القصف يتواصل على غزة... وإسرائيل و«حماس» تبحثان خطة ترمب لوقف الحرب

أقارب وأنصار الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» في قطاع غزة يحملون صورهم خلال احتجاج الثلاثاء يطالب بالإفراج الفوري عنهم ويدعو إلى وقف إطلاق النار (أ.ب)
أقارب وأنصار الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» في قطاع غزة يحملون صورهم خلال احتجاج الثلاثاء يطالب بالإفراج الفوري عنهم ويدعو إلى وقف إطلاق النار (أ.ب)
TT

القصف يتواصل على غزة... وإسرائيل و«حماس» تبحثان خطة ترمب لوقف الحرب

أقارب وأنصار الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» في قطاع غزة يحملون صورهم خلال احتجاج الثلاثاء يطالب بالإفراج الفوري عنهم ويدعو إلى وقف إطلاق النار (أ.ب)
أقارب وأنصار الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» في قطاع غزة يحملون صورهم خلال احتجاج الثلاثاء يطالب بالإفراج الفوري عنهم ويدعو إلى وقف إطلاق النار (أ.ب)

قصفت دبابات وزوارق وطائرات إسرائيلية مناطق في قطاع غزة، الثلاثاء، لتستمر معاناة الفلسطينيين بلا هوادة في الذكرى السنوية الثانية للهجوم الذي شنته حركة «حماس» وأشعل فتيل الحرب؛ ما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه المحادثات بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف الصراع.

وقال سكان إن إسرائيل واصلت هجومها بعد أن بدأت «حماس» وإسرائيل مفاوضات غير مباشرة، الاثنين، في منتجع شرم الشيخ بمصر بشأن نقاط صعبة مثل انسحاب إسرائيل من غزة ونزع سلاح الحركة.

وينظر إلى المحادثات التي تركز على خطة ترمب على نطاق واسع على أنها الأكثر بعثاً على التفاؤل حتى الآن لإنهاء الحرب التي تقول سلطات الصحة في غزة إنها أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين ودمرت القطاع، والتي اندلعت عقب هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص.

وفي جنوب إسرائيل، أفادت صحافية في «وكالة الصحافة الفرنسية» بأنّ عشرات من أقارب ضحايا مهرجان نوفا الموسيقي قرب الحدود مع قطاع غزة، شاركوا في إحياء الذكرى في الموقع الذي تحوّل منذ الهجوم نصباً تذكارياً، ووقفوا دقيقة صمت في تمام الساعة 06:29 (03:29 بتوقيت غرينتش)، لحظة بدء الهجوم قبل عامين.

أفراد عائلة أحد ضحايا هجمات 7 أكتوبر 2023 ينظّفون ويزيّنون نصبهم التذكاري بأرض مهرجان نوفا في رييم جنوب إسرائيل (أ.ف.ب)

وقتل عناصر «حماس» في موقع المهرجان أكثر من 370 شخصاً وخطفوا العشرات.

وقالت أوريت بارون (57 عاماً) التي قُتلت ابنتها يوفال في موقع المهرجان: «اليوم هو ذكرى السبت الأسود بالنسبة إلينا... أنا هنا لأكون معها؛ لأنها كانت على قيد الحياة للمرة الأخيرة هنا، مع خطيبها موشيه».

وستقام مراسم أخرى في ساحة الرهائن بتل أبيب؛ حيث تجري أسبوعياً مظاهرات تطالب بالإفراج عن بقية المحتجزين في القطاع الفلسطيني المُحاصر.

وصبيحة 7 أكتوبر 2023، في ختام عيد العرش اليهودي (سوكوت)، شنّت فصائل مسلّحة بقيادة «حماس» هجوماً مباغتاً على جنوب إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة، لتشهد بذلك الدولة العبرية اليوم الأكثر دموية على الإطلاق في تاريخها.

ويومها، اخترق المقاتلون الفلسطينيون الحدود، وهاجموا بالأسلحة النارية والقذائف والعبوات الناسفة البلدات والتجمّعات السكانية، فضلاً عن المهرجان.

