هل تخطّت البعثة الأممية حدود تفويضها في إدارة «الحوار الليبي»؟

حكومة حماد اتهمتها بالإصرار على «تجاوز المواثيق الدولية»

من إحاطة تيتيه أمام مجلس الأمن أكتوبر الماضي (البعثة الأممية)
من إحاطة تيتيه أمام مجلس الأمن أكتوبر الماضي (البعثة الأممية)
TT

هل تخطّت البعثة الأممية حدود تفويضها في إدارة «الحوار الليبي»؟

من إحاطة تيتيه أمام مجلس الأمن أكتوبر الماضي (البعثة الأممية)
من إحاطة تيتيه أمام مجلس الأمن أكتوبر الماضي (البعثة الأممية)

وجدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نفسها مجدداً وسط عاصفة سياسية وقانونية، بعدما اتهمتها حكومة أسامة حمّاد، المكلّفة من مجلس النواب في الشرق، بـ«تجاوز القوانين الليبية والمواثيق الدولية المنظمة للعلاقات الدبلوماسية»، وتزامنت هذه الاتهامات مع بدء التحضيرات لـ«الحوار المهيكل»، الذي سبق وأعلنت عنه المبعوثة هانا تيتيه ضمن خريطة الطريق السياسية.

تساؤلات حول مدى التزام البعثة

هذه الاتهامات أعادت فتح نقاش قديم حول مدى التزام البعثة بالقواعد القانونية في تحركاتها داخل ليبيا، وما إذا كان الأمر يعكس - كما يرى مراقبون - أزمة ثقة متجذّرة بين سلطتين متنافستين، وبعثة أممية تحاول المناورة في مشهد بالغ التعقيد. ومن منطلق دبلوماسي وقانوني، فإن تدخل الأمم المتحدة في ليبيا يستند إلى قرارات مجلس الأمن، على رأسها القراران 1970 و1973 لعام 2011، الصادران تحت الفصل السابع، ثم القرار 2009 الذي أنشأ بعثة الدعم لتيسير الانتقال السياسي.

رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي أسامة حماد (حكومة الاستقرار)

لكن بالرغم من أن هذا التدخل الأممي يستند إلى شرعية قانونية واضحة، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيوإنغلند، الدكتور علي عبد اللطيف حميدة، فإنه يرى أيضاً أن البعثة «أصبحت في مأزق حقيقي لأنها باتت في الوقت نفسه جزءاً من الأزمة وجزءاً من الحل، بعد أربعة عشر عاماً من المحاولات دون تحقيق اختراق حقيقي».

ويعتقد حميدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الخلاف الحالي «ليس قانونياً فحسب، بل هو انعكاس لانعدام الثقة بين الحكومتين المتنافستين؛ فحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس تُتَّهم بالمماطلة للبقاء في السلطة، بينما تعتبر حكومة حمّاد أن هناك التفافاً على دورها، وسط غياب إرادة دولية ومحلية لمعالجة الملفات الجوهرية، مثل تفكيك الميليشيات وتوحيد المؤسسات».

ولا تعترف البعثة بشرعية حكومة حمّاد، المنبثقة عن مجلس النواب، فيما تردّ الأخيرة بسلسلة انتقادات، تتهم فيها البعثة بـ«تجاهل مؤسسات الشرق وانتهاك السيادة الوطنية»، وقد رفعت في الأشهر الأخيرة شكوى رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، تطالب فيها بطرد البعثة من البلاد.

مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه (البعثة)

غير أن تحرك بنغازي الأخير بدا أشبه بردّ فعل سريع على قطار «الحوار المهيكل»، الذي تسعى البعثة الأممية إلى إطلاقه برعاية دولية واسعة. فقد سارعت حكومة حمّاد إلى اتهام البعثة بـ«الإصرار على تجاوز القوانين الليبية»، من خلال توجيه الدعوات مباشرةً إلى الجامعات والمؤسسات العامة لاختيار ممثلين للحوار، من دون التنسيق مع وزارة الخارجية، واعتبرت ذلك «انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية وتدخّلاً في صلاحيات الدولة».

«تجاوز المؤسسات الليبية»

وفق هذه المعطيات، يعتقد الخبير في القانون الدولي محمد الزبيدي، أن «البعثة الأممية اعتادت تجاوز المؤسسات الليبية منذ عام 2011»، مستشهداً بمؤتمر الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة عام 2015، والذي وصفه بأنه «عُقد بطريقة ارتجالية وأنتج اتفاقاً زاد الانقسام».

