«الجنائية الدولية» تدين أحد قادة «الجنجويد» في السودان

التهم تتعلق بجرائم حرب في دارفور إبان حكم البشير

TT

«الجنائية الدولية» تدين أحد قادة «الجنجويد» في السودان

علي كوشيب خلال جلسة النطق بالحكم في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي يوم 6 أكتوبر 2025 (رويترز)
علي كوشيب خلال جلسة النطق بالحكم في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي يوم 6 أكتوبر 2025 (رويترز)

أدانت المحكمة الجنائية الدولية، اليوم الاثنين، أول زعيم لفصيل مسلح يُحاكم على ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور السوداني قبل أكثر من عشرين عاماً. وقالت المحكمة إن علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم (علي كوشيب)، مدان بارتكاب 30 جريمة حرب، من بينها الاغتصاب والقتل والاضطهاد، مشيرة إلى أن العقوبة ستُحدد لاحقاً بعد جولة جديدة من جلسات الاستماع.

أدانت المحكمة كوشيب، الذي كان أحد قادة ميليشيا «الجنجويد»، لدوره القيادي في حملة فظائع ارتُكبت في إقليم دارفور قبل أكثر من 20 عاماً. وهذه هي المرة الأولى التي تُدين فيها المحكمة مشتبهاً به بارتكاب جرائم في دارفور. وقضت المحكمة بأن هذه الفظائع، بما في ذلك جرائم القتل الجماعي والاغتصاب، كانت جزءاً من خطة حكومية للقضاء بالقوة على تمرد في المنطقة الغربية من السودان.

ولم يُبدِ كوشيب أي انفعال، بينما كانت رئيسة المحكمة، جوانا كورنر، تتلوا 27 حكماً بالإدانة، ويواجه عقوبة قصوى بالسجن المؤبد، فيما قالت أكدت المحكمة أن المتهم: «شجع وأصدر تعليمات أدت إلى القتل والاغتصاب والدمارالذي ارتكبته ميليشيا الجنجويد»، مضيفة أن الأحكام صدرت بالإجماع.

وفر كوشيب إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في فبراير (شباط) 2020 عند تأليف حكومة سودانية جديدة أكدت نيتها التعاون مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، وسلم نفسه طوعاً في ذلك العام، مؤكداً أنه أقدم على هذه الخطوة لأنه كان يائساً ويخشى أن تقتله الحكومة السودانية.

الدفاع والادعاء

ودفع كوشيب ببراءته من تهمة الإشراف على آلاف من مقاتلي «الجنجويد» الموالين لحكومة الرئيس السابق عمر الببشير خلال ذروة القتال في عامي 2003 و2004. وقال دفاعه في وقت سابق إن المتهم «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، منهم الرئيس المخلوع البشير، ووزيرا الدفاع وقتها عبد الرحيم محمد حسين، والداخلية أحمد هارون.

وكان المدعي العام للمحكمة، كريم خان، قد قال في بيانه الختامي، خلال المحاكمة التي استمرت عامين، إن شهود الادعاء قدموا «روايات مفصلة عن القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب واستهداف المدنيين وحرق ونهب قرى بأكملها»، وإن الادعاء أثبت قضيته بما لا يدع مجالاً للشك.

واندلع الصراع في دارفور لأول مرة عندما حمل متمردون في إقليم دارفور السلاح في وجه حكومة البشير، متهمين إياها بتهميش المنطقة النائية الواقعة في غرب البلاد. وحشدت الحكومة آنذاك ميليشيات من أصول عربية في الأغلب، عُرفها باسم «الجنجويد» لقمع التمرد، ما أثار موجة من العنف وصفتها الولايات المتحدة وجماعات حقوق الإنسان بأنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية.

صراع جديد في دارفور

صورة جوية تُظهر تصاعد الدخان من «مخيم زمزم» قرب مدينة الفاشر في دارفور خلال أبريل الماضي (أ.ف.ب)

ومنذ بدء محاكمة كوشيب، اندلع الصراع مرة أخرى في دارفور، وتحول الصراع الحالي بين الجيش و«قوات الدعم السريع» إلى صراع يزداد دموية مع تعثر جهود وقف إطلاق النار. وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو (حزيران) من هذا العام أنه يجري أيضاً تحقيقات عاجلة في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حالياً في دارفور.

