البرهان يشكّل «لجنة تحقيق» في اتهامات الجرائم بولاية الجزيرة

حمدوك: المذابح «أمر مروع»... وجنوب السودان تستدعي السفير بجوبا

البرهان وسط مناصريه في مدينة بورتسودان 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)
البرهان وسط مناصريه في مدينة بورتسودان 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)
TT

البرهان يشكّل «لجنة تحقيق» في اتهامات الجرائم بولاية الجزيرة

البرهان وسط مناصريه في مدينة بورتسودان 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)
البرهان وسط مناصريه في مدينة بورتسودان 14 يناير 2025 (أ.ف.ب)

تصاعدت حملات التنديد بالفظائع التي شهدتها مدينة ود مدني، حاضرة ولاية الجزيرة السودانية، وارتفعت وتيرة الاتهامات الموجهة للجيش والقوات المتحالفة معه، كما زادت حدة نبرة المطالبات بالمحاسبة. ودخلت حكومة جنوب السودان على الخط، واستدعت السفير السوداني في جوبا وأبلغته باحتجاجها على قتل مواطنيها، في حين سدت الشرطة الطرقات أمام محتجين جنوبيين كانوا ينوون تنظيم مظاهرة أمام السفارة السودانية، للمطالبة بمحاسبة قتلة مواطنيهم.

كما أدان رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك انتهاكات ولاية الجزيرة، قائلاً إن «الانتهاكات والمذابح في ولاية الجزيرة أمر مروع، وإن الشعب ظل يتعرض لها منذ ثلاثة عقود»، وطالب من أطلق عليهم «دعاة السلام» بحمل الأطراف المتصارعة على وقف فوري للحرب التي وصفها بـ«المدمرة».

ودعا حمدوك الذي يترأس حالياً أكبر تجمع لأحزاب ومنظمات مدنية تحت اسم «تقدم»، العالم لتحمل مسؤولياته في حماية المدنيين من «هذه الجماعات الإرهابية التي تمارس أبشع المجازر ضد شعبنا». وطالب حمدوك، في صفحته الرسمية على «فيسبوك»، من أسماهم الشرفاء من أبناء وبنات الشعب السوداني، بعدم الانسياق «وراء حملات التعبئة العنصرية وخطاب الكراهية، وعدم الانسياق وراء حملات التحريض ضد مختلف المكونات الاجتماعية التي تسعى لإحداث المزيد من الفتنة بين السودانيين».

«لجنة تحقيق»

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد دخولهم مدينة ود مدني في السودان 12 يناير 2025 (رويترز)

وكان الجيش السوداني قد قلّل من تلك الجرائم واعتبرها «تجاوزات فردية»، لكن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، أعلن تشكيل «لجنة تحقيق» في أعمال القتل والذبح والحرق التي شهدتها المدينة عقب استرداد قواته لها من قبضة «قوات الدعم السريع»، وحدد فترة أسبوع لاكتمال التحقيق بشأن تلك الفظائع، وتتضمن تحقيقاتها جمع الأدلة والشهادات والأقوال واستدعاء الأشخاص المعنيين. لكن قرار قائد الجيش واجه شكوكاً بسبب خلفية لجان التحقيق الكثيرة السابقة التي لم تُعلن نتائجها رغم مرور شهور وسنين عليها، مثل «لجنة التحقيق في انسحاب الجيش من مدينة ود مدني»، و«لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة». وفور إعلانه تشكيل تلك اللجنة، ضجت منصات التواصل الاجتماعي بأسئلة عن مصير تلك اللجان، وأيضاً مصير اللجنة المُعلنة مؤخراً عن الانتهاكات في ولاية الجزيرة.

