تقرير أممي: الوضع في شمال دارفور «كارثي»

أم تدفن أطفالها الخمسة خلال رحلة فرارها من الفاشر

امرأة سودانية نازحة تجلس إلى جانب أطفال في بلدة شمال دارفور (رويترز)
امرأة سودانية نازحة تجلس إلى جانب أطفال في بلدة شمال دارفور (رويترز)
TT

تقرير أممي: الوضع في شمال دارفور «كارثي»

امرأة سودانية نازحة تجلس إلى جانب أطفال في بلدة شمال دارفور (رويترز)
امرأة سودانية نازحة تجلس إلى جانب أطفال في بلدة شمال دارفور (رويترز)

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، يوم الأحد، إن هناك حاجة إلى مساعدات إنسانية ضخمة في شمال دارفور، غرب السودان. وأضاف أن الوضع في مخيمَي «أبو شوك» و«زمزم» في شمال دارفور «كارثي»، وأن المدنيين محاصرون والمساعدات لا تصل إلى مَن هم في أمسّ الحاجة إليها في شمال دارفور.

وأكد المكتب، في بيان عبر منصة «إكس»، أن الوضع الإنساني في مدينة طويلة بشمال دارفور يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، وطالب بضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستمر، بما في ذلك عبر معبر أدري مع تشاد، لإنقاذ الأرواح.

في غضون ذلك، قالت سلوى عبد الله، من سكان دارفور، لـ«الشرق الأوسط»، إنها دفنت أطفالها الخمسة في صحراء دارفور، من دون معلم بارز يدل على مكانهم لو عادت يوماً لزيارتهم، مضيفة: «لا أعرف كيف سأعيش من دونهم». وقالت إنها حفرت قبورهم بأيديها بمساعدة والدها الكبير في السن، أثناء رحلة نزوحهم من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى بلدة طويلة الآمنة نسبياً.

وجاء صوتها عبر الهاتف متهدجاً وهي تبكي بحرقة قائلة: «كنت أحاول النجاة بهم في مكان آمن بعيداً عن القذائف والرصاص المتطاير. لم أكن أتخيل أن يموتوا عطشاً، وأدفنهم في صحراء ممتدة لا توجد فيها أي معالم يمكن أن تدل على قبورهم، إلا تلال رملية صغيرة قد تجرفها الرياح والأمطار».

وكان أكبر أطفالها يبلغ 13 عاماً، وهي تشاهدهم يصارعون الموت واحداً تلو الآخر، حيث قضت عدة أيام في الطريق إلى بلدة طويلة التي تبعد نحو 65 كيلومتراً عن مدينة الفاشر، وهي آخر مدينة كبرى يسيطر عليها الجيش في إقليم دارفور، فيما تحاصرها «قوات الدعم السريع» لنحو عام.

نازحون من الفاشر ومعسكر زمزم (المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور)

وقالت المرأة الأربعينية: «خلال يومين فقدت بنتين وثلاثة ذكور، وقبلهم بفترة وجيزة فقدت زوجي، ولا أعرف إن كان حياً أو ميتاً، وإن وجدته لا أقوى على أن أخبره بموت أطفاله الخمسة». وأضافت: «كنت أحتضن أطفالي وأبكي كثيراً لأسقيهم من دموعي حتى يفيقوا من غيبوبتهم، لا أستطيع أن أصف حالتي في تلك اللحظة، تمنيت أن أموت ليعيشوا هم».

وتابعت الأم المفجوعة: «خرجنا من الفاشر سيراً على الأقدام، كنت أحمل معي قوارير من المياه، لكن بسبب ارتفاع درجة الحرارة أثناء ساعات النهار نفدت المياه في اليوم الثالث، فذهبت مسافات طويلة على أمل أن أجد ماء قليل يطفئ عطشهم، لكني لم أجد». وأضافت سلوى أنها حامل في الشهر السابع، لذلك «أصبحت كل حياتي معلقة بالجنين في بطني، بعد أن فقدت كل أبنائي».

