الجزائر: إقصاء المعتقلين بتهم «التآمر والخيانة» من العفو الرئاسي

الاستثناءات شملت أيضاً ناشطين على صلة بـ«العشرية السوداء»

الرئيس أصدر عفواً لصالح 2741 سجيناً عشية العام الجديد (الرئاسة)
الرئيس أصدر عفواً لصالح 2741 سجيناً عشية العام الجديد (الرئاسة)
TT

الجزائر: إقصاء المعتقلين بتهم «التآمر والخيانة» من العفو الرئاسي

الرئيس أصدر عفواً لصالح 2741 سجيناً عشية العام الجديد (الرئاسة)
الرئيس أصدر عفواً لصالح 2741 سجيناً عشية العام الجديد (الرئاسة)

تضمن عفو رئاسي لصالح 2471 سجيناً، صدر بالجزائر عشية العام الجديد، استبعاد عدد كبير من نزلاء المؤسسات العقابية لاتهامهم بـ«التآمر على سلطة الدولة»، و«تلقي تمويلات من الخارج بغرض تقويض الأمن في الداخل»، و«المس بالسلامة الترابية للبلد»، كما شملت الاستثناءات ناشطين على صلة بما يُعرف بـ«العشرية السوداء».

ومن أهم ما يلفت في مرسوم العفو، الصادر يوم الثلاثاء في الجريدة الرسمية، أنه يُخيّب آمال فئة كبيرة من المعتقلين، الذين أمضوا أكثر من 30 عاماً خلف القضبان، والذين يتجاوز عددهم 170، وفق ما أفادت عائلاتهم ومهتمون بهذه القضية.

وينتمي هؤلاء الأشخاص إلى «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، التي حلّتها السلطات بقرار قضائي عام 1992، وسجنت المئات من كوادرها ومناضليها بتهم «الإرهاب». ومنذ ذلك الوقت، عرفوا بـ«مساجين العشرية السوداء»، وهي فترة ميّزها اقتتال عنيف بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية، خلّف 150 ألف قتيل حسب الحكومة.

عدد من مساجين «جبهة الإنقاذ الإسلامية» (متداولة)

كما يوجد استثناء آخر يتعلق بالمعتقلين الإسلاميين من مرحلة الإرهاب؛ حيث جرى استبعادهم تماماً من أي أمل في العفو بموجب «قانون المصالحة»، الذي صدر عام 2006، والذي يسميه مرسوم العفو الرئاسي، وهم سجناء متهمون بـ«الاغتصاب»، و«وضع المتفجرات في الأماكن العامة»، وذلك في الفترة التي تميّزت بنشاط تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» (نشأ في 1998)، والذي تحول عام 2007 إلى «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي».

يشار إلى أن «قانون المصالحة» لم يذكر بالاسم الأشخاص، الذين يقعون تحت طائلة العقوبات الواردة فيه؛ لذلك احتج الإسلاميون ضده بدعوى أنه «يُشكل تجاوزاً خطيراً، كونه ينص على عقوبة جماعية، في حين بالأصل أن تكون فردية». ويمكن أن يطال القانون صحافياً أو كاتباً خاض في «العشرية السوداء» بالكتابة أو التصريح، لأن السلطات حريصة على طي هذه الصفحة نهائياً.

وقد منعت الحكومة في المدة الأخيرة تداول كتاب «حوريات»، للروائي الجزائري الفرنسي كمال داوود، الحائز بفضله جائزة «غونكور» الأدبية لعام 2024، لأن قصته «تفتح جراح (العشرية السوداء)».

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كما يقصي المرسوم مساجين يدخلون ضمن نص تشريعي يتعلق بمكافحة الإرهاب والتخريب، صدر عام 1992، وهم المتهمون بـ«ارتكاب أو محاولة ارتكاب جرائم»، يحيلها مرسوم العفو إلى قانون العقوبات، وتحديداً «المادة 87 مكرر» الشهيرة، التي تعاقب جميع الاعتداءات على أمن الدولة.

وتم إفراغ تهم هذا النص بالتحديد على الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، المسجون منذ شهرين على ذمة التحقيق، والذي تطالب باريس بالإفراج عنه، وهو ما كان سبباً في مزيد من التصعيد في العلاقات بين البلدين.

سكرتير رئيس أركان الجيش سابقاً متهم بالخيانة (متداولة)

وتتضمن لائحة الاستثناءات أيضاً المتهمين بـ«جرائم الخيانة والتجسس والتقتيل، والهروب والتواطؤ على الهروب». وتحيل إلى بعض العسكريين المساجين، أبرزهم قرميط بونويرة، السكرتير الخاص سابقاً لرئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح. فبعد هروبه إلى تركيا نهاية 2019، خوفاً من الملاحقة، بعد وفاة قايد صالح، تسلمته السلطات من أنقرة في صيف 2020، وأودعته السجن العسكري بتهمة «الخيانة»، و«بيع أسرار الدولة للأجانب». كما تشمل هذه التهم العسكريين محمد عبد الله، ومحمد بن حليمة، اللذين سلمتهما إسبانيا إلى الجزائر في 2022.

وتغطي استثناءات العفو الرئاسي أيضاً التهم المتعلقة بـ«الاعتداءات والمؤامرات ضد سلطة الدولة، وسلامة ووحدة أراضي الوطن»، و«تلقي أموال من مصادر خارجية بقصد المساس بالأمن والاستقرار، وكذلك الوحدة الترابية والسلامة الوطنية، أو بالمصالح الأساسية للجزائر». والمعنيون بهذه التهم هم ناشطون في تنظيمات مصنفة إرهابية، مثل «رشاد» الإسلامي و«حركة الحكم الذاتي في القبائل».


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية والجزائر يبحثان التطورات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان والوزير أحمد عطّاف (الخارجية السعودية)

وزيرا خارجية السعودية والجزائر يبحثان التطورات الإقليمية

بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الجزائري أحمد عطّاف، التطورات الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا 
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو (رويترز)

فرنسا تبحث خيارات الرد على «الإذلال» الجزائري

تتوجه الأنظار في فرنسا نحو البرلمان لتلمس المسار الذي ستسلكه الأزمة الفرنسية - الجزائرية بمناسبة الكلمة المرتقبة، اليوم، لرئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو؛ حيث.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا وزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان خارجاً من قصر الإليزيه في 8 الجاري ويتبعه وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو (رويترز)

فرنسا تبحث خيارات الرد على ما تعده «إذلالاً» جزائرياً

فرنسا تبحث خيارات الرد على ما تعده «إذلالاً» جزائرياً، وزراء وسياسيون فرنسيون يعرضون مروحة واسعة لـ«الانتقام من الإهانة» التي لحقت ببلادهم.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا جولة حوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

قيود جديدة تثير الجدل بين القوى السياسية في الجزائر

يفرض المشروع على الأحزاب «اعتماد الديمقراطية» في انتخاب قياداتها. وتنص «المادة 37» على أن «مدة الولاية القيادية لا تتجاوز 5 سنوات، مع إمكانية التجديد مرة واحدة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قائد كتلة حزب الرئيس ماكرون بالبرلمان يلوّح بعقوبات تجارية ضد الجزائر (متداولة)

حرب بيانات جزائرية ــ فرنسية

تتجه الأزمة السياسية بين الجزائر وفرنسا إلى مزيد من التصعيد، خصوصاً أن مسؤولين فرنسيين هددوا بفرض ضغوط اقتصادية ضد المستعمرة السابقة، يجري بحثها في إطار.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)
ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)
TT

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)
ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

يترقب الليبيون المرحلة الثانية من الاقتراع على المجالس المحلية، نهاية يناير (كانون ثاني) الحالي، في عملية تبدو «أكثر تعقيداً» من سابقتها التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بحسب «المفوضية العليا للانتخابات»، وسط تحديات أمنية تهيمن على المشهد الليبي، وفق مراقبين.

وجاء الإقرار الرسمي بأن المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية ستكون ساخنة من زاوية «لوجيستية»، خصوصاً مع «زيادة أعداد الناخبين ومراكز الاقتراع ثلاثة أضعاف ما كان بالمرحلة الأولى»، حسب تصريحات رئيس المفوضية عماد السايح، الذي لم يحدد موعد إجرائها بعد، لكنه رأى ضرورة «توفير الدعم اللازم لها».

رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات عماد السايح (مفوضية الانتخابات)

ومن المقرر أن تُجرى انتخابات المرحلة الثانية في 63 بلدية، منها 41 بلدية في المنطقة الغربية، و13 بلدية بالمنطقة الشرقية، إضافة إلى 9 بلديات في المنطقة الجنوبية، حسب قرار صادر عن المفوضية الأسبوع الماضي.

ويرصد المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية، كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة، وفي طليعتها طرابلس وبنغازي»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى رغبة المفوضية في «الذهاب بعيداً لإنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي».

وفي 16 نوفمبر الماضي أجريت انتخابات المجموعة الأولى في 58 بلدية، شهدت إقبالاً كبيراً بلغ 74 في المائة من إجمالي عدد من يحق لهم التصويت، بحسب بيانات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

وفي المنطقة الشرقية، أعلن رئيس المفوضية عماد السايح عن بدء الاستعدادات للجولة الثانية من الانتخابات، بلقاء مع مسؤولي مكاتب الإدارة الانتخابية، واطمأن إلى استكمال « التحضيرات اللازمة لتنظيم الانتخابات وفق أعلى معايير الشفافية والنزاهة».

رئيس البرلمان عقيلة صالح لدى الإدلاء بصوته في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

وبخصوص الإجراءات الأمنية، أكد وزير الداخلية بحكومة شرق ليبيا، اللواء عصام أبو زريبة، أن «إدارة حماية وتأمين الانتخابات على أتم الاستعداد دائماً للتنسيق لإجراء أي اقتراع، من خلال غرف أمنية خاصة بها في المناطق كافة».

وبهذا الخصوص قال أبو زريبة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مستعدون للانتخابات دائماً، ونجدد نشاط منتسبينا من خلال عقد ورش العمل الخاصة بالشأن ذاته لرفع مستوى الأداء».

ومع ذلك، فإن ناشطين ومتابعين عبّروا عن مخاوف مما وصفوها بـ«توترات قبلية» في شرق ليبيا واكبت الجولة الأولى، الأمر الذي نفاه أبو زريبة قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنه «صراع ديمقراطي تنافسي بين مكونات المجتمع، كون التركيبة السكانية قبلية».

في المقابل، يبدو التحدي الأمني أكثر وضوحاً في المنطقة الغربية، حسب متابعين، ومثال على ذلك فإنه من المقرر أن تُجرى الانتخابات في 5 دوائر انتخابية تابعة لمدينة الزاوية، علماً بأنها تشهد عملية عسكرية «مثيرة للجدل» ضد ما وصفتها حكومة غرب ليبيا ضد «أوكار مخدرات وتهريب وقود».

وازداد الغموض والتساؤلات بعد مظاهرات اندلعت في مدن بغرب ليبيا هذا الأسبوع، عقب بث اعتراف نجلاء المنقوش، في لقاء تلفزيوني بتفاصيل اجتماعها السري في إيطاليا، العام قبل الماضي، مع نظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين.

وفي هذا السياق، أبدى المحلل السياسي، أيوب الأوجلي، قلقاً مما عدّها «مجموعات مسلحة تأتمر بأمر قادة سياسيين يسيطرون على المشهد»، ولم يستبعد أن «تقف هذه المجموعات في وجه إجراء هذه الانتخابات، والاستفادة من الثغرات الأمنية لعرقلتها»، وفق رؤيته.

مسن ليبي يدلي بصوته في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

وقال الأوجلي إن عقد الانتخابات «سيبطل حالة القوة القاهرة، التي منعت إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال 2021، ومن ثم يهدد استمرار هؤلاء القادة السياسيين في المشهد الليبي».

في مقابل التحديات السياسية أو الأمنية التي لازمت الحالة الليبية منذ 2011، تتمسك الأكاديمية والباحثة أمل العلوي بـ«بالتفاؤل»، استناداً إلى «نجاح المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، ووصول من يمثلون شرائح كثيرة إلى تمثيل ناخبيهم في المجالس، بما يعزز الاستقرار».

وقالت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن نجاح الجولة الأولى هو «مدعاة للتفاؤل بالمضي خطوات عملية وجادة نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي يطمح لها كل الليبيين».

يُشار إلى أن الجولة الأولى من الاقتراع البلدي مضت على «نحو سلس ودون تسجيل خروقات بالمنطقة الغربية»، وفق وصف وزير الداخلية المكلف في حكومة غرب ليبيا، عماد الطرابلسي، ولقيت إشادة من نائبة المبعوث الأممي، ستيفاني خوري في لقاء مع الطرابلسي الشهر الماضي.

ووفق مراقبين، لا تبدو الصورة قاتمة في مجملها، إذ يراهن البعض على الدعم الدولي الواسع من قبل مجلس الأمن والبعثة الأممية، والدول الكبرى للجولة الأولى للانتخابات المحلية، وهو ما عدّه الأوجلي «بصيص أمل» نحو نجاح مساعي الاحتكام لصندوق الاقتراع.

جانب من عمليات الإشراف على نجاح الجولة الأولى من الانتخابات البلدية السابقة (مفوضية الانتخابات)

وعلاوة على ذلك، هناك أيضاً الدعم القبلي لهذه الانتخابات، وهو ما أظهره ملتقى رعاه المجلس الرئاسي الأسبوع الماضي لأعيان وحكماء ومشايخ ليبيين، رأوا في الاقتراع البلدي «مؤشراً على رغبة الليبيين في تحقيق الاستقرار».