حكومة السودان سلّحت «الجنجويد»

وذكر خان أن حكومة السودان وآخرين كانوا يقومون بتسليح ميليشيا «الجنجويد» من أجل مقاومة التمرد، إلا أن الضحايا في هذه القضية «لم يكونوا متمرين، بل هم مدنيون». ووصف خان هذه المحاكمة بأنها تمثل بارقة أمل للذين فقدوا أقاربهم وممتلكاتهم، والذين ينتظرون العدالة لمدة 20 عاماً.

وكان المستشار في مكتب المدعي العام، داهيرو سان آنا، قد ذكر في نهاية العام الماضي، أن مكتبه يحقق في أحداث دارفور الناجمة عن الحرب الحالية، وأنه كلف فريقاً يقوم بجمع المعلومات في دارفور يتعلق بالقضايا الجديدة، في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يقول السكان إنها تحدث في الإقليم المضطرب، وبنهاية التحقيقات سيجري تقديم طلبات لقضاة المحكمة لتوجيه اتهامات.


مقالات ذات صلة

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

شمال افريقيا قائد الجيش البرهان وإلى يساره مساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

تصريحات مساعد البرهان... هل تُفشل هدنة «الرباعية»؟

أثارت تصريحات مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، التي شدد فيها على التمسك بالحل العسكري، ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي «شبكة أطباء السودان» تصف ما يجري في الفاشر بأنه «جريمة إنسانية مكتملة الأركان» (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف «الفظائع المروّعة» في السودان

دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك (الاثنين) إلى تحرّك دولي عاجل لوقف «الفظائع المروّعة» في مدينة الفاشر السودانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الخليج جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية) play-circle

مصدر قريب من «الرباعية»: «منبر جدة» مفتوح أمام طرفَي الصراع السوداني

أكد مصدر وثيق الصلة بمفاوضات المجموعة «الرباعية الدولية» المعنيّة بالأزمة في السودان أن جهوداً تُبذل بهدف توقيع هدنة إنسانية وإطلاق حوار.

غازي الحارثي (الرياض)
العالم العربي المدير العام لمنظمة «الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس (د.ب.أ)

«الصحة العالمية»: مقتل 6 وإصابة 12 في هجوم على مستشفى بولاية كردفان السودانية

أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، اليوم (الأحد)، أن هجوماً على مستشفى في ولاية كردفان السودانية يوم 6 نوفمبر الحالي أدّى إلى مقتل 6 وإصابة 12 آخرين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا عناصر «الدعم السريع» يحملون أسلحة في شوارع الفاشر السودانية (حساب القوات على تلغرام - أ.ف.ب)

خوف في مدينة الأبيض السودانية من هجوم محتمل لـ«قوات الدعم السريع»

أعرب سكان في الأُبيِّض بجنوب السودان عن خشيتهم مع ورود تقارير عن استعداد «قوات الدعم السريع» لشن هجوم على مدينتهم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

اتهامات لمسلحين في طرابلس بخطف مواطنين من ترهونة بعد لقائهم حفتر

اجتماع المشير خليفة حفتر مع وفد ترهونة في الثاني من نوفمبر 2025 (الجيش الوطني الليبي)
اجتماع المشير خليفة حفتر مع وفد ترهونة في الثاني من نوفمبر 2025 (الجيش الوطني الليبي)
TT

اتهامات لمسلحين في طرابلس بخطف مواطنين من ترهونة بعد لقائهم حفتر

اجتماع المشير خليفة حفتر مع وفد ترهونة في الثاني من نوفمبر 2025 (الجيش الوطني الليبي)
اجتماع المشير خليفة حفتر مع وفد ترهونة في الثاني من نوفمبر 2025 (الجيش الوطني الليبي)

تفاقمت أزمة احتجاز عدد من مواطني ترهونة عقب لقائهم المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني» الليبي مطلع الشهر الحالي، في تعبير صارخ عن الصراع المرير على السلطة بين حكومة «الوحدة» المؤقتة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ونظيرتها في شرق البلاد برئاسة أسامة حمّاد.

واستنكرت بلدية ترهونة ما وصفته بعمليات القبض التي طالت عدداً من أبناء المدينة عقب مشاركتهم في لقاء مع حفتر في الثاني من الشهر الحالي بمدينة بنغازي، مشيرة إلى أن من نفذ تلك العمليات «مجموعات مسلحة تدّعي حفظ الأمن والأمان داخل ترهونة».