وأسفر الهجوم عن مقتل 1219 شخصاً في إسرائيل، معظمهم من المدنيين، وفق تعداد أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

كما خطف المهاجمون 251 شخصاً واقتادوهم إلى القطاع، حيث لا يزال 47 منهم محتجزين، من بينهم 25 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا مصرعهم.

وتحيي الدولة العبرية رسمياً ذكرى هذا الهجوم هذا العام في 16 أكتوبر، وفق التقويم اليهودي.

ومنذ هجوم «حماس»، تواصل إسرائيل حملتها العسكرية في قطاع غزة دون هوادة برّاً وجواً وبحراً؛ ما خلّف دماراً هائلاً في القطاع، فضلاً عن مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وأزمة إنسانية كارثية بلغت حد إعلان الأمم المتحدة المجاعة في بعض أنحاء القطاع.

وأسفرت الحرب عن مقتل ما لا يقلّ عن 67 ألف فلسطيني في غزة، وفقاً لأحدث أرقام وزارة الصحة بالقطاع، التي تعدّها الأمم المتحدة موثوقاً بها.

أما على صعيد الخسائر المادية، فقد سوّيت بالأرض أحياء بأكملها، ودُمّرت غالبية المستشفيات ودور العبادة والمدارس والبُنى التحتية وأعداد هائلة من المنازل والمباني السكنية.

ومنذ اندلاع الحرب، يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين بلا مأوى، في مخيّمات مزدحمة وأراضٍ مفتوحة، حيث يعانون شحّاً في الطعام والمياه وانعدام إمدادات الصرف الصحّي.

وقالت حنان محمّد (49 عاماً) التي نزحت من منزلها في مخيّم جباليا: «لقد خسرنا في هذه الحرب كل شيء، بالمعنى الحرفي: بيوتنا، وأفراداً من العائلة، وأصدقاء وجيراناً. خسرنا حياتنا بروتينها وكل تفاصيلها، بل وأعصابنا أيضاً للأبد».

وأضافت: «لا أطيق الانتظار لإعلان هدنة وتوقف شلّال الدم والموت، لا يمكننا الاحتمال، لكن أعتقد أنّ حياتنا ستظلّ صعبة، فلا يوجد هنا إلا الدمار».

مهمة عسيرة

ميدانياً، أعلن الجيش الإسرائيلي رصد مقذوف أُطلق من شمال القطاع.

وقال في بيان: «عقب صفارات الإنذار التي دوَّت قبل وقت قصير في نتيف هعسراه (في جنوب إسرائيل قرب الحدود مع القطاع)، رُصد مقذوف أُطلق من شمال قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، ويُرجّح أنه سقط في المنطقة». وأشار إلى أنه «حتى الآن، لم يُبلَّغ عن وقوع إصابات».

وعلى مدار العامين الماضيين، وسّعت إسرائيل نطاق هجماتها إلى خارج القطاع الفلسطيني، لتشمل أهدافاً في 5 عواصم إقليمية، منها طهران.

وصفَّت في عملياتها هذه مسؤولين وقياديّين، منهم معظم قادة الصفّ الأول في حركة «حماس»، وكذلك أيضاً في «حزب الله» اللبناني، لا سيّما أمينه العام السابق حسن نصر الله.

ومع دخول الحرب في غزة عامها الثالث، تواجه كلّ من إسرائيل و«حماس» ضغوطاً دولية مزدادة للتوصل إلى اتفاق.

والأسبوع الماضي، كشف ترمب عن خطة مؤلفة من 20 بنداً تنص خصوصاً على وقف إطلاق نار فوري، وإطلاق «حماس» جميع الرهائن ونزع سلاح الحركة وانسحاب القوات الإسرائيلية تدريجياً من غزة.

وعشية الذكرى الثانية، بدأت في مدينة شرم الشيخ المصرية، الاثنين، مفاوضات غير مباشرة بين وفدي «حماس» وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة ترمب.

