الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة الموازية» لتفادي الانقسام في السودان

القيادي في «تأسيس» عضو مجلس السيادة السابق قال إنهم منفتحون على أي حوار لوقف الحرب

الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني السابق (الشرق الأوسط)
الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني السابق (الشرق الأوسط)
TT

الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة الموازية» لتفادي الانقسام في السودان

الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني السابق (الشرق الأوسط)
الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني السابق (الشرق الأوسط)

في ظل الأوضاع المتأزمة التي يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، برزت خطوة إنشاء حكومة «موازية» في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»، لتثير مزيداً من القلق والمخاوف، والرفض داخلياً وإقليمياً ودولياً، والخوف على مستقبل السودان وتمزقه، ومواجهة خطر تقسيم ثانٍ، لكن داعمي هذه الخطوة الذين وقعوا دستوراً جديداً ووثيقة ترسم خريطة طريق للحكم، أخيراً، يرون أنها فرصة كبرى نحو سودان جديد يتمتع بالحرية والديمقراطية والعدالة، وينقذ البلاد من شبح التشرذم والفوضى.

تهدف الحكومة الجديدة، التي تُعرف بـ«حكومة السلام والوحدة»، حسب القائمين عليها، إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدل والمساواة، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في جميع أنحاء السودان، وليس في مناطق «الدعم السريع» فحسب. وأرسلوا رسائل طمأنة للسودانيين ودول الجوار، بأن الهدف هو الحفاظ على وحدة السودان.

هذه المبادرة، التي تأتي في وقت حرج، تطرح نفسها كحكومة موازية للحكومة التي يساندها الجيش، وتتخذ من مدينة بورتسودان، عاصمة مؤقتة لها، تأمل في كسب ثقة السودانيين ودعم المجتمع الدولي من خلال إثبات جديتها في إنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعلمانية لا مركزية.

فهل ستنجح هذه الحكومة في تحقيق السلام المنشود، أم أن التحديات ستكون أكبر من قدرتها على التغيير؟ هذا ما سنحاول استكشافه في لقاء مع الدكتور الهادي إدريس، القيادي البارز في تحالف «تأسيس»، الذي يقف وراء إنشاء «حكومة موازية».

إدريس لدى زيارته لأحد مخيمات النازحين في مدينة الجنينة (خاص/الشرق الأوسط)

يقول إدريس، وهو عضو سابق في مجلس «السيادة» السوداني، إبان حكومة الثورة الثانية، التي كان يرأسها الدكتور عبد الله حمدوك، إن «الحكومة التي نريد تكوينها هي حكومة سلام ووحدة... نحن، كقوة سياسية وعسكرية، كنا حريصين منذ البداية على حل الأزمة السودانية التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بشكل سلمي، وبذلنا جهوداً كبيرة لدفع القوى المساندة لاستمرار الحرب، نحو الحوار والتعاطي مع المبادرات السلمية المختلفة بشكل إيجابي، (جدة والمنامة وجنيف)، لكن للأسف، فإن الجيش وسلطة الأمر الواقع في بورتسودان، رفضا التفاوض. فكان لزاماً علينا، التفكير في وسائل أكثر فاعلية لدفع الأطراف نحو الحوار وإيقاف الحرب، فكان إنشاء حكومة موازية تسعى للقيام بواجباتها نحو قطاع كبير من الناس لا يجدون العناية الكافية».

أسباب رفض الجيش للحوار

ويرأس إدريس أيضاً تحالف «الجبهة الثورية» الذي يضم حركات مسلحة من دارفور وتنظيمات سياسية خارج دارفور، مثل مؤتمر البجا المعارض بقيادة أسامة سعيد، وحركة «كوش» السودانية من أقصى الشمال، يقول: «نحن نعرف جيداً لماذا يرفض الجيش الذهاب إلى طاولة المفاوضات، السبب الرئيسي هو وقوعه تحت تأثير الحركة الإسلامية وأنصار وفلول النظام البائد، الذين يرون أن أي عملية سياسية ستخرجهم من المشهد وتقلص نفوذهم. لذلك، هم حريصون على استمرار الحرب رغم ما تسببه من كوارث وآلام وتشريد للمواطنين، كما أن هناك حركات مسلحة متحالفة مع الجيش ترى في استمرار الحرب مصلحة شخصية لها، حيث تعتمد هذه الحركات على استمرار الصراع لضمان بقائها، وبقاء مصالحها. وبعضها يقوم بعمليات سلب ونهب لممتلكات المواطنين، في وسط الفوضى الضاربة بأطنابها في السودان حالياً».

