من أمام مبنى ماسبيرو العريق المطل على نهر النيل، وسط القاهرة، انطلقت حافلتان ضخمتان تضمان أكثر من 70 صحافياً وإعلامياً مصرياً وأجنبيّاً من مختلف دول العالم، فجر الأربعاء، في طريقهما إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، في زيارة ليست الأولى من نوعها غير أنها تأتي في «ظرف مغاير».
الرحلة التي استغرقت نحو 9 ساعات تستهدف متابعة إدخال المواد الإغاثية والإنسانية لأهالي القطاع المنكوبين، والتأكيد على التسهيلات والدعم اللوجستي المقدم من الجانب المصري.
ورغم تكرارها عدة مرات منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإنها حملت طابعاً مختلفاً هذه المرة، كونها تأتي ضمن حالة استنفار رسمي وهجمة إعلامية مضادة، تقودها السلطات المصرية على جميع المستويات لدحض «ادعاءات» تستهدف «تشويه دورها في القضية الفلسطينية»؛ أبرزها ما يتعلق بـ«إغلاق مصر لمعبر رفح والمشاركة في تجويع سكان غزة»، كما يقول أحد منظمي الرحلة لـ«الشرق الأوسط».
وتنفي مصر منذ اندلعت الحرب اتهامات تتعلق بإغلاقها معبر رفح أمام المساعدات، وتشير إلى الاحتلال الإسرائيلي للجانب الآخر من المعبر، ومنعه تمرير أي شاحنات، لكنْ الآن بدا الأمر مختلفاً في ظل احتجاجات منظمة ومتواترة أمام سفارات مصرية بالخارج، تضمنت «إغلاقاً» رمزياً لأبوابها.

الرد المصري الاستنكاري على تلك الاتهامات، التي تضمنت حملات «سوشيالية» لمعارضين، وعناصر محسوبة على تيار «الإسلام السياسي» تدين موقف السلطات المصرية، وتصفه بـ«المتقاعس»، لم يبدأ تصاعدياً، كما المعتاد، بل على العكس انطلق من القمة، بخطابين للرئيس عبد الفتاح السيسي، في نحو أسبوع، أحدهما مفاجئ خصص للرد على تلك الاتهامات، تبعه كلام لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وبيانات متتالية لوزارة الخارجية تشرح فيها حقيقة الموقف المصري من معبر رفح.
وقال السيسي، الثلاثاء، في مؤتمر صحافي بالقاهرة مع نظيره الفيتنامي لوونغ كوونغ، إن الوضع في قطاع غزة «يُستخدم ورقةً سياسيةً للمساومة»، معتبراً الادعاءات بمشاركة مصر في حصار قطاع غزة «إفلاساً» من مدعيها، ومشيراً إلى أن أكثر من خمسة آلاف شاحنة مساعدات في الأراضي المصرية مستعدة للدخول إلى قطاع غزة من مصر ودول أخرى. وأضاف: «المعبر لم يغلق، وتم تدميره وإصلاحه أربع مرات أثناء الحرب الأخيرة».
من أمام معبر رفح تحدثت السفيرة نبيلة مكرم، رئيسة الأمانة الفنية للتحالف الوطني المسؤول عن إدخال المساعدات لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن «مصر تتعرض لحملة تشويه لدورها في غزة».
وطالبت مكرم الإعلاميين الموجودين بنقل «حقيقة الدور المصري في إدخال المساعدات إلى غزة»، مشددةً على أن نقل الحقيقة لا يقل أهمية عن نقل المساعدات.

وفق السيسي، فإن «أكثر من 70 في المائة من المساعدات الإنسانية التي دخلتْ إلى قطاع غزة مصرية»، مشيراً إلى أن الجانب الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح. ولفت إلى أنه «قبل الحرب، كان يدخل من مصر 600 إلى 700 شاحنة محملة بالأغذية والمواد المطلوبة لإعاشة نحو 2.3 مليون من الفلسطينيين يومياً... هذه الكمية تم تقليلها لدرجة الصفر على مدى الأشهر الـ21 الماضية... والوضع الذي ترونه الآن في القطاع ناجم عن ذلك، وليس ناجماً عن أن مصر تخلت عن دورها في إدخال المساعدات، أو أنها تشارك في حصار القطاع».
ويعد معبر رفح شرياناً اقتصادياً وأمنياً على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يُسهل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وخروج المسافرين والمصابين منه، قبل أن تسيطر إسرائيل على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو (أيار) 2024، وتعلن مصر عدم التنسيق مع إسرائيل بشأنه لعدم «شرعنة احتلاله»، والتزاماً باتفاقية المعابر التي وقّعت عليها في 2005 تل أبيب ورام الله بشأن إدارة السلطة الفلسطينية لمعبر رفح.
واتهم محافظ شمال سيناء خالد مجاور، «الإخوان»، بنشر ادعاءات منع السلطات المصرية دخول المساعدات إلى قطاع غزة، موكداً خلال مؤتمر صحافي من أمام المعبر، الأربعاء، أن الموقف المصري سيظل رافضاً لتهجير الفلسطينيين مهما كانت الضغوط، باعتبار ذلك هدفاً رئيساً للحفظ على الأراضي الفلسطينية.
وسبق أن وصف وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الحملة ضد مصر، بـ«الدنيئة»، مشيراً في مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، إلى أنها «تستهدف تشتيت الانتباه عن إسرائيل بوصفها الوحيدة المسؤولة عن المأساة في غزة».
كان السيسي خرج في 28 يوليو (تموز) الماضي في خطاب مخصص لغزة، ليشرح آلية معبر رفح، مؤكداً أنه «لا بد أن يكون مفتوحاً من الجانب الفلسطيني لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».
وأضاف في كلمة بثها التلفزيون المصري أن معبر رفح هو معبر أفراد وتشغيله لا يرتبط بالجانب المصري فقط، بل بالجانب الآخر داخل قطاع غزة. وتابع قائلاً: «هناك أكثر من 5 معابر متصلة بقطاع غزة، من جانبنا هناك معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم بشكل أو بآخر».

وشهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية في دول عدة حول العالم، على مدار الأيام الماضية، احتجاجات، ومحاولات لـ«حصار وإغلاق» بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح»، وإيصال المساعدات للأهالي الذين يعانون من التجويع.
يأتي «حصار السفارات» المصرية في الخارج ضمن «حملات تحريضية» يدبرها تنظيم «الإخوان»، المحظور في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية»، حسب مسؤولين وبرلمانيين مصريين.
وانتقد ضياء رشوان، رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات المصرية» التابعة للرئاسة، الحملة ضد مصر، قائلاً: «الأصوات التي تهاجم مصر لا تبحث عن الحقيقة، وإنما هي حملات مغرضة تستهدف التحريض، وتروِّج لمزاعم لا علاقة لها بالواقع، رغم أن ما تقوم به الدولة المصرية على الأرض يشهد له العالم أجمع»، وفق تعبيره.

وتكلفت مصر 578 مليون دولار لتقديم خدمات طبية للفلسطينيين المصابين، الذين دخلوا أراضيها منذ بدء الحرب، كما تم إجراء أكثر من 5 آلاف عملية جراحية للمصابين والمرضى من الأشقاء الفلسطينيين، وفق نائب رئيس الوزراء المصري وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار.



