تصدعات مستمرة تضرب «المجلس الرئاسي» الليبي

سياسيون يعزونها إلى «عيوب في هيكليته واختصاصاته»

المنفي والكوني واللافي خلال حضور فعالية عسكرية في أغسطس 2024 (المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي)
المنفي والكوني واللافي خلال حضور فعالية عسكرية في أغسطس 2024 (المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي)
TT

تصدعات مستمرة تضرب «المجلس الرئاسي» الليبي

المنفي والكوني واللافي خلال حضور فعالية عسكرية في أغسطس 2024 (المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي)
المنفي والكوني واللافي خلال حضور فعالية عسكرية في أغسطس 2024 (المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي الليبي)

يواجه «المجلس الرئاسي» الليبي تصدعات متزايدة بين مواقف رئيسه محمد المنفي، ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني، كانت بدأت خلال الأشهر القليلة الماضية.

ويرى سياسيون، أن الخلافات الظاهرة تعود إلى عيوب في هيكلية المجلس واختصاصاته وفاعليته، وقد تفاقمت بفعل أزمات سياسية وأمنية متشابكة أطالت من مدة بقائه لأربع سنوات إضافية منذ تشكيله الحالي في «ملتقى جنيف» عام 2021.

أحدث تلك الخلافات، كان في مايو (أيار) الماضي، حين ظهرت تسريباته مع ما تداولته وسائل إعلام محلية عن خلافات بين أعضاء المجلس بشأن إقالة حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، في طرابلس، على خلفية احتجاجات حاشدة ضد الأخيرة.

تسببت أحداث العنف بطرابلس في ترويع المواطنين وإثارة الرعب بنفوس السكان (أ.ف.ب)

وقتذاك، أطلق زياد دغيم، مستشار رئيس «المجلس الرئاسي» تصريحات تليفزيونية لقناة «الوسط» المحلية، شرح فيها موقفه من الأزمة السياسية والدعوات إلى إقالة حكومة طرابلس، وقد قوبلت برفض من جانب اللافي والكوني، قائلين إنها «لا تمثل موقف (المجلس الرئاسي) بكامل أعضائه».

وهنا أحال عضو «الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور»، الهادي بوحمرة، هذه التناقضات وما سبقها من مواقف إلى «إقرار (مؤتمر جنيف) قاعدة الإجماع في اتخاذ القرارات، التي جعلته لا يملك القدرة على مواجهة الأزمات، ولا حتى اتخاذ القرار».

وبيَّن بوحمرة لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا «الإجماع تحوَّل أداة تعطيل، وجعلت (المجلس الرئاسي) في حالة صدام دائم بين أعضائه من جهة، وبينه وبين مجلسي النواب والدولة من جهة أخرى، وبينه وبين القائد العام لـ(الجيش الوطني) من جهة ثالثة».

موسى الكوني النائب بـ«المجلس الرئاسي» الليبي (المجلس)

ويشار إلى أن التضارب الأخير بين أعضاء «الرئاسي» سبقه موقف آخر في مارس (آذار) الماضي، واتخذ طابع «نزال المبادرات»، حين أطلق الكوني مبادرة للعودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة التاريخية (طرابلس وبرقة وفزان). في مقابل اقتراح للافي تقسيم البلاد إلى 13 محافظة تدار وفق نظام لا مركزي، على أن يتم توزيع الميزانية بالتساوي بين هذه المحافظات.

وما كاد يهدأ «نزال المبادرات»، حتى اصطف اللافي والكوني ضد المنفي، رافضين مرسوماً يقضي بوقف العمل بقانون إنشاء المحكمة الدستورية، وتشكيل «المفوضية الاستفتاء والاستعلام»، وتحديد آليات انتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية، وعدَّاه «سلوكاً لا يخدم المصلحة الوطنية ويضعف مصداقية المؤسسات».

