لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

جل المواطنين يرون أن مظاهراتهم لا تحدث فارقاً ولا تؤدي لإزاحة السلطات

جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)
TT

لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)

شهدت بعض مناطق غرب ليبيا مظاهرات متكررة، بعضها كان خلال الأسبوع الماضي، وذلك على خلفية اتهام حكومة «الوحدة» المؤقتة بـ«التطبيع مع إسرائيل»، لكن هذه المظاهرات الاحتجاجية عادة ما تنتهي إلى «لا شيء»، بحسب تعبير مراقبين.

سياسيون ومراقبون يرون أن هناك عوامل عديدة ساعدت حكومة «الوحدة»، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، على امتصاص موجة الغضب الشعبي، التي انفجرت في أعقاب تصريحات وزيرة خارجيته المقالة، نجلاء المنقوش، حول لقائها بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في وقت سابق، والتي أكدت فيها أن اللقاء جاء وفق «تنسيق» حكومي.

قوات الأمن تحاول تفريق محتجين ضد الدبيبة في طرابلس (أ.ف.ب)

وتتنوع الآراء حول أسباب عدم تأثير هذه الاحتجاجات في السلطة الحاكمة، وفي هذا السياق يرى عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، أن جل الليبيين «يدركون مدى تباين دوافع المتظاهرين، المنقسمة ما بين أصوات وطنية ترفض التطبيع، وبين موالين لخصوم الدبيبة السياسيين، الذين يحاولون توظيف تصريحات المنقوش بهدف إسقاط حكومته»، معتقداً أن هذا بالتحديد «ما دفع قطاعاً كبيراً منهم للإحجام عن الالتحاق بتلك الاحتجاجات؛ ولذا انحسر وتقلص نطاقها بشكل سريع».

الدبيبة ووزير داخليته خلال حفل تخريج الدفعتين السابعة والثامنة من ضباط صف وزارة الداخلية (الوحدة)

وتكررت المظاهرات الاحتجاجية منذ تسلم الدبيبة السلطة في العاصمة طرابلس في فبراير (شباط) 2021. وكان أبرزها تلك التي حدثت في أعقاب إذاعة مقابلة المنقوش مع منصة إعلامية. وفي هذا السياق قال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن بعض المحتجين «تخوف من إمكانية استغلال خصوم الدبيبة، وتحديداً البرلمان والمتقاربين معه من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، لهذه الأجواء، ولذلك لم يستجب لدعوة منصات إعلامية وصفحات نشطاء للتظاهر، رغم شعوره بالاحتقان من تصريحات المنقوش».

وفي أول تعليق على المظاهرات التي خرجت ضده، اتهم الدبيبة بعض المتظاهرين بالحصول على «المال والمخدرات» من قوى محلية، لم يسمها، فيما طالب رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، باتخاذ الإجراءات القانونية ضد «الوحدة».

وزيرة خارجية حكومة الوحدة المقالة نجلاء المنقوش (أ.ب)

ووفقاً لرؤية معزب فإنه «رغم شعور عدد من المواطنين بالاحتقان من تصريحات المنقوش؛ فإنها فضلت التركيز على الدفع باتجاه إجراء انتخابات عادلة؛ كون هذا الإجراء قد يكون الحل الرئيس لإزاحة كافة السلطات المتصدرة للمشهد راهناً».

ويعد ملف تشكيل «حكومة جديدة» من القضايا الخلافية في ليبيا، حيث يتمسك البرلمان بها، تمهيداً لإجراء الانتخابات، لكن في المقابل يرفض الدبيبة القوانين الانتخابية التي أقرّها البرلمان، ويصفها بأنها «غير عادلة»، ويطالب بقوانين تُجرى على أساسها الانتخابات، وبعدها يُسلِّم السلطة.

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، اعتبر أن حكومة الدبيبة «نجت مجدداً من نيران» تصريحات المنقوش. وسلط محفوظ الضوء على «انحصار الاحتجاجات في المنطقة الغربية؛ وقلة عدد المشاركين فيها، مقارنة بمن شاركوا بالمظاهرات التي اندلعت قبل عام وأربعة أشهر عندما كشفت الصحافة الإسرائيلية في المرة الأولى عن تفاصيل عقد لقاء المنقوش وكوهين». وأرجع ذلك «لشعور قطاع كبير من المواطنين بأن مظاهراتهم السابقة في مواجهة تلك الحادثة، أو غيرها، لم تحدث فارقاً كبيراً، ولم تؤد في النهاية إلى إزاحة أي من السلطات المتصدرة للسلطة منذ سنوات».

هناك أساب أخرى لهذا الإحجام لعدم توسع دائرة الاحتجاجات، من بينها «التخوف من الاصطدام مع المجموعات المسلحة التابعة لحكومة الدبيبة؛ وتركيز الأسر الليبية على أوضاعهم المعيشية»، بحسب محفوظ الذي قال لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «للأسف فقد أفقد عدم تحديد موعد لإجراء الانتخابات منذ ثلاث سنوات قطاعات كبيرة من المواطنين اهتمامهم بالشأن السياسي، وباتوا يركزون أكثر على شؤونهم الخاصة، ويرون أن كل ما يحدث هو مجرد صراع بين القوى الرئيسة على السلطة، وأنهم لن يستفيدوا من ورائه شيئاً».

