اتخذت الحكومتان المتنازعتان على السلطة في ليبيا قرارات عدة لإحكام الرقابة على الأسواق، وضبط أسعار السلع الغذائية قبيل حلول شهر رمضان، وسط «تخوفات من نقص بعض السلع».
وأعلنت الحكومة المكلفة من البرلمان، برئاسة أسامة حماد في شرق ليبيا، دعم عدد من السلع الغذائية الأساسية بـ50 في المائة من سعر تكلفتها. أما غريمتها «الوحدة» المؤقتة بغرب البلاد، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فأكدت على لسان وزير الاقتصاد بها، محمد الحويج، توفر السلع الأساسية التي تحتاج إليها الأسر في شهر رمضان بشكل كامل.
يأتي ذلك وسط تخوفات عكستها منصات التواصل الاجتماعي من نقص السلع الأساسية، عادّة تصريحات مسؤولي الحكومتين «مجرد أحاديث إعلامية تتكرر كل عام دون أن تجد لها صدى على أرض الواقع».
* مجرد شعارات
يعتقد الناشط المدني الليبي، جمال الفلاح، أن الحكومتين «توظفان شعار رفع الأعباء عن المواطنين خلال شهر رمضان والأعياد الدينية، في إطار سعي كل منهما لنيل الرضا الشعبي»، معتقداً أن «كثيراً من تصريحات المسؤولين لا تتحقق، بل على العكس، حيث تشهد الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً، وتزداد الضغوط على المواطنين، خصوصاً مع استمرار التأخر في صرف رواتبهم كل شهر».
ولفت الفلاح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الانقسام الحكومي والخلافات المتكررة بين أفرقاء الأزمة السياسية حول تقاسم إدارة موارد الدولة «يحُولان دون القيام بإصلاحات اقتصادية، تسهم في خفض أسعار السلع وتحسين الخدمات»، مبرزاً أن «ما يضاعف استياء كثير من أرباب الأسر من مسؤولي الحكومتين، ليس عدم تحقق تصريحاتهم بالشكل الذي يروجون له، بل لشعورهم بالعجز عن توفير مائدة إفطار كريمة لأبنائهم خلال الشهر الكريم».
من جهته، سلط رئيس منظمة «الرقيب لحماية المستهلك»، وائل الصغير، الضوء على ما تتخلل عملية توزيع السلع المدعومة، من أي حكومة، مما أسماها «أخطاء تمنع وصولها إلى مستحقيها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه إلى جانب «عدم تناسب ما يُقدَّم من سلع مدعومة مع عدد الأسر المستحقة، فإنه يتم أحياناً تجاهل الاعتماد على آليات تنفيذية منهجية؛ وبالتالي تزداد الانتقادات لأداء الحكومتين».
ومن واقع الرصد الميداني لمنظمته، التي يقع مقرها بالعاصمة طرابلس، أكد الصغير «ارتفاع أسعار سلع رئيسية لا يمكن استبدالها كي ينخفض الطلب عليها، ومنها الأرز والسكر واللحوم المحلية والمستوردة».
وعدّ أن ذلك يعني تعرض كثير من الأسر لمزيد من الضغوط، خصوصاً تلك التي تعتمد بشكل كلي في تدبير معيشتها على راتب معيل الأسرة، بعد تبخر مدخراتها في أزمة السيولة التي مرَّت بها البلاد خلال العام الماضي.
* تسعير السلع
أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، يرى من جهته أن محاولة تسعير السلع، التي يزداد عليها الطلب في رمضان «لن تُكَّلل بالنجاح؛ حتى لو تم فرض رقابة مشددة على الأسواق». وأرجع ذلك «لتوقع قيام التجار حينذاك بسحبها من الأسواق، قصد بيعها بعد ذلك في السوق السوداء، بداعي استيرادها بالدولار، أو لرغبتهم في تحقيق أعلى ربح».
ورغم تثمينه لإمكانية تطبيق فكرة قيام الحكومة باستيراد سلة من السلع الغذائية، وتحمل نصف قيمتها، كما أعلنت حكومة حماد، مما يكبح تضخم الأسعار، فإن أستاذ الاقتصاد يؤكد أن «هذا النوع من الدعم له تداعيات سلبية». وقال إنه إلى جانب تحمل ميزانية تلك الحكومة قيمة الدعم، «فقد تلجأ بعض الأسر إلى عدم استهلاك كامل مخصصاتها من السلع المدعومة، ومحاولة تهريبها وبيعها بسعر أعلى بكثير».
وشدَّد الفضيل على أن الحل «ينحصر في تعزيز قيمة الدينار وقوته الشرائية، وانخفاض سعر صرف الدولار؛ مما يقلل من تكاليف الاستيراد، إلى جانب محاربة الفساد المالي والإداري»، متوقعاً حدوث «انفراجة نسبية في أزمة السيولة مع اقتراب شهر رمضان».