وقال مصدران مطلعان على سير المفاوضات إن المباحثات «إيجابية». وأوضح أحد المصدرين أن «المباحثات كانت إيجابية الليلة الماضية، واستمرت أول جولة لأربع ساعات»، مشيراً إلى أنها «ستستأنف ظهر الثلاثاء في شرم الشيخ».

وقالت قناة «القاهرة الإخبارية» إنّ النقاشات تركّز على «تهيئة الظروف الميدانية» لتبادل الرهائن والمعتقلين، وفق خطة الرئيس الأميركي.

من جهتها، قالت مصادر في حركة «حماس» إن الجلسة الأولى التي عُقدت بمشاركة وسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا، أسفرت عن «وضع خريطة طريق لجولة المفاوضات الحالية وتحديد آلياتها الزمنية».

وأبلغ وفد «حماس» الوسطاء بأن استمرار القصف الإسرائيلي في قطاع غزة يشكل «تحدياً حقيقياً أمام الإفراج عن الأسرى»، مؤكداً ضرورة وقف العمليات الميدانية لتهيئة الأجواء.

وضم وفد «حماس»، حسب المصادر، كلاً من خليل الحية وزاهر جبارين، وهما من بين أعضاء الوفد الذي نجا من محاولة اغتيال في العاصمة القطرية الدوحة الشهر الماضي.

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة إن النقاشات ركزت على ترتيبات وقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وتبادل الأسرى والمحتجزين إلى جانب قضايا إنسانية وإغاثية عاجلة.

وأشارت إلى أن الوسطاء يحاولون وضع إطار زمني واضح لعملية التبادل وتثبيت الهدنة على الأرض، متوقعة أن تستمر المفاوضات أياماً عدة بسبب تباين مواقف الجانبين.

وذكرت الإذاعة العبرية أن المحادثات لا تقتصر على القضايا الأمنية؛ بل تمتد إلى بحث مستقبل إدارة القطاع بعد وقف إطلاق النار، وسط حديث عن تشكيل قوة دولية مؤقتة لتثبيت الاستقرار والإشراف على إعادة الإعمار.

وقالت «القناة 13» العبرية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أبلغ الوفد المفاوض بأنه «لن يبدي أي مرونة في بنود خطة ترمب بهذه المرحلة»، مشيرة إلى أن التقديرات الإسرائيلية ترجح أن تكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مسار التفاوض.

في المقابل، تتمسك حركة «حماس» وفق مصادر فلسطينية بضرورة وجود ضمانات ورقابة فعالة تضمن التزام إسرائيل ببنود أي اتفاق محتمل، خصوصاً ما يتعلق بوقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.

وقال مراقبون فلسطينيون إن الوساطة المصرية تسعى إلى تحقيق توازن بين متطلبات الأمن الإسرائيلي واحتياجات السكان الفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية مأساوية، فضلاً عن حرص القاهرة على ضمان التزام جميع الأطراف بالاتفاق في حال التوصل إليه؛ خشية انهياره كما حدث في جولات سابقة.

ومن المتوقع أن يكون التوصل إلى اتفاق حول تفاصيل المقترح، مهمة شائكة وعسيرة.

وردّاً على سؤال عن سير المفاوضات في مصر، لا سيّما عمّا إذا كانت لديه شروط مسبقة تشمل موافقة «حماس» على نزع سلاحها، قال ترمب لصحافيين في البيت الأبيض، الاثنين: «لديّ خطوط حمراء: إذا لم تتحقّق أمور معيّنة فلن نمضي في الأمر»، مضيفاً: «لكنّني أعتقد أنّ الأمور تسير على ما يرام، وأعتقد أنّ (حماس) وافقت على أمور مهمّة للغاية».

وتابع: «أعتقد أنّنا سنتوصّل إلى اتّفاق. من الصعب عليّ قول ذلك في حين أنهم منذ سنوات وسنوات يحاولون التوصّل إلى اتفاق»، مؤكداً في الوقت نفسه: «سنتوصّل إلى اتفاق في غزة، أنا شبه متأكّد من ذلك، نعم».

