أثار إبقاء «مجلس حقوق الإنسان» بمصر في «التصنيف أ» بعد توصية سابقة من «التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان» بخفض تصنيفه، تساؤلات حول المغزى من القرار، وماذا تعنى هذه التصنيفات، وانعكاساتها على وضعية المجلس المصري خلال الفترة المقبلة.
وأكد «التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان» التابع لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأربعاء، استمرار «المجلس القومي» في مصر ضمن الفئة (أ) في التصنيف الدولي، وهو أعلى تصنيف تمنحه المفوضية للمؤسسات الوطنية العاملة بمجال حقوق الإنسان.
وثمنت وزارة الخارجية المصرية، في بيان لها، الجمعة، «قرار الإبقاء في الفئة (أ)»، وقالت إنه خطوة «تعكس الثقة في استقلالية المجلس وفاعليته وجهوده الحثيثة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان بمفهومها الشامل».
وأشارت إلى أن القرار يؤكد «تقدير المجتمع الدولي للتطوير الذي حققته الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية خلال السنوات الأخيرة على الصعيد الوطني، الهادف إلى الارتقاء بالمنظومة الحقوقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون والمواطنة».
«يأتي هذا القرار بعد مراجعة أجراها (التحالف العالمي) خلال عام 2024، وكان حينها قد أبدى توصية مبدئية بخفض تصنيف المجلس إلى (المستوى ب) قبل أن يتراجع عنها، استناداً إلى التطورات الإيجابية التي شهدها الإطار التشريعي والعملي لحقوق الإنسان في مصر، وفقاً للأمين العام لمجلس حقوق الإنسان في مصر، هاني إبراهيم.
ويعد «المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري»، هيئة مستقلة أُنشئت عام 2003، «لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في مصر، وتشمل ولايته رفع الوعي العام، وتسلم الشكاوى والتحقيق فيها، وتقديم التوصيات إلى الحكومة، والتعاون مع الشركاء من المجتمع المدني والبرلمان والحكومة والشركاء الدوليين».
«للمجلس ولاية لإخطار السلطات العامة بانتهاكات حقوق الإنسان وتعزيز وتقديم مدخلات حول مشروعات القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، ويتكون من 27 عضواً (25 عضواً، إضافة إلى الرئيس ونائب الرئيس) الذين يتميزون بإسهاماتهم في حماية حقوق الإنسان»، بحسب ما أكدته عضو «مجلس حقوق الإنسان المصري»، نهى بكر لـ«الشرق الأوسط».

فيما فسر هاني إبراهيم، معاني ودلالات القرار الأخير، مشيراً إلى أنه «يجعل المجلس عنصراً فاعلاً في الإطار الوطني الخاص بحماية وتعزيز حالة حقوق الإنسان؛ عكس قرار الخفض الذي كان سيحد من قدرة المجلس، لأنه بذلك سيظل وسيلة ناجعة في قضايا حقوق الإنسان المحلية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الاحتفاظ (بالتصنيف أ) يمنح المجلس صلاحية تقديم التقارير الحقوقية المحلية الصادرة عن المؤسسات الوطنية إلى مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة، وافتقاد هذا التصنيف كان سيُفقد المجلس هذه الصلاحية، ومن ثمّ افتقاد الوجود الدولي والأممي».
«هناك بُعد خاص بالصورة الحقوقية للدولة المصرية، إذ إن احتفاظ المجلس بالتصنيف دلالة على أن مسار الإصلاح الحقوقي متعمق داخل بنية الدولة المصرية، كما أن (التصنيف أ) يبرهن على احترام مؤسسات الدولة لاستقلالية المجلس، وفي الوقت نفسه يؤكد مدى استجابة السلطتين التشريعية والتنفيذية لتوصياته»، بحسب إبراهيم.
وأشاد «التحالف العالمي» أخيراً بالجهود التي بذلها «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في تعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي الذي يحكم عمله، وخاصة مساعيه لتعديل قانونه بما يعزز من صلاحياته واستقلاله.
ووفق إبراهيم فإن القرار الأخير جاء بعد أن برزت جهود «مجلس حقوق الإنسان» في عدة ملفات حقوقية مهمة بينها، إصدار توصية بطلب العفو الرئاسي عن المعارض علاء عبد الفتاح، والتي استجاب لها الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر (أيلول) الماضي، والتقدم بعدد من الالتماسات لتحسين ظروف نزلاء في بعض مراكز الاحتجاز، وجرى الاستجابة لها أيضاً، وكذا تفعيل (منظومة الشكاوى) الخاصة بالمجلس، وتحقيق استجابة مضاعفة من جانب الدولة المصرية لما يتم توجيهه من وقائع.

وأكدت «الخارجية المصرية»، الجمعة، أنها «تعمل بالتنسيق مع جميع الجهات الوطنية المعنية على تنفيذ توجيهات الرئيس السيسي بالبدء في الإعداد لإطلاق (الاستراتيجية الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان) للسنوات الـ5 المقبلة، بما يعزز مسيرة الدولة المصرية نحو ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان الشاملة والتنمية المستدامة».
وسبق أن أطلق السيسي في سبتمبر 2021 «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، وقامت على (4) محاور رئيسية، وهي «الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الإنسان للمرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب، والتثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان».
نهى بكر قالت إن «المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تعد أحد أهم مظاهر التحول نحو الحوكمة الديمقراطية في العقود الأخيرة، وقد اعتمدت الأمم المتحدة عام 1993 (مبادئ باريس)، التي تُعد المرجعية الدولية الرئيسية لتحديد طبيعة هذه المؤسسات وشروط تصنيفها، من حيث الاستقلالية والتعددية وامتلاكها صلاحيات التحقيق والمتابعة».
وهناك ثلاث درجات يعتمد عليها «التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية»، وهي «التصنيف أ» الذي يُمنح «للمؤسسات التي تتوافق كلياً مع مبادئ باريس وتتمتع بالاستقلال والفاعلية الكاملة، و«التصنيف ب» للمؤسسات التي تتوافق جزئياً مع المبادئ، و«التصنيف ج» للمؤسسات التي لا تتوافق أو تفتقد الاستقلال اللازم، وفقاً لبكر.
وأوضحت أن الحفاظ على (تصنيف أ) يجعل «المجلس القومي» بمصر يحظى باعتراف عالمي بوصفه مؤسسة مستقلة وفعالة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في البلاد، ويعكس الثقة في استقلالية وفاعلية المجلس، وعمله المستمر في تعزيز الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ومعالجة الشكاوى، ومراقبة أماكن الاحتجاز، والتواصل مع المجتمع المدني.
وفازت مصر، الشهر الماضي بعضوية «مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»، وحصلت على 173 صوتاً خلال الانتخابات التي أُجريت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو ما عدّته وزارة الخارجية حينذاك «تجسيداً لما تحظى به مصر من مكانة مرموقة وتقدير متزايد على الساحة الدولية».




