يثير تعامل الاتحاد الأوروبي مع ملف الهجرة غير النظامية في ليبيا رفضاً سياسياً وحقوقياً متنامياً، وسط اتهامات ليبية للاتحاد بمحاولة تحويل البلاد إلى «درع بشري» لحماية حدوده الجنوبية من تدفقات المهاجرين.
وعكست انتقادات حادة من جانب حقوقيين ومسؤولين ليبيين حالة الرفض الشديد لقرار البرلمان الإيطالي تمديد مذكرة التفاهم، الموقعة عام 2017 مع خفر السواحل الليبي، في عهد رئيس الوزراء السابق فائز السراج، وهي التي تمنع القوارب من عبور المتوسط وتعيد المهاجرين إلى ليبيا.
احترام سيادة ليبيا
تعتقد رئيسة مفوضية المجتمع المدني في طرابلس، انتصار القليب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تمديد المذكرة الليبية-الإيطالية «يثير تساؤلات حول احترام سيادة الدولة الليبية، ومبدأ الشراكة المتكافئة بين الدول».
وحسب انتصار القليب فإن «الاستمرار في تطبيق اتفاق أُبرم عام 2017 في ظروف استثنائية، دون مراجعة أو تحديث، يجعله خارج الإطار الوطني والقانوني»، حاثة سلطات بلادها على «ضرورة إلغائه أو إعادة التفاوض حوله». كما ناشدت انتصار القليب رئيس مجلس النواب الليبي «إصدار قرار بفتح تحقيق وطني شفاف لمراجعة ظروف توقيع، وتمديد الاتفاقية وتحديد المسؤوليات».

يشار إلى أن تمديد البرلمان الإيطالي هذه المذكرة جاء رغم اعتراض حقوقي مسبق من جانب منظمة «هيومن رايتس ووتش»، علماً بأن هدفها المعلن هو التعاون في مكافحة الهجرة غير النظامية، مع دعم فني وتمويلي إيطالي لتأمين الحدود وتجهيز مراكز الإيواء.
لكن الناشط الحقوقي، أسامة الشحومي، ذهب إلى القول إن «ليبيا فُرض عليها دور الحارس دون مقابل حقيقي»، حسب تعبيره، مبرزاً أن روما «ترفض تزويد ليبيا بالوسائل التقنية لتأمين حدودها الجنوبية».
ولم يكن اجتماع فني عُقد بين مسؤولين أوروبيين ونظرائهم من طرابلس وبنغازي في بروكسل، كافياً لتهدئة مخاوف ناشطين وحقوقيين بشأن السياسات الأوروبية تجاه ملف الهجرة غير النظامية. وفيما لم يصدر أي تعليق من الجانب الليبي على هذا اللقاء، فإن سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، اكتفى بإبراز محاوره، مثل «عودة المهاجرين، والتحقيق في شبكات التهريب وتعزيز معايير البحث والإنقاذ»، دون مزيد من التفاصيل.
وحسب الباحث الحقوقي، طارق لملموم، فإن الأوروبيين «يستغلون وجود ممثلين عن حكومتَي طرابلس وبنغازي بوصفه إنجازاً سياسياً، بينما هو تكريس لنهج لا إنساني تجاه المهاجرين».
وتعيش ليبيا على وقع انقسام سياسي مزمن بين حكومتين، إحداهما في غرب البلاد، وتتخذ من طرابلس مقراً لها برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في بنغازي مكلفة من البرلمان، وتدير شرق البلاد وأجزاء من الجنوب برئاسة أسامة حماد.

ووفق رؤية لملموم، يبدو أن الاجتماعات تهدف إلى «إضفاء شرعية على استمرار التنسيق الأمني بين الطرفين لمنع عبور المهاجرين، وتوسيع مراكز الاحتجاز، وتحويل الملف إلى مصدر دخل لمجموعات مسلحة»، حسب تعبيره.
أما انتصار القليب، فقد انتقدت «التعامل الأوروبي مع الملف الليبي من منطلق أمني بحت، وتحويل ليبيا إلى منطقة عازلة لوقف تدفق المتسللين»، حسب قولها، عادةً أنه «لا يخدم الاستقرار الإقليمي، بل يعمّق الانقسام الداخلي، ويُضعف فرص بناء دولة موحدة، قادرة على إدارة حدودها بفعالية».
رفض سياسات أوروبا بخصوص الهجرة
أظهرت أحدث بيانات رسمية صادرة عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن أكثر من 24 ألفاً و400 مهاجر أُعيدوا إلى ليبيا منذ مطلع عام 2025، فيما لقي 461 شخصاً حتفهم، وفُقد 424 آخرون في البحر المتوسط حتى 11 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
الرفض للسياسات الأوروبية أيضاً أظهرته ردود الفعل الليبية حيال تقارير غربية متكررة، اتهمت خفر السواحل الليبي بارتكاب انتهاكات ضد المهاجرين، كان آخرها مزاعم استهداف زورق يقل مهاجرين قبالة سواحل الزاوية.
وهنا جاء رد ضابط في البحرية الليبية ليؤكد أن «اتهامات المنظمات الأوروبية لخفر السواحل الليبي لا أساس لها، وتستند إلى دوافع سياسية»، مؤكداً أن «الحوادث فردية ولا تمثل الدولة»، وأن ليبيا «ضحية نظام إقليمي مختل وأوروبا تكتفي بالنقد»، وفق تصريحات لـ«وكالة الأنباء الإيطالية».
أما في الشرق الليبي، فقد بدا الاستياء الرسمي واضحاً من «غياب الدعم الفعلي من الاتحاد الأوروبي» في ملف الهجرة غير النظامية، وفق تصريحات رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في بنغازي، اللواء صلاح الخفيفي، الذي قال إن ليبيا تتحمل «75 في المائة من عمليات الترحيل».
ويعود التعاون بين ليبيا والاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة إلى عام 2013 مع بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في ليبيا «يوبام»، وتوسع عام 2015 مع عملية «صوفيا» البحرية، وقبل عامين من توقيع مذكرة التفاهم الإيطالية-الليبية. إلا أن هذه السياسات تعرضت لانتقادات حقوقية متزايدة، عدّت أن ليبيا أصبحت «سوراً أمنياً» يحمي أوروبا، بينما تظل الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز بلا معالجة.
ومع الرفض الليبي الملحوظ لتمديد البرلمان الإيطالي للاتفاق مع حكومة السراج، ذهبت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا» إلى التحذير من مغبة استمرار تجاهل سلطات البلاد لمطالب تحسين أوضاع المهاجرين.

من جهته، لم يستبعد رئيس المنظمة الحقوقية الليبية، أحمد حمزة، «تدويل الملف الليبي» عبر إنشاء «مراكز حماية دولية، في ظل انقسام داخلي وعجز حكومي عن حماية المهاجرين من الانتهاكات المتكررة»، حسب اعتقاده.
ومنذ نهاية حكم الرئيس السابق معمر القذافي في 2011، تعيش ليبيا على وقع فراغ أمني وسياسي سمح بتفشّي الميليشيات، وانتشار طرق التهريب البشري، وتحوّلت منذ ذلك الحين إلى محطة عبور رئيسية للمهاجرين غير النظاميين.