ويعتقد بوحمرة لـ«الشرق الأوسط» أن «التضارب» بين أعضاء «المجلس الرئاسي» يضرب بجذوره «منذ اتفاق الصخيرات المغربية عام 2015، الذي أنتج أول مجلس برئاسة فائز السراج»، مضيفاً: «هذا بالتأكيد لم يكن غائباً على خبراء البعثة الأممية عند تصميم الاتفاق السياسي في جنيف 2021».

ومن منظور بوحمرة، فإن الاتفاقين «أنتجا مجلسين رئاسيين عديمي التأثير والفاعلية».

المنفي يتلقى المعايدة من المواطنين عقب صلاة العيد بمسجد في طرابلس (المجلس الرئاسي)

ويشرح عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور قائلاً: «رئيس (المجلس الرئاسي) هو القائد الأعلى للجيش ولا يملك سلطة فعلية لا على القوى العسكرية في الشرق ولا في الغرب، كما أن المجلس يتداخل، في اختصاص السياسة الخارجية، مع اختصاصات الحكومة».

في المقابل، فإن العضو السابقة في «ملتقى جنيف»، جازية شعيتير، دافعت عن خريطة الطريق التي كانت من المشاركين في إقرارها قبل أكثر من أربع سنوات، وحددت اختصاصات «الرئاسي»، وقالت إنها «صُممت لمرحلة انتقالية حتى انعقاد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، بحيث لا تتجاوز المرحلة الانتقالية عاما ًواحداً».

من مخلفات الاشتباكات الأخيرة في طرابلس (رويترز)

وأضافت شعيتير: «(ملتقى جنيف) أقرّ مهمات محددة لـ(المجلس الرئاسي)، مثل المصالحة وتسهيل الانتخابات، كما أن صلاحيات (الرئاسي) قُلّصت لصالح مجلس النواب، بحيث لا تحدث أي شقاقات».

وعادت لتقول أيضاً: «مراسيم القوانين، وهيئة الاستفتاء لم تقرها خريطة الطريق من ضمن صلاحيات الرئاسي، بينما يندرج ضمن صلاحياته فقط تشكيل هيئة المصالحة الوطنية».

وأقرَّت خريطة الطريق المنبثقة من «ملتقى جنيف» 2021 «صلاحيات (المجلس الرئاسي)، بتمثيل ليبيا في الخارج وقيادة المؤسسة العسكرية وتوحيدها، وتيسير الانتخابات، وإدارة ملف المصالحة الوطنية، وتعيين بعض المناصب السيادية».

وخلال المظاهرات الأخيرة التي اجتاحت العاصمة ضد حكومة طرابلس، لوحظ، وعلى غير المعتاد، عدم بث مكتب «المجلس الرئاسي» صوراً للقاء قادته الثلاثة، رغم أنباء عن اجتماعهم لبحث الأزمة.

ومن منظور المحلل السياسي رمضان شليق، فإن «اللافي والكوني كانا مع إرادة الشعب خلال مظاهرات تطالب بإسقاط الحكومة التي أدخلت العاصمة طرابلس في حرب دمرت فيها الممتلكات العامة والخاصة، في مقابل موقف رافض من الجانب المنفي»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط». إلى «تغير لهجة المتظاهرين الداعية إلى رحيل (المجلس الرئاسي) أيضاً».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة (يمين) مع محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» (الوحدة)

وتأسس المجلس في عام 2016 بموجب «اتفاق الصخيرات» 2015 برئاسة فائز السراج و4 أعضاء آخرين، وعُدّل مجدداً في فبراير (شباط) عام 2021 بموجب «اتفاق جنيف»، ليتكون في تشكيله الثاني من رئيسه الدبلوماسي السابق محمد المنفي (ممثلاً لبرقة) ونائبين يمثلان إقليمَي طرابلس وفران.

