«طوارق ليبيا»... رحلة تقارب نصف قرن من البحث عن «الهوية»

اشتكوا مجدداً من عدم حصولهم على أوراق ثبوتية

الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)
الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)
TT

«طوارق ليبيا»... رحلة تقارب نصف قرن من البحث عن «الهوية»

الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)
الدبيبة في لقاء سابق مع وفد من أعيان «الطوارق» (حكومة الوحدة)

يسود اعتقاد لدى قادة قبائل «الطوارق» بجنوب ليبيا بأن عدم حصولهم على الجنسية الليبية منذ عقود، بات ورقة «ضغط ومساومة» لدى الدولة الليبية وسياسيين، خصوصاً بعد وعود حكومية متكررة لم تتحقق حتى الآن.

ويعتقد محللون وباحثون بوجود «توظيف سياسي» لهذه القضية، في ظل انقسام البلاد بين معسكر شرق ليبيا وغربها.

وتحدّث رئيس المجلس الاجتماعي الأعلى لـ«طوارق ليبيا»، مولاي قديدي، عن وجود «موقف سياسي مستمر من الدولة الليبية ضد (الطوارق)» منذ نظام الرئيس الراحل معمر القذافي حتى اليوم، يتجلّى في «عدم الوفاء بوعود متكررة بمنحهم الجنسية».

وقال قديدي لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو كأن الدولة تريد الإبقاء على الأوراق الثبوتية لـ(الطوارق) بوصفهم ورقة ضغط للعمل في السلك العسكري، لكنها تبحث عنهم في حالة وجود خطر داهم، أو مشكلة أمنية أو خارجية». مشيراً إلى أن «الانقسام السياسي في ليبيا يلعب دوراً أساسياً في تأزيم قضايا (الطوارق)، وتأخير حلولها الجذرية».

ويطالب «الطوارق» منذ عهد نظام القذافي بالحصول على حقوق المواطنة، واستخراج أرقام وطنية تُمكنهم من المشاركة في الاستحقاقات الدستورية، وتتيح لهم حقوقاً خدمية أخرى، مثل «الالتحاق بالمدارس، ومنحة الأبناء والآباء، والحج والعمرة، والعلاج بالخارج»، وفق نشطاء محليين.

وفي مسعى لإيجاد حل إنساني مؤقت لهذه المشكلة، قررت السلطات الليبية استخراج «أرقام إدارية» مؤقتة لـ«الطوارق» منذ عام 2014، في حين تأخر منحهم حقهم الكامل في «أرقام وطنية»، مثل عموم الليبيين، وسط أقاويل وحجج لا تزال تلاحقهم بأنهم ينتمون إلى دول أفريقية، مثل مالي والنيجر.

حصر أعداد «الطوارق»

يؤكد رئيس المجلس الاجتماعي لـ«الطوارق» أنهم «مكتملو المواطنة منذ أكثر من نصف قرن»، ويقول إن لجاناً حكومية مختصة «أجرت عمليات حصر لأعدادهم في عهد النظام السابق، وعلى مدار سنوات التقينا عدداً من المسؤولين دون أي استجابة».

وسبق أن التقى عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، قيادات من «الطوارق» في عامي 2021 و2022، حضرها قديدي لبحث مشكلاتهم. وأقرّ الدبيبة بحق «الطوارق» في الحصول على الأرقام الوطنية، وقال قبل أكثر من عامين: «نعرف أن إخوتنا في (الطوارق) و(التبو) لا يملكون أرقاماً وطنية، وهم ليبيون يعتزّون بليبيتهم، وقد شكَّلنا لجنة من أجل ذلك».

في الوقت نفسه، لا تمانع مصلحة الأحوال المدنية في إنجاز أرقام الهوية الوطنية للمواطنين من مكون «الطوارق»، إلا أن مصدراً مسؤولاً في المصلحة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «عدم صدور قرار سيادي بمنحهم الجنسية يقف عقبة دون إصدارها».

