السودان: حين يدفن الأحبة مرتين في الخرطوم

بعد عودة الهدوء إلى العاصمة تم نبش آلاف الجثث في الميادين والبيوت وإعادة دفنها

فريق الهلال الأحمر يقوم بنبش الجثامين في مقبرة جماعية مؤقتة بالخرطوم (الشرق الأوسط)
فريق الهلال الأحمر يقوم بنبش الجثامين في مقبرة جماعية مؤقتة بالخرطوم (الشرق الأوسط)
TT

السودان: حين يدفن الأحبة مرتين في الخرطوم

فريق الهلال الأحمر يقوم بنبش الجثامين في مقبرة جماعية مؤقتة بالخرطوم (الشرق الأوسط)
فريق الهلال الأحمر يقوم بنبش الجثامين في مقبرة جماعية مؤقتة بالخرطوم (الشرق الأوسط)

في صباح شديد الحرارة بميدان حي البركة بضاحية الحاج يوسف بمحلية شرق النيل بالخرطوم بحري، كانت السيدة سعاد عبد الله تحمل طفلها وتحدّق بصمت نحو الحفرة التي كانت قبل دقائق قبراً مؤقتاً لزوجها.

فقبل نحو 7 أشهر، لم تجد سعاد مكاناً آمناً لدفن زوجها سوى هذا الميدان، والآن تقف لتستلم رفاته في كيس أبيض، كي تمنحه وداعاً متأخراً، لكنه أكثر كرامة، حيث يتم دفنه في مقابر الضاحية.

سعاد واحدة من عشرات الأسر التي عاشت لحظة وداع الأحبة مرتين، في المدينة التي تعج بالمقابر العشوائية، ويعاني أهلها فقداناً للذاكرة الرسمية لضحايا حرب لم تنتهِ فظائعها بعد.

السيدة سعاد عبد الله تحمل طفلها وتودع زوجها للمرة الثانية (الشرق الأوسط)

واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل (نيسان) 2023، في العاصمة الخرطوم، بين «قوات الدعم السريع»، والجيش السوداني، للسيطرة على العاصمة، وامتد القتال من الخرطوم إلى ضواحيها، وخاصة أم درمان. وبعد أيام قليلة من الحرب، قتل أكثر من 500 قتيل مدني. وقدّر عدد القتلى في الخرطوم منذ اندلاع الحرب بالآلاف، رغم عدم وجود إحصائيات رسمية. وبعد استعادة الجيش السيطرة على العاصمة في 20 مايو (أيار) 2025، كانت المهمة الأصعب هي كيفية إعادة دفن آلاف الجثث المنتشرة في المقابر الجماعية والطرقات والميادين العامة، وهي مهمة مستمرة حتى الآن.

أرض الموت

عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، وصلت فرق الطب العدلي والهلال الأحمر السوداني إلى ميدان حي البركة، لنقل 118 جثة دُفنت على عجل سابقاً، خوفاً من القنص أو الحظر أو الانفجار. فرق الطب العدلي مقسّمة ومنظمة، ترتدي الزي الطبي، وتعمل بتناوب في مجموعتين بسبب حرارة الشمس القاسية، ينبشون الجثامين واحداً تلو آخر، ويضعونها داخل أكياس بيضاء مرقمة، ثم تُرص في سيارات نقل متوسطة يطلق عليها محلياً «دفار»، تقف على بعد أمتار من المقبرة المؤقتة.

أحد المواطنين يشير إلى مقبرة أحد أقربائه في ضاحية الحاج يوسف بولاية الخرطوم (الشرق الأوسط)

يشير الأهالي بأصابعهم إلى القبور، وهم يقفون على مسافة: «هنا أخي، وهناك أمي»، يهمسون بأسماء تُدفن دون شاهد، ومن بينهم سعاد عبد الله، أم لـ3 أطفال، فقدت زوجها ودفن مؤقتاً في الميدان. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «توفي زوجي برصاصة طائشة اخترقت نافذة غرفتنا، لم نتمكن من دفنه في المقابر الرسمية، فدفناه هنا في الميدان، واليوم جئت لأودّعه من جديد».