ومن بين السياسيين من لا يرى «أهمية للحديث عن مستقبل (المجلس الرئاسي) الذي لم يكن في دائرة التأثير؛ ما يجعل من وجوده أو غيابه سواء»، وهو رأي تبناه الأكاديمي ورئيس «الحزب المدني الديمقراطي» الدكتور علي الصبيحي، الذي عدَّ أن «المناكفات والتضاربات الأخيرة جعلت (المجلس الرئاسي) جزءاً من الأزمة وعائقاً حقيقياً أمام أي مسار».

ويتوقع الصبيحي «مشهداً سياسياً جديداً يقوم على حل جذري يتطلع إليه الليبيون بأحزابهم السياسية ومكونات المجتمع المدني»، آملاً «مساراً تأسيسياً جديداً بـجمعية وطنية تعيد تأسيس شرعية الدولة على أسس دستورية يقرّها الشعب الليبي».


مقالات ذات صلة

ما إمكانية معاقبة «معرقلي» العملية السياسية في ليبيا؟

شمال افريقيا اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا في برلين (البعثة الأممية)

ما إمكانية معاقبة «معرقلي» العملية السياسية في ليبيا؟

أثيرت تساؤلات في ليبيا حول إمكانية فرض «عقوبات» دولية على شخصيات سياسية وميليشياوية في البلاد.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا تعزيزات أمنية في طرابلس قبل انطلاق مظاهرات الجمعة (داخلية الوحدة)

«الوحدة» الليبية تلاحق «متورطين» في هجوم مسلح على عناصرها بطرابلس

تلاحق حكومة «الوحدة» المؤقتة في ليبيا «متورطين» في هجوم مسلح على عناصرها بطرابلس.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا حماد يترأس اجتماع حكومة «الاستقرار» (الحكومة)

«الاستقرار» الليبية تدعو اليونان للحوار عقب «حديث التنقيب» جنوب كريت

أبدى رئيس حكومة الاستقرار الليبية، أسامة حماد، تعجبه من حديث اليونان بشأن تراخيص التنقيب واستغلال مادة الهيدروكربونات في مناطق بحرية جنوب جزيرة كريت

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي خلال لقائه الحداد (المجلس الرئاسي الليبي)

المنفي يشدد على «تطهير» العاصمة الليبية من المظاهر المسلحة

تلقى رئيس المجلس الرئاسي الليبي «إحاطةً كاملة» عن الوضع الأمني والعسكري بالعاصمة، و«مدى استجابة الأطراف وعودة جميع القوات لمعسكراتها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حقل «الشرارة» النفطي في جنوب ليبيا (الاتحاد العام لعمال النفط والغاز)

طرابلس تتمسك برفض تنقيب أثينا عن النفط بالمناطق «المتنازع عليها»

عبرت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عن «قلقها البالغ» من إطلاق اليونان «دعوة دولية لتقديم عطاءات للتنقيب عن الهيدروكربون بمناطق بحرية متنازع عليها».

جمال جوهر (القاهرة)

معارك بابنوسة بغرب كردفان مستمرة

تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)
تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)
TT

معارك بابنوسة بغرب كردفان مستمرة

تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)
تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)

لا أحد يستطيع «الجزم» بما يحدث في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان السودانية، التي تشهد معارك كسر عظم واستنزاف منذ عدة أيام، بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وفي حين يؤكد الجيش أنه سحق القوات المهاجمة عن المدينة التي تعد آخر معاقله بولاية غرب كردفان، تناقلت مواقع مؤيدة لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو تفيد بسيطرة «الدعم» على أجزاء كبيرة من المدينة واقترابهم من استعادة السيطرة عليها، بما في ذلك مقرات تابعة للفرقة 22، إحدى أكبر تجمعات قوات الجيش السوداني في غرب البلاد.

أهمية بابنوسة

بابنوسة، ويدللها أهلها باسم «القميرة» (تصغير قمر)، إحدى مدن ولاية غرب كردفان المهمة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 700 كيلومتر، وتنبع أهميتها من كونها «تقاطع طرق» تربط غرب السودان بوسطه وشماله، بل وجنوبه قبل انفصاله، وعندها يتفرع خط السكة حديد إلى مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وإلى مدينة واو بجنوب السودان، وتعد واحدة من أكبر من مراكز سكك حديد السودان.