وقال الزبيدي لـ«الشرق الأوسط» إن «مؤتمر جنيف شهد أيضاً شبهات شراء ذمم، بحسب اعتراف عضوة مشاركة فيه»، معتبراً أن «اختيار المشاركين في تلك المؤتمرات كان يتم وفق أجندات دولية لا تعبّر عن الإرادة الليبية».

وحذر الزبيدي من تكرر الأخطاء ذاتها في الحوار الجديد، متسائلاً: «هل تتضمّن خريطة المبعوثة الأممية هانا تيتيه سقفاً زمنياً واضحاً لرحيل حكومة الدبيبة، وتوحيد السلطة واحترام نتائج الانتخابات؟ إن لم تفعل، فسنشهد جولةً جديدةً لإطالة الأزمة لا لإنهائها».

في المقابل، تؤكد بعثة الأمم المتحدة أن الحوار المهيكل «ليس هيئة لصنع القرار، بل منصة تشاورية تهدف إلى إشراك فئات أوسع من الليبيين في صياغة رؤية وطنية موحدة». وجاء في بيانها الأخير أن العملية «جزءٌ من خريطة طريق، تستهدف تهيئة بيئة مناسبة للانتخابات، وتعزيز الحوكمة وتوحيد المؤسسات».

رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة (حكومة الوحدة)

من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي، خالد الشارف، أن بيان حكومة حمّاد «يعكس موقفاً مشروعاً دفاعاً عن السيادة الوطنية»، لكنه يرى أن «الفوضى المؤسسية والانقسام بين الحكومتين هو ما أتاح للأمم المتحدة مساحة أوسع للتحرك، دون الرجوع إلى السلطات المحلية». وخلص إلى أن «المسؤولية مشتركة؛ فبينما نرفض أي تجاوز أممي، يجب الاعتراف بأن الانقسام الداخلي أضعف الموقف الرسمي الليبي، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية».

تحاول البعثة الأممية من خلال «خريطة الطريق» إحياء المسار السياسي وصولاً إلى تحقيق الانتخابات (المفوضية)

وتحاول البعثة الأممية من خلال «خريطة الطريق»، التي أعلنتها تيتيه في أغسطس (آب) الماضي، إحياء المسار السياسي عبر تنظيم حوار بمشاركة 120 شخصية ليبية من مختلف المناطق، وصولاً إلى الانتخابات خلال 12 إلى 18 شهراً. لكن استمرار الانقسام بين الشرق والغرب، بعد أكثر من عقد على سقوط نظام معمر القذافي، يجعل الطريق إلى تسوية دائمة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.


مقالات ذات صلة

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

شمال افريقيا المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

نقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادثة وتقديم تقرير كامل حولها

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

نكأ حادث سقوط «طائرة الحداد» في تركيا جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

ينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا من حفل استقبال الحداد في أنقرة قبل ساعات من مقتله (وزارة الدفاع التركية)

مشاورات بين الدبيبة والمنفي لتعيين رئيس أركان جديد لجيش غرب ليبيا

بدأ رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» في غرب ليبيا عبد الحميد الدبيبة مشاورات مكثفة لتعيين رئيس جديد لهيئة أركان الجيش

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر الوفد الليبي خلال وصولهم إلى مكان تحطم الطائرة المنكوبة (أ.ف.ب)

تركيا تعلن أن الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة «سيُحلّل في دولة محايدة»

أعلنت تركيا أن الصندوق الأسود الخاص بالطائرة، التي تحطمت قرب أنقرة وقُتل جميع ركابها، بمن فيهم رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، سيُحلّل في دولة محايدة.

«الشرق الأوسط» (هايمانا (تركيا))

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
TT

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)

تسعى مصر إلى الحد من حوادث السيارات عبر زيادة الغرامات وتغليظ العقوبات على المخالفات المرورية، وذلك من خلال تعديلات على بعض مواد «قانون المرور» أقرتها الحكومة تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).

ووافق مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، على تعديلات لبعض أحكام «قانون المرور»، مؤكداً أنها تهدف «إلى تعزيز إجراءات الردع العام، والحد من حوادث الطرق والمواصلات العامة بوجه عام»، وذلك وفق بيان حكومي استعرض تفاصيل المواد التي جرى اقتراح تعديلها.