وشهدت الحرب سابقاً هُدنتَيْن مكّنتا من الإفراج عن عشرات الرهائن مقابل مئات المعتقلين الفلسطينيين.

وكان رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، حذّر من أنه إن فشلت المفاوضات فإنّ الجيش «سيعود للقتال» في غزة.


مقالات ذات صلة

أميركا تنسق مع إسرائيل بخصوص مساعدات غزة ولا «تقصيها»

المشرق العربي فلسطينيون يهرعون نحو شاحنات المساعدات في دير البلح بوسط غزة (أ.ب) play-circle

أميركا تنسق مع إسرائيل بخصوص مساعدات غزة ولا «تقصيها»

قال مسؤول أمني إسرائيلي، السبت، إن قوات أميركية تشارك إسرائيل في الإشراف على نقل المساعدات إلى غزة وتنسيق تلك العمليات في إطار خطة ترمب لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جندي إسرائيلي بجانب طرود مساعدات إنسانية تنتظر تسلمها بمعبر كرم أبو سالم في قطاع غزة (د.ب.أ)

وزيرة الخارجية البريطانية تدعو لفتح جميع معابر غزة

أكدت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، اليوم السبت، ضرورة فتح جميع المعابر لقطاع غزة ورفع القيود لإدخال المساعدات إلى القطاع فوراً.

«الشرق الأوسط» (لندن )
تحليل إخباري فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري 3 أسباب وراء تأخر اجتماع الفصائل في القاهرة وسط مساعٍ للتوافق

يترقب مسار اتفاق وقف إطلاق النار حواراً جامعاً للفصائل الفلسطينية تستضيفه القاهرة، وسط تباينات لا سيما بين حركتي فتح و«حماس».

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي جثث فلسطينيين مجهولي الهوية أعادتها إسرائيل يتم نقلها إلى «مستشفى ناصر» في خان يونس (أ.ب) play-circle

إسرائيل تؤكد تسلّم جثمان رهينة... وتعيد جثامين 15 فلسطينياً

أعلنت إسرائيل، السبت، التعرف على جثمان الرهينة الذي تسلّمته من حركة «حماس» عبر الصليب الأحمر، الجمعة، مشيرة إلى أنها أعادت في المقابل جثامين 15 فلسطينياً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري مبان مدمرة في مدينة غزة يوم 5 نوفمبر الحالي (رويترز)

تحليل إخباري هدنة غزة أمام عقدة «الانتقال للمرحلة الثانية»

تتعدد مطالب الوسطاء بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار» في قطاع غزة، في ظل تعقيدات ما زالت تواجهها «المرحلة الأولى»

أحمد جمال (القاهرة)

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
TT

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)
عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)

أعرب سكان في الأُبيِّض بجنوب السودان عن خشيتهم مع ورود تقارير عن استعداد «قوات الدعم السريع» لشن هجوم على مدينتهم، فيما أعلن الجيش اعتراض طائرة مسيّرة أطلقتها الأخيرة على المدينة، السبت.

وتقع عاصمة ولاية شمال كردفان والمركز الإقليمي على بعد نحو 400 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الخرطوم، وستكون مكسباً استراتيجياً لـ«قوات الدعم السريع» إذا سيطرت عليها في حربها المستمرة مع الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023.

جانب من دمار سببته اشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في دارفور الملاصقة لمنطقة كردفان (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأعلنت «قوات الدعم السريع»، الخميس، أنها قبلت مقترح الهدنة الذي قدمه وسطاء دوليون، لكن الأمم المتحدة قالت في وقت لاحق إنه «ليس هناك أي مؤشر إلى خفض التصعيد»، وحذّرت من مزيد من القتال في المستقبل.