ويعتمد اقتصاد المدينة على التجارة والزراعة والرعي، ويوجد بها أول مصنع لتجفيف الألبان في الإقليم، أنشئ بمنحة من دولة يوغسلافيا السابقة على عهد الرئيس الأسبق إبراهيم عبود في خمسينيات القرن الماضي، وافتتحه الرئيس اليوغسلافي المارشال جوزيف بروز تيتو. وتضم الفرقة 22 التابعة للجيش، إلى جانب عناصرها، قوات قادمة من ولايات ومناطق دارفور وكردفان سيطرت عليها «قوات الدعم السريع».

أطفال سودانيون في معسكر للنازحين بولاية جنوب كردفان (أرشيفية - رويترز)

وظلت المدينة تشهد معارك منذ الأيام الأولى للحرب، ما أدى إلى هجرة أهلها، إلى مدينة المجلد القريبة، والقرى والبلدات المجاورة، وتحولت إلى مدينة «أشباح» يسكنها جنود من الطرفين المتقاتلين. ثم توقف القتال فيها في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، باتفاق ثلاثي بين الجيش و«الدعم السريع» والإدارة الأهلية بالمدينة، قضى بوقف التصعيد وتحليق الطيران الحربي والقصف في المدينة، لكن الأوضاع ظلت متوترة في المدينة، واعتصمت بها قوات الجيش بمقراتها غرب المدينة، بينما ظلت «قوات الدعم السريع» تسيطر على الأحياء «المهجورة».

لكن المدينة شهدت معارك ضارية منذ السبت، وقال عنها الجيش، في بيان رسمي، إن قواته في الفرقة 22، سحقت هجوماً كبيراً لـ«قوات الدعم السريع» التي حشدت لها من كل صوب، وتوعد بتحويل المدينة إلى مقبرة لـ«قوات الدعم السريع»، «وما يجمعون».

حرب استنزاف

ولم تصدر تعليقات رسمية من «قوات الدعم السريع» حول حقيقة الوضع في المدينة، لكن منصتها على «تلغرام» ذكرت أنها سيطرت على اللواء 189 التابع للفرقة، فيما ذكرت منصات تابعة للجيش أن «قوات الدعم السريع» بسطت سيطرتها مؤقتاً على مقر اللواء، واضطرت للانسحاب بعد تدخل قوات الجيش، بيد أن مصدراً عسكرياً طلب عدم كشف اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة بابنوسة أسوة بمدينة الفاشر، تعد «مناطق استنزاف» لـ«قوات الدعم السريع»، حيث خسرت أعداداً كبيرة من الرجال والعتاد أثناء محاولتها مهاجمة مقرات الجيش، وأضاف: «في معركة بابنوسة أمس، نصب الجيش فخاً لـ(الدعم السريع)، فاندفع بمقاتليه تجاه مقر الفرقة، قبل أن يطبق عليهم، ويصدهم، ملحقاً بهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد».

الحرب شرَّدت ملايين السودانيين بين نزوح في الداخل ولجوء إلى الخارج (أ.ف.ب)

وتعد معارك بابنوسة محورية لكل من الجيش و«الدعم السريع»، ففي حال سيطرت «قوات الدعم السريع» على المدينة ستبسط سيطرتها على كامل ولاية غرب كردفان المحادة لدولة جنوب السودان من جهة الجنوب، وولايتي شمال وجنوب كردفان من جهة الشرق، وولايات جنوب وشمال دارفور، من جهة الغرب، وذلك بعد أن أكمل سيطرته على مدينتي «النهود والخوى»، وحال احتفاظ الجيش بقاعدته في بابنوسة، يكون قد احتفظ بموطئ القدم في الولاية، يمهد لخطواته باتجاه دارفور.