تفيد تقارير خبراء جزائريين بشأن «الإجهاد المائي» الذي تعاني منه البلاد بأنّ الحكومة مطالَبة بالبحث عن حلّ عاجل لأزمة العطش، تفادياً لتفاقمها على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية.
كما يرى هؤلاء الخبراء أن خطط تطوير الزراعة، التي تم إطلاقها عام 2020، تتطلب مشروعات طويلة الأمد تقوم أساساً على مبدأ العدالة في توزيع المياه.
وبمناسبة الذكرى الثالثة والستين لاستقلال الجزائر، أعلنت مجموعة «سوناطراك» للمحروقات في بيان، الأحد، عن بلوغ المرحلة النهائية من مسار الدخول التدريجي في الإنتاج بمحطة تحلية مياه البحر «تيغرمت» بولاية بجاية، على مسافة 250 كيلومتراً شرق العاصمة «وذلك تنفيذاً للبرنامج الوطني التكميلي الرامي إلى تعزيز الأمن المائي».

وكانت المحطة قد أُدخلت حيِّز الخدمة في 18 يونيو (حزيران) الماضي، من خلال تشغيل الوحدة الإنتاجية الأولى بطاقة 30 ألف متر مكعب يومياً، على أن تُرفع وتيرة الإنتاج تدريجياً وفقاً للبرنامج الموضوع والبروتوكول الفني المتفق عليه بين «الشركة الجزائرية للطاقة» (فرع مجموعة «سوناطراك») و«المؤسسة الجزائرية للمياه» الحكومية.
وأشار البيان إلى أن القدرة الإنتاجية الحالية للمحطة تصل إلى 90 ألف متر مكعب يومياً، ومن المرتقب أن ترتفع إلى 120 ألف متر مكعب يومياً في غضون أيام.
ووصف البيان مصنع تحلية البحر الجديد بـ«الحيوي»، مبرزاً أنه ضخَّ أكثر من 215730 متراً مكعباً من المياه بين تاريخ بداية تشغيله إلى الخامس من يوليو (تموز) الحالي.
وأضاف أن المياه المحلاة «مطابقة للمعايير المعتمدة»، وقد تم توجيهها نحو شبكة التوزيع التابعة لـ«مؤسسة الجزائرية للمياه»، «مما يعكس النجاعة التشغيلية التدريجية لهذا المشروع».

ووفق «سوناطراك»، تُعد محطة بجاية من بين المشروعات الاستراتيجية المُدرَجة ضمن البرنامج الوطني التكميلي الأول الخاص بتحلية مياه البحر. وقالت إنه من المرتقب أن يسهم، عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية المقدّرة بـ300 ألف متر مكعب يومياً، في تزويد ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة بالمياه الصالحة للشرب.
وتعهَّدت المجموعة الاقتصادية الأكبر في البلاد بـ«أداء دورها الكامل للمساهمة في تحقيق أهداف الأمن المائي، وتعزيز مسارات التنمية المستدامة عبر مختلف جهات الوطن».
«إنجاز غير مسبوق» بالجزائر
من أبرز التطورات التي شهدها المشروع الكبير الخاص بتحلية مياه البحر، إطلاق أربع محطات خلال هذا العام، تصل القدرة الإنتاجية لكل محطة إلى 300 ألف متر مكعب يومياً، ومن المرتقب أن ترفع نسبة تغطية احتياجات البلاد من المياه الصالحة للشرب عبر التحلية، من 18 في المائة إلى 42 في المائة، ما يُبرز حجم الجهود المبذولة في هذا المجال.
وتم إنجاز هذه المحطات في أقل من 26 شهراً ضمن خطة استعجالية، لترتفع بذلك عدد محطات التحلية العاملة في البلاد إلى 19 محطة، ما أسهم في ارتفاع القدرة على إنتاج المياه المحلاة من 2.2 مليون متر مكعب في اليوم إلى 3.7 مليون متر مكعب يومياً؛ ما يسمح بتلبية احتياجات نحو 15 مليون مواطن من مياه الشرب، حسب تقديرات وزارة الموارد المائية.
وتُصنّف الجزائر اليوم في المرتبة الأولى أفريقياً والثانية عربياً، بعد المملكة العربية السعودية، من حيث القدرة الإنتاجية للمياه المحلاة.

وتتميز المحطات الجديدة بأنها مُنجَزة بالكامل بأيادٍ جزائرية، عبر شركات محلية تابعة لمجموعة «سوناطراك» وشركة «كوسيدار» للبناء والأشغال العامة، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ البلاد، وفق خبراء في هذا المجال.
سدود وشبكات ربط مائي
أما المشروع الاستراتيجي الآخر الذي تقوده السلطات العمومية، فيتمثل في بناء السدود وشبكات الربط المائي بين المحافظات. وتضم الجزائر حالياً أكثر من 80 سداً بسعة تخزين إجمالية قدرها 8.3 مليار متر مكعب، مع مشروعات مستقبلية تهدف إلى رفع هذه السعة إلى 12 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.
ويصل معدل الربط بشبكة المياه الصالحة للشرب على المستوى الوطني إلى 98 في المائة، وتقول الحكومة إن ذلك يجعل الجزائر من الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال.
كما سيتم إطلاق ست محطات تحلية جديدة بداية من سنة 2026، بنفس القدرة الإنتاجية (300 ألف متر مكعب يومياً لكل واحدة منها)، وذلك في ولايات سكيكدة وجيجل وتيزي وزو في الشرق، والشلف في الوسط الغربي، ومستغانم وتلمسان في الغرب، بهدف بلوغ نسبة تغطية تفوق 60 في المائة دون اللجوء إلى استغلال المياه الجوفية، حسب تقديرات الحكومة التي أعلنت في بداية العام عن خطة تتمثل في تطوير تكنولوجيا التحلية محلياً باستخدام أغشية التناضح العكسي.

وكانت وزارة الموارد المائية قد أعلنت، مطلع 2023، أن الجزائر باتت من ضمن الدول الفقيرة من حيث مصادر المياه، بسبب فترات جفاف طويلة ومتكررة، مع عجز في نسب تساقط الأمطار بلغ بين 40 و50 في المائة خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بالمعدلات السنوية الماضية، خصوصاً في الجهتين الوسطى والغربية للبلاد.
وأوضحت الوزارة أن نقص وشح الأمطار بفعل التغيرات المناخية أثَّر بقوة على تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، وقد برزت آثار هذه التحولات جلياً على 20 محافظة، من أصل 58 بالبلاد.
وأشارت الوزارة إلى أن الجزائر تعاني، على غرار دول البحر المتوسط، عجزاً مائياً ناجماً عن التغيرات المناخية التي أثرت كثيراً على الدورات الطبيعية للمتساقطات المطرية.

ونشبت مظاهرات كبيرة في بداية صيف 2024 في ولاية تيارت، على بعد 300 كيلومتر غرب العاصمة، بسبب انقطاع المياه عن سكان المحافظة نتيجة جفاف السد المحلي.
وأوفدت الحكومة كبار مسؤوليها إلى المنطقة لتهدئة الغضب، وأطلقوا وعوداً بـ«تفكيك قنبلة العطش» في أقرب وقت.



