«الإخوان» الهاربون بتركيا ورقة عالقة في ملف العلاقات مع مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع نظيره التركي رجب إردوغان على هامش قمة الدول الثماني النامية (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع نظيره التركي رجب إردوغان على هامش قمة الدول الثماني النامية (الرئاسة المصرية)
TT

«الإخوان» الهاربون بتركيا ورقة عالقة في ملف العلاقات مع مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع نظيره التركي رجب إردوغان على هامش قمة الدول الثماني النامية (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع نظيره التركي رجب إردوغان على هامش قمة الدول الثماني النامية (الرئاسة المصرية)

رغم التحولات الدبلوماسية والتقارب الذي شهدته العلاقات المصرية - التركية في السنوات الأخيرة، فإن القاهرة عادت عبر بيان لوزارة الداخلية لذكر اسم تركيا بوصفها دولة يوجد فيها عناصر هاربة من جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة، متهمة إياهم بالتحريض على أعمال إرهابية، في لافتة لم تحدث منذ عام 2020.

الاختلاف في الحالتين، وفق رصد «الشرق الأوسط»، أن الأولى قبل أن تجري مياه عودة العلاقات بين مصر وتركيا، والأخرى وسط علاقات مستقرة نسيباً، وهو ما يراه خبراء من القاهرة وأنقرة تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» دليلاً على أن ملف العناصر الهاربة من الجماعة المحظورة لا يزال ورقة عالقة رغم أن الأزمة في تناقص مع تحسن العلاقات ووجود ملفات تنسيق وتعاون بليبيا وشرق المتوسط والاستثمارات تعد أكثر أهمية.

أيضاً، مصدر مصري مطلع قال لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود (الإخوان) وبعض الإسلاميين ذوي الصلة بالعمليات الإرهابية في مصر والتخطيط المناهض للدولة، داخل تركيا، هو موضوع دائم في الحوار المصري - التركي».

ورغم أن هذه الملف يحقق - حسب المصدر ذاته - «تقدماً ملموساً، فإن هذا التقدم لم يبلغ المدى الذي يحقق المصالح المتوازنة للطرفين».

وشهدت العلاقات المصرية - التركية اتجاهاً متصاعداً نحو التطبيع، بعد عقد كامل من الانقطاع والتوتر، بسبب دعم أنقرة تنظيم «الإخوان» المحظور في مصر، عقب مظاهرات 30 يونيو (حزيران) 2013، التي أطاحت حكم «الإخوان».

وبعد سنوات من حضور اسم تركيا ضيفاً دائماً في بيانات وزارة الداخلية المصرية منذ 2013، بوصفها دولة تحتضن عناصر إخوانية هاربة، لا سيما في عامي 2017 و2018، اختتم هذه المرحلة من الاتهامات بيان لافت في يناير (كانون الثاني) 2020، وفق رصد «الشرق الأوسط» لبيانات الوزارة في تلك الفترة.

وشهد بيان 2020 إعلان «رصد قطاع الأمن الوطني معلومات بإعداد قيادات التنظيم الهاربة بتركيا مخططاً يستهدف تقويض دعائم الأمن والاستقرار وإشاعة الفوضى بالبلاد وهدم مقدراتها الاقتصادية بالتزامن مع ذكرى 25 يناير... وتكليف عناصره بالداخل لتنفيذه»، وكان من بينهم القيادي بالتنظيم الهارب يحيى موسى متهماً بأنه يدير «تنظيماً مسلحاً».

لكن بعد نحو عام جرت في علاقات البلدين مياه جديدة، وفي مارس (آذار) 2021 أعلنت أنقرة استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر. وطالبت السلطات التركية حينها القنوات الثلاث الموالية لتنظيم «الإخوان» (مكملين، وطن، والشرق) بوقف برامجها «التحريضية ضد مصر، أو التوقف نهائياً عن البث من الأراضي التركية».

وتسارع مسار التطبيع بين البلدين منذ مصافحة الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب إردوغان خلال افتتاح المونديال في قطر عام 2022. وبلغ التقارب ذروته مع زيارة إردوغان للقاهرة في فبراير (شباط) 2024، أعقبتها زيارة مماثلة من السيسي لأنقرة في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، ليدشن البلدان «حقبة جديدة» من التعاون.

قبل أن يشهد عام 2025 الذي شهد مباحثات تعاون وإعلان استثمارات تركية بمصر، إعلان وزارة الداخلية المصرية، الأحد، استهداف عناصر إرهابية تابعة لحركة «حسم»، الجناح المسلح لجماعة «الإخوان» الإرهابية، حاولت تنفيذ عمليات تخريبية بالبلاد، ومنهم يحيى موسى.