وأوضحت البلدية في بيانها، الاثنين، أن الموقوفين «من بين شيوخ تجاوزت أعمارهم الثمانين عاماً، وأساتذة جامعات، ورياضيين قدامى، وسفراء سلام من الحركة الكشفية، ومثقفين وأدباء»، معتبرة ما حدث «انتهاكاً لحقوق الإنسان، واستهدافاً غير مبرَّر لأهالي المدينة». وطالبت النائب العام بفتح تحقيق عاجل في القضية، ومحاسبة الجهات المتورطة في عمليات القبض؛ كما دعت إلى الإفراج الفوري عن جميع من احتُجزوا بسبب مشاركتهم في الملتقى الوطني.

من جانبها، أدانت حكومة حماد ما تعرض له أبناء مدينة ترهونة «من اعتقالات تعسفية وتغييب قسري وترويع لعائلاتهم على يد مجموعات مسلحة تعمل خارج الأطر القانونية».

وفي إشارة لحكومة «الوحدة»، أورد بيان حكومة حماد، مساء الأحد، أن هذه الأعمال تمثل نهجاً للمجموعات المسلحة المدعومة من الحكومة التي وصفتها بمنتهية الولاية في طرابلس، في مسعى منها لإفشال جهود المصالحة الوطنية وجمع الليبيين.

وانتقد حماد ما سماه «صمت» البعثة الأممية إزاء هذه الأعمال التي قال إنها «تتنافى مع القوانين والقيم الدينية والوطنية»، كما حمَّل «اللواء 444 قتال» التابع لـ«الوحدة» والمتمركز في ترهونة مسؤولية ما حدث. ودعا كذلك النائب العام والمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى «فتح تحقيق عاجل»، والتحرك الفوري لوقف هذه الاعتداءات ومحاسبة المسؤولين عنها.

وكان حفتر قد التقى مؤخراً بوفد من مشايخ وأعيان وحكماء وأساتذة مدينة ترهونة، حيث «أشاد بتضحياتهم»، مؤكداً أنهم «دفعوا ثمناً باهظاً دفاعاً عن الوطن وانحيازاً لمعركة الكرامة».

رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مستقبلاً رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان الأحد (المجلس الرئاسي الليبي)

في غضون ذلك، ركّز رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي جهوده على الملف الاقتصادي كمحاولة لتعزيز الثقة الدولية، وترسيخ الشفافية في قطاع النفط.

وأكد المنفي، الذي يترأس أيضاً اللجنة المالية العليا، خلال اجتماعه، مساء الأحد، بطرابلس مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان اهتمام اللجنة بترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، وتعزيز أسس الإدارة الرشيدة في مختلف مؤسسات الدولة.

وشدد كذلك على استمرار التنسيق بين اللجنة المالية العليا والمؤسسة الوطنية للنفط لمتابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن اللجنة الفنية، وتذليل الصعوبات التي تواجه سير العمل بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، مشيراً إلى استعراض نتائج أعمال اللجنة الفنية المختصة بمتابعة النفقات التشغيلية والاستثنائية للمؤسسة الوطنية للنفط، إضافة إلى أهمية مراجعة الجوانب القانونية والفنية والمالية للعقود المبرمة في قطاع النفط خلال السنوات الخمس الماضية.

لقطة من اجتماع رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ونائبه مع سفير بريطانيا مارتن رينولدز يوم الاثنين (المجلس الأعلى للدولة)

بدوره، بحث رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة مع سفير بريطانيا الجديد مارتن رينولدز، الاثنين، بطرابلس مستجدات الأوضاع السياسية في ليبيا والجهود المحلية والدولية المبذولة لحل الأزمة السياسية.

وقال تكالة إنهما ناقشا أيضاً «خريطة الطريق» الأممية والحوارات التي تدور بين مجلسي الدولة والنواب لإنجاحها، والوصول بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار الدائم عبر إجراء انتخابات حرة وشفافة تلبي طموحات الشعب الليبي.

وكانت لجنتا «المناصب السيادية» بمجلسي النواب و«الدولة» قد استعرضت، مساء الأحد، بطرابلس مع نائبة رئيسة بعثة الأمم المتحدة للشؤون السياسية ستيفاني خوري آخر ما تم التوصل إليه بخصوص تسمية المرشحين للمناصب السيادية بالدولة.

