحذيرات قبل ما يقرب من شهر بشأن إمكانية تعرض بعض مناطق البلاد للسيول خلال هذه الفترة.

تجهيز مناطق الحماية من آثار السيول في مصر (وزارة الموارد المائية)

وكانت هيئة الأرصاد الجوية قد أعلنت، الثلاثاء، أن مصر ستشهد تدفقاً للسحب المنخفضة والمتوسطة على طول السواحل الشمالية وشمال الوجه البحري يصاحبها سقوط أمطار متفاوتة الشدة، مشيرة إلى أن فرص سقوط الأمطار ما زالت موجودة على مناطق من سلاسل جبال البحر الأحمر قد يصاحبها سقوط السيول على بعض المناطق، وعلى الطرق المؤدية من وإلى جنوب سلاسل جبال البحر الأحمر ومحافظات جنوب الصعيد.

حزمة إجراءات

وأعلنت وزارة الري المصرية، في وقت سابق هذا الشهر، تطبيق حزمة إجراءات لمواجهة السيول بينها «إجراء مراجعات دورية وشاملة لكل مخرات السيول، والقيام بأعمال تطهير المصارف، والتأكد من الجاهزية التامة لمحطات الرفع والمعدات للتعامل الفوري مع أي ارتفاع مفاجئ في مناسيب المياه».

وبحسب بيانات الوزارة فإنها أقامت 1648 منشأ للحماية من أخطار السيول بمختلف المحافظات المعرضة لها.

وتتصدر محافظات شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومطروح قائمة المحافظات المستفيدة من أعمال الحماية وحصاد مياه الأمطار، حيث تضمنت هذه الأعمال إقامة 1363 عملاً صناعياً بسعة تخزينية إجمالية تقدر بـ160 مليون متر مكعب.

وشملت هذه المنشآت 81 سداً، و67 بحيرة صناعية، و242 بحيرة جبلية، و659 خزاناً أرضياً، فضلاً عن 111 بئراً، وغيرها من المنشآت الهادفة للحماية وتغذية الخزانات الجوفية.


مقالات ذات صلة

«ميرسك» تُكمل أول رحلة لها في البحر الأحمر منذ عامين تقريباً

الاقتصاد سفينة الحاويات «ميرسك هانغتشو» تبحر في قناة وييلينغن بويسترسشيلد (رويترز)

«ميرسك» تُكمل أول رحلة لها في البحر الأحمر منذ عامين تقريباً

أعلنت شركة الشحن الدنماركية «ميرسك» يوم الجمعة أن إحدى سفنها نجحت في عبور البحر الأحمر ومضيق باب المندب لأول مرة منذ نحو عامين.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن )
تحليل إخباري صدرت بيانات منسوبة للحوثيين تهدد بضرب كابلات الإنترنت في البحر الأحمر (رويترز)

تحليل إخباري هل تضررت مصر بوصفها ممراً دولياً للإنترنت من هجمات الحوثيين؟

تسببت الأحداث التي شهدتها المنطقة خصوصاً بالبحر الأحمر خلال العامين الماضيين وحدوث انقطاعات في كابلات الإنترنت التي تمر عبر مصر، في أضرار دفعت للتفكير في بدائل

هشام المياني (القاهرة)
يوميات الشرق السجادة الحمراء في الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر - جدة 2025 (أ.ف.ب)

جوائز «البحر الأحمر السينمائي» ذهبت لمن استحق

جوائز مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» الخامسة وزعت على أفلام «أرض مفقودة» و«اللي باقي منك» و«هجرة»، مع تكريم أعمال عربية أخرى مميزة.

محمد رُضا (جدّة)
يوميات الشرق تكريم الأسطورة أنتوني هوبكنز (المهرجان)

«البحر الأحمر»... ليلة تتويج ترسّخ مكانته عالمياً

اختُتمت في جدة مساء الخميس الدورة الخامسة لمهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في ليلة تتويج عكست اتّساع تأثيره العالمي، وأبرزت الحضور المتنامي للسينما.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق المخرجة السعودية شهد أمين تتسلَّم جائزة فيلم «هجرة» (المهرجان)

«البحر الأحمر»... ليلة تتويج تؤكد مكانته جسراً عالمياً للسينما

تميَّزت الدورة الخامسة بارتفاع مستوى الاختيارات الفنّية، واتّساع رقعة المشاركة الدولية، وازدياد حضور السينما السعودية في قلب المشهد...

