أدانت المحكمة الجنائية الدولية، اليوم الاثنين، أول زعيم لفصيل مسلح يُحاكم على ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور السوداني قبل أكثر من عشرين عاماً. وقالت المحكمة إن علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم (علي كوشيب)، مدان بارتكاب 30 جريمة حرب، من بينها الاغتصاب والقتل والاضطهاد، مشيرة إلى أن العقوبة ستُحدد لاحقاً بعد جولة جديدة من جلسات الاستماع.
أدانت المحكمة كوشيب، الذي كان أحد قادة ميليشيا «الجنجويد»، لدوره القيادي في حملة فظائع ارتُكبت في إقليم دارفور قبل أكثر من 20 عاماً. وهذه هي المرة الأولى التي تُدين فيها المحكمة مشتبهاً به بارتكاب جرائم في دارفور. وقضت المحكمة بأن هذه الفظائع، بما في ذلك جرائم القتل الجماعي والاغتصاب، كانت جزءاً من خطة حكومية للقضاء بالقوة على تمرد في المنطقة الغربية من السودان.
ولم يُبدِ كوشيب أي انفعال، بينما كانت رئيسة المحكمة، جوانا كورنر، تتلوا 27 حكماً بالإدانة، ويواجه عقوبة قصوى بالسجن المؤبد، فيما قالت أكدت المحكمة أن المتهم: «شجع وأصدر تعليمات أدت إلى القتل والاغتصاب والدمارالذي ارتكبته ميليشيا الجنجويد»، مضيفة أن الأحكام صدرت بالإجماع.
وفر كوشيب إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في فبراير (شباط) 2020 عند تأليف حكومة سودانية جديدة أكدت نيتها التعاون مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية، وسلم نفسه طوعاً في ذلك العام، مؤكداً أنه أقدم على هذه الخطوة لأنه كان يائساً ويخشى أن تقتله الحكومة السودانية.
الدفاع والادعاء
ودفع كوشيب ببراءته من تهمة الإشراف على آلاف من مقاتلي «الجنجويد» الموالين لحكومة الرئيس السابق عمر الببشير خلال ذروة القتال في عامي 2003 و2004. وقال دفاعه في وقت سابق إن المتهم «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، منهم الرئيس المخلوع البشير، ووزيرا الدفاع وقتها عبد الرحيم محمد حسين، والداخلية أحمد هارون.
وكان المدعي العام للمحكمة، كريم خان، قد قال في بيانه الختامي، خلال المحاكمة التي استمرت عامين، إن شهود الادعاء قدموا «روايات مفصلة عن القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب واستهداف المدنيين وحرق ونهب قرى بأكملها»، وإن الادعاء أثبت قضيته بما لا يدع مجالاً للشك.
واندلع الصراع في دارفور لأول مرة عندما حمل متمردون في إقليم دارفور السلاح في وجه حكومة البشير، متهمين إياها بتهميش المنطقة النائية الواقعة في غرب البلاد. وحشدت الحكومة آنذاك ميليشيات من أصول عربية في الأغلب، عُرفها باسم «الجنجويد» لقمع التمرد، ما أثار موجة من العنف وصفتها الولايات المتحدة وجماعات حقوق الإنسان بأنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية.
صراع جديد في دارفور

ومنذ بدء محاكمة كوشيب، اندلع الصراع مرة أخرى في دارفور، وتحول الصراع الحالي بين الجيش و«قوات الدعم السريع» إلى صراع يزداد دموية مع تعثر جهود وقف إطلاق النار. وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو (حزيران) من هذا العام أنه يجري أيضاً تحقيقات عاجلة في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حالياً في دارفور.
حكومة السودان سلّحت «الجنجويد»
وذكر خان أن حكومة السودان وآخرين كانوا يقومون بتسليح ميليشيا «الجنجويد» من أجل مقاومة التمرد، إلا أن الضحايا في هذه القضية «لم يكونوا متمرين، بل هم مدنيون». ووصف خان هذه المحاكمة بأنها تمثل بارقة أمل للذين فقدوا أقاربهم وممتلكاتهم، والذين ينتظرون العدالة لمدة 20 عاماً.
وكان المستشار في مكتب المدعي العام، داهيرو سان آنا، قد ذكر في نهاية العام الماضي، أن مكتبه يحقق في أحداث دارفور الناجمة عن الحرب الحالية، وأنه كلف فريقاً يقوم بجمع المعلومات في دارفور يتعلق بالقضايا الجديدة، في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يقول السكان إنها تحدث في الإقليم المضطرب، وبنهاية التحقيقات سيجري تقديم طلبات لقضاة المحكمة لتوجيه اتهامات.