وتمتد مشكلة جنسية «الطوارق» لنحو 5 عقود. وفي هذا السياق يقول رئيس المنظمة، ناصر الهواري، لـ«الشرق الأوسط» إن القذافي «لم يُقدم حلولاً جذرية لهذه المشكلة؛ واستمرت بعد (ثورة فبراير«شباط»)»، علماً بأن بعض من سمّاهم «بدون ليبيا» حصلوا على الجنسية في عهد القذافي لاعتبارات سياسية، أو عبر إثبات أصولهم، أو حصلوا عليها تحت مسمى «الجنسية العربية».

ووسط تأخر الحلول من جانب حكومة غرب ليبيا، رجحت الناشطة الليبية المدافعة عن حقوق «الطوارق»، خديجة عنديدي، أن تتحول قضية هويتهم إلى «ورقة مساومة للمقايضة، وتحقيق بعض المصالح السياسية الشخصية»، في ظل الانقسام السياسي، واصفة ما يحدث بأنه «تمييز عنصري».

وتُفسر الناشطة الليبية رؤيتها قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن بعض «الطوارق» الحاملين لأوراق هوية وطنية، «تلقوا وعوداً من سياسيين بحصول كل (الطوارق) على حقوق الجنسية، مقابل التصويت لهم في أي استحقاق انتخابي»، معيدة تأكيد أن أغلب «الطوارق» «لا يملكون هوية وطنية تتيح لهم حق التصويت».

ولا توجد تقديرات رسمية لأعداد مكون «الطوارق» في ليبيا، إلا أن مولاي قديدي قدّر أعدادهم بنحو 14 ألف أسرة، يتمركزون في عدد من مدن بالجنوب الليبي، منها غات وأوباري.

ومن منظور أوسع لما يعتقد أنه «توظيف سياسي» في إشكالية جنسية «الطوارق»، لا يستبعد محللون وباحثون ليبيون استخدام ورقة الأقليات، ومن بينها «الطوارق»، ضمن أوراق الانقسام السياسي بين الأفرقاء الليبيين.

ورقة ضغط

يؤيد المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، الرأي القائل بأن «تعطيل أوراق الجنسية لقبائل (الطوارق) هو ورقة ضغط تستخدمها حكومة غرب ليبيا، في ظل دعم شرائح واسعة منهم للجيش الوطني في شرق البلاد»، إلى جانب أن جزءاً منهم «من أنصار النظام السابق»، حسب تقديره.

ويعتقد الأوجلي أن الهدف من حرمان «الطوارق» من حقهم في الجنسية والاستحقاقات الانتخابية هو «ضمان إقصائهم إذا أجريت أي انتخابات مفاجئة»، متحدثاً عن «سعي حكومة الدبيبة لتوظيف كل الأوراق، سواء العلاقات الداخلية أو الخارجية، ومن بينها ملف الأقليات».

في السياق ذاته، تُشكك دوائر بحثية مستقلة في العاصمة طرابلس فيما جرى تداوله قبل أقل من 3 أعوام، بشأن تزوير الأرقام الوطنية لصالح مواطنين «طوارق»، ضمن قضية تزوير كُبرى فجّرها مكتب النائب العام الليبي في مايو (أيار) 2022، عادّةً أنها «قنبلة دخان لتعطيل أوراق الجنسية لـ(الطوارق)».

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)

ويستدل مصدر بحثي مستقل، فضل عدم ذكر اسمه، على «عبثية» هذه الاتهامات بالقول إن «النائب العام شكّل لجان تحقيق بمهنية، خلصت إلى وجود 88 ألف بطاقة هوية مزورة في عموم البلاد، ولم يُحددها في مكان جغرافي واحد، أو ضد مكون قبلي أو عرقي محدد».

وأمام استمرار هذه «المظلومية» التاريخية، يدرس المجلس الاجتماعي الأعلى لـ«طوارق ليبيا» «خيارات كثيرة» من أجل الحصول على حقوق مَن يُمثلهم، وفق رئيس المجلس، الذي أجاب عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول احتمالات تصعيد قضيتهم دولياً قائلاً: «عندما نستنفد خياراتنا محلياً سيكون لكل حادث حديث».

وإلى جانب «التبو» و«الأمازيغ»، يعد «الطوارق» من المكونات الثقافية في ليبيا، وسط اختلاف حول جذور نسبهم، بين مَن يُرجعهم إلى قبائل «صنهاجة» الأمازيغية، أو «الجرمنتيين» الليبيين، الذين سكنوا الصحراء الكبرى، لكنهم يبحثون عن استكمال «هويتهم المنقوصة».