احتجاج جوبا

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت في مدينة جوبا (أرشيفية - الرئاسة السودانية)

من جهة أخرى، استدعت وزارة الخارجية في جمهورية جنوب السودان السفير السوداني، وأبلغته احتجاجها على التعرض لرعاياها في مدينة ود مدني، استناداً إلى مقاطع فيديو أظهرت تعذيب مواطنين جنوبيين، وعمليات ذبح وقتل بالرصاص، وإلقاء أشخاص أحياء في النهر.

وطالبت خارجية جوبا باتخاذ إجراءات فورية وفعالة لحماية حقوق وكرامة رعايا جنوب السودان المتضررين في ولاية الجزيرة بوسط السودان، وقالت إنها تملك «تقريراً شاملاً من سفارتها في بورتسودان يحمل تفاصيل الخسائر في الأرواح بين المواطنين الجنوبيين».

وفي الأثناء، انتشرت شرطة جنوب السودان بكثافة في الطرق المؤدية إلى السفارة السودانية في العاصمة جوبا، الخميس، لمنع مجموعة من المحتجين الغاضبين من الوصول لمبنى السفارة السودانية، تنديداً بما تعرض له مواطنو جنوب السودان من انتهاكات في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. ودعا نشطاء آخرون لمظاهرة كبيرة أمام السفارة، يوم الجمعة.

واعتبر «الاتحاد الوطني لشباب جنوب السودان» اغتيال مواطنين جنوبيين امتداداً لـ«المشاهد المروعة التي تحتفظ بها ذاكرة شعب جنوب السودان والتي نفذها الجيش السوداني ضدهم خلال سنوات الحرب الأهلية». وقال «الاتحاد» في بيان: «ما زال الجنوبيون يتذكرون عمليات إحراق الأطفال والنساء وهم أحياء، وقتل كبار السن، وإبادة القرى والثروة الحيوانية، ونهب الموارد الغابية والمعدنية».

«مرتزقة أجانب»

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (أرشيفية - رويترز)

ودرجت الحكومة السودانية التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، على اتهام «قوات الدعم السريع» بتجنيد «مرتزقة أجانب»، بينهم مواطنون من دولة جنوب السودان. وتستضيف جنوب السودان نحو «مليون» لاجئ سوداني فروا من القتال بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، ولا تعاملهم الدولة بصفة لاجئين.

وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي السودانية مقاطع مصورة لجرائم ارتُكبت ضد مدنيين في ود مدني، تظهر جثث قتلى بثياب مدنية، وسط اتهامات بأن القتل يتم على «أسس عرقية».

وفي بيان صادر عن «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، حصلت «الشرق الأوسط» عليه، اعتبرت «الحركة» أن عمليات القتل التي تجري في ولاية الجزيرة تعد «جرائم إبادة جماعية وتصفية عرقية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مكتملة الأركان، ضد مواطنين تم استهدافهم على أساس الهوية الإثنية».

كما أدان تحالف «قوى الإجماع الوطني» ما حدث في مدينة ود مدني، ووصفه بأنه «جريمة يقشعر لها الوجدان»، ودعا لوقف الحرب عبر التفاوض، قائلاً إن «تجارب الحروب في السودان تؤكد أن لا منتصر في هذه الحرب».


مقالات ذات صلة

الخارجية السودانية تندد باجتماعات نيروبي والجيش يتوعد

شمال افريقيا ممثلون لأحزاب سياسية وقادة لحركات مسلحة خلال مشاركتهم في اجتماعات لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في السودان بنيروبي الثلاثاء (د.ب.أ)

الخارجية السودانية تندد باجتماعات نيروبي والجيش يتوعد

قللت «الخارجية» السودانية من اجتماعات جارية في «نيروبي» بكينيا، لتوقيع ميثاق يمهد الطريق لتشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع» في السودان.

