الجزائر: السجن لمعارض بارز وزوجته بتهمة «الإساءة لرئيس الجمهورية»

تراجع المعارضة رغم وعود تبون باحترام الرأي المخالف

المعارض الجزائري البارز فتحي غراس وزوجته الناشطة مسعودة شبالة (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)
المعارض الجزائري البارز فتحي غراس وزوجته الناشطة مسعودة شبالة (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)
TT

الجزائر: السجن لمعارض بارز وزوجته بتهمة «الإساءة لرئيس الجمهورية»

المعارض الجزائري البارز فتحي غراس وزوجته الناشطة مسعودة شبالة (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)
المعارض الجزائري البارز فتحي غراس وزوجته الناشطة مسعودة شبالة (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)

أصدرت محكمة في العاصمة الجزائرية، الأحد، حكماً بالسجن لمدة عام مع التنفيذ، بحق المعارض البارز فتحي غراس بتهمة «الإساءة إلى رئيس الجمهورية» و«إهانة هيئات الدولة»... وتأسَّس الرئيس عبد المجيد تبون طرفاً مدنياً في القضية، مطالباً بـ«حقه من المعتدي».

وكتبت زوجة غراس، الناشطة المعارضة مسعودة شبالة في حسابها بالإعلام الاجتماعي، أن الحكم ضده شمل أيضاً غرامة تعادل 700 دولار بالدينار الجزائري، زيادة على غرامة أخرى بقيمة 350 دولاراً بالعملة المحلية، تدفع للخزينة العمومية، إضافة إلى دينار واحد رمزي يدفع لرئيس الجمهورية تعويضاً عن «ضرر» لحق به من غراس.

وأكدت شبالة أنها هي نفسها صدر بحقها حكم بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ، من محكمة الجنح عن التهم ذاتها. وشمل الحكم أيضاً غرامة بـ350 دولاراً، وأخرى بالقيمة نفسها تدفع للخزينة العمومية. وأمرت المحكمة، التي تقع بالضاحية الغربية للعاصمة، بمصادرة هاتفَي غراس وزوجته.

من لقاء سابق جمع الرئاسة بالأحزاب (الرئاسة)

وفي حين أعلن دفاع الناشطَين استئناف الحكم، كتب المحامي والحقوقي الشهير عبد الغني بادي، على حسابه في الإعلام الاجتماعي عن هذه الإدانة، أن: «التعبير عن الرأي حرية، والعمل السياسي الحزبي حق... أن تعارض ممارسات السلطة ليس جريمة. كل التضامن والدعم والمساندة لمنسق (الحركة الديمقراطية والاجتماعية)؛ فتحي غراس والمناضلة في الحزب مسعودة شبالة».

وكانت النيابة التمست لكليهما السجن 3 سنوات مع التنفيذ. وعلّق غراس على طلبات النيابة بالقول: «الغريب في الأمر، وفي سابقة لم نكن نتوقعها، تأسس عبد المجيد تبون بوصفه ضحية كذلك، مطالباً بدينار رمزي تعويضاً عن الضرر الذي لحق به!!!!».

وتابعت النيابة المناضلَين السياسيين اليساريين، بسبب تعليقات على سياسات الرئيس تبون، بمنصات الإعلام الاجتماعي، عُدّت مسيئة له. وفي تقدير غراس أنه «مارس دوره بوصفه معارضاً لسياسات السلطة»، مؤكداً أن متابعته قضائياً «قرار تعسفي». كما قال: «القمع السياسي من علامات الإفلاس السياسي».

ومطلع 2023، أمر «مجلس الدولة» وهو أعلى هيئة في القضاء الإداري، بتجميد أنشطة «الحركة الديمقراطية والاجتماعية (الحزب الشيوعي الجزائري سابقا)»، الذي يتولى فيه غرَاس منصب المنسق العام، وإغلاق مقاره، بناءً على شكوى من وزارة الداخلية، التي اتهمت «الحزب» بـ«عدم الامتثال للتشريعات السارية المتعلقة بالأحزاب السياسية». وينتظر صدور حكم نهائي بحلّ الحزب نتيجةً لوقف نشاطه.

عثمان معزوز رئيس «التجمع من أجل الديمقراطية»... (الشرق الأوسط)

وتجب الإشارة إلى أن فتحي غراس قد اعتُقل وسجن في عام 2021 بسبب أنشطة عُدّت «غير قانونية» كان الحزب يمارسها في مقره. وما أزعج السلطات هي اللقاءات التي كان يحتضنها مقر «الحركة»، في إطار الحراك الشعبي المطالب بالتغيير.

