قراءة فرنسية في تفاقم التوتر بين باريس والجزائر

باريس تراهن على استخدام «سلاح التأشيرات» وتستعين بأوروبا

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

قراءة فرنسية في تفاقم التوتر بين باريس والجزائر

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

من منتجعه المتوسطي في «حصن بريغونسون»، حيث يمضي أيام عطلته الصيفية، وجه الرئيس الفرنسي رسالته إلى رئيس حكومته، فرنسوا بايرو، داعياً إياه للتشدد في التعامل مع الجزائر، بعد أن ضمنها «مضبطة اتهامات» كاملة بحق الدولة، التي زارها صيف عام 2022، وتوافق مع رئيسها عبد المجيد تبون على طي صفحة الخلافات، وإطلاق علاقات «متميزة» في كل المجالات.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الداخلية الفرنسي ورئيسة الوزراء الفرنسية بالجزائر نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

بيد أن رسالة ماكرون إلى الملك المغربي محمد السادس في 30 يوليو (تموز) من العام الماضي، والتي «اعترف» بموجبها بسيادة المغرب على صحرائه، دفعت العلاقات بين البلدين إلى دائرة التوتر والتصعيد.

وحاول الرئيسان، من خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما في 31 مارس (آذار) الماضي، ثم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية، جان نويل بارو، إلى الجزائر يوم 6 أبريل (نيسان) الماضي، تجاوز الخلافات، وهو الأمر الذي ظهر بقوة في البيان المشترك، والذي جاء فيه: «لقد اتفق الرئيسان على أن قوة الروابط - لا سيما الإنسانية - التي تجمع بين فرنسا والجزائر، والمصالح الاستراتيجية والأمنية لكل من البلدين، والتحديات والأزمات التي تواجه أوروبا والمتوسط وأفريقيا، تفرض العودة إلى هذا الحوار على قدم المساواة». كما اتفقا «مبدئياً على لقاء قريب».

تخفيف الاحتقان

كان الغرض من الاتصال تخفيف الاحتقان، الذي شاب علاقات الطرفين بسبب مجموعة من المآخذ المتبادلة التي تتناول ملف الهجرات، والتعاون القنصلي، ورفض الجزائر استعادة كثير من رعاياها الذين صدرت بحقهم أحكام بمغادرة الأراضي الفرنسية، وتواصل اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، الذي منحه الرئيس ماكرون الجنسية الفرنسية، واحتجاز الصحافي الرياضي كريستوف غليز. وتفاقمت الأمور مؤخراً بعد الحكم على صنصال بالسجن لخمس سنوات، بتهمة «المس بالوحدة الوطنية»، فيما حكم على الثاني بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة «تمجيد الإرهاب».

الكاتب المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

وفي رسالته المطولة (من 1011 كلمة)، يركز ماكرون على مسألتي الهجرات والتعاون الأمني ليبرر، منذ بدايتها، مضمونها المتشدد، الذي فسر في باريس، على أنه «تبنٍّ» لمقاربة وزير الداخلية برونو روتايو، داعية إلى الدخول في عملية «ليّ ذراع» مع الطرف الجزائري. وقال ذلك بوضوح: «ستحدد استجابة السلطات الجزائرية لمطالبنا في مجال التعاون في شؤون الهجرة، والشؤون القنصلية الخطوات التالية التي سنتخذها».

وبكلام آخر، يريد ماكرون أن يقول إنه في غياب التعاون المأمول من الجانب الجزائري، فإن باريس ستقدم على إجراءات إضافية تتعدى «تجميد» اتفاقية عام 2013 الخاصة، التي تعفي الحاصلين على جوازات سفر دبلوماسية من طلب تأشيرة للدخول إلى الأراضي الفرنسية.

وزير الداخلية الفرنسي تصدّر التوترات بين الجزائر وباريس منذ عام (متداولة)

ولأن باريس مقتنعة بأن وسيلة الضغط الرئيسية على الجزائر هي منح التأشيرات، فإن ماكرون طلب من وزير الداخلية التواصل مع نظرائه في الدول المنضمة إلى اتفاقية «شنغن» لحثهم على التشاور مع باريس، قبل منح تأشيرات لمسؤولين جزائريين، أو لحاملي الجوازات الدبلوماسية لمنعهم من الالتفاف على الإجراء الفرنسي.

وفي السياق عينه، يريد ماكرون تفعيل المادة 47 من قانون «ضبط الهجرة وتحسين الإندماج»، التي تنص على آلية «رافعة التأشيرة - الإعادة»، وأهميتها أنها «تتيح رفض تأشيرات الإقامة القصيرة لحاملي جوازات الخدمة والجوازات الدبلوماسية، وكذلك تأشيرات الإقامة الطويلة لجميع أنواع المتقدمين». ويريد ماكرون البدء بتنفيذها «على الفور»، وإبلاغ السلطات الجزائرية بذلك.

