قرّرت الحكومة المصرية إعفاء السودانيين الراغبين في مغادرة البلاد من أي «غرامات مالية بشأن إقامتهم»، وذلك حتى 10 مارس (آذار) المقبل، ما عدّه خبراء «تحفيزاً إضافياً» للسودانيين للعودة.
ولا يسري القرار الحكومي الذي أعلنته السفارة السودانية في القاهرة، الثلاثاء، على راغبي البقاء في مصر، إذ ذكرت السفارة، في بيان لها، أن «يقوم بقية المواطنين السودانيين الراغبين في تجديد إقامتهم في مصر، ولم يلتزموا بتجديد الإقامات في مواعيدها المحددة، بدفع الغرامات والرسوم المفروضة».
وتعدّ رسوم الإقامات المفروضة على السودانيين في مصر هي الأقل بين مختلف الجنسيات الأخرى، إذ أعفتهم الحكومة من قرار سابق في سبتمبر (أيلول) عام 2024 من زيادة في الرسوم، قفزت من 50 إلى 150 دولاراً (الدولار 48 جنيهاً) للشخص، بينما تبلغ رسوم إقامة السوداني 25 دولاراً فقط، حسب تصريح أمين الجالية السودانية في مدينة العاشر من رمضان، إبراهيم عزّ الدين لـ«الشرق الأوسط».
وتتنوع أوضاع السودانيين المقيمين في مصر، بين من كانوا موجودين قبل اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023، وهؤلاء لديهم إقامات في الأغلب، سواء سياحية أو للدراسة، ثم من جاءوا عقب ذلك التاريخ، وكثير منهم بـ«طرق غير مشروعة» ولا يملكون أوراق إقامة رسمية، وجزء ثالث لديه «الكارت الأصفر» (لاجئ أو طالب لجوء) من «مفوضية شؤون اللاجئين»، وفق عز الدين.
وتسببت الحرب الداخلية بالسودان في فرار الملايين داخل البلاد وخارجها، بينهم نحو مليون ونصف مليون دخلوا مصر، حسب إحصاءات رسمية. وتقدر الحكومة مجمل أعداد السودانيين في مصر بنحو 4 ملايين سوداني.

وثمّن أمين الجالية السودانية في مدينة العاشر من رمضان القرار الأخير باعتباره «ضوءاً أخضر من الحكومة المصرية للسودانيين لتحفيز عودتهم».
الأمر نفسه أكّده مؤسس مبادرة «راجعين لي بلد الطيبين»، محمد سليمان، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن القرار بمثابة «دعم من الحكومة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسودانيين، يضاف إلى احتضان مصر لنا على مدار السنوات الماضية»، متوقعاً أن يزيد القرار من أعداد العائدين.
وأوضح سليمان أن «تدفق حركة العودة كان يتركز في الشهور الأخيرة على المنافذ البرية من أسوان للسودان، عبر مبادرات (العودة الطوعية)؛ لكن القرار الأخير سوف يشجع السودانيين ميسوري الحال على السفر عبر المنافذ البحرية أو الجوية، خصوصاً مع استقرار الأوضاع في مطار بورتسودان، وهي المدينة التي يحتاج السودانيون إلى المضي طيلة 3 أو 4 أيام للوصول إليها براً».
وسبق أن نظّمت الحكومة المصرية، بالتنسيق مع «منظومة الصناعات الدفاعية السودانية»، مبادرة لتيسير العودة الطوعية للسودانيين، عملت على توفير قطار أسبوعياً لنقل 1000 سوداني من القاهرة لأسوان منذ 21 يوليو (تموز) الماضي. ثم في منتصف أغسطس (آب) الماضي، قررت زيادتها لقطارين، ثم 3 قطارات أسبوعياً «لاستيعاب الأعداد الكبيرة المقبلة على العودة»، حسب سليمان، الذي أشار إلى «زيادة عربات القطارات من 10 إلى 12 لاستيعاب مزيد من العائدين كل مرة».

ويسّرت «مبادرة القطارات» رحلة العودة إلى السودان، إذ تستغرق الرحلة بالحافلات ضعف الوقت الذي تستهلكه القطارات، فضلاً عن كثرة عدد العائدين فيها «أكثر من 3 آلاف سوداني في الأسبوع الواحد» مقارنة بالحافلات، وفق مؤسس مبادرة «راجعين لي بلد الطيبين»، مشيراً إلى أن «حملات العودة بالحافلات لا تزال تعمل جنباً إلى جنب مع القطارات»، وتُسير مبادرته وحدها نحو 12 حافلة شهرياً، سعة الواحدة منها 50 شخصاً.
ووفق بيانات رسمية، عاد إلى السودان براً منذ مطلع عام 2024 حتى 13 أغسطس الماضي نحو 323 ألفاً و386 سودانياً، بحسب تصريح سابق للقنصل السوداني في أسوان، عبد القادر عبد الله.
خبير دراسات السكان والهجرة، عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مصر، أيمن زهري، يرى أن القرار المصري الأخير «ليس تشجيعاً للسودانيين على العودة بقدر ما هو تيسير للعودة للراغبين في ذلك»، مشيراً إلى أن «علاقة مصر بالسودان علاقة تاريخية خاصة جداً، وهم ضيوف أعزاء، وكل هذه الإجراءات تصبّ في أننا لا نريد للأشقاء أن يتعرضوا لمشكلات بسبب إقامتهم غير النظامية».

وتشكو الحكومة المصرية من «ثقل حمل الوافدين عليها» الذين تطلق عليهم وصف «الضيوف». وقدّرت تكلفة استضافة نحو 10 ملايين وافد أجنبي بنحو 10 مليارات دولار سنوياً. وشهدت مصر موجات من ارتفاع أسعار الإيجارات في مناطق عدة، خصوصاً التي تمركزت بها الجالية السودانية.
ولفت زهري إلى «وجود تيار عودة قوي من السودانيين في مصر حالياً»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الموجة الجديدة من السودانيين الذين قدموا بعد 15 أبريل الماضي، أقل رغبة في الإقامة الدائمة أو الإقامة الطويلة في مصر، هم يتمنون استقرار الظروف في بلادهم من أجل العودة، وهو ما بدأ بالفعل». وأضاف: «هذا بخلاف السودانيين الذين حضروا إلى مصر قبل 15 أبريل، ممن كانوا يقيمون إقامة شبه دائمة في مصر تحت مظلة اتفاقية (الحريات الأربع)، التي تم وقف تنفيذ بعض بنودها بعد التدفقات الكثيفة للإخوة السودانيين بعد الأحداث الأخيرة».
وكانت السفارة السودانية في القاهرة وجّهت «الشكر للرئيس المصري لرعايته المتواصلة للوجود السوداني، والسلطات المصرية، على تفهمها للأوضاع الاستثنائية التي يمر بها المواطنون السودانيون، وجهودها في معالجة التحديات التي تواجههم».
ووافقت الحكومة المصرية، الأربعاء، على مدّ فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية «بنظام المستضيف» لمدة عام إضافي، وذلك في ضوء قرب انتهاء المهلة الحالية لتقنين وتوفيق الأوضاع في 18 سبتمبر الحالي.



