البعثة الأممية تدشن حملة لمناهضة «خطاب الكراهية» في ليبيا

ورش عمل مكثفة بين طرابلس وبنغازي على وقع انقسام سياسي

عدد من المشاركين في ورشة عمل رعتها البعثة الأممية في ليبيا عن "خطاب الكراهية" (البعثة)
عدد من المشاركين في ورشة عمل رعتها البعثة الأممية في ليبيا عن "خطاب الكراهية" (البعثة)
TT

البعثة الأممية تدشن حملة لمناهضة «خطاب الكراهية» في ليبيا

عدد من المشاركين في ورشة عمل رعتها البعثة الأممية في ليبيا عن "خطاب الكراهية" (البعثة)
عدد من المشاركين في ورشة عمل رعتها البعثة الأممية في ليبيا عن "خطاب الكراهية" (البعثة)

نبَّهت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأحد، إلى خطورة الآثار السلبية لتمدد «خطاب الكراهية» في بلد يعاني انقساماً سياسياً حاداً، ويحتكم إلى اتفاقية «هشة» لوقف إطلاق النار، منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020.

ودشَّنت البعثة الأممية حملةً لمناهضة «خطاب الكراهية» في ليبيا. ورعت خلال الأيام الماضية وِرش عمل، شارك فيها العشرات من مدن عدة، بينها طرابلس وبنغازي؛ لمناقشة الظاهرة وسبل مكافحتها.

وتحت عنوان «لا لخطاب الكراهية»، قالت البعثة في وقت مبكر من صباح الأحد: «عندما تجد تعليقاً مسيئاً أو عدائياً؛ مسؤوليتك أن تُبلغ عنه».

«عندما تجد تعليقاً مسيئاً أو عدائياً مسؤوليتك أن تُبلغ عنه» (البعثة الأممية)

وتساءلت البعثة باللهجة المحلية: «شن هو هذا الخطاب»؟

وأجابت: «هذا الخطاب هو أي نوع من أنواع التواصل؛ سواء بالبث، أو النشر الشفهي والكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو يستخدم لغةً مهينةً أو تمييزيةً بالإشارة إلى شخص أو مجموعة أشخاص على أساس الهوية».

كما رأت أنه كل ما يتضمَّن التقييم «على أساس الدين، أو الانتماء الإثني، أو الجنسية، أو العرق، أو اللون، أو الأصل، أو الجنس، أو أحد العوامل الأخرى المُحدِّدة للهوية».

وكان طرفا الحرب في ليبيا (سلطات غرب ليبيا وشرقها) قد وقَّعا في جنيف على اتفاق «وقف إطلاق النار» في 23 أكتوبر 2020، وسط ترحيب إقليمي ودولي واسع، على أمل أن يلقي ذلك بظلال إيجابية على المسار السياسي، ويحد من تصاعد «خطاب الكراهية».

وانتشر «خطاب الكراهية» في ليبيا خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، كما تمدَّدت هذه الحالة عقب الحرب التي شنَّها المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني» على العاصمة طرابلس في مطلع أبريل (نيسان) 2019.

ولا يقتصر «خطاب الكراهية» في ليبيا على وسائل التواصل الاجتماعي وحديث المسؤولين، بل يتعدى ذلك إلى البرامج السياسية في الفضائيات المتعددة، بالإضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية التي أُنشئت لترويج أفكار وبرامج على أساس جهوي.

أجواء محتقنة

ويرى أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» المحلية، أن «خطاب الكراهية» يتصاعد من وقت إلى آخر «عندما تكون هناك أحاديث وسجالات عن تغيير الحكومة في طرابلس، أو في حالات الحروب».

ويضيف النجار في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه يلمس ازدياد خطاب الكراهية «كلما تصاعد الحراك المُطالب بتغيير الحكومة في طرابلس». وتسعى أطراف سياسية مناوئة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتَّخذ من طرابلس العاصمة مقراً لها، إلى تغييرها.