سياسات التقسيم

ويتهم إدريس قادة الجيش السوداني باتخاذ إجراءات تعرض البلاد للتقسيم من خلال إصدار عملة جديدة في مناطق سيطرتهم، وحرمان مناطق أخرى، وإعلانهم عن بدء الدراسة في مناطق دون أخرى، وفتح المجال لإصدار وثائق السفر والهوية لبعض الأشخاص وحرمان الآخرين. إضافة إلى إصدار قانون غريب يعرف باسم (الوجوه الغريبة). وأشار إلى أن «هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ما نرفضه تماماً».

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة سابقة لقاعدة «فلامنغو» البحرية في بورتسودان (أ.ف.ب)

وتابع إدريس «الحركة الإسلامية لديها مشروع لتقسيم البلاد، وقد قسمت الجنوب من قبل. نحن الآن نقوم بإجراءات لتأمين وحدة السودان. نحن نؤمن بوحدة الوطن، ويجب أن يبقى دولة موحدة، وأن أي حل يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح جميع السودانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية أو العرقية أو الثقافية... وحتى نوقف عملية التقسيم الجارية، طرحنا إنشاء حكومة السلام والوحدة الوطنية».

حكومتنا لكل السودانيين

يقول القيادي في «تأسيس»: «حكومتنا ليست لدارفور وحدها أو (الدعم السريع) أو إقليم بعينه، بل هي لكل السودان، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. أعددنا دستوراً يضمن حقوق الجميع، ووقع عليه أشخاص وكيانات مختلفة من جميع مناطق السودان». وأوضح أن الحكومة المقبلة ستكون مسؤولة عن إعادة بناء الدولة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك التعليم والصحة والأمن».

مخاوف محلية وإقليمية

وعلى الرغم من أن دولاً في الجوار السوداني ومنظمات دولية وإقليمية رفضت وبشكل قاطع أي حكومة موازية في السودان، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة «إيغاد» في القرن الأفريقي، فإن إدريس الذي يرأس أيضاً حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، يقول إن مخاوف الناس في غير محلها، مع حقهم في أن يشعروا بالقلق، «ولكن عندما ترى حكومتنا النور، سيرون أننا مع الوحدة والسلام والاستقرار، وليس العكس».

ويضيف: «نحن نعمل على طمأنة دول الجوار بالتأكيد على أننا دعاة وحدة ولسنا مع تقسيم السودان. ونعتقد أن تقديم الخدمات للناس المحرومين منها، حتى الذين في مناطق الجيش، والعمل على حماية حقوقهم، سيكسبنا ثقة المجتمع الدولي، ودول الجوار القلقة. وإذا قمنا بفتح الحدود للمساعدات وحمينا الناس من الانتهاكات التي تحدث على الأرض، فإن نظرة العالم لنا ستتغير، وسيتعامل معنا بشكل إيجابي».

قضية الاعتراف

ويرى إدريس أن قضية الاعتراف بالحكومة الجديدة «لا تشغل لنا بالاً»، ويشير إلى زيارات قاموا بها في السابق إلى أوغندا وكينيا، وإثيوبيا وتشاد، حيث لمس تعاطفاً مع قضيتهم. وقال: «هذه الدول لديها مصلحة في استقرار السودان»، بدليل أنهم استُقبلوا في أوغندا من قبل الرئيس يوري موسيفيني نفسه، وفي كينيا فتحت لهم أبواب الاستضافة، ورحب بهم الرئيس ويليام روتو.