إيمان الخطاف (جدة)

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
TT

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

بينما تُسابق جهات التحقيق الزمن في تركيا لفك لغز الحادث، الذي أدى لسقوط الطائرة، التي كانت تقل الفريق محمد الحداد، رئيس أركان قوات غرب ليبيا ومرافقيه خلال رحلة العودة من أنقرة إلى طرابلس؛ أحيا هذا الحادث هاجس ونظريات «المؤامرة» في بلد يخنقه التشظي، وضاعف التساؤلات الحارقة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

فتح الجراح القديمة

نكأ الحادث - الذي ترك آثاره على جُلّ الليبيين - جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ الانفلات الأمني، الذي واكب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وذهب البعض إلى ربط بعضها برفض «وجود قوات أجنبية في ليبيا».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ومع توجه البعض لطرح سيناريوهات مُتخيّلة لإسقاط الطائرة، عبّر محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، عن «فزعه» من المسارعة إلى تحليل الحادث الأليم أخذاً بنظرية المؤامرة، وقال إن هذا التسرّع «لا تفسير له؛ حيث ذهب البعض - ومنهم غير ليبيين - إلى عدّ الحادث جريمة اغتيال مدبرة، في ظل توزيع اتهام بإسقاط الطائرة وفق نظرية (فتش عن المستفيد) بين أطراف دولية ومحلية عديدة».

ودعا بعيو إلى «انتظار نتائج التحقيقات الرسمية في الحادث، وما ستعلنه تركيا رسمياً، وتفريغ محتويات (الصندوق الأسود لتظهر الحقيقة التي لن يكون في مقدور أحد إخفاؤها أو التهرب منها».

ولكثرة ما شهدته ليبيا من فواجع، بدا للبعض أن ليبيا بيئة بات يغيب عنها اليقين، وتتحكم فيها «الصفقات السرية»، إذ يتحول أي حدث ضخم إلى «مؤامرة مدبرة»، تفرضها أطراف خارجية أو خصوم في الداخل، ما يجعل الحقيقة الفنية أو الواقعية آخر ما يلتفت إليه الجمهور.

أحد أعضاء الفريق الليبي المكلف بالمساعدة في التحقيق (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ويتداول ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لـ«الرتب العسكرية» للفريقين الحداد، والفيتوري غريبيل رئيس أركان القوات البرية، التي عثرت عليها جهات التحقيق في موقع سقوط طائرة «داسو فالكون 50» الخاصة، بعد انطلاقها من أنقرة إلى طرابلس، ما أسفر عن مقتل الحداد، وغريبيل، وثلاثة آخرين.

«أرض الغموض»

لم تتمكن جهات التحقيق في ليبيا من فك الغموض، أو التوصّل إلى الحقيقة بشأن جرائم قتل واغتيالات عديدة ارتكبت خلال الـ14 عاماً الماضية في عموم البلاد، الأمر الذي دفع أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، إلى وصف بلده بأنه «أرض الغموض».

وقال النجار في تصريح صحافي: «هناك العديد من القصص التي طواها الكتمان والنسيان لأناس قضوا لأنهم كانوا ليبيين أكثر من اللازم؛ بعدما آمنوا بأن هناك أملاً لهذه الأرض وشعبها أن يعيشا حرين مستقلين».

ويرى النجار أن «ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً لم يعد ممكناً اليوم في ظل انفتاح العالم؛ وقد تكون أشلاء الفريق الحداد ورفاقه بداية للكشف الذي يحتاج إليه هذا الشعب ليرى حجم مأساته، لعلّه يستيقظ من سباته، ويفهم أنه يفقد كل شيء ببطء وهدوء».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

وكلّف صلاح النمروش، رئيس أركان قوات غرب ليبيا، الفريق محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، رئيساً لأركان القوات البرية خلفاً للراحل غريبيل. وكان محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، قد كلف النمروش برئاسة الأركان مؤقتاً خلفاً للحداد.

وقال عبد الحكيم معتوق، الكاتب الصحافي الليبي: «لا أومن بنظرية المؤامرة»، لكنه تساءل في المقابل: «كيف لقيادة عسكرية أن تُحرق في سماء دول أجنبية؟ وما علاقة الحادث باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية في هجوم على ناقلة النفط قبالة السواحل الليبية؟»، مشيراً في هذا السياق إلى قرار البرلمان التركي تمديد وجود القوات التركية في قاعدة الوطية الجوية، وبقاء «المرتزقة» في قاعدة سيدي بلال البحرية. كما لفت إلى أن الحادث وقع في وقت «لاح فيه قبس للخروج من نفق مظلم بتفعيل المؤسسة العسكرية، من خلال المضي في تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستفتاء على الدستور، وإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية».

