هل يتحوّل السودان «جمهورية ميليشيات»؟

أكثر من 100 حركة مسلحة بولاءات متباينة وأجندات خطرة

TT

هل يتحوّل السودان «جمهورية ميليشيات»؟

البرهان وحميدتي خلال تعاونهما لإطاحة نظام البشير وقبل أن يتقاتلا في الحرب الحالية (أرشيفية - أ.ف.ب)
البرهان وحميدتي خلال تعاونهما لإطاحة نظام البشير وقبل أن يتقاتلا في الحرب الحالية (أرشيفية - أ.ف.ب)

منذ نال السودان استقلاله مطلع عام 1956، لم تهدأ الحروب الأهلية فيه. فما أن تهدأ معارك في منطقة حتى تشتعل في أخرى. ومن رحم عقود الصراعات، نشأت ميليشيات وتوسَّعت خريطة السلاح على نحو غير مسبوق، حتى قدّر البعض عدد الميليشيات بأكثر من 110، تتباهى بأسلحتها المتنوعة وتحاول فرض نفوذها.

ويتوزَّع ولاء هذه الميليشيات، خلال الحرب الحالية التي اندلعت في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بين مساندة الجيش أو «قوات الدعم السريع»، بل يستغل بعضها الأوضاع التي ترتبت على الحرب لتحقيق غايات لزعمائه أو لمناطقه.

والأخطر في هذا الأمر، أن هذه الميليشيات تتوزَّع بين تكتلات جغرافية وآيديولوجية وقبلية، تسعى لبناء واقع عسكري قد يستمر لسنوات طويلة ويؤسِّس لحروب جديدة قد تندلع في المستقبل، بعد انتهاء الحرب الحالية.

مستنقع الميليشيات

يقول الكاتب أمير بابكر في كتابه «سلام السودان... مستنقع الميليشيات والجيوش شبه النظامية»، إن 92 حركة مسلحة كانت موجودة عند اندلاع القتال بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، موضحاً أن 87 منها تنشط في إقليم دارفور، والرئيسية منها لديها أيضاً وجود في بعض الأقاليم الأخرى.

كما أن هناك حركات مسلحة تنشط في وسط السودان، وفي إقليم كردفان، والنيل الأزرق، إضافة إلى تلك التي ظهرت في شرق السودان بعد بضعة أشهر من اندلاع الحرب الحالية.

ويرى الكاتب أنه في ظل هذا الانفجار الكبير لعدد الميليشيات، فمن المتوقع أن يطيل هذا في أمد الحرب الحالية، عبر ازدياد تعقيدات النزاعات.

من جانبه، قدَّر الناشط السياسي، مهادن الزعيم، في تدوينة على «فيسبوك» وجود نحو 90 ميليشيا، مقسّمة بين طرفَي القتال الحالي، وفقاً لتكتلات جغرافية أو آيديولوجية، في حين يحاول بعضها إيجاد موطئ قدم بصنع تكتلات تمهِّد طريقه ليصبح الميليشيا الأولى في البلاد.

أنواع الميليشيات

تنقسم الميليشيات السودانية إلى تكتلات وولاءات، فبعضها متحالف مع الجيش، بينما يتحالف البعض الآخر مع «قوات الدعم السريع». لكن تبقى فئة ثالثة، أقل عدداً، وهي الميليشيات التي خاضت حربها الخاصة ضد الجيش لأسباب جهوية ومطلبية منذ عهد النظام السابق، لكنها لا تشارك في الحرب الحالية، وتزعم الحياد.

كما تنقسم الميليشيات إلى آيديولوجية، وجهوية، وعرقية، فضلاً عن جماعات مسلحة كانت في الماضي جزءاً من الجريمة المنظمة المسلحة، ثم استغلت الحرب لتوسيع نفوذها والاقتراب من طرفَي الحرب لممارسة مزيد من الانتهاكات والجرائم، مثل النهب والسلب، والقتل على الهوية، والاغتصاب.

وهناك حركات مسلحة ظلت تحارب ضد الجيش لعقود، لكن بعد اندلاع الحرب الحالية أصبحت حليفةً له.

التوزيع الجغرافي

تعدّ الحركات المسلحة في إقليم دارفور بغرب السودان هي أكبر الميليشيات، واختار الجزء الرئيسي منها التحالف مع الجيش، تحت ما أصبحت تُعرف بـ«القوة المشتركة». وأبرز هذه المجموعة «حركة تحرير السودان» بقيادة المتمرد السابق مني أركو مناوي، وهو الآن حاكم إقليم دارفور.

وأيضاً حركة «العدل والمساواة» بقيادة الإسلامي جبريل إبراهيم الذي أصبح الآن وزيراً للمالية، ثم حركة «تحرير السودان - المجلس الانتقالي» بقيادة صلاح رصاص، وحركة «جيش تحرير السودان» بقيادة بشير هارون، وحركة «تجمع قوى تحرير السودان» بقيادة عبد الله يحيى، وحركة «تحرير السودان» بقيادة مصطفى طمبور.

وترجع نشأة الحركات المسلحة الدارفورية إلى ما عُرفت بـ«حرب دارفور» التي اشتعلت في عام 2003 إبان حكم الإسلاميين في السودان بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، بين الجيش وحركة «تحرير السودان»، تحت ذرائع مطلبية وجهوية تشتكي من «التهميش» الاجتماعي والاقتصادي. لكن هذه الحركات انقسمت لاحقاً على نفسها، وتشظَّت إلى حركات عدة.