بعض القادة السياسيين وبينهم إدريس خلال زيارة سابقة إلى عنتيبي بأوغندا (حساب الرئيس موسيفيني بمنصة إكس)

«في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، قابلنا رئيس الوزراء آبي أحمد. وذهبنا إلى تشاد واستقبلنا رئيسها محمد إدريس ديبي، بالإضافة إلى عدد آخر من الدول». وقال: «لا يعني ذلك أنهم يريدون الاعتراف بنا، ولكن يعكس اهتمامهم بالأوضاع في البلاد؛ لأن استمرار الصراع في السودان قد يؤدي إلى أزمات كبرى في بلادهم والمنطقة بأكملها». وأضاف: «لذلك، هم حريصون على استقرار السودان. ومن المؤكد عندما ننشئ حكومتنا، سنزور هذه البلدان، مرة أخرى وسيستقبلونا هذه المرة بوصفنا سودانيين ندير شأن السودان».

فشل الدولة القديمة

يقول إدريس إن «العالم يتغير من حولنا... ظهر عهد جديد في لبنان، ونظام جديد في سوريا، في أعقاب النظام القمعي القديم. ومن وجهة نظري، أن الأنظمة القديمة لم يعد لها مستقبل. ومنذ الاستقلال عام 1956، لم تنجح أيٌّ من هذه الأنظمة في تأسيس دولة وطنية تحفظ البلاد وتعلي شأنها. فتاريخ السودان منذ الاستقلال هو تاريخ صراعات واضطرابات. الناس تسأل: لماذا يهرب المواطن من بلده منذ عام 1956؟ لأنه لا يوجد استقرار. يوضح هذا أن هناك خللاً في تركيبة الدولة الوطنية. أنا أرى موجة جديدة من التغيير في الطريق... هناك دول ستنهض على أنقاض الدولة القديمة... لذلك، نحن في اجتماعاتنا في نيروبي تحدثنا عن ضرورة قيام دولة ديمقراطية علمانية لا مركزية، تحفظ حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الإقليمية أو العرقية».

دور متوقع للإدارة الأميركية

يقول إدريس: «كان للولايات المتحدة دور مهم منذ اندلاع الحرب في السودان عام 2023، وبذلت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة الكثير لمساعدة السودان، لكنها لم توفق في إيقاف الحرب. ونحن نأمل أن تلعب الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترمب دوراً أكثر فاعلية، باستخدام سياسة الجزرة مع كل الأطراف حتى يتحقق السلام. نحن منفتحون، وحكومتنا حكومة سلام. وجاهزون للتعامل مع أي طرف يمكن أن يقود إلى حل الأزمة. نتطلع إلى أن تأتي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بسياسات جديدة وواضحة وقوية تستطيع أن تضغط على الأطراف كلها لوقف هذه الحرب اللعينة».

حماية المدنيين من القصف الجوي

يقول القيادي في «حركة تحرير السودان»: «من مسؤولية أي حكومة أن تحمي مواطنيها... وإلا فستكون بلا قيمة. سيكون لدينا وزير دفاع مهمته البحث عن آليات دفاعية تهدف في الأساس إلى حماية المواطنين المدنيين. بكل السبل وبكل الوسائل الممكنة. كما نعمل على إنشاء نواة للجيش الجديد من القوات الموجودة المؤيدة لحكومتنا؛ من الحركات المسلحة و(الدعم السريع)، والحركة الشعبية/شمال، ومن حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وكل الفصائل المسلحة. سنؤسس لهيئة أركان مشتركة. وبعد إيقاف الحرب، سيكون هذا الجيش نواة للجيش الجديد. هذا الجيش سيكون مسؤولاً عن حماية الحدود والحفاظ على الأمن الداخلي، ولا دخل له بالسياسة».

مخزن طبي مدمَّر في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور بسبب القتال والقصف (أ.ف.ب)

ويضيف: «لن يكون هناك جيشان منفصلان بعد الآن، بل جيش واحد موحد. نحن ضد تعدد الجيوش كما تفعل حكومة بورتسودان الحالية، حيث يوجد العديد من الميليشيات والجيوش المتعددة. نحن نرى أن أحد أسباب اندلاع الحرب كان تعدد الجيوش، لذلك لن نكرر هذه التجربة. ومن اليوم الأول لتشكيل الحكومة، سنعمل على جمع كل هذه القوات في جيش واحد، بما في ذلك (قوات الدعم السريع)».