ويعتقد المعتوق أن حادث الطائرة المنكوبة «هو آخر نداء لليبيين يقول لهم إنكم تجاوزتم مرحلة الخطر، وإذا لم تنهضوا وتتكاتفوا وتلملموا جراحكم، وتنسوا أطماعكم وأحقادكم وتصفية حساباتكم، فسوف يكون حتماً المسمار الأخير في نعش الأمة الليبية».

فرق البحث عن حطام الطائرة المنكوبة (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

من جهته، تحدث عيسى عبد القيوم، الكاتب الصحافي الليبي، عن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي السابق، الذي رفض تدخل «الناتو» في ليبيا عام 2011، وقال متسائلاً: «هل يحق لنا وضع فرضية أن مقتل الفريق محمد الحداد ورفاقه جاء أيضاً ضمن سياق رفضه الصريح لوجود الأجنبي؛ أو أنه القضاء والقدر؟».


الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)
تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)
TT

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)
تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

بينما أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار»، صرّح مسؤول بارز في مجال ما يعرف بـ«الذاكرة»، بأن هذه الخطوة تشكّل رداً على تشريع فرنسي صدر قبل 20 سنة، كان يتضمن إشادة بالاحتلال وبالجزائريين، الذين تعاونوا معه خلال ثورة التحرير (1954 - 1962).

أمين عام التجمع الوطني في أثناء التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

وأظهر حزب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الموالي للسلطة، في بيان، الخميس، «ارتياحاً عميقاً لتصويت المجلس الشعبي الوطني بالإجماع على مشروع قانون تجريم الاستعمار»، مبرزاً أنه «خطوة تاريخية تعكس وفاء الشعب الجزائري لشهدائه وصون ذاكرته الوطنية».

ورأى الحزب أن القانون الجديد «ليس فعل عداء، بل انتصار للعدالة والشرعية الدولية، وتجسيد لإرادة شعبٍ لطالما طالب باعتراف صريح بالجرائم الاستعمارية وجبر الضرر»، مؤكداً أن «المستهدف ليس الشعب الفرنسي، بل الدولة الاستعمارية السابقة ومسؤولياتها التاريخية».

من جهته، ذكر حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي المعارض، في بيان، أن «قانون تجريم الاستعمار الفرنسي خطوة لحماية السيادة الوطنية والذاكرة الجماعية، وإنصاف لضحايا الاستعمار».

مشيراً إلى أنه «موقف مبدئي قائم على العدالة والإنصاف التاريخي». ودعا الحزب إلى «استكمال المسار عبر المتابعة القانونية والدبلوماسية، وتعزيز التوثيق الأكاديمي والإعلامي للذاكرة الوطنية، مع الالتزام بحماية السيادة وصون ثوابت الأمة».

من جانبه، أشاد حزب «جبهة المستقبل» من الغالبية الرئاسية، بأن القانون يشكّل «محطة فارقة تعكس أن الجزائر، دولةً ومؤسسات، لا تنسى تاريخها، ولا تساوم على كرامة شعبها»، مؤكداً دعمه «لكل مبادرة تشريعية تحمي التاريخ، وتعزز السيادة، وتقوّي المؤسسة البرلمانية في معركة الوعي المرتبط بالذاكرة».

تشريع فرنسي أثار سخط الجزائر

في سياق ردود الأفعال على القانون، صرَح محمد الحسن زغيدي، رئيس «لجنة الذاكرة المشتركة» مع فرنسا، عن الجانب الجزائري، بعد انتهاء تصويت النواب: «نقول لمن مجدوا الاستعمار في برلمانهم عام 2005، جاء اليوم أبناء نوفمبر (شهر اندلاع الثورة في عام 1954) ليقولوا لهم: أنتم على هامش التاريخ... نحن رمز المقاومة».

رئيس لجنة الذاكرة (وسط) بعد التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

وعاد زغيدي بتصريحاته إلى 23 فبراير (شباط) 2005، حين أصدر البرلمان الفرنسي قانوناً تضمن إشادة بـ«أفضال الفرنسيين المرحَّلين من الجزائر على الأمة الفرنسية»، بعد الاستقلال عام 1962، وبـ«الحركى»، وهم الجزائريون الذين تعاونوا مع الاستعمار، حيث تضمنت مادته الرابعة إشارةً إلى «الدور الإيجابي للوجود الفرنسي في شمال أفريقيا»، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في فرنسا والجزائر، وعُدَّ «تمجيداً للاستعمار، ومحاولة لفرض قراءة سياسية للتاريخ».