وفي أواخر التسعينات، ومع انشقاق «الحركة الإسلامية» التي كانت حاكمة، نشأت حركة «العدل والمساواة» بقيادة الإسلامي المنشق خليل إبراهيم، وخلفه بعد مقتله شقيقه جبريل، ثم تعرَّضت الحركة لاحقاً لانشقاقات عدة.

كما جاء أول انشقاق في حركة «تحرير السودان» قاده الأمين العام للحركة وقتها، مني أركو مناوي، المتحدر من قبيلة الزغاوة ضد رئيس الحركة، عبد الواحد محمد النور، المتحدر من قبيلة الفور، واحتفظ الرجلان بالاسم القديم، كل في حركته، لتصبح هناك حركتان باسم «تحرير السودان».

وبعد نشوب الحرب الحالية، أعلنت الحركتان اللتان يقودهما مناوي وإبراهيم، انحيازهما للجيش تحت اسم «القوة المشتركة»، ضد «قوات الدعم السريع» التي كان قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي» ضلعاً أساسياً للنظام السابق في حرب دارفور، بينما احتفظت المجموعة التي يقودها عبد الواحد نور بموقف محايد في الحرب، متمسكة بمناطق سيطرتها في جبل مَرة، وتعلن صراحة وقوفها ضد الحكومة.

رسم بياني يظهر خرائط النفوذ على الأرض في السودان (الشرق الأوسط)

انشقاقات داخل الميليشيات

هناك انشقاقات صغيرة عن الحركتين أصبحت ميليشيات مستقلة، مثل حركة «القوة الشعبية للدفاع عن النفس» اختصاراً «قشن» بقيادة بخيت عبد الكريم دبجو، وحركة «العدل والمساواة» بقيادة منصور أرباب، وحركات أخرى بأسماء محلية مثل «عرت... عرت»، و«دقو جوة»، ومجموعة «رؤية»، وميليشيا «مجلس الصحوة الثوري» بقيادة موسى هلال، التي تقف إلى جانب الجيش دون مشاركة فعالة في القتال.

وتكمن قوة هذه الميليشيات، في السلاح النوعي الذي حصلت عليه من خارج البلاد، ثم من الجيش بعد اندلاع الحرب الحالية التي مكنتها من الحصول على امتيازات مالية، إذ سيطرت على مناطق تعدين للذهب، وفَّرت لها التمويل.

أما نقاط ضعفها، بحسب المحللين، فتتركز في التباينات القبلية بين مجموعاتها، وسيطرة قبيلة الزغاوة على تلك الحركات، خصوصاً الحركتين الرئيسيتين «العدل والمساواة»، و«تحرير السودان» اللتين فقدتا نحو 90 في المائة من مناطق نفوذهما التقليدي في إقليم دارفور لصالح ميليشيا «الدعم السريع».

ميليشيات مرتبطة بـ«الحركة الإسلامية»

تشير تقارير صحافية محلية إلى وجود أكثر 25 ميليشيا مرتبطة بالنظام السابق و«الحركة الإسلامية»، أبرزها «الفيلق الشبابي»، و«كتائب البرق الخاطف»، و«أنصار الله»، و«لواء الفرقان»، و«الشهب الحارقة»، و«سجيل»، و«جنود الحق»، و«كتيبة خالد بن الوليد»، و«درع الجزيرة»، و«فيلق كردفان»، و«كتائب البراء بن مالك» التي توصف بأنها إحدى أذرع الحركة الإسلامية الرئيسية.

وتعدّ «قوات الدفاع الشعبي» التي تمَّ تأسيسها في الأشهر الأولى لانقلاب الإسلاميين في 1989، وفقاً للقانون، «قوات شبه عسكرية»، لكنها تبنَّت آيديولوجية الإسلاميين، وقاتلت في جنوب السودان بشعارات «الجهاد».

وعادت «قوات الدفاع الشعبي» للظهور مجدداً بعد اندلاع الحرب الحالية، بعد أن كانت الحكومة المدنية التي خلفت نظام الرئيس عمر البشير، قد حلتها بوصفها «واجهة عسكرية للنظام السابق للإسلاميين»، الذي أسقطته ثورة شعبية في عام 2019، بعد أن حكم البلاد لـ30 عاماً.

وهناك أيضاً ما تُعرف بـ«كتائب الظل»، وهي قوات سرية، كشف عنها أول مرة الرجل الثاني في «الحركة الإسلامية» علي عثمان محمد طه، النائب الأسبق للرئيس عمر البشير، بقوله: «هناك كتائب ظل تدافع عن النظام حتى إذا اقتضى الأمر التضحية بالروح»، وذلك في إطار تهديده للحراك الشعبي الذي أطاح بالنظام في نهاية الأمر.

وعادت «قوات هيئة العمليات» - وهي مجموعة آيديولوجية تابعة لجهاز الأمن والمخابرات - للقتال بجانب الجيش، بعد أن كان قد تمَّ حلها هي الأخرى بعد سقوط نظام البشير. وأخيراً هناك مجموعات كبيرة من الذين تمَّ استنفارهم للقتال إلى جانب الجيش، وما تُعرف بـ«الخلية الأمنية».