تحاول سعاد أن تبقي متماسكة، وهي تحتضن ابنها الأصغر، فيما يهمس أحد أقاربها: «دفناه ليلاً، من دون شهود ولم نقم عليه العزاء، ما كنا نستطيع المشي بالجثمان إلى المقابر».

وعلى الطرف الآخر، كانت خديجة زكريا تبكي بصوت مرتفع، وهي تراقب نبش قبر شقيقتها، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «شقيقتي ماتت موتاً طبيعياً، لكنهم منعونا من دفنها في المقابر، فدفناها في الميدان». وتضيف، والدموع تبلل عينيها: «حتى بنت أختي ووالدها ماتا، ودفنوهما في ميادين أخرى، قالوا لنا سيتم نقلهما لاحقاً إلى المقابر».

جثة غرفة الضيوف

بعد انتهاء العمل في ميدان حي البركة، توجه الفريق إلى منطقة الفيحاء القريبة من ضاحية الحاج يوسف، استجابة لبلاغ بوجود جثة داخل منزل مهجور، قال صاحبه العائد قريباً من رحلة النزوح: «فوجئت بجثة يابسة في صالون بيتي... قال الجيران إنها لأحد أفراد الدعم السريع، قُتل على يد زملائه». وفي منطقة الحاج يوسف أبلغ عن وجود جثة في قناة المياه (ترعة)، تم انتشالها ودفنها في المقابر العامة.

مشهد لعمليات نقل الرفات إلى المقابر بواسطة فريق من الطب العدلي (الشرق الأوسط)

الدكتور هشام زين العابدين، مدير الطب العدلي في الخرطوم، وهو يشرف على عمليات النبش وإعادة الدفن قال لـ«الشرق الأوسط»: «نقل الجثامين مجاناً دون تكلفة، وهي مسؤوليتنا الكاملة». ويبدو هذا التصريح كردّ على ما تناولته منصات التواصل الاجتماعي، بأن السلطات تطالب بمبالغ كبيرة لإعادة دفن الموتى داخل البيوت والأحياء والميادين.

توقع دكتور زين العابدين نقل نحو 7 آلاف جثة خلال 40 يوماً من ميادين الخرطوم والمنازل إلى المقابر العامة، وأشار إلى وجود أكثر من 40 مقبرة جماعية في أنحاء مختلفة من المدينة تم اكتشافها حتى الآن. وقال إن 3.5 ألف جثة تم جمعها وإعادة دفنها منذ بداية العملية، حتى الآن، معظمها جثث قتلى «قوات الدعم السريع»، وتابع: «هناك 500 جثة أخرى تم جمعها على الطريق البري الرابط بين أم درمان وبارا، الذي يعرف بطريق الصادرات»، وتابع: «ما زال الطب العدلي يستقبل بلاغات حول وجود مقابر.

السيدة خديجة زكريا تقوم بمعاينة مقبرة أعيد دفن شقيقتها فيها (الشرق الأوسط)

وبعد عودة الناس للخرطوم، يتم يومياً اكتشاف جثامين في الأحياء السكنية، أو مقابر جماعية في الميادين. وكشف مدير الطب العدلي عن العثور على مقبرة جماعية في جامعة أفريقيا العالمية جنوب الخرطوم، تضم 7 آلاف جثة، وتنتشر في مساحة تبلغ كيلومتر مربع، تضم قتلى «قوات الدعم السريع». ووصف مناطق شرق النيل وجبل أولياء والصالحة بأنها أكثر المناطق اكتظاظاً بالمقابر الجماعية.