البعثة الأممية تحذر من التأثيرات السلبية لـ«خطاب الكراهية» بين الليبيين (البعثة الأممية)

وفي معرض حملتها التوعوية، قالت البعثة الأممية: «هناك فرق كبير بين خطاب الكراهية، وحرية التعبير»، التي تراها «حجر الزاوية لحقوق الإنسان، وركيزة للمجتمعات الحرة والديمقراطية؛ بعيداً عن التحريض على التمييز والعداوة والعنف»، مشيرة إلى أن هذا الأمر «محظور بموجب القوانين المحلية، والتشريعات الدولية، وكذلك الأعراف المجتمعية، والقيم الدينية».

ونبَّهت البعثة إلى أن التصدي لخطاب الكراهية «لا يعني تقييد أو حظر حرية التعبير، بل يعني منعه من أن يتحول إلى شيء أكثر خطورةً على الأفراد والمجتمعات».

وفي ورشة عمل رعتها البعثة الأممية مؤخراً، أعرب المشاركون عن قلقهم إزاء «ازدياد خطاب الكراهية ضد مختلف الفئات على وسائل التواصل الاجتماعي»، داعين إلى «حملة موسعة لرفع الوعي بمخاطر الخطاب التحريضي».

وقدَّم 11 شاباً ليبياً شاركوا في الورشة، التي اختتمت أعمالها الأسبوع الماضي، توصيات لمواجهة «خطاب الكراهية»، مؤكدين على «دور الإعلام والسياسيين في نشر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية؛ مما قد يؤدي إلى مواجهات مسلحة وعنف ضد المجموعات والأفراد».

جانب من ورشة عمل رعتها البعثة الأممية في ليبيا عن «خطاب الكراهية» (البعثة)

وقال أحد المشاركين: «الوضع الأمني في ليبيا هشٌّ للغاية، وفي بعض الأحيان يمكن حتى للحوادث البسيطة أن تُفاقم من خطاب الكراهية بين المدن، وتُهدد بالتصعيد بأعمال عنف»؛ بينما أشار آخر إلى أن «التحريض باسم الدين، خصوصاً على الاختلافات البسيطة بين أبناء المجتمع الواحد، من أخطر أشكال خطاب الكراهية، وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة».

وتختبر ليبيا في المرحلة الراهنة، بحذر، «مبادرة جديدة» تقودها الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية المجمَّدة التي لم تفلح معها مسارات سابقة منذ إسقاط نظام القذافي. ويأتي التحرك الأممي الجديد سعياً للخروج من «الحلقة المفرغة» التي تدور فيها ليبيا، في ظل وجود مسارٍ موازٍ يقوده مجلسا النواب والدولة للعمل على تشكيل «حكومة جديدة موحَّدة» تقود البلاد إلى الانتخابات العامة المعطلة.

ومن بين التوصيات التي أثمرتها ورش العمل التي رعتها البعثة في طرابلس «إدراج الوعي بخطاب الكراهية والجرائم الإلكترونية (التربية الإعلامية) في المناهج التعليمية منذ الصغر»، و«دعوة وسائل الإعلام الليبية إلى تجنب لغة الاستقطاب السياسي، وتبني مدونة سلوك مهنية، وتعزيز الدعوة إلى السلام».

كما أوصت بالعمل على «إطلاق برامج تبادل ثقافي مع الدول المجاورة؛ لمكافحة كراهية الأجانب، وتعزيز قدرات المجتمع على الصمود والتعافي».

ووجَّهت البعثة الأممية دعوة للإعلاميين والطلاب الدارسين للإعلام الراغبين في الحد من انتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية لتسجيل أسمائهم في صفحة أنشأتها كي تمدهم بالمعلومات حول فرص التطوير المهني التي تقدمها البعثة الأممية بشأن هذا الأمر.

ولم يقتصر «خطاب الكراهية» على المواطنين، بل امتد إلى ساسة ليبيا.

وسبق وهاجمت حكومة الدبيبة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح؛ بسبب تصريحات له، رأت أنها «لم تقتصر على الطابع الجهوي والانفصالي، بل عزَّزت خطاب الكراهية»، وهو ما نفاه صالح وردَّ بقوله: «هذه الحكومة منتهية الولاية».


