شدد رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة على «ضرورة الذهاب إلى الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية»، في وقت رحب فيه المجلسان «الرئاسي» و«الأعلى للدولة» بحكمين صادرين عن المحكمة الدستورية العليا، واعتبرا أنهما «أعادا التوازن بين السلطات، وحدّا من نفوذ القضاء العسكري».
وقالت المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، إن اجتماعها مساء الأحد في العاصمة طرابلس مع الدبيبة، بحضور نائبتها للشؤون السياسية ستيفاني خوري، ناقش التطورات السياسية والاقتصادية. واستعرضت الاستعدادات الجارية لإطلاق الحوار المهيكل، الذي يعد أحد المكونات الأساسية لخريطة الطريق السياسية التي تيسرها البعثة الأممية، والهادفة إلى تهيئة بيئة مواتية لإجراء الانتخابات وصياغة رؤية مشتركة للبلاد ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع طويل المدى.
واعتبر الدبيبة أن الذهاب المباشر إلى الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية «هو الطريق الأمثل لاستعادة الشرعية وتجديد المؤسسات عبر الإرادة الشعبية»، لافتاً إلى أنه جدد خلال الاجتماع دعم حكومته لمسار الأمم المتحدة، واستعدادها للتعاون الكامل مع البعثة في كل ما من شأنه تسريع الوصول إلى الانتخابات وتوحيد الجهود الوطنية.
ونقل الدبيبة عن تيتيه إشادتها بالتعاون المستمر بين الحكومة والبعثة الأممية، مؤكدة حرص الأمم المتحدة على دعم المسار السياسي الليبي وصولاً إلى انتخابات حرة وشاملة في أقرب وقت ممكن.
وأوضح أن الاجتماع ناقش تطورات الأوضاع السياسية في البلاد وسبل دعم الجهود الأممية والمحلية الرامية إلى تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات بما يعزز الاستقرار وينهي حالة الانقسام المؤسسي.

في غضون ذلك، رحب المجلس الأعلى للدولة بالحكمين الصادرين عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة مساء الأحد، والتي قضت بـ«عدم دستورية تعديل بعض أحكام قانون العقوبات العسكرية والإجراءات العسكرية».
وأشاد المجلس بدور الدائرة في ممارسة رقابتها القضائية على دستورية القوانين بما يعزز سيادة القانون، ويحمي مبدأ المشروعية الدستورية، ويكرس مفهوم الأمن القانوني في الدولة الليبية.
واعتبر المجلس أن الحكم الأول «يعيد التوازن المؤسسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد أن أخلّ مجلس النواب بمبدأ الفصل بين السلطات حين نقل تبعية الجريدة الرسمية إليه، في تجاوز واضح لاختصاصات السلطة التنفيذية؛ ما ترتب عليه مخالفات جوهرية تمس مبدأ التوافق السياسي».
ووصف الحكم الثاني بأنه «انتصار للحقوق والحريات وصون للضمانات الدستورية للمدنيين، من خلال إبطال النصوص التي كانت تجيز محاكمتهم أمام القضاء العسكري بالمخالفة للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي والالتزامات الدولية».
وجدد المجلس «دعمه الكامل للمحكمة العليا ولدائرتها الدستورية في أداء مهامها السامية»، داعياً إلى «التمسك باستقلال القضاء وحياده باعتباره الضمانة العليا لحماية الدستور وترسيخ مبدأ الشرعية وسيادة القانون».
كما رحب محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، الاثنين، بالحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا القاضي بعدم دستورية القانون رقم «10» لسنة 2022 بشأن الجريدة الرسمية، مثمّناً «الدور الوطني والمسؤول للمحكمة في صون مبدأ المشروعية، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات».
وأكد المجلس أن الحكم يوضح «ما شاب القوانين المخالفة من عوار دستوري منذ صدورها؛ ما يستوجب إعادة إصدارها وفق الأطر الدستورية السليمة بعد توقيعها من رئيس الدولة ونشرها رسمياً في الجريدة الرسمية التابعة لوزارة العدل».
كما أعلن المجلس تشكيل لجنة قانونية متخصصة لمراجعة القوانين الصادرة عن مجلس النواب وتقييمها بما ينسجم مع الاتفاق السياسي ومتطلبات الشرعية الدستورية، ضماناً لوحدة المؤسسات واستقرار المسار القانوني للدولة الليبية.
يأتي هذا الترحيب في ظل جدل قانوني وسياسي محتدم بين الأطراف الليبية حول صلاحيات المحكمة العليا ودائرتها الدستورية؛ إذ يرى بعض الأطراف، وعلى رأسهم مجلس النواب، أن الدائرة الدستورية «قد تجاوزت اختصاصها بالنظر في بعض القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية»، معتبرين ذلك «تدخلاً في عمل البرلمان».
في المقابل، تؤكد أطراف أخرى أن المحكمة العليا «هي الجهة الوحيدة المخولة دستورياً بمراقبة دستورية التشريعات، وأن أي محاولة للحدّ من صلاحياتها تمثل مساساً بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء».
ويعكس هذا الخلاف، وفقاً لمراقبين، عمق الأزمة الدستورية في ليبيا، ويبرز الحاجة إلى توافق وطني شامل يحدد بوضوح العلاقة بين السلطات وآليات الرقابة المتبادلة في إطار سيادة القانون.
وتحمل هذه الأحكام أبعاداً مهمة بالنسبة للمشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني» المتمركز في شرق البلاد؛ إذ تعد خطوة تحدّ من صلاحيات القضاء العسكري، خاصة فيما يتعلق بمحاكمة المدنيين والفصل بين القضاءين المدني والعسكري، عبر التأكيد على أن المؤسسة العسكرية لا يجوز أن تمتد صلاحياتها القضائية إلى المدنيين أو تُستخدم كأداة نفوذ سياسي.

كما يحدّ القرار من سلطة حفتر في مناطق سيطرته، ويفتح الباب لمراجعة بعض الأحكام العسكرية السابقة بحق مدنيين، ويعيد الاعتبار لدور القضاء المدني باعتباره المرجعية الدستورية الوحيدة للفصل في النزاعات.