وفي المدة نفسها، حلّت السلطات، بحكم قضائي، تنظيم «تجمع - عمل - شباب»، بحجة أنه «حادَ عن دوره الأصلي وخاض في المعارضة السياسية». كما حُلّ «الحزب الاشتراكي للعمال» بسبب عدم عقد مؤتمره العادي منذ سنوات طويلة.

وتسببت الملاحقات القضائية ضد أحزاب المعارضة شديدة الانتقاد للحكومة، في انكماش المعارضة خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة أنه لا يكاد يُسمع أي صوت ينتقد سياسات الحكومة، رغم أن الرئيس تبون تعهّد في مناسبات كثيرة بـ«احترام الرأي المخالف»، كما قال إن «حرية التعبير لا سقف لها إلا ما مسّ بالثوابت الوطنية».

وتنشط حالياً 5 أحزاب معارضة في البلاد: «حركة مجتمع السلم» الإسلامي، وله تمثيل في البرلمان وهو مقبول لدى السلطات. و«جبهة القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض. و«جبهة العدالة والتنمية» للإسلامي عبد الله جاب الله، و«حزب العمال» اليساري، و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» الذي سبق أن هددته السلطات بإغلاق مقاره.


مقالات ذات صلة

الجزائر تسرّع تحويل الأملاك المصادرة وتعزيز جهود مكافحة الفساد

شمال افريقيا رجال أعمال في السجن بتهمة غسل أموال (الشرق الأوسط)

الجزائر تسرّع تحويل الأملاك المصادرة وتعزيز جهود مكافحة الفساد

إسبانيا وافقت على تسليم الجزائر ثلاثة فنادق فاخرة من فئة خمس نجوم كانت مملوكة لأحد رجال الأعمال المسجونين... والمقصود هو الملياردير علي حداد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا... والتجارة إحدى ضحاياها البارزة

حادثة سجن الكاتب مزدوج الجنسية بوعلام صنصال في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) زادت الخلافات بين البلدين حدة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

​مطالب دولية لفرنسا بتعويض ضحايا تجاربها النووية في الجزائر

دعت 30 منظمة دولية مناهضة لانتشار السلاح النووي والحروب الحكومتين الجزائرية والفرنسية إلى «تحمل مسؤولياتهما» تجاه سكان المناطق المتضررة من التفجيرات النووية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا وزير الاتصال الجزائري (الوزارة)

وزير جزائري: 9 آلاف صحافي عبر العالم يشوهون صورة بلادنا

انتقد وزير الاتصال الجزائري، محمد مزيان، صحافيين في الخارج «يعملون دون هوادة من أجل تشويه صورة البلاد».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا سفير النيجر بالجزائر يسلم أوراق اعتماده للرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

استئناف الحوار بين الجزائر والنيجر بعد تصاعد الأزمة في 2023

يسعى وفد من حكومة النيجر يزور الجزائر حالياً، لطي خلاف حاد نشأ في صيف 2023 بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، واشتدت الأزمة باحتجاج نيامي على …


حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
TT

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)

استبعدت مصادر مصرية مطلعة أن يؤدي التوتر المنعكس في وسائل الإعلام بين مصر وإسرائيل إلى أزمة عسكرية أو سياسية كبيرة بين البلدين، وقللت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من احتمال تفجر الأوضاع، رغم ارتفاع حدة التراشق في وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، على مدى الأيام القليلة الماضية.

ومنذ وقّع الطرفان اتفاقاً للسلام في سبعينات القرن الماضي، لم تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً متصاعداً كالذي حدث منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة قبل 15 شهراً.

وبجانب التوتر النابع من الخلافات حول طريقة حل القضية الفلسطينية، فإن الخلافات زادت حدتها منذ مايو (أيار) الماضي، حينما استولت إسرائيل على محور «فيلادلفيا» الحدودي، وكذلك معبر رفح الحدودي مع مصر، واتهامها لمصر بأنها لم تقم بما يكفي لمنع وصول السلاح عبر الأنفاق لقطاع غزة، وهو ما نفته القاهرة واعتبرته خرقاً لبنود معاهدة السلام، وردت عليه بتكثيف قواتها العسكرية بالقرب من الحدود، بحسب ما رصدته صور وتقارير إعلامية.