وتكمن قوة هذه الميليشيات في تمويلها من الدولة، وتتحصَّل على دعم استخباري، وتسليح من الجيش وأجهزة الأمن المختلفة، بما في ذلك صواريخ «كورنيت» وطائرات مسيّرة متطورة.

وفي المقابل، يكمن ضعفها في كونها أداةً من أدوات النظام السابق، لذلك تحيط بها عزلة نسبية؛ بسبب الرفض الشعبي لعودة النظام السابق.

الميليشيات القبلية والجهوية

أنشأ النظام السابق ميليشيا عُرفت بـ«درع البطانة»، إبان الصراع المكتوم بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، لتكون ترياقاً لصراع محتمل بين الطرفين، بقيادة الضابط أبو عاقلة كيكل، لكنها وبعد اندلاع الحرب انحازت لـ«قوات الدعم السريع»، وخاضت معها معارك عدة، أهمها معركة السيطرة على ولاية الجزيرة المجاورة للعاصمة الخرطوم، في وسط البلاد.

لكن ميليشيا كيكل فاجأت الجميع بتمردها على «الدعم السريع» وإعلان انحيازها للجيش في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، ومقابل ذلك مُنح قائدها رتبة لواء، وبعد أن قام بعمليات تجنيد واسعة في منطقة شرق ولاية الجزيرة، أصبحت قواته تحمل اسم «درع السودان»، ولعبت دوراً مهماً في استعادة الجيش لوسط البلاد والعاصمة الخرطوم.

كما نشأت في وسط وشمال السودان بجانب «درع السودان» ميليشيات صغيرة أخرى، وفقاً للناشط مهند الزعيم على صفحته في «فيسبوك»، وهي «سيف النصر»، و«عشم»، و«عبد الله جماع»، و«الزبير بن العوام»، و«أسود الصعيد»، و«الدرع النوبي».

ميليشيات الشرق

مسلحون من مجموعة داعمة للجيش في منطقة القضارف (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفي شرق البلاد المضطرب، وصل عدد الميليشيات ذات الطابع القبلي والجهوي إلى 10، تم تدريبها وتسليحها من بعض دول الجوار، بحكم التداخل القبلي والإثني. أعلنت جميع هذه الميليشيات الانحياز للجيش، باستثناء ميليشيا تتبع قبيلة الرشايدة العربية، بقيادة مبروك مبارك سليم، أعلنت انحيازها لـ«قوات الدعم السريع».

وتشمل ميليشيات شرق السودان «الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، العضو البارز في «حزب المؤتمر الوطني» (حزب البشير)، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع من قبيلة الهدندوة المناوئة للفرع الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك. وهناك «قوات الأورطة الشعبية» بقيادة الأمين داؤود، التي تكوَّنت العام الماضي، وهي محسوبة على إثنية بني عامر.

وفي موازاة ذلك، نشأت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، تحت رعاية إريترية، بعد أيام من بداية الحرب، وبعدد مقاتلين يقدَّر بنحو ألفَي مقاتل يتحدرون من قبيلتَي بني عامر والحباب. وفي الوقت ذاته تنشط ميليشيا «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، المحسوبة على قبيلة الأمرأر.

وتأسَّست ميليشيا «درع شرق السودان»، بقيادة نجل ناظر قبيلة الرشايدة، مبارك حميد بركي، المحسوب على الحركة الإسلامية، بجانب قوات «مؤتمر البجا» الذي يقوده مساعد البشير السابق موسى محمد أحمد، وهو حزب تاريخي تأسَّس منذ خمسينات القرن الماضي، وتنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة»، بقيادة ناظر قبيلة الهدندوة، محمد الأمين ترك.

وتكمن قوة ميليشيات شرق السودان في الدعم القبلي والإثني الواسع الذي تتمتع به وسط مجتمعاتها، بجانب الدعم العسكري والتدريب والتسليح من بعض دول الجوار، لكنها تعاني انقسامات قبلية حادة، ولا تملك تنسيقاً وتخطيطاً مشتركاً؛ ما يضعف من تأثيرها، وتعدّ الصراعات البينية بين مكونات الإقليم خطراً كامناً يهدد بالانفجار في أي وقت.

«قوات الدعم السريع»

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (أرشيفية - رويترز)

نشأت «قوات الدعم السريع» رسمياً في عام 2013، بقرار من الرئيس السابق عمر البشير، لتكون ظهيراً له من «غدر محتمل من بعض حلفائه الذين كانوا يتمتعون بنفوذ واسع داخل الجيش»، وفق الاعتقاد السائد لدى كثير في السودان.

وما عزَّز هذا الاعتقاد أن البشير نفسه كان يطلق على قائد هذه القوات، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي»، مازحاً «حمايتي». كما أن البشير استغل هذه القوات لقمع الحركات المسلحة التي تمرَّدت ضد نظامه في إقليم دارفور.

ويتحدر الكثيرون من مقاتلي «الدعم السريع» من قبائل عدة ذات أصول عربية ورعوية في إقليم دارفور.

وكانت بعض هذه المجموعات قد عُرف في الإقليم بمصطلح «الجنجويد» الذي يعني اختصاراً «جن راكب جواد»، نظراً لأن هجماتهم على القبائل الأخرى كانت تتم على الخيول، في بدايات ظهورهم تحت قيادة الزعيم القبلي موسى هلال؛ لمحاربة القبائل الأفريقية المتمردة ضد الدولة.

وتُتَّهم «الجنجويد» بارتكاب انتهاكات واسعة ضد السكان في دارفور، على ضوئها أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف ضد البشير و3 من مساعديه، بينهم الرئيس الحالي لحزب «المؤتمر الوطني» أحمد هارون، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي.

وتسعى «الدعم السريع» دائماً إلى نفي علاقتها بتنظيم «الجنجويد» القديم، مؤكدة أنها «قوات نظامية أُنشئت بقانون» أجازه برلمان النظام السابق. وفي البداية كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات السابق، ثم تحوَّلت تبعيتها إلى رئيس الجمهورية عمر البشير بوصفه القائد الأعلى للجيش.

وعندما اندلعت الثورة الشعبية في ديسمبر (كانون الأول) 2018، استدعاها البشير إلى الخرطوم؛ للمساهمة في قمع الثورة، لكنها لسبب غامض امتنعت عن تنفيذ المهمة، بل انقلبت على البشير، وكان لموقفها هذا دور في تسهيل إطاحة نظامه. وكانت ثمرة ذلك أن اختير قائدها «حميدتي» نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي خلف البشير.

كانت «قوات الدعم السريع» مجموعة صغيرةً يُقدَّر عددها بنحو 30 ألف مقاتل، لكنها استغلت فترة حكم المجلس العسكري الانتقالي بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وأصبحت قوةً كبيرةً ليصل عددها إلى نحو 100 ألف مقاتل، وتم تسليحها بمختلف أنواع الأسلحة ما عدا الدبابات والطائرات.

تحالفات «الدعم السريع»

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يشهد تأدية اليمين الدستورية لأعضاء حكومته الموازية (المجلس الرئاسي لـ«تأسيس»)

بعد اندلاع الحرب الحالية في منتصف أبريل 2023، انشقت مجموعات مسلحة عن حركاتها الأم، وانحازت لـ«الدعم السريع»، أبرزها حركة «تجمع قوى تحرير السودان» بقيادة الطاهر حجر، وحركة «العدل والمساواة» بقيادة سليمان صندل، و«حركة وجيش تحرير السودان - المجلس الانتقالي» بقيادة الهادي إدريس. وبجانب هذه المجموعات، هناك عدد آخر من الميليشيات ذات الطابع القبلي، إضافة إلى جناح منشق عن حركة «تمازج».

أما في منطقة النيل الأزرق، فقد اختارت «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة مالك عقار الانحياز للجيش، وأصبح رئيسها نائباً لرئيس «المجلس السيادي» بديلاً عن حميدتي.

وفي فبراير (شباط) الماضي، تحالفت «قوات الدعم السريع» مع عدد من الحركات المسلحة والقوى السياسية، مُكوِّنةً بذلك تحالف «تأسيس». وأبرز هؤلاء المتحالفين «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز الحلو، التي ظلت تقاتل الحكومة منذ 2011.

ميليشيات في رحم التكوين

في شمال البلاد، حيث لم تعرف المنطقة الميليشيات من قبل، أعلن رئيس حركة «كيان الشمال» محمد سيد أحمد، المعروف باسم «الجكومي»، في يوليو (حزيران) الماضي، أن حركته تدرب 50 ألف مقاتل من أبناء ولايتَي الشمالية ونهر النيل، تدريباً عسكرياً متقدماً.

كما برزت ميليشيات أخرى، على رأسها ميليشيا «أولاد قمري»، وهي بحسب تقرير صحافي نشره موقع «التغيير» على الإنترنت، جماعة بدأت عملها في عهد النظام السابق قبل أن تجد الدعم من الجيش بعد الحرب.

وفي غرب البلاد، أعلنت جماعات في شمال إقليم كردفان وغربه عن تشكيل ميليشيا جديدة تحت اسم «قوات حلف الكرامة - درع كردفان»، قالت إنها تقاتل مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع»، إضافة إلى ميليشيات أخرى صغيرة بأسماء «تحالف كردفان»، و«أسود الجبال» وغيرهما.

وفي وسط البلاد، ظهرت ميليشيات جديدة، تحديداً في ولاية الجزيرة، تحمل إحداها اسم «قوات شعب الوسط»، أعلنت الدخول في ميادين القتال، بالإضافة إلى ميليشيا «درع السودان» المعروفة من قبل.

رائحة الخطر

المعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» سببت دماراً هائلاً للبنية التحتية (أ.ف.ب)

وحول هذا المشهد المعقد، قال المحلل السياسي عثمان فضل الله لـ«الشرق الأوسط» إن الميليشيات دون شك تلعب دوراً حاسماً في تعقيد فرص السلام والاستقرار في البلاد، إذ إنها «باتت تفرض واقعاً ميدانياً مغايراً لأي اتفاقات سياسية أو مبادرات وطنية، لأنها تمدَّدت لملء الفراغ الأمني في ظل ضعف الدولة، وغياب الاحتكار الشرعي لاستخدام القوة، بأجندات جهوية أو قبلية أو شخصية، تعمّق الانقسام الاجتماعي والسياسي في البلاد».