وبعد رحلة شاقة وصلت سلوى إلى بلدة طويلة لتنضم إلى مئات الآلاف من العوائل الذين نزحوا من الفاشر ومخيمات النزوح بسبب القتال الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

من جانبه، قال آدم رجال، المتحدث باسم «المنسقية العامة للنازحين واللاجئين»، وهي منظمة محلية تطوعية، إن الكثير من الأسر فقدت أبناءها في رحلة النزوح إلى بلدة طويلة التي تخضع لسيطرة «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد النور.

وأضاف أن النازحين يعيشون ظروفاً إنسانية معقدة ويحتاجون إلى أبسط مقومات الحياة من الغذاء ومياه الشرب ومستلزمات الإيواء.

وأضاف آدم أن عدداً من النازحين أفادوا بأنهم عايشوا ظروف مريرة ومروعة في طريق نزوحهم، تعرضوا خلالها لشتى أنواع الانتهاكات والقتل والسرقات، واغتصاب الفتيات من قِبل بعض المسلحين. وأضاف: «حدّثونا في شهاداتهم عن وقوع أعداد كبيرة من الوفيات بسبب الجوع والعطش الشديدين خلال رحلة النزوح». كما وصل عدد من الأطفال بعد أن فقدوا ذويهم أثناء رحلة النزوح الطويلة.

ووفق إحصاءات «المنسقية العامة للنازحين واللاجئين»، فقد استقبلت بلدة طويلة أكثر من 281 ألف نازح منذ تجدد القتال العنيف في مدينة الفاشر والمخيمات المحيطة بها، في مطلع أبريل (نيسان) الماضي، بحيث بلغ إجمالي سكان البلدة الصغيرة أكثر من مليون شخص.


مقالات ذات صلة

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

شمال افريقيا تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية.

وجدان طلحة (الخرطوم)
خاص تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

خاص الخرطوم بين ركام الأطلال... وعودة خجولة للحياة

قامت «الشرق الأوسط» بجولة في الخرطوم، سجلت خلالها عودة تدريجية للحياة والنشاط التجاري في وسط المدينة، رغم الركام الذي يطوقها.

وجدان طلحة (الخرطوم)
شمال افريقيا نازحون من الخرطوم لجأوا إلى إقليم كردفان (أ.ف.ب)

قوات حليفة للجيش السوداني تستعيد بلدة في كردفان

نفذت «القوة المشتركة» عملية التفاف تكتيكية مباغتة، استعادت بها بلدة أم صميمة بعد ساعات من سيطرة «الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مواطن يحاول تصريف المياه من أمام مسكنه في مدينة أم درمان (الشرق الأوسط)

أمطار غزيرة في الخرطوم تجرف جثثاً متحللة

هطلت أمطار غزيرة في عدد من المناطق بولاية الخرطوم، مما أدّى إلى تراكم المياه في الأحياء والشوارع، كما جرفت بعض مخلفات الحرب، بما في ذلك جثث متحللة.

وجدان طلحة (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو أيام تحالفهما (أرشيفية)

طرفا الحرب في السودان يتبادلان الاتهامات بارتكاب مجازر

تبادل طرفا الحرب في السودان اتهامات بارتكاب مجازر في إقليم كردفان بغرب البلاد، إثر عمليات برية وجوية خلال اليومين الماضيين أدت إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين.

أحمد يونس (كمبالا)

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
TT

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية. فالمدينة التي كانت ترمز للحداثة والجمال، تقف اليوم على أطلال الدمار وهي تحاول النهوض مجدداً.

«الشرق الأوسط» تجولت بين الأنقاض والمباني المُدمَّرة، التي باتت شاهدة على ضراوة الحرب التي عاشتها العاصمة السودانية.

معالم العاصمة المعروفة تعرضت للحرق أو التدمير الكلي أو الجزئي، ونحت الرصاص ثقوبه على جدران الأبنية. المصارف والبنوك أصبحت بلا أبواب أو نوافذ، ورائحة الحرائق والسخام تفوح منها، أما الطرق - على علاتها - فقد غمرتها أمطار يوليو (تموز)، بينما نجا بعضها جزئياً.