وما لبثت أن هدأت وتيرة الخلافات بعض الشيء بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بوساطة مصرية - قطرية - أميركية، إلا أن التوتر تصاعد مجدداً بعدما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وأيدته في ذلك إسرائيل، وأعلن مسؤولون بها أنهم شرعوا في اتخاذ خطوات لتنفيذه، وهو ما أدانته القاهرة بشدة، وتوالت ردود الفعل الرسمية المصرية الرافضة، مع دعم عربي ودولي واسع لموقف القاهرة.

بالتوازي مع ذلك، زادت حدة التراشق بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر وإسرائيل، ما دفع البعض لإثارة تخوفات من احتمال تفجر الأوضاع وبلوغها الصدام العسكري بين الطرفين.

لكن وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يحدث «صدام عسكري» بين مصر وإسرائيل، مشدداً على أن إسرائيل «منهكة»، وليست لديها القدرة العسكرية حالياً لدخول مواجهة مع دولة بحجم مصر.

وشدد على أن التوترات الحادثة حالياً في العلاقات، أو في وسائل الإعلام، طبيعية بسبب أحداث حرب غزة والخلافات حولها، وستستمر طوال استمرار هذه الحرب، لكن «لن تتصعد» أكثر من ذلك، «فكل منهما يعرف قدرة الآخر»، كما أن مصر حريصة على السلام في المنطقة.

واتفق معه الخبير العسكري المصري، سمير فرج، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يثار خاصة في الإعلام الإسرائيلي عن مواجهة عسكرية مع مصر «مجرد كلام» ليس له أساس من الصحة، ولا واقعية للتنفيذ.

وشدد على أن إسرائيل «لن تغامر» بدخول حرب نظامية مع مصر، في الوقت الذي تخوض فيه القوات الإسرائيلية نزاعاً منذ عام ونصف عام مع جماعات المقاومة المسلحة في فلسطين أو لبنان.

وشدد على أن عدوّ إسرائيل الأول في المنطقة هو إيران بسبب البرنامج النووي لطهران، ولن تغامر بمعاهدة السلام مع مصر.

وفي عام 1979، وقّعت مصر مع إسرائيل معاهدة السلام، وأكدت فيها الدولتان التزامهما «بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد».

وتمنع الاتفاقية التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها، وتلزمهما بحل كافة المنازعات التي تنشأ «بالوسائل السلمية».

ونظمت الاتفاقية التاريخية كذلك شكل الوجود العسكري على الحدود بين البلدين، وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية والالتزام بها.

وكيل المخابرات المصرية السابق اللواء محمد رشاد، أكد أن «اتفاقية كامب ديفيد تتضمن بنوداً نصت على عدم اعتداء أي طرف على الآخر»، ولكن ما حدث أن إسرائيل احتلت محور فيلادلفيا بالمخالفة للاتفاقية، وهو ما يعدّ تهديداً للأمن القومي المصري، ومن ثم حشدت مصر قواتها في المنطقة (ب) والمنطقة (ج) قرب حدود إسرائيل، والتي كانت تنص الاتفاقية على وجود قوات محدودة فيهما.

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر حشدت قواتها هناك لصد أي تهديد لأمنها القومي كرد على ما فعلته إسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا»، مشيراً إلى أن «إسرائيل حالياً تدعي أن مصر خالفت معاهدة السلام، ومصر ترد عليها بأن المخالفة جاءت من تل أبيب أولاً، فحينما تنسحب إسرائيل من فيلادلفيا، وقتها يمكن مطالبة مصر بسحب قواتها من قرب الحدود المصرية - الإسرائيلية».

ولكن في الوقت نفسه، يرى رشاد أنه «لن يصل الأمر إلى الصدام العسكري، فهناك لجنة عسكرية بين الطرفين تناقش هذه الأمور وتعمل على حلها، وهناك حرص من الدولتين على استمرار معاهدة السلام».

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط».

وأعادت إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل ممراً ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومتراً، وترفض الانسحاب منه.

جغرافياً يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً.

وتؤمن إسرائيل بأن هذا المحور الحدودي مع مصر هو بوابة «حماس» الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب عبر أراضيها.

ورغم تصاعد التوترات الإعلامية بين البلدين بسبب احتلال إسرائيل هذا المحور، وكذلك نشر القوات المصرية قرب الحدود، فلم يصدر أي تهديد رسمي من القاهرة أو تل أبيب باحتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين.