الجزائر: قانون المناجم الجديد يدخل حيز التنفيذ رغم الاعتراضات

الحكومة بررت وضعه بـ«السعي إلى جذب الاستثمار الأجنبي»

مناشدات سياسية للرئيس لسحب قانون المناجم (الرئاسة)
مناشدات سياسية للرئيس لسحب قانون المناجم (الرئاسة)
TT

الجزائر: قانون المناجم الجديد يدخل حيز التنفيذ رغم الاعتراضات

مناشدات سياسية للرئيس لسحب قانون المناجم (الرئاسة)
مناشدات سياسية للرئيس لسحب قانون المناجم (الرئاسة)

بدأت الجزائر فعلياً تطبيق إصلاحات جذرية بقطاع المناجم، بعد أن أصبح القانون المعدني الجديد ساري المفعول بنشره في «الجريدة الرسمية الأحد»... وجاء الإجراء بعد تجاهل تام لاحتجاجات أحزاب المعارضة، التي طالبت بسحب القانون بدعوى أنه «ينتهك سيادة البلاد على ثروتها الباطنية».

وأحدثت «المادة 66» من القانون تغييراً مهما على نشاط استغلال المناجم والمعادن، وفق مختصين، وذلك بالتفريق بين مرحلتي التنقيب والاستكشاف، والاستغلال. في الأولى يمكن لأي شركة، سواء كانت جزائرية خالصة أو شركة أجنبية تعمل في الجزائر وتخضع للقانون الجزائري، الحصول على ترخيص.

أما في الثانية وهي الأهم، لا يُسمح إلا للشركات الجزائرية الخاضعة بالكامل للقانون الجزائري بالتقدم بطلب للحصول على رخصة للاستغلال. وبمعنى آخر، يمكن للشركات الأجنبية أن تبحث وتستكشف، لكن عند الوصول إلى مرحلة استخراج الثروة، يجب أن تكون الشركة جزائرية.

مشروعات منجمية بجنوب البلاد (وزارة الطاقة والمناجم)

أما التغيير الجوهري الآخر فيتعلق بمشاركة الأجانب في المشاريع المنجمية بالجزائر، إذ ينهي القانون الجديد «قاعدة 49/51» التي كانت تضبط الاستثمار الأجنبي في القطاعات المصنّفة «استراتيجية»، ومن ضمنها المناجم، لكنه أبقى عليها بالنسبة لاستغلال المقالع.

وتعني «القاعدة 49/51»، في سياق الاستثمار والأعمال في الجزائر، أن الشريك أو المستثمر الأجنبي يمكنه امتلاك حتى 49 في المائة من رأس مال شركة ما، بينما يجب أن تمتلك الجهات أو الأشخاص الجزائريون نسبة 51 في المائة على الأقل، أي أغلبية الأسهم والسيطرة في الشركة.

وتم اعتماد هذه القاعدة في التسعينات، بهدف الحفاظ على السيطرة الوطنية في الشركات، خصوصاً في القطاعات الحساسة أو الاستراتيجية مثل المناجم أو الموارد الطبيعية.

المجلس الشعبي الوطني خلال المصادقة على قانون المناجم الجديد (البرلمان)

ووفقاً لـ«المادة 101» من القانون الذي صادق عليه البرلمان في يوليو (تموز) الماضي، فإن المؤسسة الوطنية تشارك بنسبة 20 في المائة بحد أقصى في رأسمال الشخص المعنوي الجزائري المملوك جزئياً أو كلياً للأجانب، عندما يطلب هذا الأخير رخصة استغلال المناجم.

وتُشير هذه المادة إلى أن المؤسسة الوطنية تحتفظ بحقها في الأغلبية ضمن رأسمال الشركة المشتركة. ويمكن تخفيض هذه النسبة في حال وجود قرار من المؤسسة الوطنية بخلاف ذلك، لكن لا يمكن أن تقل في حال زيادة رأس المال، وفي المقابل، يمكن رفع هذه النسبة إذا كان هناك أي مبرر اقتصادي يخدم الطرفين.