نحن بشر

أحد أعضاء فريق الطب العدلي أجاب سؤال أحد الحضور، أثناء أخذهم استراحة لشرب الشاي وتبادل القفشات أثناء المهمة الصعبة التي يقومون بها: «ألا تخافون من المهمة... كيف تستطيعون النوم بعد هذا». ورغم قسوة المشهد، ردّ عضو الفريق مبتسماً: «نحن بشر، نمارس حياتنا العادية، ونحاول أن نصنع من المأساة حلولاً، ولو بيدنا لما تركنا الناس يودعون موتاهم بالحسرة».

عائدون يتفقدون ممتلكاتهم المُدمَّرة في الخرطوم (أ.ف.ب)

تعيش الخرطوم اليوم مرحلة دفن مزدوج: «دفن للجثامين، ودفن للذكريات، حتى العدالة المؤجلة، لكن ما يحرك الناس ليس الغضب فقط، بل الرغبة في منح من فقدوهم قدراً من الكرامة، وسط حرب سلبت كل شيء منهم، ولم تترك لهم إلا المرارة». هكذا قالت سعاد، وهي تغادر الميدان، وطفلها نائم على كتفها: «دفت زوجي مرتين، لكننا لم ننسه يوماً واحداً، وربما نكون قد دفناه بكرامة هذه المرة، فليرقد بسلام».


مقالات ذات صلة

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

شددت مصر على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية لضمان توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية كافية في السودان لإيصال وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا نازحون سودانيون يقضون ليلة في مدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

«أطباء السودان»: «الدعم السريع» قتلت 200 شخص على أساس عرقي بشمال دارفور

أعلنت «شبكة أطباء السودان»، مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال ونساء على أساس عرقي من قبل «الدعم السريع» بمناطق أمبرو، وسربا، وأبوقمرة بولاية شمال دارفور.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده مستعدة للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

تتقدم «قوات الدعم السريع» حثيثاً باتجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي»، صباح الخميس.

أحمد يونس (كمبالا)
أوروبا  وزيرة التنمية الألمانية ريم العبدلي رادوفان تتحدث في البرلمان الألماني (د.ب.أ) play-circle

ألمانيا تصف حرب السودان بـ«أسوأ أزمة إنسانية في العالم»

دعت وزيرة التنمية الألمانية ريم العبدلي رادوفان إلى تكثيف الجهود الدولية لإنهاء الصراع في السودان، واصفة إياه بأنه «أسوأ أزمة إنسانية في العالم».

«الشرق الأوسط» (برلين)

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
TT

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

شهدت مدن غرب ليبيا، مساء الجمعة، موجة احتجاجات شعبية واسعة، تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية والأمنية، وللمطالبة برحيل حكومة الدبيبة، والإسراع بإجراء الانتخابات المؤجلة.

وشهدت العاصمة طرابلس تحركات احتجاجية في مناطق متفرقة، حيث أغلق المتظاهرون بعض الطرق، وأشعلوا الإطارات في بلدية سوق الجمعة شرق المدينة، ومنطقتَي الظهرة ووسط المدينة، إضافة إلى احتجاجات عند إشارة فشلوم المرورية. كما رفع المحتجون لافتات تنتقد فشل الحكومة في تحسين الأوضاع المعيشية والأمنية، محمّلين إياها مسؤولية الانفلات الأمني واستمرار الأزمات الخدمية.

ورصدت وسائل إعلام محلية، عبر لقطات مصورة، إشعال الإطارات وإغلاق الطريق بجزيرة القادسية في طرابلس، كما عبّر متظاهرون في ميدان الجزائر وسط العاصمة عن رفضهم «حكم العائلة» و«حكم العسكر»، مطالبين بالاستفتاء على الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية.

كما شهدت مدينة مصراتة مظاهرة شعبية للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات، تزامناً مع احتجاجات مماثلة عند بوابة الصمود، المدخل الشرقي لمدينة الزاوية، حيث ركّز المشاركون على تدهور الأوضاع الأمنية إلى جانب الضغوط المعيشية، مؤكدين أن المواطن بات يدفع ثمن الصراعات السياسية واستمرار الحكومات المؤقتة.