وربما تكون «التشعبات الديموغرافية لهذا المكون في أكثر من دولة جوار جعلها كتلة عابرة للحدود، يتغيّر عددها بين الحين الآخر»، وفق الكاتب الليبي أحمد الفيتوري، الذي رأى أن «أوضاع هذه الكتلة الديموغرافية تؤهلها لتكون بيئة خصبة للتوظيف السياسي والاقتصادي والأمني»، وفق ما قال لـ«الشرق الأوسط».


مقالات ذات صلة

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

شمال افريقيا صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 % وهي خطوة قوبلت بمعارضة

خالد محمود (القاهرة)
العالم العربي الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة لحكمين قضائيين بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى مصراتة.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا شرطي في أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس (مديرية أمن طرابلس)

«شلل ليلي» مستمر في طرابلس على وقع الاحتجاجات... و«الوحدة» تغض الطرف

تواصل لليوم الثالث مشهد «الشلل الليلي» في بعض أحياء العاصمة الليبية طرابلس على وقع احتجاجات مناهضة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون غير نظاميين من غانا قبيل ترحيلهم من طرابلس (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

اتهامات بـ«انتهاكات جسيمة» ضد مهاجرين تلاحق ميليشيا ليبية

تلاحق ميليشيا مسلحة في غرب ليبيا اتهامات حقوقية متزايدة بارتكاب «انتهاكات جسيمة» ضد مهاجرين غير شرعيين من جنسيات متعددة تشمل المصرية والسورية والعراقية.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

خيّمت أجواء من الارتباك والجدل على المشهد الليبي عقب اعتذار ألمانيا عن تحليل الصندوق الأسود لطائرة «فالكون 50» التي تحطمت في أنقرة.

علاء حموده (القاهرة)

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
TT

«اليونيسف» تحذر من مستوى غير مسبوق من سوء التغذية بين الأطفال في شمال دارفور بالسودان

مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)
مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور (أ.ب)

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، اليوم الثلاثاء، من وجود «مستويات غير مسبوقة وخطيرة» من سوء التغذية بين الأطفال بولاية شمال دارفور في غرب السودان.

وقالت المنظمة، في بيانٍ نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، إن مسحاً حديثاً أظهر أن أكثر من نصف الأطفال الذين جرى تقييمهم في محلية أم برو بالولاية يعانون سوء التغذية الحادّ، «في ظل استمرار القتال وقيود شديدة على وصول المساعدات الإنسانية المُنقذة للحياة».

ووفقاً للمسح، الذي أجرته «اليونيسف»، في الفترة بين 19 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يعاني واحد من بين كل ستة أطفال من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، وهي حالة تهدد الحياة ويمكن أن تُودي بحياة الطفل في غضون أسابيع إذا لم يجرِ علاجها.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل إن «كل يوم يمر دون وصول آمن ودون عوائق يزيد خطر ضعف الأطفال ومزيد من الوفيات والمعاناة من أسباب يمكن الوقاية منها تماماً».

ودعت «اليونيسف» كل الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات بشكل فوري وآمن ودون عوائق، وحضّت المجتمع الدولي - بما يشمل الدول التي لها نفوذ على أطراف الصراع - على تكثيف الضغط الدبلوماسي والسياسي، بشكل عاجل، لضمان الاتفاق على هدنة إنسانية واحترامها.

وتابعت المنظمة: «دون هدنة إنسانية يمكن التنبؤ بها واحترامها، لن يكون بوسع عمال الإغاثة إيصال الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية وخدمات الحماية بأمان، ويستمر الأطفال في دفع الثمن الأكبر».


«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على منطقة استراتيجية في جنوب كردفان

عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من «الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، سيطرتها على منطقة «التقاطع» الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، ونشر عناصر تابعون لها مقاطع مصورة تُظهر انتشارها هناك.