من جهته، اعتبر عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «خفوت الحراك الشعبي الغاضب لا يعني أن الاتهامات التي تواجه حكومة الوحدة بعقد لقاء مع مسؤول إسرائيلي سوف تتلاشى»، لافتاً إلى أن «تهمة التطبيع لا تسقط بالتقادم؛ وستظل وصمة عار تلاحق فترة حكم الدبيبة».

وذهب التكبالي إلى أن «استشعار قطاع من الليبيين بوجود مبادرة سياسية جديدة للبعثة الأممية قد تؤدي لإزاحة كافة الأجسام والسلطات الراهنة، بما فيها حكومة الوحدة بعد فترة زمنية، ربما أقنع بعضهم بأن الأمر لا يستحق التظاهر ضدها». مبرزاً أنه سيتقدم مع بعض النواب البرلمانيين الجلسة المقبلة بتساؤل حول أسباب عدم اتخاذ النائب العام، الصديق الصور، أي تحرك قانوني بشأن ما تحدثت عنه المنقوش في لقائها الذي عقد في العاصمة الإيطالية روما قبل أكثر من عام.

النائب العام الصديق الصور (الشرق الأوسط)

وكانت العاصمة طرابلس قد شهدت عدة مظاهرات، من بينها الاحتجاجات التي دعا إليها «تيار بالتريس» في العاصمة، تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية، بالإضافة إلى مظاهرات عديدة طالبت بطرد القوات الأجنبية و«المرتزقة»، لكنها انتهت إلى «لا شيء».


مقالات ذات صلة

البعثة الأممية تدعو لـ«تحقيق فوري» في تعذيب محتجزين شرق ليبيا

شمال افريقيا  القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)

البعثة الأممية تدعو لـ«تحقيق فوري» في تعذيب محتجزين شرق ليبيا

دعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، اليوم الأربعاء، للتحقيق في «مقاطع فيديو متداولة، تُظهر تعذيب وسوء معاملة لعدد من المحتجزين في سجن قرنادة».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

إردوغان يبحث مستجدات الأزمة الليبية مع رئيس «الوحدة»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، تناولت المستجدات في ليبيا، والعلاقات التركية - الليبية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

يرجع متابعون أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة وفي طليعتها طرابلس وبنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا تدشين أولى رحلات الخطوط التركية بعد غياب دام سنوات (حكومة شرق ليبيا)

تركيا تواصل انفتاحها على شرق ليبيا بتدشين رحلات إلى بنغازي

دشنت وزارة الطيران المدني بحكومة شرق ليبيا وأعضاء بمجلس النواب وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية مراسم عودة الرحلات الجوية بين تركيا وبنغازي بعد توقف دام سنوات

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)

ليبيا: مطالب بالتحقيق في وقائع «تعذيب» بسجن خاضع لنفوذ حفتر

أدانت حكومة «الوحدة» الليبية على لسان وزارة العدل التابعة لها، «استمرار ممارسات التعذيب والإخفاء القسري» في إشارة إلى تسريبات سجن قرنادة في شرق ليبيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

باريس: لا مصلحة لفرنسا والجزائر في تكريس «توتر دائم» بينهما

وزير الخارجية الفرنسي أكد أن بلاده «ليس لديها أي مصلحة في تكريس توتر دائم» مع الجزائر (الرئاسة الجزائرية)
وزير الخارجية الفرنسي أكد أن بلاده «ليس لديها أي مصلحة في تكريس توتر دائم» مع الجزائر (الرئاسة الجزائرية)
TT

باريس: لا مصلحة لفرنسا والجزائر في تكريس «توتر دائم» بينهما

وزير الخارجية الفرنسي أكد أن بلاده «ليس لديها أي مصلحة في تكريس توتر دائم» مع الجزائر (الرئاسة الجزائرية)
وزير الخارجية الفرنسي أكد أن بلاده «ليس لديها أي مصلحة في تكريس توتر دائم» مع الجزائر (الرئاسة الجزائرية)

اعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، اليوم الأربعاء، أن فرنسا والجزائر «ليس لديهما أي مصلحة في تكريس توتر دائم» بينهما، رغم تراكم الأزمات في الأسابيع الأخيرة.

ورداً على سؤال بهذا الصدد في الجمعية الوطنية، أكد بارو، بحسب تصريحات نقلتها «وكالة الأنباء الفرنسية»، أنه «مستعد للذهاب إلى الجزائر لبحث كل القضايا، وليست فقط تلك التي وردت في الأخبار خلال الأسابيع الأخيرة». مجدداً القول إن «فرنسا والجزائر ليس لديهما أي مصلحة في تكريس توتر دائم» بينهما.

وتشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر، أزمات جديدة مع توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا، بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري - فرنسي في العاصمة الجزائرية.

وفي سياق التعاون الأمني المتوقف بين البلدين منذ الصيف الماضي، توجه نيكولا ليرنر، مدير جهاز الأمن الخارجي، إلى العاصمة الجزائرية، الاثنين، وفق ما أكدت صحيفة «لو فيغارو» الأربعاء.

ورأت الصحيفة في هذه الزيارة «إشارة إيجابية، ورغبة في وقف دوامة التوتر بين باريس والجزائر، وإبقاء بعض القنوات مفتوحة».