وبلغ عدد وفيات حوادث الطرق في مصر 5260 حالة خلال العام الماضي، مقابل 5861 حالة في عام 2023، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 10.3 في المائة. في حين ارتفع عدد المصابين إلى نحو 76362 مصاباً، مقارنة بـ71016 مصاباً خلال العام الذي سبقه، بنسبة زيادة بلغت 7.5 في المائة، وذلك وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في مايو (أيار) الماضي.

ومن بين أبرز التعديلات التي أقرتها الحكومة تشديد العقوبات الخاصة بتسيير المركبات دون ترخيص أو بعد انتهاء الترخيص؛ حيث نصّت «على الضبط الإداري للمركبة، واستحقاق الضريبة السنوية كاملة عن فترة المخالفة، إلى جانب ضريبة إضافية تعادل ثلث الضريبة الأصلية، وذلك بحد أقصى 5 سنوات».

كما تم رفع قيمة الغرامات المفروضة على مخالفة مسارات السير، أو تجاوز السرعات المقررة، لتتراوح بين 2000 و10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 47.5 جنيه في البنوك).

تطوير شبكة الطرق ليس كافياً للحد من حوادث السيارات في مصر (وزارة النقل المصرية)

ووصفت عضو لجنة «النقل والمواصلات» بمجلس النواب فريدة الشوباشي «التعديلات المقترحة بالإيجابية، في ظل الحاجة لترسيخ ثقافة الانضباط المروري التي تسمح بالحد من الحوادث».

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الغرامات المالية الضئيلة في بعض المخالفات المرورية شجّعت كثيرين على التمادي في المخالفات، لافتة إلى أن بعض المخالفات التي يجري تحصيلها عن الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل، على سبيل المثال، أقل بكثير من الأضرار التي تسببها على الطرق، بالإضافة إلى خطورة الأمر من ناحية السلامة.

وشملت التعديلات التي أقرتها الحكومة «تغليظ العقوبات المتعلقة بتلويث الطرق أو قيادة مركبات تصدر أصواتاً مزعجة أو أدخنة كثيفة أو تحمل حمولات غير مؤمنة، لتبدأ العقوبة بغرامة مالية، وتتضاعف في حال تكرار المخالفة، مع سحب رخصة القيادة لمدة عام عند تكرارها للمرة الثالثة خلال المدد المحددة قانوناً».

كما نصت مواد أخرى على «الحبس أو الغرامة، أو الجمع بينهما، في حالات محددة مثل القيادة دون الحصول على رخصة تسيير أو رخصة قيادة، أو التلاعب باللوحات المعدنية، أو تعمد تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على أحد أفراد المرور أثناء تأدية عمله، مع مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة»، وفق بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري الأربعاء.

وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الشرطة المتخصصة، مدحت قريطم، لـ«الشرق الأوسط»، أن التعديلات جاءت استجابة لدراسات أجرتها وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أنها ستُسهم حتماً، عند بدء تطبيقها، في الحد من الحوادث، لكنها لن تكون كافية ما لم تُستكمل بمنظومة متابعة شاملة لكل الجوانب المرتبطة بالمركبات، بما في ذلك رخص القيادة، ومدد عمل السيارات على الطرق، والفحص الدوري للتأكد من صلاحيتها للسير.

وتوقع قريطم أن يُجري البرلمان، خلال مناقشة القانون، تعديلات إضافية، في إطار التوجه نحو تغليظ العقوبات، عادّاً أن هذه التعديلات تُمثل «حلاً مؤقتاً» إلى حين إقرار قانون المرور الجديد، الذي جرى إعداده بالفعل، إلا أن إصداره تأخر لأسباب تتعلق بالبنية التكنولوجية الواجب توافرها التي شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية.

ونفّذت مصر خلال العقد الماضي «المشروع القومي للطرق» لتحسين جودتها، إلى جانب تدشين طرق جديدة. ووفق بيان سابق لوزارة النقل، فإن المشروع أدّى إلى وجود مصر في المركز الـ18 عالمياً العام الماضي بمؤشر جودة الطرق الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، بعدما كانت تحتل المركز الـ118 عام 2015.


تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

نقلت السلطات التركية إلى سلطات غرب ليبيا، الخميس، تأكيدها أنها ستقدم «تقريراً كاملاً» حول لغز الطائرة المنكوبة التي كانت تقلّ رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ورئيس أركان القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، وثلاثة من مرافقيهم، والتي سقطت بعد إقلاعها بقليل من تركيا، وتناثر حطامها في الأنحاء.