وبخصوص رخصة استغلال المقالع، فهي تُمنح حصرياً لشخص معنوي جزائري، يكون رأسماله مملوكاً لأشخاص معنويين أو طبيعيين جزائريين بنسبة لا تقل عن 51 في المائة

وينص القانون الجديد على انفتاح القطاع المنجمي على الأجانب، بشكل أكبر. كما يسمح بالاستغلال الحِرَفيّ للمناجم أو المقالع، حيث يمكن لـ«الوكالة الوطنية للأنشطة المنجمية» الحكومية، منح رخصة لأي شخص جزائري، على مساحة حرة وبعمق آمن يحدده القانون. وفي حال تقدم عدة أشخاص بطلب الاستغلال للمساحة نفسها، تمنح الرخصة لأول من قدّم الطلب.

وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب (وزارة الطاقة)

كما يجيز القانون استغلال المناجم في البحر، ويعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 200 ألف دينار (1500 دولار) إلى مليوني دينار (15.500 دولار)، كل من يقوم بأعمال تنقيب أو استكشاف منجمي دون رخصة. كما يعاقب القانون بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من مليون (7.7 ألف دولار) إلى ثلاثة ملايين دينار (23 ألف دولار)، كل من يمارس نشاط استغلال منجمي دون ترخيص أو سند قانوني.

أما من يقوم بـ«الحفر في المواقع الجيولوجية المميزة»، وفق ما ذكره القانون، أو جمع أو بيع المعادن أو النيازك أو الحفريات دون موافقة مسبقة من الجهة المختصة، فيواجه عقوبة بالحبس من ستة أشهر إلى سنة، وغرامة تتراوح بين 500 ألف (حوالي 4 آلاف دولار) ومليون دينار (7.7 ألف دولار).

وقبل صدوره في «الجريدة الرسمية»، ناشدت أحزاب الرئيس عبد المجيد تبون سحبه، مُعبّرين عن «قلق عميق إزاء التغيير الجذري والمفاجئ في التوجه الذي يحكم قطاع المناجم، لأنه يتعارض مع المصالح الوطنية»، بحسب ما جاء في بيان مشترك أصدره رئيس «جيل جديد» سفيان جيلالي، والأمينة العامة لـ«حزب العمال» لويزة حنون، ورئيس «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» عثمان معزوز في 26 يوليو الماضي.

سفيان جيلالي رئيس حزب «جيل جديد» (الشرق الأوسط)

وتبرر هذه الأحزاب موقفها بـ«تجارب سابقة أظهرت أن الشركات الأجنبية غالباً ما تركز على الربح دون احترام القوانين البيئية»، كما أنها تتساءل عن «سبب هذا القرار في ظل عدم وجود ديون خارجية على الجزائر». وتم التصديق على القانون بالأغلبية في غرفتي البرلمان، حيث لا تملك الأحزاب الثلاثة المعارضة أي تمثيل يسمح لها بالتأثير في القرار.

وأثناء عرضه على النواب، برر وزير الطاقة والمناجم محمد ، طرح القانون الجديد بـ«وجود تحديات تواجه قطاع المناجم، مثل ضعف الاستثمار ونقص الاكتشافات الجديدة». وقال إن الهدف من إطلاقه «هو توفير بيئة جاذبة ومحفزة للاستثمار من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز الضمانات القانونية للمستثمرين، وتسهيل الوصول للبيانات الجيولوجية باستخدام تقنيات رقمية»، مشدداً على أن القانون الجديد «يعيد بعث القطاع على أسس حديثة وشفافة لتطوير الصناعة المنجمية».


مقالات ذات صلة

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

شمال افريقيا وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

اعتمدت الجزائر آلية قانونية تتيح تأجيل ملاحقة الشركات المتورطة في ملفات فساد، قضائياً، مقابل استرجاع الأموال المحوَّلة إلى الخارج بطرق غيرمشروعة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا نجل زعيم التنظيم الانفصالي (التلفزيون الجزائري)

الجزائر تضيّق الخناق على «ماك» بعد إعلان «دولة القبائل المستقلة»