وقالت سعاد علي، وهي من سكان حي كريمة في الأبيض: «نحن متخوفون من الوضع، خصوصاً بعد ما حصل في الفاشر»، في إشارة إلى سيطرة «قوات الدعم السريع» على المدينة الواقعة في إقليم دارفور بغرب السودان بعد حصار دام 18 شهراً.

وأعقبت سيطرة «الدعم السريع» على الفاشر تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي وخطف ونهب، ما أثار إدانة دولية ومخاوف من تمدد القتال إلى منطقة كردفان الغنية بالنفط.

وتقع مدينة الأبيض على طريق إمداد رئيسي يربط دارفور بالخرطوم، وفيها مطار.

وقالت الأمم المتحدة إن 40 شخصاً قتلوا في المدينة، الاثنين، في هجوم على جنازة.

الأسبوع الماضي، سيطرت «قوات الدعم السريع» على بارا الواقعة إلى الشمال من الأبيض، ما دفع أكثر من 36 ألف شخص إلى النزوح من هذه البلدة وأربع بلدات أخرى في شمال كردفان على مدى ستة أيام، وفق الأمم المتحدة.

وقالت «قوات الدعم السريع»، الأسبوع الماضي، إنها حشدت قوات في بارا استعداداً للتقدم إلى الأبيض، ونصحت المدنيين بالابتعاد من الأهداف العسكرية.

وصرّح أحد سكان حي القبة في الأبيض، لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم ذكر اسمه: «على الرغم من تطمينات المسؤولين لكن ما حدث في بارا يزيد خوفنا».

وغداة إعلان «قوات الدعم السريع» موافقتها على مقترح الوسطاء للهدنة، حذّرت الأمم المتحدة من «استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال العدائية» في السودان.

تُشكِّل الملاجئ المؤقتة التي أقامها النازحون السودانيون الذين فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في أيدي «قوات الدعم السريع» مخيمَ «أم ينقور» (أ.ف.ب)

ووجه مفوض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك «تحذيراً شديداً بشأن الأحداث الجارية في كردفان».

وتابع تورك: «منذ السيطرة على الفاشر، تزداد أعداد الضحايا المدنيين والدمار والنزوح الجماعي. ليس هناك أي مؤشر إلى خفض التصعيد».

وقال مصدر عسكري لوكالة الصحافة الفرنسية، السبت، طالباً عدم كشف اسمه لأنه غير مخول التحدث إلى الإعلام: «أسقطت منظومة الدفاع الجوي اليوم في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان مسيّرة أطلقتها ميليشيا الدعم على المدينة».

مع سقوط الفاشر في قبضة «قوات الدعم السريع»، تكون قد سيطرت على جميع عواصم الولايات الخمس في دارفور، ما يثير مخاوف من تقسيم السودان بين شرق وغرب.

ويسيطر الجيش على غالبية المناطق الواقعة في الشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

ومنذ سقوط الفاشر، فرّ أكثر من 80 ألف شخص من المدينة والمناطق المحيطة بها.

وقالت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إن قسماً منهم لجأ إلى مدن طويلة وكبكابية ومليط وكتم القريبة.

وقالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، وهي منظمة غير حكومية، السبت، إن أكثر من 16 ألف شخص وصلوا إلى طويلة وهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الطبية.

وكان عدد سكان الفاشر يناهز 260 ألف نسمة قبل سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها.

مقاتلو «قوات الدعم السريع» يحتفلون في شوارع الفاشر بإقليم دارفور (أ.ف.ب)

ولا يُعرف الكثير عن مصير الآلاف الذين ما زالوا محاصرين في المدينة التي انقطعت فيها الاتصالات إلى حد كبير.

وقالت ماتيلد فو، مسؤولة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين في السودان، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن العديد من العائلات الواصلة إلى طويلة جاءت مع «أطفال ليسوا أطفالها».

وأضافت: «هذا يعني أنهم مضطرون إلى القدوم مع أطفال فقدوا آباءهم في الطريق، إما لأنهم اختفوا، اختفوا في خضم الفوضى، وإما لأنهم اعتقلوا، أو لأنهم قتلوا».