وتحت ضغط المعارضة الفرنسية واحتجاج الجزائر في أثناء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ألغى الرئيس جاك شيراك في 2006 هذه الفقرة المثيرة للجدل، لكنّ أثر القانون على العلاقات الجزائرية-الفرنسية، واستمرار الجدل حول ملفات الذاكرة التاريخية، بقي قائماً. وفي سياق هذا التشريع، تم إطلاق فكرة سن قانون جزائري يجرَم الاستعمار الفرنسي.

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم مع الرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

ويشغل زغيدي منصب مستشار غير رسمي للرئيس عبد المجيد تبون في قضايا التاريخ، بما يشمل ما يُعرف بـ«الذاكرة والاستعمار». كما يرأس الفريق الجزائري، المكوَّن من ستة أعضاء في اللجنة الثنائية الجزائرية-الفرنسية، التي يقود الفريق الفرنسي فيها المؤرخ الشهير بنجامان ستورا، وهو مستشار الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن ما تُعرف بـ«تسوية القضايا العالقة المتصلة بالذاكرة مع الجزائر».

ونقل الموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر»، الخميس، عن ستورا موقفه من القانون، حيث أكد معارضته ما سماه «إخضاع التاريخ للمسار القضائي»، عاداً المطالب الجزائرية المتعلقة بـ«الاعتراف بالإرث الاستعمار» مطالب «مشروعة».

المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا (من حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

كما أوضح المؤرخ، الذي وُلد في قسنطينة بشرق الجزائر، أنه «من الصعب في الوقت الراهن أن أبدي رأياً رغم أنني كنت دائماً متحفظاً إزاء الزج بالتاريخ في مسار قضائي، بما في ذلك القوانين الفرنسية المتعلقة بالذاكرة، لكنّ مطالب الاعتراف بالإرث الاستعماري مشروعة، كما كتبتُ في تقريري قبل خمس سنوات». في إشارة إلى تقرير رفعه إلى الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2020، قدم فيه تحليلاً وتوصيات حول «مصالحة الذاكرتين» المرتبطتين بالاستعمار وحرب الجزائر (1954 - 1962)، تضمّن نحو ثلاثين توصية لمعالجة الخلافات التاريخية بين البلدين.

غموض حول مصير «لجنة الذاكرة»

بخصوص تأثير اعتماد هذا القانون على «ملف الاشتغال على الذاكرة» بين البلدين، أظهر ستورا حذراً، بقوله: «بصراحة تامة، لا أعرف ما الذي سيحدث لاحقاً. لقد انتقلنا من العمل على مخلفات الاستعمار إلى تطبيق إجراءات تشريعية، وهذا ليس من اختصاصي». وفهم مراقبون كلام المؤرخ على أن التشريع الذي صدر الأربعاء، قد يقوض جهود «مصالحة الذاكرتين»، الذي خطا فيه الرئيس الفرنسي خطوات مهمة، حسب باحثين في التاريخ، فيما يخص إدانة الاستعمار، وذلك منذ زيارته الأولى إلى الجزائر عام 2017 مرشحاً لانتخابات الرئاسة.

وتم إطلاق «اللجنة المشتركة للذاكرة» إثر زيارة ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، وعهد إليها رئيسا البلدين بمعالجة ملفات الحقبة الاستعمارية الشائكة، وفي مقدمتها المجازر الشعبية، وحركة المقاومة ضد الاستعمار خلال القرن الـ19، وملف المفقودين خلال فترة حرب التحرير، بالإضافة إلى قضايا استرجاع أرشيف الثورة، ومعالجة آثار التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر التي أُجريت في الستينات.

الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك (صحافة فرنسية)

ويصف قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، الاحتلال بأنه «جريمة دولة»، ويطالب فرنسا بتقديم اعتذار رسمي. ويحمِّل القانون الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية عن المآسي التي سبّبها الاستعمار، ويعدّد الجرائم غير القابلة للتقادم، مثل الإعدام خارج نطاق القانون، والتعذيب، والاغتصاب، والتجارب النووية، ونهب ثروات الجزائر، مؤكّداً أن التعويض الشامل عن الأضرار المادية والمعنوية «حق ثابت للدولة والشعب الجزائري».