مقالات ذات صلة

سلطات طرابلس للقبض على الميليشياوي «العمو» المطلوب دولياً

شمال افريقيا عماد الطرابلسي وزير داخلية «الوحدة» المكلف (من مقطع فيديو)

سلطات طرابلس للقبض على الميليشياوي «العمو» المطلوب دولياً

تعهدت الأجهزة الأمنية في غرب ليبيا بالقبض على الميليشياوي أحمد الدباشي، الشهير بـ«العمو»، وكل من تورط في جرائم بمدينة صبراتة، وذلك خلال 24 ساعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يتوسط أطفالاً ليبيين خلال جولته في شوارع طرابلس (مكتب المنفي)

المنفي يشكّل «قوة مشتركة» لتأمين العاصمة الليبية

أجرى محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي جولة في شوارع طرابلس، وذلك عقب قراره بحظر المظاهر المسلحة في العاصمة، وتشكيله «قوة مشتركة» لتأمينها.

«الشرق الأوسط»
شمال افريقيا تونسيون يحملون لافتات مؤيدة للفلسطينيين يرحبون بـ«قافلة الصمود» في وقت سابق (أ.ف.ب)

هل تُكمل «قافلة الصمود» مسيرتها إلى مصر؟

قال الناطق الرسمي باسم «قافلة الصمود» إن «القائمين عليها والمشاركين فيها عازمون على مواصلة مسيرتهم حتى بلوغ معبر رفح بعد إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة».

هشام المياني (القاهرة )
شمال افريقيا ليبيون يرحبون بالمشاركين في «قافلة الصمود» أثناء مرورها بشوارع طرابلس (أ.ف.ب)

«شرق ليبيا» يرحّب بـ«قافلة الصمود» ويشدد على احترام «الضوابط المصرية»

في حين كانت تعبر «قافلة الصمود» مدينة مصراتة في غرب ليبيا، أبدت سلطات شرق ليبيا ممثلة في وزارة الخارجية بحكومة أسامة حمّاد، ترحيبها بالمبادرة المغربية.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا بعض المتهمين بتهريب الوقود والسلاح لـ«الحركات المسلحة» عبر الحدود مع ليبيا (كتيبة سبل السلام)

«الوطني الليبي» يعتقل مُهربين على الحدود مع السودان ومصر

قالت كتيبة تابعة لـ«الجيش الوطني» الليبي إنها «ضبطت شبكة مهربين على الحدود الليبية السودانية المصرية، وهم يهربون كميات كبيرة من الوقود والأسلحة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

لماذا تثير جولات مسؤولين مصريين الجدل؟

وزير النقل والصناعة خلال جولته في «محطة مصر» (وزارة النقل)
وزير النقل والصناعة خلال جولته في «محطة مصر» (وزارة النقل)
TT

لماذا تثير جولات مسؤولين مصريين الجدل؟

وزير النقل والصناعة خلال جولته في «محطة مصر» (وزارة النقل)
وزير النقل والصناعة خلال جولته في «محطة مصر» (وزارة النقل)

يتجدد الجدل في مصر من وقت لآخر حول جولات ميدانية لمسؤولين مصريين، خصوصاً مع تكرار تداول مقاطع وأحاديث لمسؤولين تتضمن «تعنيفاً» أو ردوداً غير متوقعة، كان أحدثها واقعة «توبيخ» وزير النقل والصناعة، كامل الوزير، لمسؤول في هيئة «السكك الحديدية» خلال زيارته الأخيرة لـ«محطة مصر»، على خلفية «نقل كمية من الخردة لموقع غير معلوم»، مما اعتبره الوزير «مؤشراً على الإهمال».

وهذه ليست المرة الأولى التي يعنف فيها وزير النقل والصناعة أحد الموظفين خلال جولاته الميدانية؛ فسبق أن أعلن قبل أيام إقالة مسؤول في وزارة الصناعة على الهواء خلال برنامج متلفز.

أيضاً جرى تداول مقطع فيديو، أخيراً، لجولة قام بها محافظ الإسكندرية، أحمد خالد، برز خلاله «تعنيفه» لصاحب محل جزارة على خلفية تحديد سعر كيلو اللحم بـ700 جنيه، معتبراً أن «السعر مبالغ فيه بشكل كبير وبمثابة استغلال للمواطنين».