العملة ووثائق السفر

يؤكد إدريس أن «الحكومة الجديدة ستكون لديها عملة ووثائق سفر وجوازات، مشيراً إلى أن قضية العملة كانت أحد أهم الأسباب وراء التفكير في قيام حكومة جديدة. وأضاف في العديد من مناطق السودان، يعتمد الناس على نظام المقايضة، لأن حكومة بورتسودان جففت العملة من المناطق التي لا توجد فيها، حيث يتم تقايض السلع مثل الملح والسكر والقمح بسبب عدم وجود عملة متداولة. في بعض المناطق، لا توجد أموال متوفرة، مما يجعل الحياة صعبة للغاية... لذلك، ستكون إحدى المهام الأساسية للحكومة هو إصدار عملة جديدة. سيتم تحديد اسمها لاحقاً، وستعكس المبادئ والقيم التي نؤسس عليها الدولة الجديدة والميثاق الذي وقعناه». وقال إنه سيتم إصدار الجوازات والوثائق الثبوتية، وستكون متاحة لجميع المواطنين.

موعد إعلان الحكومة

وبشأن موعد إطلاق الحكومة الجديدة، يقول القيادي البارز في «تأسيس»، إن «مشاورات مكثفة جارية حالياً لتحديد موعد الإطلاق. ونتوقع أن يتم في غضون شهر، وسيتم الإعلان من داخل السودان». وقال إن لديهم العديد من الخيارات بشأن المواقع والمدن التي يمكن أن يتم فيها الإعلان، سيتم الكشف عنها خلال الأيام المقبلة.

الاتصالات مع قيادة «الدعم السريع»

يقول الهادي إدريس: «نحن على اتصال مستمر مع قيادة (الدعم السريع)، وعلى وجه الخصوص مع القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي)». أضاف: «أنا شخصياً أتحدث معه بشكل يومي تقريباً، وكان آخر اتصال لي معه قبل يومين، وقد نتواصل معه مرة أخرى هذه الليلة (ساعة إجراء الحوار)». نتعاون معه في العديد من القضايا، ونناقش معه الاتفاقيات والوثائق المطلوبة. نعمل معه بشكل جيد، ولا توجد مشاكل في التواصل. وهو بخير وصحة جيدة، بعكس ما يروجون».

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» (الشرق الأوسط)

وبشأن الانتهاكات التي تُتهم «قوات الدعم السريع» بارتكابها، وما إذا كانت ستنعكس على الاعتراف بالحكومة الجديدة، يقول إدريس: «الانتهاكات مرفوضة تماماً، نحن ندين أي انتهاكات تحدث. لا أحد فوق القانون، وأي شخص يرتكب جرائم يجب أن يحاسب. هذا ينطبق على جميع الأطراف، بما في ذلك (الدعم السريع). العقوبات الأميركية وجهات دولية أخرى اتهمت كلا الطرفين المتحاربين بارتكاب انتهاكات ولم تستثنِ أحداً».

ويضيف: «نحن همنا الآن إيقاف الحرب. وبعد الحرب، سنعمل بوصفنا سودانيين على إنشاء آلية وطنية تكشف الحقائق للناس: من الذي ارتكب الجرائم؟ ومن الذي بدأ الحرب؟ ومن الذي تسبب في موت الناس وهجرتهم؟ وإلا فإن هذا البلد لن ينعم بالاستقرار».

العلاقات مع «صمود»

وعن العلاقات مع نظرائهم المدنيين في تنظيم «صمود» التي يرأسها الدكتور عبد الله حمدوك، يشير القيادي السوداني البارز إلى أنهم متفقون في الأهداف الكبرى والتوجهات السياسية، وفي قضية إيقاف الحرب، ومواجهة الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب، ومختلفون فقط في الوسائل: هم يرون أن إيقاف الحرب يجب أن يتم بالوسائل السلمية والمناشدات. نحن نرى أننا ناشدنا بما فيه الكفاية، والبلد يسير في طريق الانهيار بسبب تعنت الطرف الآخر، وبالتالي رأينا مواجهة الطرف المتنطع بإنشاء حكومة تنتزع منهم الشرعية».

رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك (رويترز)

وتابع: «نحن على تواصل دائم معهم... والاختلاف في الوسائل لا يفسد للود قضية. وسيكون بيننا تعاون في المستقبل كبير، خاصة في سبيل حل الأزمة».

لا خوف من الفشل

يرى إدريس أن القادة الحزبيين وزعماء القوى المسلحة يمتلكون الخبرة والدراية الكافية، ويتمتعون بخبرة واسعة في إدارة الدولة، وشارك معظمهم في وظائف في الدولة. وقال: «أنا كنت عضواً في مجلس السيادة، وآخرون كانوا وزراء. لو كنا نشك في إمكانية الفشل، ما كنا أقدمنا على هذه الخطوة. كثيرون عبروا عن مخاوفهم... بينهم الأمم المتحدة وغيرها... نحن نتفهم المخاوف الدولية... والتجربة ستثبت العكس، والانتقادات ستتحول إلى إشادات، وسيتعاملون معنا».

المشاركة في المفاوضات

وبشأن المشاركة في أي مفاوضات جديدة في المستقبل، يقول إدريس: «نحن منفتحون لأي مبادرة جادة ومسؤولة لحل الأزمة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية... لكننا لن نتعاطى معها إلا بصفتنا الجديدة بصفتنا حكومة سلام وحكومة شرعية».


مقالات ذات صلة

مجلس الأمن «قلق للغاية» من عواقب هجمات الفاشر على السودان

شمال افريقيا لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)

مجلس الأمن «قلق للغاية» من عواقب هجمات الفاشر على السودان

عبر أعضاء مجلس الأمن عن «قلقهم البالغ» من تصاعد العنف في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر والمخيمات حولها، منددين بشدة بهجمات «قوات الدعم السريع» عليها.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

قُتل عشرات المدنيين في مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان في ظل تصاعد الاشتباكات ووسط مخاوف من اقتحام «قوات الدعم السريع» للمدينة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
تحليل إخباري المشاركون في مؤتمر لندن حول السودان أثناء اجتماعهم (موقع وزارة الخارجية البريطانية)

تحليل إخباري مؤتمر لندن للسودان... بصيص أمل في نفق «الحرب المنسية»

استضافت العاصمة البريطانية لندن مؤتمراً دولياً حول النزاع في السودان الثلاثاء الماضي وصفه البعض بـ«الفشل الدبلوماسي» فيما رأى فيه آخرون «بصيص أمل»

عيدروس عبد العزيز (لندن)
تحليل إخباري سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات ليل الثلاثاء - الأربعاء (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

تحليل إخباري هل يصمد سد مروي في السودان أمام ضربات المسيرات؟

يواجه سد مروي أحد أكبر المشاريع الكهرومائية في السودان، أخطاراً جمة، بسبب هجمات مسيرات «قوات الدعم السريع» على بنيته التحتية، خاصة بنية الكهرباء والبوابات.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» يستريحون في مخيم مؤقت بالقرب من بلدة طويلة بمنطقة دارفور غرب السودان التي مزَّقتها الحرب 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

السودان: 57 قتيلاً جراء اشتباكات وهجمات على مدينة الفاشر بإقليم دارفور

قُتل 57 مدنياً على الأقل في اشتباكات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، وفي قصف نفذته «الدعم السريع» على مدينة الفاشر في إقليم دارفور بالسودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مجلس الأمن «قلق للغاية» من عواقب هجمات الفاشر على السودان

لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)
TT

مجلس الأمن «قلق للغاية» من عواقب هجمات الفاشر على السودان

لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون فرُّوا من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)

عبر أعضاء مجلس الأمن عن «قلقهم البالغ» من تصاعد العنف في السودان، ولا سيما في مدينة الفاشر وحولها بشمال دارفور، منددين بشدة بهجمات «قوات الدعم السريع» في المنطقة وضد مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين، مطالباً كل دول العالم بوقف تدخلاتها في الشؤون السودانية.