كما ينص على إلزام الجزائر بالسعي للاعتراف والاعتذار الرسمي من فرنسا، وتنظيف مواقع التجارب النووية، وتسليم خرائط التجارب والألغام المزروعة، بعد أن أجرت فرنسا أكثر من 15 تجربة نووية بين 1960 و1966 في الصحراء الجزائرية. كما يطالب أيضاً بإعادة الأموال والأرشيف المنهوب، ويقرّ عقوبات بالسجن والحرمان من الحقوق لكل من يروج للاستعمار، أو ينفي كونه جريمة، ويعد الجزائريين، الذين تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي، مرتكبين لـ«جريمة الخيانة العظمى».

Your Premium trial has ended


تركيا تكثف التحقيقات في أسباب تحطم طائرة رئيس أركان الجيش الليبي

فرق الإسعاف والإنقاذ التركية في موقع تحطم طائرة رئيس الأركان التركي عقب سقوطها مساء الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
فرق الإسعاف والإنقاذ التركية في موقع تحطم طائرة رئيس الأركان التركي عقب سقوطها مساء الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

تركيا تكثف التحقيقات في أسباب تحطم طائرة رئيس أركان الجيش الليبي

فرق الإسعاف والإنقاذ التركية في موقع تحطم طائرة رئيس الأركان التركي عقب سقوطها مساء الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
فرق الإسعاف والإنقاذ التركية في موقع تحطم طائرة رئيس الأركان التركي عقب سقوطها مساء الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)

تكثف النيابة العامة في أنقرة تحقيقاتها في حادث تحطم طائرة كانت تقل رئيس أركان الجيش الليبي، محمد الحداد، وأربعة من مرافقيه، لدى مغادرتهم إلى طرابلس، عقب مباحثات مع مسؤولين عسكريين أتراك.

وفرضت النيابة العامة، في إطار التحقيق الذي يُجرى بإشراف نائب المدعي العام في أنقرة، وبمشاركة أربعة من مدعي العموم إلى جانب وفد ليبي، طوقاً أمنياً حول موقع تحطم الطائرة، ووضعه تحت الحماية.

جندي تركي يقف بالقرب من إحدى الآليات التي تعمل بموقع تحطم طائرة رئيس الأركان الليبي (إ.ب.أ)

وطلبت النيابة تقارير من خبراء فنيين لتحديد ما إذا كانت الطائرة، وهي طائرة رجال أعمال من طراز «داسو فالكون 50» مستأجرة من إحدى الشركات في مالطا وتحطمت نتيجة عطل كهربائي، بحسب ما أفادت الرئاسة التركية، صالحة للطيران أم لا.

تحقيقات دقيقة

خلال التحقيقات، جرى فحص مسؤولية الطاقم الذي تولى أعمال الصيانة الأخيرة للطائرة، أو أي تقصير محتمل من جانبه، والتدقيق أيضاً في أنشطة الطيارين قبل الحادث، حيث يتم فحص كل التفاصيل بدقة، بدءاً من أنماط نومهم ونظامهم الغذائي، وصولاً إلى تعاطيهم الكحول أو المخدرات وحالتهم النفسية.

وفي الوقت ذاته، تجرى عمليات تشريح الجثث وفحوصات السموم لتحديد الأسباب الدقيقة لوفاة أفراد الطاقم، الذين لقوا حتفهم في الحادث، كما تجرى فحوصات للجثث الأخرى في رئاسة مجموعة الطب الشرعي في أنقرة.

وقالت مصادر النيابة العامة في أنقرة، الخميس، إنه تم التحفظ على تسجيلات كاميرات المراقبة في مطار أسنبوغا، وأدرجت جميع الاتصالات اللاسلكية بين برج المراقبة والطائرة ضمن ملف التحقيق.

الوفد الليبي المشارك في تحقيقات تحطم طائرة رئيس الأركان خلال تفقده لموقع الحادث (أ.ف.ب)

كما تم أخذ عينات من ناقلة الوقود ومن حطام الطائرة، تحسباً لاحتمال تلوث الوقود أو استخدام وقود عديم الجودة، وطلبت النيابة أيضاً تقارير الأحوال الجوية المحلية وقت وقوع الحادث.

وأضافت المصادر أنه سيتم توسيع نطاق المسؤولية في حال خلص التحقيق إلى أن الحادث ناجم عن خلل هيكلي أو تصميمي.

