في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الجزائرية - الإسبانية تحسّناً لافتاً، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والتجاري بعد فترة توتر حاد بسبب الخلاف حول مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية، خطت الجزائر في المقابل خطوة إضافية نحو تكريس القطيعة مع فرنسا، علماً أن نزاع الصحراء نفسه كان منطلق التوتر مع باريس في يوليو «تموز» 2024.
في أعقاب لقائه، الثلاثاء، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، مع وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أكد وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، عبر حسابه على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، الرغبة المشتركة في إعادة تفعيل التعاون، وقال موضحاً: «استعرضنا مستوى العلاقات الثنائية الجيدة، بما في ذلك الارتفاع الكبير بنسبة 190 في المائة في الصادرات الإسبانية. ونحن ملتزمون بتعزيز الصداقة والتعاون بين بلدينا».

وفي تعاطيه مع الجزائر، يواصل وزير الخارجية الإسباني، حسب مراقبين في الجزائر، اعتماد نهج براغماتي ثابت. فبعد أزمة دبلوماسية استمرت ثلاث سنوات، وإن كانت أقل حدّة من تلك التي شهدتها العلاقات الجزائرية - الفرنسية، يعمل الطرفان على استعادة الثقة تدريجياً، عبر خطوات محسوبة نحو التهدئة والانفراج.
وأفاد بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، الأربعاء، بأن محادثات الوزيرين «تناولت التقدّم المُحقق على درب تعزيز الشراكة الثنائية بين البلدين، سواء في الميادين الاقتصادية، أو غيرها من المجالات ذات الأولوية للطرفين».
وعندما أعلنت مدريد في 18 مارس (آذار) 2022 أن مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء «يمثل الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية» لحل النزاع، وذلك في رسالة وجّهها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، شكّل هذا الموقف تحولاً كبيراً في سياسة إسبانيا التقليدية تجاه قضية الصحراء، وأدى مباشرةً إلى توتر كبير مع الجزائر، التي ردّت في اليوم التالي بسحب سفيرها من مدريد.

وقبل الأزمة، كانت العلاقات الثنائية قوية بفضل صادرات الغاز والعلاقات الاقتصادية، لكن الأزمة أضعفتها بشكل مفاجئ.
ومع ذلك، لم تُغلق الأبواب تماماً بين العاصمتين. ففي أواخر عام 2023 عاد السفير الجزائري إلى مدريد، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رفعت الجزائر القيود على الواردات الإسبانية. وقد تُرجِم هذا الانفراج منذ عام 2024 باستئناف مذهل في التبادلات التجارية، حيث شهدت التجارة بين الجزائر وإسبانيا انتعاشاً لافتاً، وحسب الصحافة الإسبانية، فقد ارتفعت الصادرات إلى الجزائر بنسبة 162 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، مقارنةً بنفس الفترة من 2024، لتبلغ نحو 900 مليون يورو.
ويُجسد شهر مايو (أيار) 2025 وحده هذا الانتعاش: 217 مليون يورو من الصادرات الإسبانية مقابل 54.5 مليون فقط قبل عام. ومن بين أكثر القطاعات المستفيدة، تأتي صناعة السيراميك، التي كانت مشلولة لفترة طويلة بسبب الإجراءات الجزائرية الانتقامية عقب الاعتراف بمغربية الصحراء.
يشار إلى أن قطاع الطاقة لم يتأثر مطلقاً بالأزمة، حيث واصلت شركة «سوناطراك» الوفاء بعقود الغاز مع شركائها الإسبان، حتى في ذروة التوترات السياسية، ويعود ذلك إلى أن الشراكة في هذا المجال مقيدة باتفاقات متوسطة وطويلة المدى، وأي إخلال بها يُعرِّض أحد الطرفين لعقوبات مالية في حال اللجوء إلى التحكيم الدولي.
وتعكس عودة التبادلات التجارية -خارج قطاع الطاقة- قوة النهج المبنيّ على تقاسم المنفعة، إذ تستعيد إسبانيا سوقاً رئيسية لصادراتها الصناعية، فيما تُخفف الجزائر من التوتر مع شريك أساسي. وعلى الرغم من أن الأزمة بين الجزائر ومدريد كانت حادة، فإنها لم تبلغ حد القطيعة شبه التامة كما حدث مع باريس.

واللافت أن إسبانيا لم تتراجع عن دعمها للموقف المغربي من قضية الصحراء، ورغم ذلك انتهز الرئيس عبد المجيد تبون مناسبة منح جائزة أدبية إسبانية للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا في 19 فبراير (شباط) 2025، ليصف في رسالة إلى الروائي المرموق إسبانيا بأنها «بلد صديق».
وعلى نقيض فترة الصفاء التي تميز العلاقات مع مدريد، تصاعد الانسداد بين باريس ومستعمرتها السابقة على خلفية تكريس إلغاء اتفاق وقَّعه البلدان في 2013، يقضي بإعفاء الدبلوماسيين من التأشيرة، وذلك بنشره من طرف الحكومة الجزائرية في الجريدة الرسمية الأسبوع الجاري.
كانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أصدرت في أغسطس (آب) الماضي إشعاراً يخص تجميد هذا الاتفاق، مؤكدةً أن الجزائر هي من «توقفت عن تطبيقه اعتباراً من 11 مايو 2025»، مبررةً قرارها بـ«مبدأ المعاملة بالمثل». وإثر ذلك استدعت الخارجية الجزائرية القائم بالأعمال في سفارة فرنسا، وأبلغته قرارها إلغاء الاتفاق من أساسه في خطوة دلَّت على أن أفق العلاقات دخل في نفق مظلم.
وسبق هذا الفصل الجديد من الخلافات، خطوات تصعيدية، كان أخطرها سجن ثلاثة موظفين قنصليين في فرنسا، في أبريل (نيسان) الماضي، بتهمة «خطف واحتجاز» يوتيوبر جزائري لاجئ في فرنسا يُدعى أمير بوخرص. كما أن باريس أظهرت رغبة في مراجعة اتفاق الهجرة (1968)، الذي يمنح الأفضلية للرعايا الجزائريين فيما يخص الإقامة والعمل والدراسة والتجارة و«لمّ الشمل العائلي».