وأفاد ناجون وكالة الصحافة الفرنسية بأن النساء والرجال تم فصلهم عند محاولتهم مغادرة الفاشر، وأن مئات الرجال اعتقلوا في البلدات القريبة.

وزار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، السبت، نازحين من الفاشر في مدينة الدبة التي تبعد نحو ألف كيلومتر شمالاً.

وقالت الحكومة الموالية للجيش إن أكثر من 50 ألف شخص فروا إلى مدينة الدبة منذ بدء حصار «قوات الدعم السريع» للفاشر في أبريل 2024.


تشديد مصري - روسي على رفض أي «كيانات موازية» في السودان

نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)
نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)
TT

تشديد مصري - روسي على رفض أي «كيانات موازية» في السودان

نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)
نازحتان في مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارها من الفاشر (أ.ف.ب)

أعربت مصر وروسيا عن رفضهما إقامة «كيانات موازية» في السودان، وتوافق البلدان بشأن «ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد»، بعد تطورات أمنية قادت لسقوط مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور في غرب السودان تحت قبضة «قوات الدعم السريع».

جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، كما أكد الوزيران على «ضرورة الحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية»، وفقاً لبيان صادر عن «الخارجية المصرية»، السبت.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، أن عبد العاطي جدّد خلال الاتصال ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان واستقراره، مشيراً إلى الجهود التي تبذلها القاهرة في إطار «الآلية الرباعية» بهدف تحقيق التهدئة والتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وفقاً للبيان.

وشدد الوزير المصري على ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لضمان هدنة إنسانية شاملة وفتح الممرات الآمنة لتسهيل دخول المساعدات إلى المناطق المتضررة، مندداً بالانتهاكات التي شهدتها مدينة الفاشر، معرباً عن قلق مصر من تدهور الأوضاع الإنسانية واستمرارها في تقديم الدعم الإغاثي للسودانيين.

وفي 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سيطرت «قوات الدعم السريع» على الفاشر، فيما أقر قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 29 من الشهر نفسه، بحدوث «تجاوزات» من قواته في المدينة، مشيراً إلى تشكيل لجان تحقيق.

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان سابقاً، السفير حسام عيسى، قال إن الموقف الدولي واضح بشأن رفض الاعتراف بما يُسمى في السودان «الحكومة الموازية» التي شكلتها «قوات الدعم السريع»، وهي لم تحظَ بأي اعتراف دولي وتفتقد للشرعية، ويُعد تشكيلها «موقفاً انتهازياً ليس له تأثير إيجابي في المصلحة الوطنية السودانية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «(الحكومات الموازية) خطر على أي دول موحدة، وهي خطوة تمثل خطورة داهمة على السودان، وهو ما يفسّر الموقف المصري والدولي الرافض لتصرفات (الدعم السريع)».

وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل مجلس رئاسي و«حكومة موازية» بمناطق سيطرتها داخل السودان، وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي، أعلن تحالف السودان التأسيسي المعروف اختصاراً بـ«تأسيس» أن «حميدتي» أدى القسم، رئيساً للمجلس الرئاسي للحكومة التي شكلها التحالف.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان في القاهرة منتصف أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

وجددت مصر دعوتها إلى «ضرورة إقرار هدنة إنسانية شاملة في السودان، لضمان تدفق المساعدات الإنسانية». وشدد وزير الخارجية المصري، الجمعة، على «ضرورة فتح الممرات الإنسانية لتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية»، وأدان في اتصال هاتفي مع نظيرته البريطانية، إيفيت كوبر «الانتهاكات التي وقعت في مدينة الفاشر (شمال دارفور)».

وأوضح عيسى أن «الاتصالات الأخيرة تأتي في إطار الجهود المستمرة لمصر على مستويات عديدة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ السودان، بخاصة مع احتدام الصراع العسكري، والعقبات التي تواجه (الرباعية الدولية) نتيجة انعدام الثقة بين أطراف النزاع، وهي اتصالات مهمة تهدف إلى وضع مبادرة (الرباعية) موضع التنفيذ».