وأوضح أن تأثيرات انفجار الميليشيات ينذر بإضعاف الثقة في مؤسسات الدولة، ويجعل المواطن يرى أن مَن يحكم فعلياً هو صاحب السلاح، لا القانون. وحذَّر فضل الله من جعل العنف أداة التمكين والحماية بدلاً عن الحوار والمشاركة السياسية.

من جانبه، رسم صلاح الأمين، المحلل السياسي، سيناريوهات عدة وصفها بأنها «كلها مُرّة». وأبدى مخاوفه من سيناريو تقسيم السودان، قائلاً: «هناك سيناريو لحكومتين في دولة واحدة على الطريقة الليبية، وتحت كل دولة حكومة صغيرة في شكل لوردات حرب، لها نفوذ أصغر».

وأضاف الأمين: «هناك سيناريو آخر، يتمثل في انضمام بعض أقاليم السودان إلى دول الجوار، لا سيما في مناطق التداخل الإثني والثقافي».

وفي السياق ذاته، قال عصام عباس، المختص في تحليل بيانات ظاهرة انتشار الميليشيات: «الوضع أصبح أكثر سوءاً بعد اندلاع الحرب، لأن الميليشيات تحوّلت من مجرد أدوات أمنية، إلى كيانات مستقلة تنشأ على أسس قبلية أو جهوية أو مصالح ضيقة».

عدّ عباس تنامي الميليشيات نتيجةً لـ«ضعف المؤسسة العسكرية الرسمية وسلطة الدولة، وتشجيعهما على إنشاء الميليشيات، فضلاً عن اعتماد التجنيد غير المنضبط». وقال عباس لـ«الشرق الأوسط» إن استمرار الحال دون مشروع وطني واضح، يتيح ازدياد الانفلات والانهيار الأمني والسياسي في المستقبل.

ويبقى السؤال الأهم الذي يتردد على ألسنة الكثيرين: هل يستطيع السودانيون إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، أم ستتكاثر الميليشيات وتتقاتل فيما بينها، وتبقى البلاد في دوامة حروب لا نهاية لها.


مقالات ذات صلة

الخارجية السودانية: الحكومة لا ترفض الهدنة ولكن لديها مخاوف

شمال افريقيا جانب من الدمار الذي ألحقته في وقت سابق مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان (متداولة على وسائط التواصل الاجتماعي) play-circle

الخارجية السودانية: الحكومة لا ترفض الهدنة ولكن لديها مخاوف

أعلن المستشار الإعلامي بوزارة الخارجية السودانية، عمار العركي، أن «الحكومة السودانية لا تتحفظ على الهدنة بأبعادها الإنسانية». 

محمد أمين ياسين (نيروبي) «الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع» يستريحون في مخيم أم ينقور (أ.ف.ب) play-circle

حاكم دارفور: أي هدنة لا تتضمن حماية المدنيين «تعني تقسيم السودان»

يحذر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي من أن أي هدنة لا تتضمن حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم «تعني تقسيم السودان».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص كارلوس بهيئتين كما بدا في نشرات الإنتربول (أ.ف.ب) play-circle 01:35

خاص الترابي اعتبر كارلوس هدية مسمومة من الأردن

من كارلوس إلى بن لادن، مدير مكتب الترابي يروي شهادته على سنوات استضافة السودان لمطلوبين بالإرهاب... وكيف ولماذا قرر النظام التخلص منهما؟

غسان شربل (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الدمار الذي ألحقته في وقت سابق مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان (متداولة على وسائط التواصل الاجتماعي)

الأمم المتحدة تحذر من «استعدادات واضحة» لمعارك جديدة في كردفان

حذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الجمعة، من «استعدادات واضحة» لمعارك جديدة في السودان، وتحديداً في إقليم كردفان.

أحمد يونس (كمبالا) «الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا تُشكِّل الملاجئ المؤقتة التي أقامها النازحون السودانيون الذين فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع» مخيمَ «أم ينقور» (أ.ف.ب) play-circle

رغم موافقة «الدعم السريع»... الغموض يحيط بمصير مقترَح الهدنة في السودان

رغم إعلان «قوات الدعم السريع» موافقتها على مقترح لهدنة إنسانية مؤقتة في السودان، فإن الحرب بين هذه القوات والجيش السوداني لا يبدو أنها اقتربت من نهايتها.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
TT

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)

أعرب سكان في الأُبيِّض بجنوب السودان عن خشيتهم مع ورود تقارير عن استعداد «قوات الدعم السريع» لشن هجوم على مدينتهم، فيما أعلن الجيش اعتراض طائرة مسيّرة أطلقتها الأخيرة على المدينة، السبت.

وتقع عاصمة ولاية شمال كردفان والمركز الإقليمي على بعد نحو 400 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الخرطوم، وستكون مكسباً استراتيجياً لـ«قوات الدعم السريع» إذا سيطرت عليها في حربها المستمرة مع الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023.

جانب من دمار سببته اشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في دارفور الملاصقة لمنطقة كردفان (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأعلنت «قوات الدعم السريع»، الخميس، أنها قبلت مقترح الهدنة الذي قدمه وسطاء دوليون، لكن الأمم المتحدة قالت في وقت لاحق إنه «ليس هناك أي مؤشر إلى خفض التصعيد»، وحذّرت من مزيد من القتال في المستقبل.