في سياق متصل، أصدر أهالي ومكونات بلدية صبراتة بياناً أعربوا فيه عن رفضهم قرار حكومة الدبيبة، القاضي بتخصيص مقر إذاعة اليتيم لصالح جهة مسلحة، معتبرين القرار مساساً بالمؤسسات المدنية والإعلامية، ومؤشراً على تغوّل التشكيلات المسلحة على حساب الدولة.

والأسبوع الماضي، دعا حراك ما يُعرف بـ«انتفاضة شعب» كل الليبيين إلى المشاركة في اعتصام شعبي مفتوح بـ«ميدان الشهداء»، وسط العاصمة طرابلس، وذلك للمطالبة بإسقاط حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.

وسبق أن خرجت مظاهرات في مناطق عدة بالعاصمة تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة ومحاسبتها، الأمر الذي دفع حينها عدداً من وزرائها إلى تقديم استقالاتهم انحيازاً لمطالب المحتجّين.

وجدَّد حراك «انتفاضة شعب»، الذي ينطلق من مدينة مصراتة، والذي يقوده عدد من النشطاء، في بيانه، دعوته «جميع الليبيين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً» إلى تنظيم اعتصام سلميّ لحين تنفيذ مطالب الشعب، المتمثلة في رحيل الحكومة.

وحضّ الحراك جميع أطياف الليبيين على «المشاركة في «الاعتصام ورفع سقف المطالب في مظاهرات يحميها الشعب والقانون، بعيداً عن الحزبية والجِهوية والقبلية». وقال إن المشاركة في هذا الاعتصام «واجب وطني»، مؤكداً أن «السلمية قوة الأحرار، ووحدة الصف سلاح إسقاط الفساد».

ورأى الحراك أن «الوطن يقف اليوم على حافة الضياع، وما يُدار باسمه في الغرف المغلقة ليس حلاً، بل مؤامرة مكرّرة لإطالة عمر الفشل، وتمديد الأجسام البالية المنتهية الصلاحية». وذهب إلى أن «تغيير العناوين، وتسويق مسرحيات سياسية جديدة، لن يغيّرا الحقيقة؛ فالشعب يريد قراره، لا وصاية عليه، ولا تسويفاً بعد اليوم».


مقديشو تعوّل على مساندة عربية وإسلامية لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)
اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)
TT

مقديشو تعوّل على مساندة عربية وإسلامية لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)
اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة في أعقاب الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، فيما أعلنت جامعة الدول العربية عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين، الأحد، بناء على طلب الصومال لبحث هذه التطورات.

ويهدف الاجتماع، حسب بيان صادر عن الجامعة العربية السبت، «تأكيد الرفض العربي القاطع لأي إجراءات أو قرارات أحادية من شأنها المساس بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها، والتشديد على الالتزام بمبادئ القانون الدولي وقرارات الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ذات الصلة».

كما يناقش الاجتماع «سبل تعزيز الموقف العربي المشترك في مواجهة هذه الخطوة، وتأكيد التضامن الكامل مع الصومال ودعم مؤسساته الشرعية، بما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة».

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، الاعتراف بأرض الصومال «دولة مستقلة ذات سيادة»، في اعتراف رسمي هو الأول بالإقليم الانفصالي داخل الصومال، في خطوة اعتبرها رئيس إقليم أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، «لحظة تاريخية».

وأكد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، علي عبدي أواري، في بيان السبت، أن «بلاده دعت إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين لبحث تداعيات اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى (جمهورية أرض الصومال المستقلة)، وإدانة هذا القرار غير المسؤول ورفضه بشكل واضح وصريح».

وحول خيارات مقديشو للتعامل مع القرار الإسرائيلي، أشار أواري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «بلاده تتحرك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل».