وتعمل «الآلية الرباعية» التي تضم «السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة»، من أجل وقف إطلاق النار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان»، إلى جانب «الضغط على جميع الأطراف لحماية المدنيين والبنية التحتية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين».

وأشار مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان سابقاً إلى أن العالم لم يكن يولي اهتماماً كافياً بالحرب الدائرة في السودان، ومع فظائع «الدعم السريع» بدأت الأنظار تتجه إلى هناك بعد توقف «حرب غزة». وتعتبر القاهرة ما يحدث الآن هو «تجاوز لجميع الخطوط الحمراء لأنه يمهد لتقسيم السودان»، مضيفاً أن «روسيا في المقابل لديها مصالح في السودان تهدف للحفاظ عليها».

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023، حرباً دامية بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» أسفرت عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، وأدت إلى نزوح نحو 12 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة.


تحسن في مؤشرات الملاحة بقناة السويس مع عودة الهدوء للمنطقة

سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)
TT

تحسن في مؤشرات الملاحة بقناة السويس مع عودة الهدوء للمنطقة

سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)
سفينة شحن تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (رويترز)

بعودة الهدوء إلى المنطقة، على وقع اتفاق «وقف إطلاق النار» في قطاع غزة، بدأت مؤشرات الملاحة بقناة السويس المصرية في التحسن التدريجي خلال الفترة الأخيرة، وفق تقديرات «هيئة قناة السويس».

وارتفعت إيرادات «القناة» بنسبة 17.5 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بحسب رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع.

وأشار ربيع خلال استقباله المبعوث الإيطالي لمشروع الممر الاقتصادي الهند - الشرق الأوسط - أوروبا، فرنسيسكو تالو، السبت، إلى أن «إحصاءات الملاحة سجلت ارتفاعاً في حمولات السفن العابرة، بنسبة قدرها 16.3 في المائة للحمولات الصافية».

وتوقع خبراء أن «يستمر التحسن التدريجي في إيرادات قناة السويس مع تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة»، وأشاروا إلى أن «الزيادة في حركة الملاحة بالقناة كانت متوقعة مع توقف الحرب على القطاع».

وتأثرت حركة عبور السفن في قناة السويس نتيجة هجمات جماعة الحوثيين من اليمن على سفن الشحن بالبحر الأحمر، وقدّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، إجمالي ما خسرته بلاده خلال العامين الماضيين بنحو «9 مليارات دولار». (الدولار يساوي 46.9 جنيه في البنوك المصرية).

وتحسنت حركة الملاحة مع وقف إطلاق النار في غزة، وفق أسامة ربيع، ولفت خلال لقائه ممثلي 20 جهة من الخطوط والتوكيلات الملاحية، الأسبوع الماضي، إلى أن «قمة شرم الشيخ للسلام» التي أقيمت في مصر الشهر الماضي «انعكست إيجابياً على هدوء الأوضاع، وعودة العديد من السفن للعبور مجدداً من القناة».

وقال ربيع إن «إحصائيات الملاحة بالقناة سجلت عودة 229 سفينة خلال أكتوبر الماضي كأعلى معدل شهري للسفن العائدة منذ بداية الأزمة». وعدّ خلال لقائه فرنسيسكو تالو، السبت، أن «قناة السويس ستظل ركيزة أساسية لحركة التجارة العالمية، بعدّها الممر الملاحي الأقصر والأسرع والأكثر أماناً في الربط بين الشرق والغرب». وحسب إفادة للهيئة، أكد ربيع أن «القناة نجحت في تبني مشروعات تطوير عملاقة للحفاظ على تنافسيتها، وأبرزها مشروع تطوير القطاع الجنوبي، الذي رفع معدلات الأمان الملاحي بنسبة 28 في المائة».