خطت السلطات الجزائرية خطوة جديدة في صراعها مع التنظيم الانفصالي «حركة تقرير مصير القبائل»، من خلال تنظيم ظهور إعلامي في التلفزيون الحكومي لنجل فرحات مهني.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تصفيق في البرلمان الجزائري عقب التصويت على قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الجزائر: تساؤلات تلف «ملف الذاكرة» مع فرنسا بعد اعتماد قانون تجريم الاستعمار

أعلن الطيف السياسي في الجزائر دعمه القويّ لتصديق البرلمان، الأربعاء، على «قانون تجريم الاستعمار» الفرنسي للجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، وترقب نتائج لقاء مرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

تلك التسريبات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تأتي ضمن مخطط إسرائيلي جديد يُهدد مسار اتفاق وقف إطلاق النار، وتوقعوا أن «تكون حيلة من مساعي نتنياهو لتخفيف الضغوط المرتقبة في لقاء ترمب، والمساومة بعدم التوسع وعدم الانسحاب مقابل دخول المرحلة الثانية وفق شروط نزع سلاح (حماس) دون أي استحقاق على الجانب الإسرائيلي، وإطالة أمد تنفيذ الاتفاق».

ونقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، الأحد، عن مصادر مطلعة قولها إن «واشنطن وتل أبيب بلورتا خطة تسمح بتوسيع نطاق (الخط الأصفر) إلى 75 في المائة من مساحة قطاع غزة بدلاً من 53 فقط، واعتبار ذلك ضغطاً مدنياً على حركة (حماس)، لتفادي صدام نزع سلاح الحركة، والحيلولة دون الحاجة إلى نشر قوات دولية».

تلك الخطة، التي لا تزال قيد الدراسة، تزيد من وتيرة الشروع في إعادة إعمار غزة داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وتُطرح قبيل زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، في إطار تفاهم استراتيجي بين تل أبيب وواشنطن، يفضي إلى إعادة إعمار القطاع في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما دامت حركة «حماس» تواصل رفض نزع سلاحها.

وقدّرت المصادر أن الخطة المطروحة تحظى بقبول كبير لدى إسرائيل والولايات المتحدة، وتسمح بأن تحتل قوات الجيش الإسرائيلي أراضي جديدة في قطاع غزة، لتبتلع 75 في المائة من مساحته، تحت ذريعة أنه لا يمكن انتظار نزع سلاح «حماس» بوصفه شرطاً لبدء جهود إعادة الإعمار فوراً على مراحل دون أن يطول ذلك مناطق تقع تحت سيطرة «حماس».

وترى إسرائيل، حسب المصادر ذاتها، أن هذا الوضع سيُؤدي إلى زيادة الضغط الداخلي في قطاع غزة؛ إذ يفضل الغزيون حينها الانتقال إلى المنطقة المُعاد تأهيلها، في حين ستُفرغ مناطق حركة «حماس» تدريجياً، وتبقى مأهولة بشكل رئيسي بعناصر الحركة، ما يسمح بعمليات عسكرية محدودة عند الضرورة، دون العودة إلى قتال واسع النطاق.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أن «هذه التسريبات دعاية إسرائيلية لإرباك جهود الوسطاء، وتهديد مسار اتفاق غزة، ومحاولة فرض مساومات خلال لقاء ترمب نتنياهو المرتقب لعدم الانسحاب من القطاع»، مؤكداً أن «ذلك اللقاء حاسم لمستقبل الاتفاق وإنهاء تلك الخطط غير القابلة للتطبيق أو التوافق بشأنها، وسيكون موقف واشنطن الفيصل في ذلك».

عناصر من «حماس» وأعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسط الأنقاض في مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن مخطط توسيع «الخط الأصفر» باتجاه غرب غزة يعني أن هناك تصعيداً عسكرياً سيحدث تجاه مناطق وجود «حماس» وهذا تهيئة له، وسط انسجام إسرائيلي أميركي لهذا المخطط الذي يُهدد مسار الاتفاق بالأساس، مشدداً على أن «الاتفاق يلزم إسرائيل باستحقاق الانسحاب؛ لكنها تراوغ في التنفيذ، وسيكون لقاء ترمب نتنياهو حاسماً أمام هذه المراوغات».

