يشتهر فاروق سعيد، في مدينة بنغازي الليبية، بإصلاح الأجهزة الكهربائية، لكن هذا ليس وحده ما يجذب الزبائن إليه ويكسبه ثقتهم... إذ يعدّه كثير منهم نموذجاً ملهماً يستحق التشجيع والدعم بفضل مهارته الفنية ومسيرته الإنسانية التي تُجسد رحلة تحدٍّ للإعاقة البصرية.
ورغم أنه كفيف، يبرع سعيد في إصلاح أجهزة الغسالات والثلاجات بفضل دأبه وحرصه على التعلُّم المستمر عبر التطبيقات الصوتية، وإتقان استخدام الأدوات الإلكترونية الحديثة مثل الأفوميتر الصوتي.
لكن هذه الرحلة لم تكن ممهدة منذ البداية؛ لأن صاحبها عانى من انتكاسات متعددة شكَّل كل منها نقطة تحول في مشواره، حتى استطاع أن ينجو بنفسه، ويمد يد المساعدة إلى غيره من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.
يقول سعيد إنه لم يكن كفيفاً عندما ولد عام 1968، لكن بصره خفت تدريجياً وهو في المدرسة، حتى لم يعد قادراً على رؤية الكتابة، فطُرد من التعليم وهو بالصف الثاني الابتدائي، الأمر الذي ترك في نفسه جرحاً غائراً.
وفي ورشة كهرباء بسيطة يعمل فيها والده، وضع الفتى يده على أول الطريق وتحسَّس خطاه، فتعلم إصلاح الأجهزة بالاعتماد على حواسه التي تحوَّلت إلى أدوات عمل لا تخطئ.
ولاحقاً، اقترن سعيد بزوجة كفيفة أنجب منها 4 أبناء، بينهم 3 مكفوفين، وهو ربما ما جعله يفكر أكثر في مساعدة غيره من فاقدي البصر وتعليمهم مهارات كسب العيش.
وفي حي سيدي حسين في بنغازي، وجد الفني الماهر المظلة التي يستطيع من خلالها توسيع الدائرة وتعميم الفائدة، فبرزت موهبته في التدريب، وأثبت أنه ليس مدرباً عادياً، لأن تلامذته جميعاً من المكفوفين الذين ضاقت بهم السبل، فكان لهم المعلم والصديق.
ولعبت الجمعية، التي تأسست عام 1961، دوراً ملموساً خلال العقود الماضية في تأهيل وإعداد المئات من المكفوفين لسوق العمل، رغم شح مواردها وضعف إمكاناتها.
لكن مع اقترابه من سن الستين، يُصرُّ سعيد على ترك أثر عميق في محيطه، ويحلم بإنشاء ورشة متكاملة قوامها من المكفوفين فقط، ليُساعدهم على بناء حياتهم وفتح آفاق جديدة.
ويعدّ أن «الدولة لم تقدم شيئاً» للمكفوفين، لكنه يكاد يكون واثقاً بقدرته على إمداد غيره بالمساعدة التي لم تتوفر له في الصغر.