ولم يصدر أي تعليق من الجيش السوداني بهذا الخصوص، مع استمرار تمدد «الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، في مناطق واسعة من الإقليم.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «تلغرام»، إن «قوات تأسيس» المتحالفة معها بسطت سيطرتها بالكامل على المنطقة الواقعة بين مدينتي كادوقلي والدلنج، وإن هذه الخطوة تأتي «ضمن عمليات الانفتاح العسكري وتأمين الخطوط المتقدمة»، كما أنها تمكنت من «تسلم عدد من المركبات العسكرية والأسلحة والذخائر».

وأوضح البيان أن «هذا الانتصار يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف استراتيجية في الولاية».

وتخضع مدن ولاية جنوب كردفان، خصوصاً العاصمة كادوقلي ومدينة الدلنج، لحصار خانق تفاقمت حدته عقب استيلاء «الدعم السريع» على مدينة بابنوسة، وبلدة هجليج النفطية، بولاية غرب كردفان، وانسحاب قوات الجيش التي كانت في تلك البلدات إلى دولة جنوب السودان.

من جهة ثانية، أفادت مصادر بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها بالولاية.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» إلى «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى، ضمن «تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)».

بدورها، قالت «الحركة الشعبية»، في بيان الثلاثاء، إنها سيطرت على حامية عسكرية تابعة للجيش السوداني في منطقة تقاطع البلف، على طريق الدلنج - كادوقلي. وأضافت أن قواتها تواصل التقدم الميداني في إطار عمليات تهدف للوصول إلى العاصمة كادوقلي.

والأسبوع الماضي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على منطقتي الكرقل والدشول، الواقعتين على الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدلنج؛ ثانية كبرى مدن الولاية، واتهمت الجيش السوداني والقوات المتحالفة بـ«عدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية».

ومنذ أشهر تفرض «قوات تأسيس» طوقاً محكماً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وتقطع طرق وخطوط الإمداد لقوات الجيش السوداني المحاصَرة داخل كادوقلي.


«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
TT

«رواتب العسكريين» تصطدم بالخلاف السياسي بين أفرقاء ليبيا

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات للقاء رئيسها السايح مع البرعصي

دخل المشهد السياسي الليبي مرحلة جديدة من التصعيد والتجاذب بين المؤسسات عقب جلسة مجلس النواب، الاثنين، التي استُكملت الثلاثاء، ولا سيما بعد الجدل الذي أثاره إقرار البرلمان زيادة مرتبات العسكريين بنسبة 150 في المائة، وهي خطوة قوبلت بمعارضة من المجلس الأعلى للدولة في غرب البلاد، في ظل انقسام سياسي وعسكري مزمن تعيشه ليبيا منذ أعوام.

وتزامن ذلك مع اتساع دائرة الخلاف لتشمل مجلسي النواب والدولة، والسلطة القضائية، إضافة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية في العاصمة طرابلس ضد حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في غرب البلاد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الليبية (رويترز)

وبعد ساعات من إقرار مجلس النواب زيادة مرتبات العسكريين، نشرت وسائل إعلام محلية جدولاً جديداً لمرتبات منتسبي «الجيش الوطني»، أظهر زيادات تصل إلى 150 في المائة، إذ قفز أعلى راتب إلى 12 ألفاً و850 ديناراً لرتبة المشير، في حين بلغ أقل راتب 800 دينار للطلاب العسكريين بمراكز التدريب، وفق ما أوردته تلك الوسائل. (الدولار = 5.40 دينار في السوق الرسمية و8.78 دينار في السوق الموازية).

غير أن المجلس الأعلى للدولة سارع إلى رفض قرار زيادة الرواتب العسكرية، عاداً إياه «إرهاقاً للميزانية العامة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة»، مؤكّداً في المقابل تمسكه بجدول رواتب موحد، يحقق العدالة بين المدنيين والعسكريين دون تمييز. وحذّر المجلس، في بيان له، من أن مثل هذه الخطوات الأحادية من شأنها تقويض التوافق السياسي، وتعميق الانقسام، وإرباك المسار السياسي، داعياً إلى الالتزام بالاتفاقات، والعمل المشترك من أجل بناء دولة المؤسسات والقانون.

وأثار تصويت مجلس النواب على زيادة مرتبات العسكريين تبايناً في مواقف المراقبين، بين من أبدى حماسه للقرار، وآخرين عبّروا عن رفضهم له. ومن بين المؤيدين للقرار عبد الله عثامنة، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي عدّ هذا النهج ضمن «تحولات استراتيجية نوعية وطنية، وغير مسبوقة في تاريخ المؤسسة العسكرية».