وأشار إلى أن «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية»، وقال إن «الصومال يعول على الدعم العربي والإسلامي، للحفاظ على وحدة الأراضي الصومالية»، مشيراً إلى أن «مجلس الوزراء الصومالي شدد في اجتماعه الجمعة على أن أي محاولات للاعتراف بإقليم أرض الصومال غير شرعية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصومالية».

وبشأن إذا ما كانت هناك مخاوف من مقديشو لقيام الحكومة الإثيوبية بتفعيل اتفاقها مع أرض الصومال بعد الاعتراف الإسرائيلي، تحدث أواري عن دعم الاتحاد الأفريقي لوحدة وسيادة الصومال، وقال إن «مفوضية الاتحاد الأفريقي أكدت التزامها بدعم وحدة وسيادة الصومال».

سفير الصومال بالقاهرة علي عبدي أواري (وكالة أنباء الصومال)

ووقعت أديس أبابا و«أرض الصومال» مذكرة تفاهم العام الماضي، تسمح لإثيوبيا، التي لا تمتلك أي سواحل، باستخدام أحد مواني أرض الصومال، وهي خطوة وصفتها الحكومة المركزية في الصومال بأنها «عمل من أعمال العدوان».

وأكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، أن «أي محاولات للاعتراف بأرض الصومال بوصفه كياناً مستقلاً، يتعارض مع المبادئ الأساسية للاتحاد الأفريقي، ويشكل سابقة تقوّض السلم والأمن والاستقرار في القارة».

ويعلن إقليم أرض الصومال انفصاله من جانب واحد عن جمهورية الصومال الفيدرالية منذ عام 1991، ولم يحظَ باعتراف دولي طوال هذه الفترة.

وأشار السفير الصومالي إلى الموقف المصري الداعم لبلاده، وقال إن «القاهرة موقفها واضح وثابت في دعم السيادة الصومالية»، مشيراً إلى «اتصالات بين وزير الخارجية المصري ونظرائه في الصومال وتركيا وجيبوتي الجمعة، للتأكيد على رفض التحرك الإسرائيلي».

ولاقى الاعتراف الإسرائيلي إدانات عربية وإسلامية وأفريقية، وأصدرت مصر والسعودية والأردن وجيبوتي وتركيا، والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بيانات أكدوا فيها رفضهم التام لاعتراف تل أبيب بإقليم أرض الصومال دولةً مستقلةً.

وأكدت مصر، في إفادة لوزارة الخارجية السبت، أن «الاعتراف الإسرائيلي الأحادي يقوّض أسس السلم والأمن الدولي، ويُسهم في زعزعة الاستقرار بمنطقة القرن الأفريقي».

كما جددت مصر إدانتها بأشد العبارات لاعتراف إسرائيل الأحادي بما يسمى «أرض الصومال» باعتباره انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأكدت دعمها الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، اتساقاً مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وترفض أى إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية أو تقويض أسس الاستقرار في البلاد.

وحول ربط الاعتراف الإسرائيلي بمخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأرض الصومال، شدد السفير الصومالي بالقاهرة على «الرفض التام لبلاده لأي محاولات للتهجير القسري للفلسطينيين»، وقال إن «هذا الموقف ثابت، وجددت الحكومة الصومالية التأكيد عليه، وعلى دعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره».


ما التداعيات الفلسطينية لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»؟

علم «أرض الصومال»
علم «أرض الصومال»
TT

ما التداعيات الفلسطينية لاعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»؟

علم «أرض الصومال»
علم «أرض الصومال»

حرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من رام الله و«حماس» ومقديشو، من أنه يحمل احتمالاً لأن تكون هرغيسا موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت له إسرائيل منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

تلك التحذيرات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تحمل مخاوف من أن الخطوة الإسرائيلية ستعيد ملف التهجير للواجهة بقوة وستعمل إسرائيل على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

ووقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته جدعون ساعر، ورئيس «إقليم أرض الصومال» عبد الرحمن محمد عبد الله، الجمعة، إعلاناً مشتركاً، وقال إن «إسرائيل تخطط لتوسيع علاقاتها مع الإقليم من خلال تعاون واسع في مجالات الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد». وأفادت القناة «14 الإسرائيلية» بأن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال «جاء مقابل استيعاب سكان غزة».