أحمد يونس (نيروبي) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جنود سودانيون عند نقطة تفتيش بمدخل مدينة ود مدني التي استعادها الجيش السوداني (أ.ف.ب)

السودان: مجلسا السيادة والوزراء يوافقان على تعديل الوثيقة الدستورية

أعلن وزير الإعلام والثقافة السوداني، خالد الإعيسر، أن مجلس السيادة ومجلس الوزراء وافقا، الأربعاء، في اجتماع مشترك على تعديل الوثيقة الدستورية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» خلال لقاء يهدف إلى إنشاء حكومة في مركز المؤتمرات الدولية في كينياتا في نيروبي... كينيا 18 فبراير 2025 (أ.ب)

السودان ينتقد كينيا لتوفير منصة لـ«الدعم السريع» لإعلان حكومة موازية

اتهمت الحكومة السودانية كينيا بانتهاك سيادة السودان من خلال استضافة حدث يُرتقب أن تعلن خلاله «قوات الدعم السريع» حكومة موازية الجمعة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا ممثلون عن القوى السياسية والحركات المسلحة المشاركون في اجتماع نيروبي الثلاثاء (رويترز)

تأجيل توقيع ميثاق الحكومة الموالية لـ«الدعم السريع» إلى الجمعة

بدأت بالعاصمة الكينية نيروبي الثلاثاء، أعمال توقيع وثيقة الإعلان السياسي والدستور المؤقت للحكومة المزمع إقامتها على الأراضي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (نيروبي) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد خلال الاشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش في الخرطوم (رويترز) play-circle

السودان: هجمات «الدعم السريع» تودي بحياة المئات في ولاية النيل الأبيض

كشف مسؤولون سودانيون وجماعات حقوقية الثلاثاء أن هجمات «قوات الدعم السريع» شبه العسكرية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

​الأمم المتحدة تحذر من «تآكل وحدة» ليبيا

من جلسة مجلس الأمن حول ليبيا (المجلس)
من جلسة مجلس الأمن حول ليبيا (المجلس)
TT

​الأمم المتحدة تحذر من «تآكل وحدة» ليبيا

من جلسة مجلس الأمن حول ليبيا (المجلس)
من جلسة مجلس الأمن حول ليبيا (المجلس)

قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، أعضاء مجلس الأمن، الأربعاء، إن الانقسامات المتواصلة بين القوى المختلفة في ليبيا تهدد بـ«تآكل وحدة» هذا البلد العربي الأفريقي، داعية إلى «كسر الجمود السياسي وحل الأزمة الليبية الطويلة».

وكانت ديكارلو تطلع أعضاء مجلس الأمن على مجريات الوضع في ليبيا، غداة الذكرى السنوية الـ14 لـ«ثورة 17 فبراير» 2011، حيث أشارت إلى أن «حلم ليبيا بالمدنية والديمقراطية لم يتحقق بعد»، محذرة من أن «الانقسامات المتجذرة، وسوء الإدارة الاقتصادية، وانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، والمصالح الداخلية والخارجية المتنافسة لا تزال تعمل على تآكل وحدة ليبيا واستقرارها». وأكدت في هذا السياق أن «هناك حاجة ملحة لإحراز تقدم في ليبيا».

ديكارلو تحدثت عن جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمعالجة القضايا الخلافية بالتشريع الانتخابي (الشرق الأوسط)

وتحدثت ديكارلو عن جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومنها إنشاء لجنة استشارية من 20 شخصية ليبية لتقديم توصيات لـ«معالجة القضايا الخلافية في التشريع الانتخابي، التي منعت إجراء الانتخابات الوطنية». وقالت بهذا الخصوص إن البعثة تتخذ «خطوات لعقد حوار منظم بين الليبيين حول سبل معالجة محركات الصراع الطويلة الأمد، وتطوير رؤية شاملة من القاعدة إلى القمة لمستقبل بلادهم»، مؤكدة أن «الانقسامات والمنافسة على السيطرة على مؤسسات الدولة لا تزال تهيمن على المشهد سواء السياسي أو الاقتصادي الليبي».