وقبل هذا الاجتماع، بحث تكالة مع لجنة مجلسه لـ«المناصب السيادية» ما توصلت إليه من تفاهمات مع نظيرتها من مجلس النواب لاختيار شاغلي «المناصب السيادية» في الدولة بعد سلسلة من الاجتماعات والمشاورات المكثفة، في إطار خريطة الطريق للحل السياسي في البلاد، والالتزام بدعم المسار التوافقي وصولاً إلى الانتخابات.

وكشف موسى فرج، النائب الثاني لتكالة، أن مجلسه ينتظر من مجلس النواب اختيار ثلاثة أسماء من أصل سبعة تم ترشيحهم لتولي رئاسة المفوضية العليا للانتخابات، وأوضح في تصريحات تلفزيونية أن الآلية المتفق عليها بين المجلسين بشأن تسمية رئيس المفوضية واضحة، وتتطلب التزاماً متبادلاً من الطرفين لضمان سير العملية بسلاسة.

وأكد على أهمية الالتزام بجميع الآليات المتفق عليها لاستكمال اختيار شاغلي المناصب السيادية، لافتاً إلى أن توحيد المؤسسات المنقسمة يمثل خطوة أساسية لنجاح المسار السياسي والانتخابي في ليبيا.

والمناصب السيادية السبعة هي: محافظ المصرف المركزي، ورؤساء ديوان المحاسبة، وجهاز الرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد، والمفوضية العليا للانتخابات، والمحكمة العليا، والنائب العام.

صدام حفتر في زيارة منطقة الجغبوب يوم الاثنين (القيادة العامة)

وفي شأن مختلف، أكد الفريق صدام، نجل ونائب حفتر، خلال زيارته، الاثنين، إلى منطقة الجغبوب، حرصه على تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال دعم المؤسسات الخدمية لتحسين حياة المواطنين، وتوفير فرص العمل، مؤكداً استمرار قوات الجيش في أداء دورها الوطني في حماية الوطن وتأمين حدوده، بالتوازي مع دعم جهود الإعمار والتنمية في جميع ربوع البلاد.


مصر تحضّ الأطراف الليبية على «الانخراط الجاد» في العملية السياسية

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في القاهرة الاثنين (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في القاهرة الاثنين (الخارجية المصرية)
TT

مصر تحضّ الأطراف الليبية على «الانخراط الجاد» في العملية السياسية

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في القاهرة الاثنين (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً المبعوثة الأممية هانا تيتيه في القاهرة الاثنين (الخارجية المصرية)

تمسّكت مصر مجدداً بالحل السياسي الليبي - الليبي، «دون أي إملاءات أو تدخلات خارجية»، بوصفه سبيلاً وحيداً لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد، مؤكدة دعمها الكامل لجهود الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، من أجل تنفيذ خريطة الطريق الأممية.

واستقبل وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج بدر عبد العاطي، الاثنين، المبعوثة الأممية تيتيه، وذلك في إطار الحرص على مواصلة التنسيق والتشاور الوثيق مع الأمم المتحدة بشأن تطورات الأوضاع في ليبيا، وسبل دعم جهود التسوية السياسية الشاملة للأزمة.

وجاء لقاء عبد العاطي وتيتيه عقب اجتماع «آلية دول الجوار الثلاثية» الذي استضافته الجزائر في السادس من الشهر الحالي، وحضره إلى جانب وزير الخارجية المصري نظيراه الجزائري أحمد عطاف، والتونسي محمد علي النفطي.

وحضّت مصر، على لسان عبد العاطي خلال لقائه تيتيه، الأطراف الليبية كافّة على «الانخراط الجاد في العملية السياسية، بما يعيد ليبيا إلى مواطنيها ويحافظ على وحدة أراضيها وسيادتها».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير تميم خلاف، في بيان، الاثنين، إن الوزير عبد العاطي أكد خلال اللقاء الموقف المصري الثابت تجاه الأزمة الليبية القائم على التمسك بالحل السياسي الليبي - الليبي، مشيداً بجهود المبعوثة الأممية من أجل تنفيذ خريطة الطريق الأممية.