وتزامن هذا الموقف القوي من مجلس الأمن مع دخول الحرب عامها الثالث، وسط دعوات من وكالات الأمم المتحدة إلى تحرك دولي «فوري ومنسق» لتخفيف «المعاناة الإنسانية الهائلة الناجمة عن النزاع»، ومن الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش الذي قال إن «السودان لا يزال عالقاً في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى»، مطالباً بـ«إنهاء هذا الصراع العبثي».

صورة قمر اصطناعي تُظهر نيراناً مشتعلة في مخيم «زمزم» للاجئين 11 أبريل (رويترز)

ووافق أعضاء مجلس الأمن بإجماع الأعضاء الـ15 فيه على البيان، الذي أبدوا فيه «القلق حيال تقارير تفيد بأن هجمات قوات الدعم السريع أدت إلى مقتل 400 شخص على الأقل، بينهم أطفال وما لا يقل عن 11 عامل إغاثة»، مطالبين بـ«مساءلة قوات الدعم السريع على هذه الهجمات». وإذ أشاروا إلى القرار 2736 الصادر عام 2024، أكدوا على «مطالبتهم بإنهاء قوات الدعم السريع لحصار الفاشر، ودعوتهم إلى الوقف الفوري للقتال وإلى تهدئة التصعيد في الفاشر وما حولها». ودعوا أطراف الصراع إلى حماية المدنيين والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والوفاء بالقرار 2736، وتعهداتها بموجب إعلان جدة.

وأدى عامان من الحرب في السودان إلى أكبر أزمة إنسانية ونزوح في العالم، تفاقمت بسبب التخفيضات الحادة في المساعدات الدولية. فهناك أكثر من 13 مليون شخص نازحين في البلاد، بينما لجأ 3.9 مليون عبر الحدود إلى الدول المجاورة خلال العامين الماضيين وحدهما، بحثا عن الأمان والغذاء والمأوى. ويحتاج أكثر من 30 مليون شخص، أي ثلثا سكان البلاد، إلى مساعدة إنسانية عاجلة.

غوتيريش يذكّر بإعلان جدة

وإذ أشار غوتيريش أخيراً إلى الالتزامات التي أعلنتها الأطراف في شأن حماية المدنيين بما في ذلك في إعلان جدة في مايو (أيار) 2023، بالإضافة إلى الالتزامات التي تقع عليها بموجب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، قال: «يواصل المدنيون تحمل عبء تجاهل الأطراف للحياة البشرية»، مؤكداً ضرورة ترجمة مثل هذه الالتزامات إلى عمل حاسم، وأهمية إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة وشفافة في كل التقارير التي أفادت بوقوع انتهاكات.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قلق مما يجري في السودان (إ.ب.أ)

وفي بيانهم، دعا أعضاء المجلس إلى مساءلة قوات الدعم السريع ومرتكبي الهجمات على المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان في السودان. كما طالبوا كل أطراف الصراع بحماية واحترام العاملين في المجال الإنساني ومنشآتهم وأرصدتهم بموجب التزاماتها وفق القانون الدولي. ودعوا الأطراف إلى السماح بالوصول الإنساني الآمن ودون إعاقات إلى السودان وجميع أنحائه. وأبدى الأعضاء قلقهم البالغ بشأن مرور عامين على اندلاع الصراع في السودان وأثره على الشعب السوداني والمنطقة، داعين الأطراف جميعاً إلى «السعي إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية»، وشجعوها على «الانخراط بنية صادقة في حوار سياسي للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية جامعة وشاملة يمتلك زمامها السودانيون». وكذلك حضوا الأطراف على «استغلال فرصة المحادثات غير المباشرة التي تقودها الأمم المتحدة للاتفاق على خطوات تحقيق تلك الأهداف والعمل على مسار إنهاء الأزمة في السودان بشكل دائم». ودعا كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الى «الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يسعى إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار، وأن تقوم بدلاً من ذلك بدعم جهود التوصل إلى سلام دائم».