واستقبل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، في مكتبه بالعاصمة طرابلس، الخميس، السفير التركي لدى ليبيا، غوفين بيجيتش، ووفداً مرافقاً له؛ وذلك لتقديم تعازي القيادة التركية إلى المنفي والشعب الليبي في الحادث الأليم الذي أودى بالفريق أول محمد الحداد ومرافقيهم.

ونقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادث، وتقديم تقرير كامل حولها بعد اكتمال التحقيقات الجارية».

الوفد التركي خلال زيارته للمنفي (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ«الشرق الأوسط» إن جهات التحقيق الليبية والتركية تعمل معاً لكشف ملابسات سقوط الطائرة، وما يكتنف ذلك من غموض، لكنه أشار إلى أن «تأخر صدور نتائج عينات الحمض النووي ومطابقتها مع ذوي الضحايا تسبب في تأجيل تأبين الضحايا، الذي كان مقرراً ظهر الخميس في أنقرة»، لافتاً إلى أن أسرة الحداد غادرت تركيا، بعد انتهاء إجراءات عينات الحمض النووي، وهو ما أكدته وسائل إعلام محلية.

وأسفر الحادث أيضاً عن وفاة مدير جهاز التصنيع العسكري، العميد محمود القطيوي، إضافة إلى مستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور بمكتب إعلام رئيس الأركان العامة محمد عمر أحمد محجوب.

وانضم وفد ليبي، الخميس، إلى جهات التحقيق العاملة في تركيا لفك لغز سقوط الطائرة، وقالت حكومة «الوحدة» إن وزير المواصلات دفع بوفد للمشاركة ومتابعة مستجدات التحقيق في الحادثة، وجمع البيانات والمعلومات الدقيقة، المتعلقة بخلفيات وملابسات الحادث. ونص القرار على أن يقدم الوفد تقريراً مفصلاً عن نتائج المهمة «بشكل عاجل فور العودة من انتهاء المهمة».

وقالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن اللجنة الليبية المشكّلة، والتي وصلت تركيا بعد الحادث بساعات، تباشر مهامها في التحقيق بالتعاون الكامل مع السلطات المختصة في جمهورية تركيا، وتبادل جميع المعلومات ذات الصلة بالحادث، مشيرة إلى أن فريق اللجنة يواصل العمل على استكمال الإجراءات اللازمة لنقل جثامين الشهداء إلى أرض الوطن، واتخاذ التدابير الفنية لأخذ عينات الحمض النووي (DNA) من الجثامين، ومقارنتها بعينات ذوي الشهداء وفق المعايير المعتمدة. ولفتت إلى أن مهام اللجنة تشمل كذلك مواصلة أعمال البحث والتحري عن حطام الطائرة، وذلك في إطار استكمال مجريات التحقيق والكشف عن ملابسات الحادث.

بدوره، قدم مجلس النواب التعزية في وفاة الحداد والفيتوري غريبيل ومرافقيهما، الذين توفوا في حادثة تحطم الطائرة.


سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
TT

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

بينما تُسابق جهات التحقيق الزمن في تركيا لفك لغز الحادث، الذي أدى لسقوط الطائرة، التي كانت تقل الفريق محمد الحداد، رئيس أركان قوات غرب ليبيا ومرافقيه خلال رحلة العودة من أنقرة إلى طرابلس؛ أحيا هذا الحادث هاجس ونظريات «المؤامرة» في بلد يخنقه التشظي، وضاعف التساؤلات الحارقة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

فتح الجراح القديمة

نكأ الحادث - الذي ترك آثاره على جُلّ الليبيين - جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ الانفلات الأمني، الذي واكب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وذهب البعض إلى ربط بعضها برفض «وجود قوات أجنبية في ليبيا».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ومع توجه البعض لطرح سيناريوهات مُتخيّلة لإسقاط الطائرة، عبّر محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، عن «فزعه» من المسارعة إلى تحليل الحادث الأليم أخذاً بنظرية المؤامرة، وقال إن هذا التسرّع «لا تفسير له؛ حيث ذهب البعض - ومنهم غير ليبيين - إلى عدّ الحادث جريمة اغتيال مدبرة، في ظل توزيع اتهام بإسقاط الطائرة وفق نظرية (فتش عن المستفيد) بين أطراف دولية ومحلية عديدة».