جانب من لقاء عبد العاطي وتيتيه في القاهرة الاثنين (الخارجية المصرية)

وأكد عبد العاطي أهمية المضي قدماً في تنفيذ ركائز هذه الخريطة، وفي مقدمتها تشكيل حكومة جديدة موحدة تتولى الإعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة في أقرب وقت ممكن، مشدداً على ضرورة الالتزام بالإطار الزمني المعلن، للحفاظ على مصداقية العملية السياسية وتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والتنمية.

وبنت الأمم المتحدة «خريطة الطريق» التي طرحتها تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أغسطس (آب) الماضي، على ثلاث ركائز أساسية تستهدف الوصول إلى الانتخابات العامة، على أن تُنفّذ عبر عملية تدريجية متسلسلة، وفق إطار زمني يتراوح بين 12 و18 شهراً.

وتشمل الركائز تنفيذ إطار انتخابي سليم من الناحية الفنية، بهدف إجراء انتخابات عامة، وتوحيد المؤسسات من خلال حكومة جديدة موحدة، وإجراء حوار يتيح المشاركة الواسعة لليبيين لمعالجة القضايا المهمة.

وفي إطار اللقاء الذي لم يُعلن مسبقاً، أوضح عبد العاطي أن مصر تواصل اتصالاتها المكثفة مع مختلف الأطراف الليبية، من أجل دعم مسار الحوار الوطني، مشدداً على «أهمية خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية دون استثناء أو تأخير، التزاماً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بوصف ذلك شرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار الدائم».

وتطرّق إلى ضرورة تبني مقاربة شاملة لمعالجة الأزمة الليبية تأخذ في الاعتبار جميع الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وعدم الاقتصار على مسار واحد دون غيره، على نحو يضمن معالجة جذور الأزمة ويُسهم في تحقيق الاستقرار المستدام في ليبيا والمنطقة بأسرها.

واختتم عبد العاطي مؤكداً استمرار مصر «في دعمها الكامل للجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية وتثبيت الأمن والاستقرار»، بالإضافة إلى «مساندة مؤسسات الدولة الليبية الوطنية بما يمكنها من الاضطلاع بمسؤولياتها وتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق في الأمن والتنمية والازدهار».

جانب من اجتماع وزراء خارجية الجزائر ومصر وتونس في الجزائر لبحث الأزمة الليبية 6 نوفمبر 2025 (وزارة الخارجية المصرية)

وكانت مصر والجزائر وتونس قد حضّت الأطراف الليبية كافّة على تغليب المصلحة الوطنية العليا، بما يضمن إنهاء حالة الانقسام وتوحيد المؤسسات السياسية والعسكرية، تمهيداً لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أقرب الآجال الممكنة.

وجدّد وزراء مصر والجزائر وتونس رفض بلدانهم لكل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، بوصفها من المسببات الرئيسية لإطالة أمد الأزمة وتعميق حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي، وتقويض نجاح العملية السياسية، وتهديد أمن واستقرار ليبيا ودول الجوار، على حد سواء.


النيابة العامة الليبية تتعقب المزيد من «قضايا الفساد»

النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)
TT

النيابة العامة الليبية تتعقب المزيد من «قضايا الفساد»

النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور في اجتماع سابق مع مساعديه (مكتب النائب العام)

تكثّف النيابة العامة الليبية من جهودها لتعقّب «قضايا الفساد» في إطار مساعيها لـ«تعزيز الشفافية في المؤسسات المالية والإدارية»، وذلك بعد حبس وزراء ومسؤولين على ذمة قضايا من هذا النوع.

تأتي هذه التحركات بعد حبس علي العابد، وزير التربية والتعليم المكلّف بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومدير مركز المناهج، بتهم «إساءة في عقود طباعة الكتب المدرسية للعام الحالي»، ليرتفع بذلك عدد الوزراء المحبوسين في الحكومة إلى أربعة على الأقل منذ تشكيلها عام 2021.

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة مستقبلاً وزير التربية والتعليم علي العابد في مارس الماضي (حكومة «الوحدة» الليبية)

وتزداد في ليبيا وتيرة الفساد في ظل إعلان النائب العام الصديق الصور عن ضبط واعتقال موظفين ومسؤولين حاليين بحكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وسابقين بتهم فساد، بينما يتشكك جل الليبيين في إمكانية التصدّي لذلك.