وعادت الداخلية المصرية لذكر اسم تركيا بعد 5 سنوات من الغياب، وقالت إن «قيادات حركة (حسم) الهاربة بدولة تركيا، أعدت وخططت لمعاودة إحياء نشاطها، وارتكاب عمليات عدائية تستهدف المنشآت الأمنية والاقتصادية، ودفعت بأحد عناصر الحركة الهاربين بإحدى الدول الحدودية (لم تسمّها)، والسابق تلقيه تدريبات عسكرية متطورة بها، إلى التسلل للبلاد بصورة غير شرعية؛ لتنفيذ المخطط المشار إليه».

رسالة مصرية

ويرى المحلل السياسي في شؤون الجماعات والمتخصص في تاريخ جماعة «الإخوان»، أحمد بان، أن ذكر اسم تركيا في بيان الداخلية، أرادت به مصر توصيل رسالة إلى الجانب التركي مضمونها إن «كان جاداً في استئناف علاقات طبيعة بين الدولتين واستكمال مسار التطبيع بينهما فعليه أن يتعامل بجدية مع ملف تسليم بعض المطلوبين ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية في جرائم جنائية وليست قضايا سياسية».

وهذه الرسالة المصرية - حسب بان - تحمل أيضاً امتعاضاً من أن عدم إنجاز هذا الملف قد ينعكس سلباً على جودة ومستوى العلاقات التي شهدت في 2023 استئنافاً لدفء العلاقات بين الدولتين وتعزيز التعاون بينهما.

ونبَّه إلى أن قيادات «حسم» الموجودة في تركيا وذكرها بيان الداخلية لا تزال ورقة عالقة في ملف علاقات البلدين، وأنقرة تبدو منتبهة لخطرهم بدليل أنها حددت إقامة بعض قيادات منهم؛ حرصاً على عدم إتاحة الفرصة لهم للتخطيط لمزيد من العمليات داخل مصر، ورغم هذه الخطوة التركية فإنها لم تمنعهم من الحديث عن تلك الخطط، وهو ما يراه الخبير في شؤون الجماعات أحمد بان يحتاج إلى تفسير بشأن بقاء هذا الملف عالقاً حتى الآن.

وزير الخارجية المصري خلال لقاء سابق مع نظيره التركي على هامش اجتماعات الرياض بشأن سوريا (الخارجية المصرية)

ويشير بان إلى أنه كان واضحاً مع استئناف العلاقات أن ورقة «الإخوان» لم تعد ورقة كبيرة الأهمية مقارنة بملفات أخرى، مثل ليبيا وشرق المتوسط وحجم التعاون الاقتصادي بين البلدين، مستدركاً: «لكن ما يُرى الآن في هذا الملف وتصاعد لهجة قيادات (حسم) من تركيا يطرح علامات استفهام كبيرة بشأن رغبة أنقرة في المضي في علاقات طبيعية بشكل جاد وحقيقي، وعليها أن تقدم تفسيرات بشأن استمرار هؤلاء العناصر لديها، خاصة وأنه قد يفهم بأنه ورقة ضغط على الدولة المصرية».

وبرأي المحلل السياسي التركي والباحث في العلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، فإن إشارة مصر إلى تركيا في بيان الداخلية للمرة الأولى منذ استئناف العلاقات على أكثر من مستوى يقول إن هناك أزمة بشأن ملف «الإخوان» الهاربين لدى أنقرة، مستدركاً: «لكن لن تؤثر تلك الأزمة على علاقة استراتيجية باتت بين البلدين حالياً، لكن لا تخلو من رسائل سواء بتوقيف متهم أو ذكر اسم تركيا».

ويؤكد أن ملف «الإخوان» بشكل عام تم تبريده وتحييده طيلة الفترة الماضية، لكن لم يتم إنهاؤه بالكامل، ومنه قضية «الإخوان» الهاربين من الأحكام.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي المختص بشؤون الجماعات، ماهر فرغلي، أن بيان الداخلية عندما ذكر تركيا في البيان، فهو جاء بشكل تلقائي ويقرّ حقيقة بأن كل تلك العناصر الهاربة موجودة هناك، سواء يحيى موسى أو مؤسسة «ميدان» التابعة له، مشيراً إلى أن هذا الملف لم يشكّل عقبة سابقاً عند استقبال إردوغان بمصر، وما ذكر في بيان الداخلية أمر طبيعي ولا يشمل ضغطاً أو ما شابه.

ولا يعتقد فرغلي أن تبقى ورقة «الإخوان» الهاربين في تركيا عالقة في علاقات البلدين، ووصفها بأنها «ورقة ضعيفة»، مقارنة بملفات أخرى بشرق المتوسط وليبيا وغيرها.