وخلال أشهر الحرب على غزة، تصاعدت تصريحات إسرائيلية رسمية بشأن المضي قدماً في مخططات تهجير فلسطينيي غزة إلى خارج القطاع، فيما تحدثت وسائل إعلام عبرية عن وجهات محتملة شملت دولاً أفريقيةً، بينها الصومال والإقليم الانفصالي.

مظاهرة لأشخاص من «أرض الصومال» قرب «10 دوانينغ ستريت» في لندن 22 فبراير 2012 (فيسبوك)

وفي مارس (آذار) الماضي، نفت الصومال وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي عنها أيضاً تلقي أي اقتراح من الولايات المتحدة أو إسرائيل لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة، حيث قالت مقديشو إنها «ترفض بشكل قاطع أي خطوة من هذا القبيل».

وبعد الاعتراف زادت المخاوف من العودة الإسرائيلية لمخطط التهجير، ونبهت «الخارجية الفلسطينية»، في بيان، أن «سلطات الاحتلال كانت قد طرحت اسم (أرض الصومال) كوجهة محتملة لتنفيذ مخططات التهجير القسري بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتحديداً من قطاع غزة، وهو ما يجعل هذا الاعتراف جزءاً من ترتيبات جيوستراتيجية مشبوهة».

وشدّدت حركة «حماس»، في بيان السبت، على «رفضها القاطع لجميع المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير فلسطينيي قطاع غزة قسراً، بما في ذلك محاولات استخدام إقليم (أرض الصومال) الانفصالي وجهة محتملة لهذا التهجير».

كانت الحكومة الصومالية قد أعربت في بيان الجمعة عن رفضها لاعتراف إسرائيل بما يسمى بـ«جمهورية أرض الصومال»، مؤكدة «الدعم المبدئي والثابت للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، والرفض القاطع للاحتلال والتهجير القسري والهندسة الديموغرافية وتوسيع المستوطنات بجميع أشكالها، وأنه لن يقبل أبداً بجعل الشعب الفلسطيني بلا جنسية».

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «ملف التهجير لا تزال إسرائيل تعمل عليه مع الولايات المتحدة، وتراهن على حلول مثل اتفاقية الاعتراف مع (أرض الصومال) التي قد تنطوي على بنود غير معلنة، مع زيادة الضغوط على الداخل، سواء في الضفة عبر الاستيطان أو في غزة عبر القتل الممنهج».

أما المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، فيعتقد أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» هو نوع من تفكيك العزلة حتى لو مع دول طرفية، وهرجيسا ارتبطت على مدار العام الماضي بشكل رئيسي بملف التهجير رغم نفيها. وأكد أن الخطوة الإسرائيلية «ستعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الإغراءات للفلسطينيين للخروج، في ظل غياب أي أفق لإعادة الإعمار، وهو ما ينعكس على الضفة الغربية لكن يمكن بصورة أقل».

ومقابل تلك المخاوف، تواصل الرفض العربي الواسع لخطة إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، وصدرت بيانات منددة بذلك من دول عدة، بينها السعودية ومصر وقطر والأردن وتركيا.

ويشير حسن إلى أن «أرض الصومال» ستواجه ضغوطاً خاصة عربية لمنع التهجير؛ لكن الأمر سيتوقف على ما ستقدمه لها إسرائيل للمضي في هذا النهج، وأوضح مطاوع أن «الرفض العربي سيظل ضاغطاً لعدم تمرير التهجير وعدم دخول الاعتراف حيز التنفيذ»، متوقعاً أن «يشهد ملف الاعتراف تطورات متسارعة، لا سيما في ملف التهجير».