ديكارلو أشارت إلى استمرار الخلافات على منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

في سياق ذلك، ذكرت ديكارلو باستمرار الخلافات على منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، على الرغم من أن «بعض أعضائه يحاولون تجاوز الانقسامات الحالية». ونبهت إلى أن «التسييس والانقسامات السياسية تعوق التقدم في المصالحة الوطنية»، مشيرة إلى أنه «رغم الاتفاق الذي يسّرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ديسمبر (كانون الأول) الماضي بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بشأن مشروع قانون للمصالحة الوطنية، فإن التعديلات اللاحقة على مشروع القانون من قبل البرلمانيين أثارت مخاوف بشأن استقلال لجنة المصالحة الوطنية المستقبلية». ولاحظت أيضاً استمرار الخلاف على ميثاق المصالحة، الذي اعتمد في 14 من فبراير (شباط) على هامش قمة الاتحاد الأفريقي الذي احتضنتها أديس أبابا.

كما تطرقت المسؤولة الأممية إلى «الانتخابات المحلية الناجحة»، التي أجريت حتى الآن، مشيرة في هذا السياق إلى أنه «على الصعيد الأمني، لا تزال نشاطات الجهات المسلحة غير التابعة للدولة، وشبه التابعة للدولة، تشكل تهديداً لاستقرار ليبيا الهش»، كما أشارت أيضا إلى إصابة وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، عادل جمعة، في هجوم مسلح على سيارته في العاصمة طرابلس، وإلى سيطرة الجيش الوطني الليبي على قاعدة عسكرية في جنوب البلاد.

ديكارلو لفتت إلى اكتشاف مقبرة جماعية في شمال شرقي ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)

في هذا السياق، عبرت ديكارلو عن «قلق بالغ» من «الاتجاه المستمر للاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري في جميع أنحاء ليبيا»، وناشدت السلطات الليبية «اتخاذ خطوات عاجلة لوقف هذه الممارسات». مطالبة بـ«وصول أوسع بكثير وإصلاحات منهجية لمساعدة نظام العدالة، والإصلاح الليبي على التوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان».

بهذا الخصوص، قالت ديكارلو إن «المهاجرين وطالبي اللجوء، وبينهم الأطفال، لا يزالون يواجهون انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في كل أنحاء ليبيا»، مؤكدة أن «الاكتشاف المثير للقلق والمأساوي للمقابر الجماعية، في أعقاب الغارات على مواقع الاتجار بالبشر، يسلط الضوء على الخطر الشديد الذي يواجهه المهاجرون في ليبيا». ولفتت في هذا السياق إلى اكتشاف مقبرة جماعية في شمال شرقي ليبيا، ومقبرة جماعية أخرى في الجنوب الشرقي، داعية إلى «إجراء تحقيق كامل ومستقل»، لأن هذا الأمر «بالغ الأهمية لتقديم الجناة إلى العدالة».

ديكارلو لفتت إلى اكتشاف مقبرة جماعية في شمال شرقي ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)

بخصوص الوضع السياسي، حذّرت ديكارلو من أن «الاستقرار الهش في ليبيا بات معرضاً للخطر بشكل زائد»، مؤكدة أن «قادة البلاد والجهات الفاعلة الأمنية فشلوا في وضع المصلحة الوطنية قبل منافستهم على المكاسب السياسية والشخصية». وحضت أعضاء المجلس على تقديم الدعم للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، المعينة حديثاً حنا تيتيه، التي ستباشر مهامها في طرابلس الخميس، سعياً إلى «كسر الجمود السياسي، وحل الأزمة الليبية المطولة، ودعم الشعب الليبي نحو توحيد مؤسسات ليبيا وإجراء انتخابات وطنية شاملة». مشيرة إلى أن الحل السياسي هو السبيل المناسب للاستقرار على المدى الطويل في ليبيا، ومؤكدة أن توحيد المؤسسات الليبية ضروري للمحافظة على وقف إطلاق النار في ليبيا.