تواجه السلطات في عموم ليبيا اتهامات دائمة بـ«قمع معارضيها والزج بهم في غياهب السجون قسراً دون محاكمات معلنة»، والأمر ينطبق على جميع الأجهزة الشرطية والعسكرية، من طرابلس غرباً إلى بنغازي شرقاً.
يأتي ذلك فيما تشتكي منظمات حقوقية محلية ودولية من لجوء جميع الأجهزة التابعة لحكومتي شرق ليبيا وغربها، إلى أسلوب «الاعتقالات التعسفية»، وأحياناً «التغييب الأبدي» لنشطاء سياسيين أو مخالفين للسلطة في الرأي والتوجّه، بينما تطالب كثيراً الأسر بضرورة إطلاق سراح أبنائها.

وقالت منظمة «رصد الجرائم في ليبيا»، إنها رصدت الاعتقال التعسفي للمحامي منير أعبيد (56 عاماً)، من مقر عمله بشارع الوحدة العربية في بنغازي، يوم 13 مارس (آذار) الجاري، من قِبَل مسلحين تابعين لجهاز الأمن الداخلي، مشيرةً إلى أنه «تم اقتياده إلى سجن غير رسمي في مقر الجهاز في منطقة سيدي حسين دون إجراءات قانونية».
وسبق أن أفادت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأن المحلل السياسي الليبي سراج دغمان «تُوفي في ظروف مريبة» في 19 أبريل (نيسان) 2024، عندما كان «محتجزاً تعسفياً» في شرق البلاد لمدة سبعة أشهر تقريباً. ودعت حينها السلطات الليبية لإجراء تحقيق «فوري ومحايد» في وفاته لدى «الإدارة العامة للأمن الداخلي - فرع بنغازي».
وقالت البعثة الأممية لدى ليبيا، مساء السبت، إن «موجة من الاحتجازات والتوقيفات التعسفية نفَّذتها أجهزة إنفاذ القانون وأطراف أمنية في عموم ليبيا أثارت ذعرها»، وترى أن هذه الأطراف «تستغل سلطة الاحتجاز والتوقيف المناطة بها لاستهداف أفراد على ضوء انتماءاتهم السياسية المزعومة ولتكميم أفواه كل من ينظَر إليه على أنه معارض»، فيما ذهبت إلى أن هذه الممارسات «تقوّض استقلال القضاء»؛ وتتسبب «في خلق مناخ من الخوف وتحجيم الحيز المدني وتهالك سيادة القانون».
وطالت أعمال العنف والاحتجاز التعسفي العاملين في مجال القانون وأعضاء السلطة القضائية. إذ تعرض القاضي علي الشريف لتوقيف اتسم بالعنف في مدينة طرابلس في 10 مارس (آذار). غير أن الاحتجاز التعسفي المستمر للمحامي منير العرفي في بنغازي منذ 12 مارس (آذار)، وكذلك اثنين من المدعين العسكريين؛ هما منصور داعوب ومحمد المبروك الكار، منذ 2022، في طرابلس، يسلط الضوء على الارتفاع في وتيرة التهديدات التي تطول العاملين في مجال القانون والنيل من استقلاليتهم.
أما في طرابلس، فخضع عضو مجلس النواب علي حسن جاب الله للاحتجاز التعسفي لما يزيد على عام قبل صدور الحكم عليه في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في محاكمة عسكرية رأت البعثة الأممية أنها جاءت «مشوبة بالمخالفات؛ وحرمانه من الحق في إجراءات التقاضي السليمة».
كما تعرض مدير عام مكتب استرداد أموال الدولة الليبية وإدارة الأصول المستردة محمد المنسلي للاحتجاز التعسفي منذ 7 يناير (كانون الثاني) الماضي. علماً بأنه لم يتمكن من الحصول على تمثيل قانوني له أو الحصول على رعاية طبية في ظل بلاغات مقلقة تفيد بتدهور حالته الصحية، حسبما أشارت البعثة.
وتُحمّل منظمة «رصد» السلطات في شرق ليبيا المسؤولية الكاملة عن سلامة المحامي أعبيد، وتطالبها بإخلاء سبيله فوراً «دون قيد أو شرط»، واحترام الضمانات القانونية المكفولة للمحامين بموجب القوانين الوطنية والمعايير الدولية.
ولا يزال مقربون من خليفة مغار عبد الرسول -وهو أحد أعيان مدينة غات- يشيرون إلى أنه قيد «الاحتجاز التعسفي» في بنغازي منذ شهر مايو (أيار) 2024 «دون توجيه أي تهم إليه». علماً بأنه «لم يتمكن من التواصل مع محاميه أو حتى أسرته»، وتقول البعثة إن هذه الممارسات «أصبحت أمراً طبيعياً في ليبيا»، إذ يحتجز مئات غير هؤلاء بشكل غير قانوني في عموم ليبيا.
وتشعر البعثة بالقلق إزاء ظاهرة الاعترافات المسجلة، حيث يحتجز الأفراد ويجبرون على «الاعتراف» بارتكاب جرائم مزعومة ومن ثم تنشر هذه الأفلام التسجيلية عبر الإنترنت. وتستخدم هذه «الاعترافات» المسجلة لترهيب الأفراد المستهدفين وإهانتهم. ويفترض بجميع هذه «الأدلة» المسجلة أن تصنَّف على أنها غير مقبولة وينبغي أيضاً محاسبة الجناة.
وترحب البعثة الأممية بتمكّنها مؤخراً من دخول مرافق الاحتجاز ولو جزئياً في عموم البلاد. إذ إن هذا يمكِّنها من التواصل الملموس للتصدي للانتهاكات والإساءات الممنهجة في إطار الاحتجاز. وتطالب البعثة بإتاحة دخولها جميع مرافق الاحتجاز في عموم ليبيا دون أي عوائق.
وترى البعثة أن الاحتجاز التعسفي واستخدامه سلاحاً «كفيل بتداعي الحيز المدني، والإسهام في خلق مناخ من الخوف والترهيب، وينبغي العمل على ردعه»، وتقول: «إذ إنه يقوّض البيئة اللازمة للانتقال الديمقراطي لليبيا، ويزعزع ثقة الليبيين بأجهزة إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية التي يتعين عليها أن تعكف على صون حقوق الجميع في ليبيا وتعزيزها بدلاً من تقويضها».

وجددت البعثة مطالبتها بالإفراج «الفوري» عن جميع الأفراد «المحتجزين تعسفاً ومحاسبة المسؤولين عن ذلك». يأتي ذلك فيما تحدثت المُؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيـا، نقلاً عن أسرة ليبية اعتقل نجلاها وسيم وفاضل أحمد أبو صبيع، منذُ 28 أكتوبر (شرين الأول) 2024، من عناصر «الكتيبة 55 مشاة» التابعة لرئاسة الأركان العامة بغرب ليبيا، وأشارت إلى أنه تم اعتقالهما تعسفياً من أمام منزلهما. ويشغل وسيم أحمد أبو صبيع، مهمة نائب رئيس جهاز الشرطة القضائية جنوب طرابلس، ويحمل رُتبة ملازم بجهاز الشرطة القضائية.
ونوهت المؤسسة الوطنية إلى أن «ممارسة أعمال الاختطاف والإخفاء القسري والاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القانون والتعذيب، تتم بشكلٍ ممنهج وعلى نطاق واسع»، ولفتت إلى أن هذا النمط من الأفعال والممارسات الممنهجة يدخل ضمن اختصاص وولاية مكتب المدعي المحكمة الجنائية الدولية كونها ترقى إلى مصافّ جرائم ضد الإنسانية».