وقال مكتب النائب العام، الاثنين، إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد أحد موظفي فرع الجمهورية - القادسية لاتهامه بالاستيلاء على 8 ملايين و200 ألف دينار من أموال المودعين (الدولار يساوي 5.45 دينار ليبي). واختصمت النيابة متهماً آخر «تآمر مع مرتكب فعل الاستيلاء على تزوير أوراق عرفية»، وكذلك أربعة موظفين «أهملوا واجبهم الوظيفي بشكل مكّن غيرهم من الاستيلاء على الأموال».

وأوضح مكتب النائب العام أن محكمة استئناف طرابلس قضت بمعاقبة الأول بالسجن مدة سبع سنوات، وإلزامه برد المبلغ الذي استولى عليه وغرّمته نحو 16 مليوناً و500 ألف دينار مع حرمانه من الحقوق المدنية مدة تنفيذ العقوبة وسنة عقب تنفيذها.

وتضمن الحكم القضائي أيضاً معاقبة الموظف الآخر الذي ساعد في واقعة التزوير بالحبس سنة، وقضى بمعاقبة المتهمين الأربعة الآخرين عن واقعة الإهمال، بالحبس سنة واحدة، وأمرت بوقف نفاذها مدة خمس سنوات.

وقال مصدر بمكتب النائب العام لـ«الشرق الأوسط» إن النيابة تواصل التحقيق في «كل الوقائع التي وردت بالتقرير الأخير لديوان المحاسبة، وغيرها من وقائع استُحدثت»، مشيراً إلى أن لديها «كثيراً من الملفات قيد البحث والتحري قبل استدعاء المتورطين فيها».

وفي مطلع أغسطس (آب) 2024 قضت محكمة استئناف طرابلس بسجن موسى المقريف، وزير التربية والتعليم بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، 3 سنوات و6 أشهر، وحرمانه من حقوقه المدنية مدة العقوبة وسنة بعدها، وتغريمه ألف دينار، وذلك بتهمة «الفساد».

وكان رئيس حكومة «الوحدة» قد أطلق في 16 يوليو (تموز) «استراتيجية وطنية» للرقابة على الأداء ومكافحة الفساد (2025 - 2030). كما سبق وكشف ديوان المحاسبة في تقريره الأخير «تجاوزاً وتبديداً» للمال العام من قبل أطراف كثيرة بالبلاد، من بينها حكومة «الوحدة»، وسط مطالب بضرورة إخضاع المتورطين لـ«المحاكمة».

خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة بغرب ليبيا (المكتب الإعلامي للجهاز)

وأصدر ديوان المحاسبة، الذي يعد أكبر جهة رقابية في البلاد، تقريراً تضمن «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية، والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء السيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وكلّف رئيس حكومة «الوحدة» الوزير العابد في مايو (أيار) الماضي بمهام وزير التربية والتعليم، بالإضافة إلى مهامه وزيراً للعمل، وذلك بعد صدور حكم قضائي بالسجن بحق المقريف على خلفية «ملفات فساد» تتعلق بطباعة الكتاب المدرسي أيضاً.

كان ديوان المحاسبة أعلن رصد مخالفات في طباعة وتوريد الكتاب المدرسي والتقني، مما أدى إلى تأخير توريده، ومن ثم عدم وصوله إلى الطلاب. وفي 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال إنه أصدر قراراً يقضي بإخضاع كل المعاملات المالية المتعلقة بطباعة وتوريد الكتابين المدرسي والتقني للعام الدراسي 2025 - 2026 لأعمال الرقابة المصاحبة.

وانتهى ديوان المحاسبة إلى أن «هذه التدابير تأتي في إطار قيامه بمهامه الرقابية الرامية إلى حماية المال العام وضمان سلامة الإجراءات التعاقدية».

وشهدت الحكومة، التي تضم نحو 35 وزيراً ووزيرة منذ تشكيلها في 2021، حبس أو إدانة أربعة وزراء على الأقل، مع تركيز على قطاعي التربية والصحة بوصفهما أبرز المتضررين، بالإضافة إلى اعتقال مبروكة توكي، وزيرة الثقافة، نهاية 2021 بتهم «فساد مالي وإداري»، قبل أن يتم الإفراج عنها بتدخل من الدبيبة وعودتها إلى منصبها لاحقاً.