وقالت سعاد علي، وهي من سكان حي كريمة في الأبيض: «نحن متخوفون من الوضع، خصوصاً بعد ما حصل في الفاشر»، في إشارة إلى سيطرة «قوات الدعم السريع» على المدينة الواقعة في إقليم دارفور بغرب السودان بعد حصار دام 18 شهراً.

وأعقبت سيطرة «الدعم السريع» على الفاشر تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي وخطف ونهب، ما أثار إدانة دولية ومخاوف من تمدد القتال إلى منطقة كردفان الغنية بالنفط.

وتقع مدينة الأبيض على طريق إمداد رئيسي يربط دارفور بالخرطوم، وفيها مطار.

وقالت الأمم المتحدة إن 40 شخصاً قتلوا في المدينة، الاثنين، في هجوم على جنازة.

الأسبوع الماضي، سيطرت «قوات الدعم السريع» على بارا الواقعة إلى الشمال من الأبيض، ما دفع أكثر من 36 ألف شخص إلى النزوح من هذه البلدة وأربع بلدات أخرى في شمال كردفان على مدى ستة أيام، وفق الأمم المتحدة.

وقالت «قوات الدعم السريع»، الأسبوع الماضي، إنها حشدت قوات في بارا استعداداً للتقدم إلى الأبيض، ونصحت المدنيين بالابتعاد من الأهداف العسكرية.

وصرّح أحد سكان حي القبة في الأبيض، لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم ذكر اسمه: «على الرغم من تطمينات المسؤولين لكن ما حدث في بارا يزيد خوفنا».

وغداة إعلان «قوات الدعم السريع» موافقتها على مقترح الوسطاء للهدنة، حذّرت الأمم المتحدة من «استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال العدائية» في السودان.

تُشكِّل الملاجئ المؤقتة التي أقامها النازحون السودانيون الذين فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع» مخيمَ «أم ينقور» (أ.ف.ب)

ووجه مفوض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك «تحذيراً شديداً بشأن الأحداث الجارية في كردفان».

وتابع تورك: «منذ السيطرة على الفاشر، تزداد أعداد الضحايا المدنيين والدمار والنزوح الجماعي. ليس هناك أي مؤشر إلى خفض التصعيد».

وقال مصدر عسكري لوكالة الصحافة الفرنسية، السبت، طالباً عدم كشف اسمه لأنه غير مخول التحدث إلى الإعلام: «أسقطت منظومة الدفاع الجوي اليوم في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان مسيّرة أطلقتها ميليشيا الدعم على المدينة».

مع سقوط الفاشر في قبضة «قوات الدعم السريع»، تكون قد سيطرت على جميع عواصم الولايات الخمس في دارفور، ما يثير مخاوف من تقسيم السودان بين شرق وغرب.

ويسيطر الجيش على غالبية المناطق الواقعة في الشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

ومنذ سقوط الفاشر، فرّ أكثر من 80 ألف شخص من المدينة والمناطق المحيطة بها.

وقالت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إن قسماً منهم لجأ إلى مدن طويلة وكبكابية ومليط وكتم القريبة.

وقالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، وهي منظمة غير حكومية، السبت، إن أكثر من 16 ألف شخص وصلوا إلى طويلة وهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الطبية.

وكان عدد سكان الفاشر يناهز 260 ألف نسمة قبل سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها.

مقاتلو «قوات الدعم السريع» يحتفلون في شوارع الفاشر بإقليم دارفور (أ.ف.ب)

ولا يُعرف الكثير عن مصير الآلاف الذين ما زالوا محاصرين في المدينة التي انقطعت فيها الاتصالات إلى حد كبير.

وقالت ماتيلد فو، مسؤولة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين في السودان، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن العديد من العائلات الواصلة إلى طويلة جاءت مع «أطفال ليسوا أطفالها».

وأضافت: «هذا يعني أنهم مضطرون إلى القدوم مع أطفال فقدوا آباءهم في الطريق، إما لأنهم اختفوا، اختفوا في خضم الفوضى، وإما لأنهم اعتقلوا، أو لأنهم قتلوا».

وأفاد ناجون وكالة الصحافة الفرنسية بأن النساء والرجال تم فصلهم عند محاولتهم مغادرة الفاشر، وأن مئات الرجال اعتقلوا في البلدات القريبة.

وزار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، السبت، نازحين من الفاشر في مدينة الدبة التي تبعد نحو ألف كيلومتر شمالاً.

وقالت الحكومة الموالية للجيش إن أكثر من 50 ألف شخص فروا إلى مدينة الدبة منذ بدء حصار «قوات الدعم السريع» للفاشر في أبريل 2024.


تشديد مصري - روسي على رفض أي «كيانات موازية» في السودان

نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)
نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)
TT

تشديد مصري - روسي على رفض أي «كيانات موازية» في السودان

نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)
نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)

أعربت مصر وروسيا عن رفضهما إقامة «كيانات موازية» في السودان، وتوافق البلدان بشأن «ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد»، بعد تطورات أمنية قادت لسقوط مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور في غرب السودان تحت قبضة «قوات الدعم السريع».