في المقابل، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مقابلة متلفزة، مساء السبت، إن واشنطن تتفهم تماماً أن مصر لا تطرح أفكاراً بشأن غزة لمجرد فرض الرأي، وإنما لوضع خطة ترمب موضع التنفيذ على الأرض، مشيراً إلى «أهمية النشر السريع لقوة الاستقرار الدولية لمراقبة التزام الطرفين بوقف إطلاق النار، والتثبت من ذلك، وإتمام الانسحابات الإسرائيلية من القطاع».

وذكر أن خطة ترمب مكونة من 20 نقطة، ولا يجوز التعامل معها بـ«انتقائية»، مضيفاً: «يجب ألا نتحدث فقط عن حصر السلاح وخلافه ونغفل مسألة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، الخطة حزمة واحدة ولا تتجزأ، ويتعين الالتزام بها كلها وتنفيذها على أرض الواقع».

واستعرض أولويات مصر خلال تلك المرحلة، وهي تثبيت وقف إطلاق النار، وعدم عودة العدوان الإسرائيلي الغاشم والواسع على غزة، وإغراق القطاع بالمساعدات الغذائية والطبية.

ويرى أنور أن موقف مصر يأتي على الدوام للحيلولة دون استمرار عراقيل إسرائيل، مشدداً على أن انسحاب إسرائيل يجب أن يتم وفق ما تنص عليه خطة ترمب، ويجب عدم تجزئة التنفيذ بالوقوف عند أعتاب نزع سلاح «حماس» وفقط، متوقعاً أن تتفهم واشنطن الرغبة المصرية وتضغط أكثر على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق.

في حين أكد نزال أن «مصر حريصة على إنهاء كل المراوغات الإسرائيلية، والدفع بالاتفاق للأمام»، متوقعاً أن «تضغط واشنطن في إطار هذه المواقف، ولا سيما المصرية، على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية، على أن يوافق نتنياهو على ذلك، مع العمل على إطالة أمد التنفيذ تحت دعاوى، منها عدم نزع سلاح (حماس) لعدم تنفيذ الانسحاب المقرر في المرحلة الثانية».


«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
TT

«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

خيّمت أجواء من الارتباك والجدل على المشهد الليبي عقب اعتذار ألمانيا عن تحليل الصندوق الأسود لطائرة «فالكون 50» التي تحطمت في أنقرة الأسبوع الماضي، وأودت بحياة رئيس الأركان التابع لحكومة «الوحدة» المشير محمد الحداد ومرافقيه.

وتزاحمت الشكوك مع الروايات الرسمية في النقاشات العامة لليبيين حول تفسير أسباب الحادث خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وسط مخاوف البعض من أن يقود مسار التحقيق إلى نتائج حساسة تتجاوز حدود حادث طيران تقليدي.

الحداد بجوار المنفي قبل اجتماع الشهر الماضي في طرابلس (المجلس الرئاسي)

القرار الألماني الذي أعلنته وزارة الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، الجمعة، لم يُأخذ بوصفه إجراءً تقنياً صرفاً، بل فجّر تساؤلات واسعة لدى سياسيين ونشطاء بشأن دوافعه وتوقيته، لا سيما في ظل تأكيد الحكومة أن دولاً أخرى قادرة على تحليل الصندوق الأسود، وأن بريطانيا اختيرت لاستكمال الإجراءات الفنية، بالتوازي مع تحقيقات ليبية - تركية مشتركة لا تزال جارية.

وفي خضم جدل هيمن على مواقف سياسيين ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، شدّد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، علي الصول، على أن «البرلمان يترقّب نتائج شفافة ودقيقة ونزيهة للتحقيقات الجارية في حادث سقوط الطائرة»، مؤكداً ضرورة «تحييد هذا الملف الحساس عن أي توظيف أو تسييس أو اتهامات لأي طرف».

الدبيبة في مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

وقال الصول، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «انخراط الليبيين بشكل مباشر في مسار التحقيق بات أمراً لا غنى عنه»، داعياً إلى «إشراك خبرات وكوادر ليبية متخصصة في مجال الطيران، إلى جانب أعضاء من مكتب النائب العام، بما يضمن سيادة القرار الوطني، ويعزّز ثقة الرأي العام في نتائج التحقيق، وصولاً إلى كشف مهني ومسؤول لأسباب الحادث وملابساته».

ومنذ اللحظة الأولى، بدا الاعتذار الألماني «غير مقنع» لقطاع من السياسيين والمحللين الليبيين، إذ يصعب - برأيهم - التسليم بعجز تقني لدولة تُعد من رواد العالم في صناعات الطيران والتحقيقات الفنية المعقّدة.

وتساءل عضو مجلس النواب سعيد مغيب، في منشور عبر حسابه بموقع «فيسبوك»: «من الذي لا يريد للحقيقة أن تظهر؟» فيما عبّر عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة عن استغرابه من غياب لجنة تحقيق مشتركة تضم الحكومتين المتنافستين في ليبيا وتركيا، متسائلاً عن أسباب عدم تشكيل مثل هذه اللجنة عقب الاعتذار الألماني.

وذهب بعض الفاعلين المحليين إلى أبعد من ذلك، إذ أدرج رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري» عز الدين عقيل الحادث ضمن سردية أوسع أقرب إلى «نظرية المؤامرة»، عادّاً أن سقوط الطائرة لا يمثل مجرد خلل تقني، بل حلقة في سلسلة طويلة من الاضطرابات التي عاشتها ليبيا منذ عام 2011. وقال إن مصير الطائرة «يتصل اتصالاً عضوياً بما جرى للبلاد منذ إسقاط نظام القذافي وحتى لحظة رحيل الحداد».

أما الأكاديمي وأستاذ القانون الليبي مجدي الشبعاني، فقد رأى أن ألمانيا تمتلك قدرات متقدمة في تحليل الصناديق السوداء، وأن الامتناع عن القيام بهذه المهمة «من دون سبب قانوني أو فني واضح» يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة، عادّاً أن هذا الموقف «لا يمكن قراءته قراءة تقنية بحتة، بل قد يُفهم بوصفه تحفّظاً أو تهرّباً ذا بعد سياسي».

غير أن عضو الأمانة العامة لحزب «ليبيا النماء» حسام فنيش يذهب إلى ضرورة الفصل بين المسارين الفني والسياسي، محذّراً من أن التسرع في تفسير الحادث سيزيد الغموض بدلاً من كشفه، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الحقيقة التقنية هي التي يجب أن ترسم حدود القراءة السياسية، لا العكس»، وأن التحقيقات في حوادث الطيران ذات الأبعاد السياسية ينبغي أن تنطلق من معطيات فنية مستقلة وموثوقة.

مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

هذا الجدل الليبي الدائر، ومن منظور محللين من بينهم الباحث في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية جلال حرشاوي، «ينطوي على مبالغة واضحة في سياق الأزمة السياسية الليبية وتراكماتها منذ 14 عاماً».

ويعتقد حرشاوي، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»، أن الحادث لا يمكن فصله عن المناخ العام للصراع في ليبيا، لكنه عبّر في الوقت ذاته عن «تشاؤمه من الوصول إلى نتائج حاسمة»، مستشهداً بحوادث طيران مشابهة لسياسيين وعسكريين حول العالم، بقيت ملابساتها غامضة حتى بعد مرور عقود.

يأتي الارتباك في تفسيرات ملف الصندوق الأسود لطائرة الحداد، فيما ودّع الليبيون ضحايا الحادث، حيث أدى آلاف المواطنين، الأحد، صلاة الجنازة في مدينتي مصراتة وغريان على رئيس الأركان ومرافقيه، في مشهد عكس حجم الصدمة التي خلّفها سقوط الطائرة.

وكانت طائرة «فالكون 50» قد تحطمت بعد أقل من 40 دقيقة على إقلاعها من أنقرة أثناء عودتها إلى طرابلس عقب زيارة رسمية إلى تركيا، يوم الثلاثاء الماضي، ما أسفر عن مصرع ثمانية أشخاص، بينهم خمسة ليبيين من كبار القادة العسكريين.

وضمت قائمة الضحايا، إلى جانب الحداد، قائد القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، ومدير التصنيع العسكري العميد محمود جمعة القطيوي، ومستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور محمد عمر أحمد محجوب.


أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)
القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)
TT

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)
القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

انطلقت من القاهرة، الأحد، أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان، تحمل نحو 70 طناً من الأغذية والمستلزمات الطبية، ويُتوقع وصولها إلى الأراضي السودانية ليلة رأس السنة.

وتشمل القافلة التي أعدَّها «الهلال الأحمر المصري» سلالاً غذائية، وأدوية، ومستلزمات إيواء تشمل مراتب وبطاطين وأغطية شتوية ومستلزمات إغاثية، وهي مواد تم اختيارها وفق الأولويات التي جرى التنسيق بشأنها مع «الهلال الأحمر السوداني».

وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي، نائبة رئيس «الهلال الأحمر المصري»، الدكتورة مايا مرسي، خلال حضورها انطلاق القافلة، الأحد، أنها تُعد أول قافلة برية ستقطع مسافة نحو ألفي كيلومتر للوصول إلى الأراضي السودانية؛ حيث من المنتظر أن تصل ليلة رأس السنة، ويصاحبها وفد من متطوعي «الهلال الأحمر المصري».

وأشارت مايا مرسي إلى أن «القافلة تعد رسالة دعم مصرية للشعب السوداني، في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر بها في الوقت الراهن»، كما أنها «ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في دعم الأشقاء بالسودان، حتى تجاوز الأزمة الراهنة».

وحسب الوزيرة المصرية، سبق أن أرسلت مصر منذ 2023 ثلاث شحنات معونات، تزيد على ألف طن مساعدات إنسانية مقدمة من «الهلال الأحمر المصري» إلى نظيره السوداني عن طريق السفن، شملت معونات طبية ومستلزمات إعاشة وسلالاً غذائية.

أستاذ النقل والهندسة بجامعة الأزهر، الدكتور إبراهيم مبروك، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسافة الأكبر التي ستقطعها القافلة ستكون داخل الأراضي المصرية، من القاهرة إلى أسوان، وبعدها ستكون داخل الأراضي السودانية»، موضحاً أن «الرحلة لن تكون مرهقة، فحالة الطرق جيدة؛ خصوصاً داخل الأراضي المصرية».

القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

وأكدت وزيرة التضامن المصرية، الأحد، أن «هناك توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتحرك المستمر لدعم الشعب السوداني»، لافتة إلى أن «إطلاق القافلة من مقر (الهلال الأحمر) رسالة مهمة تؤكد الدور الإنساني والإغاثي له في إنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية للدول الشقيقة، وكذلك لمتطوعيه البالغين 65 ألف شخص».

مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، ترى أن «القافلة تحمل رسالة إنسانية وسياسية مهمة»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «القافلة تعبِّر عن تضامن الشعب المصري مع أشقائه بالسودان ومساندته لهم، وكذلك تؤكد الموقف المصري الرسمي المساند للسودان ومساعي إنهاء الحرب». ووفق أماني الطويل، فإنه «من الطبيعي أن تقوم مصر بالتنسيق السياسي والأمني مع السلطات السودانية، لضمان سلامة القافلة».

وتحدثت وزيرة التضامن المصرية في إفادتها، الأحد، عن جهود «الهلال الأحمر المصري» في تقديم المساعدات للشعب السوداني، مؤكدة أنه «لعب دوراً مهماً في دعم وإغاثة الأشقاء في السودان، منذ اندلاع الأزمة عام 2023 وحتى الآن؛ حيث قدَّم مساعدات وخدمات إنسانية للسودانيين، شملت مساعدات إغاثية، ودعماً غذائياً، ومستلزمات النظافة الشخصية»، فضلاً عن «تقديم مساعدات للأشقاء السودانيين بمصر، تمثلت في نقلهم عبر المحافظات، وخدمة إعادة الروابط العائلية، وتشمل مكالمات هاتفية وعبر الإنترنت، وشحن هواتف، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الصحية، والكشف الطبي، والدعم النفسي، وتجهيز العيادات في المعابر».