رئيس هيئة قناة السويس خلال استقباله المبعوث الإيطالي لمشروع الممر الاقتصادي الهند - الشرق الأوسط - أوروبا (هيئة قناة السويس)

وأجرت قناة السويس، في فبراير (شباط) الماضي، تشغيل «مشروع الازدواج الجنوبي» للمجرى الملاحي أمام حركة التجارة العالمية، بما يزيد من طاقة القناة بين 6 إلى 8 سفن يومياً.

وأكد فرنسيسكو تالو أهمية «عودة عبور السفن من قناة السويس، بعدّها منفذاً مهماً للتجارة الأوروبية المارة ما بين المحيط الهندي والبحر الأحمر إلى البحر المتوسط»، وشدد على ضرورة تعامل قناة السويس مع التحديات الجيوسياسية، وضمان استدامة سلاسل الإمداد العالمية، وقال إن «السفن الإيطالية لم تتوقف عن العبور لقناة السويس»، وفق بيان هيئة قناة السويس.

«كان من المتوقع زيادة أعداد السفن العابرة لقناة السويس، ارتباطاً بوقف إطلاق النار في غزة، وعودة الهدوء النسبي للمنطقة»، بحسب الخبير الاقتصادي المصري، عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع»، وليد جاب الله، لافتاً إلى استمرار التحسن مع تنفيذ كامل مراحل وقف إطلاق النار في غزة.

وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت قناة السويس المصرية تحسناً نسبياً على صعيد أعداد وحمولات السفن العابرة، حيث سجلت إحصائيات الملاحة بالقناة في الفترة من يوليو (تموز) إلى أكتوبر 2025 عبور 4405 سفن بحمولات قدرها 185 مليون طن، مقابل عبور 4332 سفينة بحمولات قدرها 167.6 مليون طن خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، وفق «قناة السويس».

وأضاف جاب الله لـ«الشرق الأوسط» أن «قناة السويس جاهزة لاستقبال أعداد أكبر من السفن، في ضوء استمرار أعمال التطوير والتحديث التي تجريها إدارة القناة، دون تأثر بالأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، مع إضافة قطع بحرية جديدة»، مؤكداً أن «استثمارات الحكومة المصرية في تطوير تنافسية المجرى الملاحي لم تتأثر مع تراجع أعداد السفن العابرة».

إحدى أكبر حاملات السيارات في العالم خلال عبورها قناة السويس (هيئة قناة السويس)

وشدد ربيع خلال لقائه المبعوث الإيطالي على أن «القناة لم تتوقف عن التطوير والتحديث والارتقاء بمستوى الخدمات الملاحية والبحرية المقدمة لعملائها، وذلك عبر استحداث خدمات ملاحية جديدة تلائم متطلبات السفن العابرة للقناة في الظروف الاعتيادية وحالات الطوارئ مثل خدمات صيانة وإصلاح السفن، والإسعاف البحري، والإنقاذ البحري، وتبديل الطواقم، وتوطين صناعة الوحدات البحرية، وتحديث أسطول الوحدات البحرية المختلفة».

الخبير العسكري المصري، اللواء نصر سالم، أكد أن «الحكومة المصرية كانت تستعد لما بعد وقف إطلاق النار وخفض التصعيد في المنطقة، للحفاظ على تنافسية قناة السويس». وقال إن «الخدمات الملاحية وإجراءات التطوير المستمرة، ستعمل على استعادة معدلات حركة الملاحة لطبيعتها سريعاً، خصوصاً مع توقف هجمات (الحوثيين) في باب المندب».

وأوضح سالم لـ«الشرق الأوسط» أن «إدارة قناة السويس سعت لتعزيز شراكاتها مع توكيلات الملاحة العالمية»، مشيراً إلى أن «التواصل مع خطوط الملاحة العالمية خطوة مهمة لتعزيز حركة عبور السفن العالمية من قناة السويس».

ويعد الممر الملاحي بقناة السويس، أقصر طريق يربط أوروبا بآسيا، ويمكنه توفير نحو 30 يوماً من مدة الرحلة، التي تصل إلى نحو 70 يوماً عبر طريق رأس الرجاء الصالح.