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، كما أكد الوزيران على «ضرورة الحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية»، وفقاً لبيان صادر عن «الخارجية المصرية»، السبت.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، أن عبد العاطي جدّد خلال الاتصال ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان واستقراره، مشيراً إلى الجهود التي تبذلها القاهرة في إطار «الآلية الرباعية» بهدف تحقيق التهدئة والتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وفقاً للبيان.

وشدد الوزير المصري على ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لضمان هدنة إنسانية شاملة وفتح الممرات الآمنة لتسهيل دخول المساعدات إلى المناطق المتضررة، مندداً بالانتهاكات التي شهدتها مدينة الفاشر، معرباً عن قلق مصر من تدهور الأوضاع الإنسانية واستمرارها في تقديم الدعم الإغاثي للسودانيين.

وفي 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سيطرت «قوات الدعم السريع» على الفاشر، فيما أقر قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 29 من الشهر نفسه، بحدوث «تجاوزات» من قواته في المدينة، مشيراً إلى تشكيل لجان تحقيق.

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان سابقاً، السفير حسام عيسى، قال إن الموقف الدولي واضح بشأن رفض الاعتراف بما يُسمى في السودان «الحكومة الموازية» التي شكلتها «قوات الدعم السريع»، وهي لم تحظَ بأي اعتراف دولي وتفتقد للشرعية، ويُعد تشكيلها «موقفاً انتهازياً ليس له تأثير إيجابي في المصلحة الوطنية السودانية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «(الحكومات الموازية) خطر على أي دول موحدة، وهي خطوة تمثل خطورة داهمة على السودان، وهو ما يفسّر الموقف المصري والدولي الرافض لتصرفات (الدعم السريع)».

وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل مجلس رئاسي و«حكومة موازية» بمناطق سيطرتها داخل السودان، وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي، أعلن تحالف السودان التأسيسي المعروف اختصاراً بـ«تأسيس» أن «حميدتي» أدى القسم، رئيساً للمجلس الرئاسي للحكومة التي شكلها التحالف.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان في القاهرة منتصف أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

وجددت مصر دعوتها إلى «ضرورة إقرار هدنة إنسانية شاملة في السودان، لضمان تدفق المساعدات الإنسانية». وشدد وزير الخارجية المصري، الجمعة، على «ضرورة فتح الممرات الإنسانية لتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية»، وأدان في اتصال هاتفي مع نظيرته البريطانية، إيفيت كوبر «الانتهاكات التي وقعت في مدينة الفاشر (شمال دارفور)».

وأوضح عيسى أن «الاتصالات الأخيرة تأتي في إطار الجهود المستمرة لمصر على مستويات عديدة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ السودان، بخاصة مع احتدام الصراع العسكري، والعقبات التي تواجه (الرباعية الدولية) نتيجة انعدام الثقة بين أطراف النزاع، وهي اتصالات مهمة تهدف إلى وضع مبادرة (الرباعية) موضع التنفيذ».

وتعمل «الآلية الرباعية» التي تضم «السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة»، من أجل وقف إطلاق النار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان»، إلى جانب «الضغط على جميع الأطراف لحماية المدنيين والبنية التحتية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين».

وأشار مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان سابقاً إلى أن العالم لم يكن يولي اهتماماً كافياً بالحرب الدائرة في السودان، ومع فظائع «الدعم السريع» بدأت الأنظار تتجه إلى هناك بعد توقف «حرب غزة». وتعتبر القاهرة ما يحدث الآن هو «تجاوز لجميع الخطوط الحمراء لأنه يمهد لتقسيم السودان»، مضيفاً أن «روسيا في المقابل لديها مصالح في السودان تهدف للحفاظ عليها».

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023، حرباً دامية بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» أسفرت عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، وأدت إلى نزوح نحو 12 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة.


تحسن في مؤشرات الملاحة بقناة السويس مع عودة الهدوء للمنطقة

سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)
TT

تحسن في مؤشرات الملاحة بقناة السويس مع عودة الهدوء للمنطقة

سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)

بعودة الهدوء إلى المنطقة، على وقع اتفاق «وقف إطلاق النار» في قطاع غزة، بدأت مؤشرات الملاحة بقناة السويس المصرية في التحسن التدريجي خلال الفترة الأخيرة، وفق تقديرات «هيئة قناة السويس».

وارتفعت إيرادات «القناة» بنسبة 17.5 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بحسب رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع.

وأشار ربيع خلال استقباله المبعوث الإيطالي لمشروع الممر الاقتصادي الهند - الشرق الأوسط - أوروبا، فرنسيسكو تالو، السبت، إلى أن «إحصاءات الملاحة سجلت ارتفاعاً في حمولات السفن العابرة، بنسبة قدرها 16.3 في المائة للحمولات الصافية».

وتوقع خبراء أن «يستمر التحسن التدريجي في إيرادات قناة السويس مع تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة»، وأشاروا إلى أن «الزيادة في حركة الملاحة بالقناة كانت متوقعة مع توقف الحرب على القطاع».

وتأثرت حركة عبور السفن في قناة السويس نتيجة هجمات جماعة الحوثيين من اليمن على سفن الشحن بالبحر الأحمر، وقدّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، إجمالي ما خسرته بلاده خلال العامين الماضيين بنحو «9 مليارات دولار». (الدولار يساوي 46.9 جنيه في البنوك المصرية).