وبينما الجدل مستمر حول تأثير ملف عناصر «الإخوان» الهاربة على العلاقات، لم تعلق أنقرة على بيان الداخلية، لكن الرد جاء مختلفاً، حيث نشرت صفحات موالية لجماعة «الإخوان»، الثلاثاء، أن السلطات التركية احتجزت الاثنين، العنصر الإخواني المطلوب للسلطات المصرية محمد عبد الحفيظ والمذكور في بيان الداخلية الأخير في مطار إسطنبول خلال عودته من رحلة عمل.

وأكدت صفحة عبد الحفيظ بـ«فيسبوك»، التي لا يُعرَف من يديرها حالياً، هذا الأمر، وقالت على لسان زوجته: «تم توقيف زوجي في مطار إسطنبول بعد عودته من رحلة عمل خارج تركيا وقد انقطع الاتصال وإبلاغه بأنه لن يسمح له بالدخول وسيتم ترحيله»، مضيفة: «للعلم، زوجي وضعه القانوني سليم؛ فهو يحمل جوازاً سارياً وإقامة، أخشى من تسليمه إلى مصر»، زاعمة أن هذا يمثل «تهديداً على حياته».

وأعادت الصفحة، الثلاثاء، تأكيد استمرار احتجازه، مؤكدة أن الاتصال منقطع به، وطالبت جميع المؤسسات التركية بإيقاف قرار ترحيله، دون تعليق تركي رسمي أو مصري.

وحول مستقبل تطورات ذلك الملف وتأثيراته على العلاقات المصرية - التركية، رجح بان أن تغلب أنقرة منطق الدولة ومصالحها وبسلوكها البراغماتي الموعود قد تتعاون مع مصر في هذا الملف؛ حتى لا تفسد ملفات أكثر أهمية معها.

ويتوقع عودة أوغلو، أن تكون تلك القضية حاضرة بشكل مستمر، لكن بشكل ثانوي، دون أن تجور أو تفسد علاقات البلدين، مرجحاً استمرار أسلوب تركيا في تحديد تحركات تلك العناصر الهاربة ومنعهم من الحديث كما حدث في فترات سابقة مع توجيه طلب لآخرين بمغادرة البلاد والإبقاء على السياسة التصالحية ومصالحها مع مصر والتنسيق في ملفات ليبيا وشرق البحر المتوسط.

ويرجح فرغلي أن يستمر ملف «الإخوان» مفتوحاً دون أي تأثيرات له على العلاقات، مستبعداً أن تسلم تركيا أي عنصر إخواني ومنهم محمد عبد الحفيظ لمصر، ولكن ممكن أن تسمح بإخراجهم لأي دولة أخرى؛ خشية النظام في أنقرة من اتهامات بالتخلي عن المبادئ وما شابه وحتى لا تتأثر علاقته بتيار الإسلام السياسي القادم منه والذي يتمدد من خلاله في المنطقة وأفريقيا.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

شمال افريقيا أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج» أحمد عبد القادر (ميدو) الذي سبق وجرى توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا تُظهر هذه الصورة المأخوذة من مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين مباني مدمرة وأعمدة دخان تتصاعد في الأفق إثر غارات إسرائيلية شرق مدينة غزة (أ.ف.ب) play-circle

مصر: لا مجال للحديث عن تقسيم غزة... والانتقال للمرحلة الثانية من خطة ترمب ضرورة

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي شاحنة محمَّلة بمساعدات إنسانية تنتظر الإذن على الجانب المصري من معبر رفح مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

«حماس» تدعو الوسطاء للضغط على إسرائيل لفتح معبر رفح في الاتجاهين

دعت حركة «حماس» الوسطاء والدول الضامنة لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة، إلى ممارسة ضغط جاد على إسرائيل لوقف «خروقاتها» للاتفاق.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا بهو المتحف المصري الكبير (الشرق الأوسط)

رفع قيمة تأشيرة الدخول إلى مصر... هل يؤثر على تدفقات السياحة؟

أثار قرار الحكومة المصرية زيادة «رسوم تأشيرات الدخول» إلى البلاد بنحو 20 دولاراً تساؤلات حول مدى تأثيره على حركة السياحة الوافدة إلى مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار يناقش في لقاء سابق مع نظيره السوداني هيثم إبراهيم عوض الله تقديم الدعم اللازم (وزارة الصحة المصرية)

مرضى سودانيون في مصر رهن مبادرات الإغاثة

يعيش عشرات الآلاف من المرضى السودانيين في مصر، بعد فرارهم من الحرب السودانية، رهن مبادرات إغاثة دولية «محدودة»، وجهود حكومية مصرية لرعايتهم، في ظل ظروف صعبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».


بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».