سودانيون فروا من مخيم زمزم للنازحين داخلياً بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل (أ.ف.ب)

وذكـّر الأعضاء كل أطراف الصراع والدول الأعضاء بالامتثال لالتزاماتها بشأن تدابير الحظر المفروض على الأسلحة وفق المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الرقم 1556 لعام 2004، التي تم التأكيد عليها في القرار 2750. وكشف غوتيريش أخيراً عن أن أعمال القصف والغارات الجوية العشوائية تواصل قتل وتشويه الناس، فيما تُهاجَم الأسواق والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومواقع النزوح. وأضاف أن العنف الجنسي متفش، لتتعرض النساء والفتيات لأعمال مروعة. كما يعاني المدنيون من انتهاكات جسيمة من جميع الأطراف المتقاتلة. وأشار إلى أن السودان أصبح أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ نزح ما يقرب من 12 مليون شخص، عبر أكثر من 3.8 مليون منهم الحدود إلى الدول المجاورة. وتطرق إلى تدمير الخدمات الأساسية وحرمان ملايين الأطفال في التعليم، وعدم قدرة سوى أقل من ربع المنشآت الصحية على مواصلة العمل في أكثر المناطق تضرراً. وذكر أن العاملين في المجال الإنساني غير قادرين على تعزيز وجودهم في الكثير من المناطق التي تشتد فيها الحاجة، بسبب الصراع وانعدام الأمن المقرونين بالعوائق البيروقراطية والخفض الحاد للتمويل.

اليونيسف قلقة

من جهة ثانية، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، الجمعة، بمقتل ما لا يقل عن 15 طفلاً خلال أسبوع واحد مع استمرار المعارك في ولاية شمال دارفور بغرب السودان. وقالت كاثرين راسل المديرة التنفيذية للمنظمة عبر منصة «إكس» إن أكثر من 330 ألف شخص فروا من مخيم زمزم للاجئين بشمال دارفور على مدار الأسبوع الماضي. وأكدت راسل على ضرورة وقف القتال بالمخيم لحماية المدنيين والسماح بإيصال المساعدات.

وفي هذا السياق، قالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور (مجموعة محلية) الجمعة، إن استخبارات الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، شنت حملة اعتقالات واسعة استهدفت قيادات ونشطاء النازحين في معسكر أبو شوك للنازحين، بتهم التعاون مع «قوات الدعم السريع»، والتحريض على مغادرة المخيم إلى مناطق أكثر أماناً.

سودانيون فرُّوا من دارفور إلى أدري في تشاد (أرشيفية - رويترز)

وقال المتحدث باسم المنسقية، آدم رجال إن «هذه التهم باطلة، والهدف الأساسي، هو قمع النازحين والقضاء عليهم لا أكثر». وأشارت المنسقية في بيان على منصة «فيسبوك»، إلى «تمركز الجيش السوداني والقوة المشتركة حول المعسكر، رافضين السماح للنازحين بالمغادرة، مستخدمين إياهم دروعاً بشرية». وأدان رجال سلوك أطراف الحرب التي وصفها بـ«غير الأخلاقية ولا إنسانية»، لمهاجمة النازحين بالأسلحة الثقيلة، بينما يستخدمهم طرف آخر وقوداً للحرب ودروعاً بشرية. وقال إن «هذه الأفعال تمثل جريمة حرب مكتملة الأركان».

مجاعة في المخيمات

وأضاف آدم رجال، أن سكان المخيمات يعانون من الجوع، ونقص المياه، بعد تدمير آبار مياه الشرب بسبب القصف المدفعي، مشيراً إلى ندرة السلع وارتفاع أسعارها، وإغلاق الأسواق، «كلها أمور تثير القلق». وذكر البيان: «تحمل المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين، الجيش السوداني والقوة المشتركة، المسؤولية الكاملة عن سلامة هؤلاء المعتقلين، فهم ليسوا مجرمين»، ويجب إطلاق سراحهم فوراً دون قيد أو شرط، ووقف استخدام النازحين كدروع بشرية. وطالب «قوات الدعم السريع» بالتوقف فوراً عن قصف المخيمات، «لأن استهداف الأبرياء يعد جريمة حرب».

وناشدت المنسقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بحماية النازحين في المخيمات، وفقاً للاتفاقيات الدولية لحماية المدنيين في حالات النزاع. وتعد تلك الأحداث تصاعداً في وتيرة العنف بشمال دارفور، بعد أيام من استيلاء «قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر.