«تسريع مفاوضات» الصومال وإثيوبيا... اختبار لسياسة خفض التوتر بـ«القرن الأفريقي»

مقديشو وأديس أبابا قررتا استعادة التمثيل الدبلوماسي

لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

«تسريع مفاوضات» الصومال وإثيوبيا... اختبار لسياسة خفض التوتر بـ«القرن الأفريقي»

لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)
لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)

مؤشرات على التفاهم، بعد عام من الخلافات، انتهى إليه اجتماع بأديس أبابا بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تضمنت استعادة التمثيل الدبلوماسي، وتسريع وتيرة «مفاوضات المصالحة» بين الجارتين الأبرز بمنطقة القرن الأفريقي.

ذلك الاجتماع الذي جرى، السبت، في العاصمة الإثيوبية، جاء ضمن مباحثات إعلان أنقرة، الذي جرى في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويُعد «اختباراً جديداً» للتوتر بين الصومال وإثيوبيا، وفق تقديرات خبراء في الشؤون الأفريقية تحدّثوا، لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدين أن «مثل هذه الاجتماعات ستبقى مجرد مُسكّنات، في حال لم تطبَّق مُخرجاتها بشكل سريع وجاد».

وتعهَّد الاتفاق، الذي رعته تركيا، الشهر الماضي، بين الصومال وإثيوبيا، بإنهاء الخلاف والذهاب إلى محادثات، في نهاية فبراير (شباط) المقبل؛ بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون 4 أشهر، بمساعدة تركية، في ظل رفض مقديشو توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

وعقب لقاء الرئيس الصومالي، بآبي أحمد، في أديس أبابا، صدر بيان مشترك بين البلدين، يؤكد اتفاق الجانبين على استعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل بين أديس أبابا ومقديشو، والتعاون الاقتصادي والأمني، والتزامهما بإعلان أنقرة وروح الصداقة والتضامن وتسريع المفاوضات الفنية المنصوص عليها في إعلان أنقرة.

الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن «إثيوبيا لها هدفان: الأول تشكيك وتفكيك التحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، والثاني خفض التوترات ضدها»، مُرجّحاً «أن تكون تلك المحادثات تخديراً من إثيوبيا للمشاكل دون حل في النهاية».

في حين عَدَّ المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «هذا الاتفاق يمثل خطوة إيجابية نحو تحسين العلاقات بين البلدين، وقد يؤدي إلى خفض التوتر بينهما، وكذلك بمنطقة القرن الأفريقي»، موضحاً: «لكن كل هذا يحتاج إلى متابعة عملية وتنفيذ واقعي، ومن ثم سيكون القادم اختباراً حقيقياً لما جرت صياغته في البيان المشترك».

وتُعد زيارة حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا هي الأولى بعد نحو شهر من توقيع إعلان تفاهمات بوساطة تركية، وسبق أن زار وفد حكومي صومالي، برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية، علي بلعد، أديس أبابا، الشهر الماضي؛ بهدف «متابعة تنفيذ اتفاق أنقرة وتعزيز العلاقات»، وفق ما ذكرته «وكالة الأنباء» الصومالية.

وباعتقاد مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، فإن الزيارة الرئاسية الصومالية تحمل أبعاداً أكبر من «الاتفاق على تسريع مفاوضات البلدين»، موضحاً أن «مقديشو تجسُّ نبض أديس أبابا ونياتها، وتريد أن تختبر مدى إمكانية أن تُوقف أديس أبابا دعمها للتحركات المزعزعة للاستقرار في الصومال، خاصة في ظل وجود مشاكل داخلية بمعظم الأقاليم مثل إقليم غوبالاند وبونتلاند؛ وهما إقليمان يتلقيان دعماً عسكرياً من إثيوبيا».

ويتوقف مستقبل تلك الزيارة على «مدى إمكانية تطبيق مُخرجاتها بشكل سريع، يُظهر للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية أن هناك نية حسنة من البلدين لتعزيز السلام والتعاون»، وفق تقديرات عبد الولي جامع بري.

أما الأكاديمي الصومالي المختص في منطقة القرن الأفريقي، علي محمود كلني، فيرى أن ما جرى التوصل إليه بين الصومال وإثيوبيا يُظهر مرة أخرى أن البلدين أصبحا أقرب من ذي قبل، ويبدو أنه «جرى التوصل إلى حل لنقاط بعض الخلافات الحاسمة، وهذا سيكون له دور كبير في خفض التوتر بين البلدين، ومن ثم ستطول تداعياته جميع دول المنطقة».

وأكد كلني أن «الفترة المقبلة ستشهد تقييماً لمدى التزام البلدين ببنود الاتفاق وتنفيذها»، حيث إن «هناك نفوذاً وتدخلات خارجية مباشرة في كل الاتفاقيات السابقة، بعضها عرقل إتمامها، وأخرى أسهم في تطبيقها».


مقالات ذات صلة

قائد جيش نيجيريا: استسلام 120 ألف مسلّح من «بوكو حرام» نصفهم أطفال

أفريقيا جنود من الجيش النيجيري خلال عملية عسكرية ضد «داعش» (صحافة محلية)

قائد جيش نيجيريا: استسلام 120 ألف مسلّح من «بوكو حرام» نصفهم أطفال

شنت جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «داعش» هجوماً إرهابياً على مجموعة من المزارعين في ولاية بورنو، شمال شرقي نيجيريا، وقتلت أكثر من 40 مزارعاً.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا رئيس الوزراء الإثيوبي خلال استقبال الرئيس الصومالي في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس الصومال في إثيوبيا... هل تذيب الزيارة الخلافات؟

زيارة رسمية للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا، تلبية لدعوة من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بهدف «تعزيز التعاون».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اتفاق على عقد جولة ثانية من القمة الرئاسية بين مصر وإريتريا والصومال في «وقت قريب» (الخارجية المصرية)

محادثات مصرية - صومالية - إريترية لتعميق التعاون في «القرن الأفريقي»

الاجتماع الوزاري الأول جاء بناء على نتائج «قمة أسمرة الثلاثية» التي عقدت في أكتوبر الماضي بين رؤساء مصر وإريتريا والصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ملف المياه تصدر محادثات وزير الخارجية المصري ووزير التجارة والصناعة بجنوب السودان (الخارجية المصرية)

مصر تشدد على أهمية أمنها المائي في ظل تواصل نزاع السد الإثيوبي

شددت مصر على «أهمية أمنها المائي»، ودعت مجدداً إلى «ضرورة احترام قواعد القانون الدولي، والالتزام بمبدأ التوافق بين دول حوض النيل».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا وحدة خاصة من قوة عسكرية شكلتها نيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر وبنين لمواجهة «بوكو حرام» (القوة العسكرية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام»)

نيجيريا تتحدث عن «دول» تمول الإرهاب وتدعو إلى «تحقيق» أممي

أعلنت دول حوض بحيرة تشاد القضاء على المئات من مقاتلي جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «داعش»، ورغم ذلك لم تتوقف الهجمات الإرهابية في المنطقة.

الشيخ محمد (نواكشوط)

أنباء عن تنكيل جماعي بعشرات المدنيين في ولاية الجزيرة السودانية

سودانيون يفرون من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة (أ.ف.ب)
سودانيون يفرون من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة (أ.ف.ب)
TT

أنباء عن تنكيل جماعي بعشرات المدنيين في ولاية الجزيرة السودانية

سودانيون يفرون من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة (أ.ف.ب)
سودانيون يفرون من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

انتشرت مقاطع فيديو صادمة على منصات التواصل الاجتماعي توثق عمليات تنكيل جماعي بمدنيين على أيدي عناصر ترتدي أزياء الجيش السوداني، في مناطق متفرقة من ولاية الجزيرة وسط السودان، التي استردها الجيش والفصائل المسلحة المتحالفة معه، السبت الماضي.

واستهدفت تلك الارتكابات، بشكل مقصود مجموعات عرقية وإثنية من أصول أفريقية أغلبهم من سكان «الكنابي» الذين استوطنوا ولاية الجزيرة منذ عقود طويلة، بمزاعم أن هذه المجموعات تتعاون وتخابر مع «قوات الدعم السريع».

وقلّلت القوات المسلحة السودانية (الجيش) من عمليات القتل الواسعة، التي نفذها رجال بثياب عسكرية، ضد مدنيين في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة تحت ذريعة «التعاون» مع «قوات الدعم السريع»، وتضمنت القتل «ذبحاً وحرقاً» وإطلاق الرصاص على الرؤوس، والإلقاء في مياه النيل الأزرق، وعدّها «تجاوزات فردية» في بعض المناطق عقب ما سماه «تطهير» مدينة ود مدني.

مواطنون ينزحون من مدينة ود مدني السودانية من جراء الحرب بين «قوات الدعم» والجيش (أ.ف.ب)

وأدان بيان صادر عن مكتب الناطق الرسمي للجيش، الثلاثاء، تلك الجرائم، وقال: «إن القوات المسلحة السودانية ملتزمة بصرامة بالقانون الدولي، وحريصة على محاسبة كل من يتورط في أي تجاوزات تطول أي شخص من الكنابي و قرى الولاية طبقاً للقانون»، لكنه لم يشر إلى تشكيل لجان تحقيق.

واتهم الجيش جهات لم يسمها، «بالتربص بالبلاد، ومحاولة استغلال أي تجاوزات فردية لإلصاقها بالقوات المسلحة والقوات المساندة لها، في الوقت الذي تلوذ بالصمت حيال جرائم الحرب المستمرة والمروعة التي ترتكبها ميليشيا آل دقلو الإرهابية ضد المدنيين»، مشيراً إلى أنه ينسق مع لجنة أمن الولاية لمتابعة الحالة الأمنية في ولاية الجزيرة.

وقبل أن يفيق السودانيون من صدمة مقتل العشرات من سكان قرية طيبة «كمبو 5» وبينهم أطفال وكبار في السن، بالقرب من بلدة أم القرى شرق الجزيرة، بدوافع عرقية، على أيدي مقاتلين لإحدى الفصائل التي تحارب إلى جانب الجيش، توالت عمليات القتل الجماعي في مناطق أخرى بالولاية.

أجبرت الاشتباكات آلاف السوادنيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)

وأظهر تسجيل مصور، عناصر من «كتيبة البراء بن مالك»، أبرز الجماعات الجهادية المتطرفة، وهي تلقي بأحد الشباب من أعلى «جسر حنتوب» إلى نهر النيل الأزرق، وهم يطلقون عليه وابلاً من الرصاص، ويرددون شعارات.

بدورها، اتهمت «قوات الدعم السريع» قوات «الحركة الإسلامية الإرهابية» بارتكاب جرائم تطهير عرقي والقتل على أساس الهوية واللون في ود مدني والكنابي، أسفرت عن تصفية وإعدام المئات، بجانب عمليات الاحتجاز القسري والتعذيب والاعتداء على النساء وإذلال كبار السن.

وقالت في بيان على منصة «تلغرام» إن «توثيق جنود القوات المسلحة السودانية والميليشيات التابعة لها، من كتائب الحركة الإسلامية والفصائل الأخرى، للجرائم بحق المدنيين التي شملت إطلاق النار والذبح، يشكل أدلة مكتملة الأركان لإدانة سلوك هذه الجماعات المتطرفة».

واتهم البيان، الجيش وميلشياته بارتكاب «جرائم إبادة جماعية»، واتباع استراتيجية «تهدف لتفريغ بعض المناطق من سكانها، عبر التهجير القسري، الذي يتخذ أبعاداً إثنية وفق خطة ممنهجة تمثلها جرائم التطهير العرقي الجارية حالياً، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد».

نساء وأطفال في مخيم للنازحين أقيم في مدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)

ووثقت هيئة «محامو الطوارئ» (منظمة حقوقية) أكثر من 7 تسجيلات مصورة، قالت إنها «لانتهاكات وتصفيات عرقية في ولاية الجزيرة»، وأفادت عضو المكتب التنفيذي بالمنظمة، رحاب مبارك، في بيان، بأن «هذه الفيديوهات التي تم رصدها، توثق للمجازر العرقية، وكل انتهاك يحدث في الولاية الوسطية».

وبدورها، قالت هيئة «محامو دارفور» (حقوقية تطوعية) إنها تتحقق من عشرات مقاطع الفيديو لعمليات قتل وذبح وحرق وإحراق، تلقتها من جهات عديدة، بجانب قائمة بأسماء 128 شخصاً، قتلوا عقب استرداد الجيش لمدينة ود مدني.

وسيطرت «قوات الدعم السريع» على مدينة ود مدني في ديسمبر (كانون الأول) 2023، بعد انسحاب قوات الفرقة الأولى مشاة التابعة للجيش منها، وظلت تحت سيطرتها طوال عام واجهت خلاله أيضاً اتهامات بارتكاب انتهاكات كبيرة ضد المدنيين... ثم استعاد الجيش المدينة 11 يناير (كانون الثاني) الحالي، دون خوض معارك كبيرة.