في المقابل، تساءل أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة، عبد الحميد الفضيل، قائلاً: «أليس المتقاعدون وأصحاب المعاشات الأساسية هم الأحق بإنصافٍ يقي مآسيهم، والذين لا يملكون سوى صبرهم على شظف العيش؟»، وذلك في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك».

وفي سياق قريب، وفيما بدا أنه انحياز نسبي واصطفاف مؤسسي مع مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، دافعت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن شرعية الإجراءات المتخذة، والاكتفاء بملء المقاعد الشاغرة في مجلس المفوضية، دون حله بشكل كامل.

من اجتماع سابق للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وفسّرت المفوضية، في بيان صدر الثلاثاء، موقفها بالقول إن «شغل المقاعد الشاغرة تم وفقاً للمادة (10) من قانون إنشائها لسنة 2013، ولا علاقة له بالاتفاق السياسي، الذي تحاول أطراف إقحامه لأغراض تخدم أجنداتها، وتُبعد الاستحقاقات الانتخابية عن مطالب الشعب الليبي».

وحرص مجلس المفوضية في بيانه على التأكيد أنه «أثبت قدرته على إدارة العملية الانتخابية بنجاح»، لا سيما من خلال تنفيذ انتخابات المجالس البلدية في مختلف مناطق البلاد، وتجاوز التحديات والعراقيل، ورفض الخضوع لما وصفه بضغوط صادرة عن «أطراف متنفذة فقدت مصالحها».

وسبق أن رفض المجلس الأعلى للدولة أيضاً تصويت مجلس النواب على استكمال تعيينات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

من جلسة سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي (المجلس)

وفي تأكيد على استمرار هذا التصعيد المؤسسي المتداخل، أعرب قضاة ليبيون عن بالغ قلقهم إزاء «تصاعد الخطاب والممارسات، التي تمس هيبة القضاء ومكانته الدستورية»، محذّرين في بيان أعقب اجتماعاً طارئاً للجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية، من أن «استمرار هذا المسار قد يقود إلى انقسام السلطة القضائية»، التي ظلت «موحّدة ومتماسكة ومحايدة رغم سنوات الصراع سواء السياسي أو العسكري».

وفي رد ضمني على دعوة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، إلى إقالة رئيس محكمة النقض، عبد الله أبو رزيزة، وعدّه «خصماً سياسياً غير محايد»، شددت الجمعية على أن وحدة القضاء واستقلاله «خط أحمر»، داعية إلى «احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم التدخل في شؤون القضاء، أو التعرض له قولاً أو فعلاً».

كما أعلنت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم، وأنها أجرت سلسلة من الاتصالات والمشاورات مع جهات قضائية عدة، مشيرة إلى قرب الإعلان عن «المبادرة الوطنية لوحدة السلطة القضائية»، الهادفة إلى صون استقلال القضاء، وتجنيبه أي مظاهر انقسام أو تجاذب سياسي.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ويعكس هذا التصعيد توتراً غير مسبوق بين السلطتين التشريعية والقضائية، في وقت تتواصل فيه الجهود الأممية والدولية لإعادة إطلاق العملية السياسية، وسط مخاوف كبيرة من أن يؤدي هذا التوتر إلى مزيد من الانسداد وعدم الاستقرار، وتقويض فرص التوافق والانتقال نحو انتخابات طال انتظارها.

ويتزامن هذا التصعيد المؤسسي مع استمرار الجهود الأممية لإنهاء الجمود السياسي القائم منذ عام 2021، عبر توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، إلى جانب تحركات احتجاجية في الشارع، حيث شهدت العاصمة طرابلس، الاثنين، ولليوم الرابع على التوالي، مظاهرات احتجاجاً على «الفساد»، واستمرار حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

وأشعل المتظاهرون مجدداً النيران وأغلقوا الطريق أسفل كوبري المدار بوسط المدينة، فيما رصدت وسائل إعلام محلية اشتعال سيارة عسكرية، تتبع اللواء 444 قتال، التابع للحكومة، وسط غياب أي توضيح رسمي من الجهات المختصة.