وسقطت الطائرة، مساء الثلاثاء، على بعد كيلومترين من قرية «كسيك كاواك»، بعد إقلاعها من مطار «أسنبوغا» في منطقة هايمانا خارج العاصمة أنقرة نحو العاصمة الليبية طرابلس. وتمكنت قوات الدرك وفرق البحث والإنقاذ التركية من التوصل إلى حطام الطائرة، والعثور على الصندوق الأسود وجهاز تسجيل الصوت.

وأكد وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، الأربعاء، أنه «سيجري تحليل مسجل الصوت، ومسجل بيانات الرحلة (الصندوقين الأسودين للطائرة)؛ لتحديد سبب تحطمها، في دولة محايدة، وستعلن النتائج بشفافية.

رئيس أركان الجيش التركي سبجوق بيرقدار أوغلو وقادة القوات المسلحة يستمعون إلى شرح حول الحادث في منطقة تحطم الطائرة (الجيش التركي - إكس)

من جهته، جدد وزير الداخلية التركي، على يرلي كايا، تأكيد أن الطائرة أبلغت بتعرضها لـ«عطل كهربائي» بعد نحو ربع ساعة من الإقلاع، قبل أن يُفقد الاتصال في منطقة هايمانا بعد عشرين دقيقة.

وقالت مصادر في وزارة الدفاع التركية، الخميس، إن المؤسسات الرسمية المختصة تجري تحقيقاً شاملاً ودقيقاً، بالتعاون مع السلطات الليبية لتحديد سبب تحطم الطائرة.

تفاصيل عن الحادث

ظهرت تفاصيل جديدة بشأن تحطم الطائرة الخاصة التي كانت تقلّ رئيس الأركان العامة الليبية، اللواء محمد علي الحداد، ووفده المرافق، الذين كانوا في أنقرة، بدعوة من رئيس الأركان العامة التركية، اللواء سلجوق بيرقدار أوغلو.

وظهرت معلومات عن آخر الاتصالات اللاسلكية بين قائد الطائرة المنكوبة، وبرج مراقبة مطار إسنبوغا في الدقيقتين الحاسمتين قبل تحطم الطائرة، تبين أنها بدأت إصدار إشارة عطل، بعد نحو 14 دقيقة من إقلاعها في الساعة 20:17، مساء الثلاثاء، (تغ+3)، وأن الطيار الذي أبلغ عن حالة الطوارئ للمرة الأولى الساعة 20:31، كافح بهدوء لمدة دقيقتين لإنقاذ الطائرة، التي اختفت من على شاشات الرادار الساعة 20:38.

إحدى فرق البحث والإنقاذ التركية في موقع تحطم الطائرة (إ.ب.أ)

وبحسب ما نشرت صحيفة «حرييت»، القريبة من الحكومة التركية، الخميس، تبين أنه نتيجةً لعطل كهربائي، انطفأت شاشات قمرة القيادة تماماً، فقام الطيار بالاتصال بوحدة مراقبة الاقتراب الجوي في مطار إسنبوغا لطلب المساعدة، وأوضح أنه لا يستطيع رؤية الشاشات، وسأل: «هل ترونني؟»، فأجابه برج المراقبة: «أراك، أنت على ارتفاع 32 ألف قدم، لقد أخليت مدارج مطار إسنبوغا، اهبط».

وفي هذا الوقت، كان قد تم إيقاف جميع الرحلات الجوية في مطار إسنبوغا تمهيداً للهبوط الاضطراري، وتم تحويل مسار الطائرات الأخرى، التي كانت تنتظر الهبوط إلى مطاري قيصري وكونيا في وسط تركيا. إلا أن الطائرة، التي كانت تحاول الاقتراب من إسنبوغا عبر هايمانا، فقدت ارتفاعها وتحطمت في أثناء هبوطها من ارتفاع 15 ألف قدم، بعد أن انحرفت مقدمتها إلى اليسار.

وتبين أن الطيار لم يستخدم عبارة «نحن نسقط» في اتصالاته اللاسلكية إلا في اللحظة الأخيرة، وأن الطائرة اختفت من على شاشات الرادار نتيجة عطل فني وفقدانها للارتفاع في غضون ثوانٍ.

وقال سكان قرية إيكيزديره، الواقعة بالقرب من موقع تحطم الطائرة، إنهم شعروا بهزة أرضية مدوية، وشاهدوا كرة نارية ضخمة تتصاعد في السماء.