غياب التعاون

ثمة ملف آخر يثير حفيظة باريس، عنوانه فقدان التعاون من جانب القنصليات الجزائرية في فرنسا، بخصوص توفير «التأشيرة»، التي من دونها يصعب ترحيل المطلوب ترحيلهم.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي في 6 مارس الماضي (الرئاسة الجزائرية)

ورغم الشكوى، فإن باريس رحّلت في عام 2024، وفق رسالة ماكرون، 4 آلاف مواطن جزائري على الرغم من الخلافات بين الجانبين. وما يثير قلقها أكثر هو مصير «المواطنين الجزائريين الأكثر خطورة»، الذين يغادرون السجون والذين «يستحيل طردهم بسبب انعدام التعاون» من الجانب الآخر.

لذا طلب ماكرون من روتايو أن «يعثر بأسرع وقت على السبل والطرق من أجل تعاون مفيد مع نظيره الجزائري». كما يريد ماكرون من وزيره وأجهزته أن تعمل «بلا كلل ولا توقف لمواجهة جرائم الجزائريين الموجودين في فرنسا في وضع غير نظامي». ورداً على الإجراءات الجزائرية بحق السفارة الفرنسية، فقد طلب ماكرون من وزارة الخارجية إبلاغ الجزائر بأن للعودة إلى «التعاون العادي يفترض أن تتمتع سفارتنا بكامل وسائلها للقيام بمهماتها»، وهو شرط ضروري لعودة السفير لممارسة عمله في الجزائر.

اجتماع سابق لأطر «ميديف» الفرنسي ومجلس التجديد الاقتصادي الجزائري في مايو 2022 (منظمة أرباب العمل الجزائرية)

ولا يغفل ماكرون في رسالته الحاجة لمعالجة «القضايا الحساسة» بين الطرفين؛ ومنها ديون الاستشفاء المترتبة على الجزائر، وعمل الأجهزة الجزائرية على الأراضي الفرنسية، فضلاً عن إيجاد حلول لمسائل الذاكرة المشتركة، والمواقع التي أجرت فيها فرنسا تجارب ذرية.

وما سبق، يدفع ماكرون للقول إنه يتعين على فرنسا «أن تتصرف بمزيد من الحزم والعزم. وهذا ما أطلبه من الحكومة». غير أن الرئيس الفرنسي ما زال يؤكد أن هدفه هو «استعادة علاقات فعّالة وطموحة مع الجزائر... ما يتطلب ليس فقط إيجاد حلول لمشكلات اليوم، بل أيضاً الإقرار بأن لدينا مصالح مشتركة، وقدرة على العمل معاً لما فيه مصلحة الشعبين الفرنسي والجزائري، في إطار احترام تاريخنا وروابطنا الإنسانية، وتطلعاتنا المتبادلة». والهدف نفسه أكده رئيس الوزراء، الذي رأى أن بلاده «لا تتبنى المواجهة الدائمة» مع الجزائر، وتأمل في أن «تستعيد معها يوماً ما علاقات متوازنة وعادلة».

فهل الهدف ممكن التحقيق؟

واضح أن التصعيد المتبادل بين الجانبين في أوجّه، وربما يذهب أبعد من ذلك في حال رغبت باريس في إعادة النظر مثلاً باتفاقية 1968، التي توفر للجزائريين ميزات في الاستقرار والعمل في فرنسا. والواضح أيضاً أن ابتعادها عن الجزائر يدفع الأخيرة لبناء صداقات جديدة، كما مع إيطاليا مثلاً، والإضرار بالمصالح الفرنسية الاقتصادية والتجارية مع شريكها المتوسطي. لكنّ لهذه العلاقات بعداً داخلياً طاغياً، إذ يستخدمها الجانبان لتحقيق أهداف سياسية، ما يدفعها لمزيد من التفاقم.


مقالات ذات صلة

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

شمال افريقيا الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

فرضت محكمة جزائرية، مساء الخميس، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مخدرات صادرها الجيش الجزائري بالحدود (وزارة الدفاع)

الجزائر: ارتفاع مقلق للوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات

أكدت بيانات معهد الأدلة الجنائية للدرك الوطني الجزائري حدوث تحول كبير في نمط تعاطي المخدرات، والمؤثرات العقلية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي كريستوف غليز (أ.ف.ب)

ماكرون يبدي «قلقاً بالغاً» لإدانة صحافي فرنسي في الجزائر

أعلن قصر الإليزيه، الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تلقى بقلق بالغ نبأ الحكم بالسجن على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز في الجزائر».

«الشرق الأوسط» (باربس)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

محاكمة صحافي تضع التقارب الجزائري - الفرنسي تحت «اختبار عسير»

شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه.

العالم العربي صورة مركبة بمناسبة تهنئة رئيس الحكومة الإسبانية الرئيس الجزائري بإعادة انتخابه في 2024 (الرئاسة الجزائرية)

حكومة إسبانيا تسعى لإعادة التوازن في علاقاتها بالجزائر

تحضّر إسبانيا لاستقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في أول زيارة له منذ توليه الحكم عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.