وتحسنت حركة الملاحة مع وقف إطلاق النار في غزة، وفق أسامة ربيع، ولفت خلال لقائه ممثلي 20 جهة من الخطوط والتوكيلات الملاحية، الأسبوع الماضي، إلى أن «قمة شرم الشيخ للسلام» التي أقيمت في مصر الشهر الماضي «انعكست إيجابياً على هدوء الأوضاع، وعودة العديد من السفن للعبور مجدداً من القناة».

وقال ربيع إن «إحصائيات الملاحة بالقناة سجلت عودة 229 سفينة خلال أكتوبر الماضي كأعلى معدل شهري للسفن العائدة منذ بداية الأزمة». وعدّ خلال لقائه فرنسيسكو تالو، السبت، أن «قناة السويس ستظل ركيزة أساسية لحركة التجارة العالمية، بعدّها الممر الملاحي الأقصر والأسرع والأكثر أماناً في الربط بين الشرق والغرب». وحسب إفادة للهيئة، أكد ربيع أن «القناة نجحت في تبني مشروعات تطوير عملاقة للحفاظ على تنافسيتها، وأبرزها مشروع تطوير القطاع الجنوبي، الذي رفع معدلات الأمان الملاحي بنسبة 28 في المائة».

رئيس هيئة قناة السويس خلال استقباله المبعوث الإيطالي لمشروع الممر الاقتصادي الهند - الشرق الأوسط - أوروبا (هيئة قناة السويس)

وأجرت قناة السويس، في فبراير (شباط) الماضي، تشغيل «مشروع الازدواج الجنوبي» للمجرى الملاحي أمام حركة التجارة العالمية، بما يزيد من طاقة القناة بين 6 إلى 8 سفن يومياً.

وأكد فرنسيسكو تالو أهمية «عودة عبور السفن من قناة السويس، بعدّها منفذاً مهماً للتجارة الأوروبية المارة ما بين المحيط الهندي والبحر الأحمر إلى البحر المتوسط»، وشدد على ضرورة تعامل قناة السويس مع التحديات الجيوسياسية، وضمان استدامة سلاسل الإمداد العالمية، وقال إن «السفن الإيطالية لم تتوقف عن العبور لقناة السويس»، وفق بيان هيئة قناة السويس.

«كان من المتوقع زيادة أعداد السفن العابرة لقناة السويس، ارتباطاً بوقف إطلاق النار في غزة، وعودة الهدوء النسبي للمنطقة»، بحسب الخبير الاقتصادي المصري، عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع»، وليد جاب الله، لافتاً إلى استمرار التحسن مع تنفيذ كامل مراحل وقف إطلاق النار في غزة.

وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت قناة السويس المصرية تحسناً نسبياً على صعيد أعداد وحمولات السفن العابرة، حيث سجلت إحصائيات الملاحة بالقناة في الفترة من يوليو (تموز) إلى أكتوبر 2025 عبور 4405 سفن بحمولات قدرها 185 مليون طن، مقابل عبور 4332 سفينة بحمولات قدرها 167.6 مليون طن خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، وفق «قناة السويس».

وأضاف جاب الله لـ«الشرق الأوسط» أن «قناة السويس جاهزة لاستقبال أعداد أكبر من السفن، في ضوء استمرار أعمال التطوير والتحديث التي تجريها إدارة القناة، دون تأثر بالأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، مع إضافة قطع بحرية جديدة»، مؤكداً أن «استثمارات الحكومة المصرية في تطوير تنافسية المجرى الملاحي لم تتأثر مع تراجع أعداد السفن العابرة».

إحدى أكبر حاملات السيارات في العالم خلال عبورها قناة السويس (هيئة قناة السويس)

وشدد ربيع خلال لقائه المبعوث الإيطالي على أن «القناة لم تتوقف عن التطوير والتحديث والارتقاء بمستوى الخدمات الملاحية والبحرية المقدمة لعملائها، وذلك عبر استحداث خدمات ملاحية جديدة تلائم متطلبات السفن العابرة للقناة في الظروف الاعتيادية وحالات الطوارئ مثل خدمات صيانة وإصلاح السفن، والإسعاف البحري، والإنقاذ البحري، وتبديل الطواقم، وتوطين صناعة الوحدات البحرية، وتحديث أسطول الوحدات البحرية المختلفة».

الخبير العسكري المصري، اللواء نصر سالم، أكد أن «الحكومة المصرية كانت تستعد لما بعد وقف إطلاق النار وخفض التصعيد في المنطقة، للحفاظ على تنافسية قناة السويس». وقال إن «الخدمات الملاحية وإجراءات التطوير المستمرة، ستعمل على استعادة معدلات حركة الملاحة لطبيعتها سريعاً، خصوصاً مع توقف هجمات (الحوثيين) في باب المندب».

وأوضح سالم لـ«الشرق الأوسط» أن «إدارة قناة السويس سعت لتعزيز شراكاتها مع توكيلات الملاحة العالمية»، مشيراً إلى أن «التواصل مع خطوط الملاحة العالمية خطوة مهمة لتعزيز حركة عبور السفن العالمية من قناة السويس».

ويعد الممر الملاحي بقناة السويس، أقصر طريق يربط أوروبا بآسيا، ويمكنه توفير نحو 30 يوماً من مدة الرحلة، التي تصل إلى نحو 70 يوماً عبر طريق رأس الرجاء الصالح.