عضو «لجنة الإدارة المحلية» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، سناء السعيد، انتقدت تكرار وقائع قيام مسؤولين بـ«تعنيف موظفين خلال الجولات الميدانية»، باعتباره أمراً لا يجب أن يتم «خلال الجولات»، في ظل وجود إطار قانوني ينظم عمل الموظفين، ولائحة جزاءات واضحة يمكن تطبيقها، وتتضمن عقوبات تلائم طبيعة كل مخالفة تم ارتكابها.

محافظ الإسكندرية خلال إحدى جولاته الميدانية (محافظة الإسكندرية)

في حين اعتبرت أستاذة الاجتماع السياسي، الدكتورة سامية خضر، أن «تصرفات بعض المسؤولين تؤدي إلى تشجيع موظفين بدرجات أقل على التعامل بالطريقة نفسها مع العاملين معهم، وهي رسائل خاطئة لا يجوز السماح بانتشارها». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض المسؤولين يلجأون لمثل هذه المواقف لمحاولة إظهار أنهم يقومون بعملهم بشكل كامل»، لكن المردود السلبي من هذه المواقف «يكون أكبر».

كما يرى مدرس الإعلام في جامعة حلوان، محمد فتحي، أن «بعض المواطنين قد يتفاعلون مع (لقطة بعض المسؤولين خلال جولاتهم الميدانية)»، على حد قوله، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكن مع مرور الوقت سوف يشعرون بالملل من هذه اللقطات».

وفي نهاية مارس (آذار) الماضي، تسببت طريقة مخاطبة نائب رئيس الوزراء وزير الصحة، خالد عبد الغفار، للمرضى في أحد المستشفيات بمحافظة المنيا (صعيد مصر) في حالة جدل، بعدما طالبهم الوزير بشكر الدولة على بناء المستشفى الجديد بدلاً من الشكوى نتيجة نقص الخدمات، وطول فترة الانتظار، والمعاملة التي وصفوها بـ«السيئة» والتي تغيرت فقط بسبب زيارته.

وزير الصحة المصري خلال حديثه مع مواطنين في وقت سابق (وزارة الصحة)

وفي أبريل (نيسان) الماضي، شهدت جولة لوزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، في محافظة القليوبية جدلاً كبيراً بعد وفاة مسؤول بالإدارة التعليمية. وسرت انباء وقتذاك عن تعنيف الوزير للمسؤول، وهو الأمر الذي نفته الوزارة رسمياً لاحقاً رغم تكرار نشره من جانب بعض المعلمين الذين شهدوا الواقعة.

وقدم رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، الصيف الماضي، الاعتذار على الهواء مباشرة لطبيبة في محافظة سوهاج (صعيد مصر) على خلفية تداول مقطع فيديو تعامل خلاله محافظ سوهاج، عبد الفتاح سراج، بشكل اعتُبر «غير لائق خلال جولة ميدانية على المستشفيات».

وترى سناء السعيد أن تكرار الوقائع يشير إلى «ضرورة ضبط بعض المسؤولين انفعالاتهم، وعدم المبالغة فيها خلال جولاتهم الميدانية»، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض بيئات العمل تشهد تقصيراً وأخطاء من جانب بعض الموظفين، ولا يمكن أن يكون التعنيف حلاً في التعامل معها»، مطالبة بـ«ضرورة تطبيق القانون وعدم تجاوزه».

في مقابل ذلك، أوضحت عضو مجلس النواب المصري، فريدة الشوباشي، لـ«الشرق الأوسط» أن التقصير في أمور بسيطة أحياناً يؤدي لأخطاء كبيرة، وبالتالي تكون العقوبات الموقعة على الموظف الحكومي محدودة، وتستغرق وقتاً طويلاً لتعدد المسارات، معتبرة أن «جولات المسؤولين واتخاذ قرارات سريعة في التعامل مع المخالفين، وفي الوقت نفسه مكافأة الملتزمين، يعكس ذلك تطبيقاً سريعاً لمبدأ الثواب والعقاب».