ودعا بعيو إلى «انتظار نتائج التحقيقات الرسمية في الحادث، وما ستعلنه تركيا رسمياً، وتفريغ محتويات (الصندوق الأسود لتظهر الحقيقة التي لن يكون في مقدور أحد إخفاؤها أو التهرب منها».

ولكثرة ما شهدته ليبيا من فواجع، بدا للبعض أن ليبيا بيئة بات يغيب عنها اليقين، وتتحكم فيها «الصفقات السرية»، إذ يتحول أي حدث ضخم إلى «مؤامرة مدبرة»، تفرضها أطراف خارجية أو خصوم في الداخل، ما يجعل الحقيقة الفنية أو الواقعية آخر ما يلتفت إليه الجمهور.

أحد أعضاء الفريق الليبي المكلف بالمساعدة في التحقيق (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ويتداول ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لـ«الرتب العسكرية» للفريقين الحداد، والفيتوري غريبيل رئيس أركان القوات البرية، التي عثرت عليها جهات التحقيق في موقع سقوط طائرة «داسو فالكون 50» الخاصة، بعد انطلاقها من أنقرة إلى طرابلس، ما أسفر عن مقتل الحداد، وغريبيل، وثلاثة آخرين.

«أرض الغموض»

لم تتمكن جهات التحقيق في ليبيا من فك الغموض، أو التوصّل إلى الحقيقة بشأن جرائم قتل واغتيالات عديدة ارتكبت خلال الـ14 عاماً الماضية في عموم البلاد، الأمر الذي دفع أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، إلى وصف بلده بأنه «أرض الغموض».

وقال النجار في تصريح صحافي: «هناك العديد من القصص التي طواها الكتمان والنسيان لأناس قضوا لأنهم كانوا ليبيين أكثر من اللازم؛ بعدما آمنوا بأن هناك أملاً لهذه الأرض وشعبها أن يعيشا حرين مستقلين».

ويرى النجار أن «ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً لم يعد ممكناً اليوم في ظل انفتاح العالم؛ وقد تكون أشلاء الفريق الحداد ورفاقه بداية للكشف الذي يحتاج إليه هذا الشعب ليرى حجم مأساته، لعلّه يستيقظ من سباته، ويفهم أنه يفقد كل شيء ببطء وهدوء».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

وكلّف صلاح النمروش، رئيس أركان قوات غرب ليبيا، الفريق محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، رئيساً لأركان القوات البرية خلفاً للراحل غريبيل. وكان محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، قد كلف النمروش برئاسة الأركان مؤقتاً خلفاً للحداد.

وقال عبد الحكيم معتوق، الكاتب الصحافي الليبي: «لا أومن بنظرية المؤامرة»، لكنه تساءل في المقابل: «كيف لقيادة عسكرية أن تُحرق في سماء دول أجنبية؟ وما علاقة الحادث باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية في هجوم على ناقلة النفط قبالة السواحل الليبية؟»، مشيراً في هذا السياق إلى قرار البرلمان التركي تمديد وجود القوات التركية في قاعدة الوطية الجوية، وبقاء «المرتزقة» في قاعدة سيدي بلال البحرية. كما لفت إلى أن الحادث وقع في وقت «لاح فيه قبس للخروج من نفق مظلم بتفعيل المؤسسة العسكرية، من خلال المضي في تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستفتاء على الدستور، وإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية».

ويعتقد المعتوق أن حادث الطائرة المنكوبة «هو آخر نداء لليبيين يقول لهم إنكم تجاوزتم مرحلة الخطر، وإذا لم تنهضوا وتتكاتفوا وتلملموا جراحكم، وتنسوا أطماعكم وأحقادكم وتصفية حساباتكم، فسوف يكون حتماً المسمار الأخير في نعش الأمة الليبية».

فرق البحث عن حطام الطائرة المنكوبة (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

من جهته، تحدث عيسى عبد القيوم، الكاتب الصحافي الليبي، عن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي السابق، الذي رفض تدخل «الناتو» في ليبيا عام 2011، وقال متسائلاً: «هل يحق لنا وضع فرضية أن مقتل الفريق محمد الحداد ورفاقه جاء أيضاً ضمن سياق رفضه الصريح لوجود الأجنبي؛ أو أنه القضاء والقدر؟».