«البتكوين» في مصر... تداول غير رسمي وملاحقات «أمنية ودينية»

«الإفتاء» تحذر من التعامل بها

التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)
التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)
TT

«البتكوين» في مصر... تداول غير رسمي وملاحقات «أمنية ودينية»

التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)
التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)

تطفو تحذيرات في مصر بين فترة وأخرى من تداول العملات الرقمية المشفرة «البتكوين»، المجرّمة قانوناً، آخرها لمسؤول بدار الإفتاء المصرية حذر من التعامل بها باعتبارها «تفتقر الشرعية والحماية القانونية التي توفرها البنوك المركزية للعملات الرسمية».

و«البتكوين» عملة إلكترونية مشفرة يتم استبدالها بالعملات الرسمية كالدولار واليورو، ويتم التعامل بها عبر شبكة الإنترنت من خلال محفظة مالية تخص المتعامل بها، وتكون له السيطرة الكاملة عليها عن طريق اسم مستخدم ورقم سرى خاص.

ويبلغ سعر عملة «البتكوين» الواحدة (الاثنين) 101 ألف دولار، ويمكن التداول على أجزاء منها، إذ تضم العملة الواحدة نحو 100 مليون «ساتوشي» (الوحدة الأصغر في البتكوين)، وفق مواقع مالية عالمية.

ولا توجد إحصائية بحجم سوق تداول «البتكوين» في مصر، لكن مؤشرات عدة تعكس وجود هذه السوق، واتساعها، من بينها حملات أمنية أوقفت على مدار السنوات الماضية، عشرات المتهمين بالاتجار بها أو تعدينها، وهي عملية تكنولوجية يتم بموجبها توليد هذه العملات، وتحتاج إلى مصادر ضخمة من الطاقة.

وتمكنت الأجهزة الأمنية المصرية خلال عام 2021 فقط من ضبط 6 تشكيلات ترتبط بالعملات الرقمية، بين تداول ووساطة في التداول وتعدين، موجودة في القاهرة وعدة محافظات أخرى، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية.

وفي مارس (آذار) من عام 2023، ضبطت القوات الأمنية شبكة نصبت على عشرات من المصريين، عبر تطبيق يدعى «هوج بول»، بعد الاستيلاء على 19 مليون جنيه (بلغ سعر الدولار الرسمي وقتها نحو 31 جنيهاً) بدعوى استثمار أموالهم في العملات الرقمية.

وعقب إسقاط الشبكة أصدر البنك المركزي المصري تحذيره من التداول فيها، قائلاً في بيان إنه «يهيب بالسادة المواطنين عدم الانصياع لمثل هذه الدعوات الاحتيالية والأنشطة المجرمة قانوناً وفقاً لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020».

ويؤكد المحلل المالي المصري هشام حمدي أنه «لا يمكن تتبع حجم هذه السوق غير الشرعية، لكنها موجودة بالفعل»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها «تجتذب أشخاصاً جدداً في ظل قدرة البعض على تحقيق مكاسب كبيرة وسريعة»، كما أنه «يظل سوقاً دون رقابة مباشرة، فلا أحد يسأل من أين لك هذا؟».

«مراد محروس» (اسم مستعار)، واحد ممن يتداولون في هذه السوق بمصر، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «يتابع هذه العملات منذ ظهرت لأول مرة، وكان يتم التداول بها في أعمال مشبوهة مثل المخدرات والسلاح، وأنه لم يتجرأ على شرائها سوى في عام 2019، حين تحسنت سمعتها».

وبدأت إحدى بورصات شيكاغو الأميركية التداول لأول مرة بعملة «البتكوين» في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017. وفي عام 2019 اعترفت دولة سلفادور بالعملة المشفرة، كعملة قانونية فيها، إلى جوار الدولار.

وشهدت سوق العملات المشفرة انتعاشة بفوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بولاية ثانية، إذ كان قد أعلن نيته خلال ترشحه رعاية تعدينها في الولايات المتحدة وإنشاء مخزون استراتيجي منها.

اشترى «محروس» لأول مرة عملة رقمية شقيقة لـ«البتكوين»، تسمى «إيثر يوم» بـ400 دولار، ويحتفظ بعملاته على أمل أن يقفز سعرها ويحقق ثراءً، وهو من أسرة متوسطة، أربعيني، لديه عائلة مكونة من 4 أفراد.

لا يستطيع «محروس»، الذي يضارب في البورصة أيضاً بمبالغ محدودة، ويحقق أحياناً مكاسب، أن يُقدّر حجم سوق العملات الرقمية في مصر، لكنه يؤكد بحكم تعاملاته أنها ليست محدودة، يقول: «أي وقت تريد أن تبيع أو تشتري ستتمكن من ذلك، وبأي مبلغ»، وذلك عبر عدة مواقع موثوقة بالنسبة له.

ولا يخلو استثمار «محروس» في العملات الرقمية من المخاطرة، سواء بخسارة أمواله «فهي سوق مثل أي سوق ترتفع قيمة العملة فيها وتنخفض»، فضلاً عن مخاطر أمنية تتعلق بتجريم عملية الشراء والبيع، لكنه قال: «ما أقوم بالبيع والشراء فيه مبالغ تافهة، أقل من أن تلفت انتباه أحد».

ويقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده لـ«الشرق الأوسط» إن «البتكوين وغيرها تمثل مخاطر على الاقتصاد، إذ يتم شراؤها بالعملة الأجنبية، في حين تعاني مصر بالأساس أزمة في توفرها، كما أنها لا توجد رقابة عليها، ومن ثم يسهل توظيفها في عمليات غسيل أموال وتجارات غير مشروعة».

ويرجع عبده جزءاً من عجز الدولة عن السيطرة على هذه السوق، رغم توالي التحذيرات منها، إلى «فقدان الثقة بين الحكومة والشارع».

* محاذير شرعية

يرجع أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، الدكتور علي فخر، تحذيره من التعامل مع «البتكوين»، إلى أنه «لا يمكن وصف شيء بأنه عملة إلا إذا كان صادراً عن بنك مركزي لدولة تعترف بها، حيث يُعطى لها الشرعية والحماية من قبل البنك المركزي، لكن (البتكوين) لم تحصل على هذه الشرعية حتى الآن، ولا تزال تفتقر إلى الحماية القانونية التي توفرها البنوك المركزية للعملات الرسمية».

وزاد في التنفير منها عند رده على سؤال عن شرعيتها، عبر برنامج على «قناة الناس»، الأحد، بالحديث عن مشاكلها قائلاً «إحدى المشكلات هي أنه لا يمكننا تحديد قيمتها بدقة، ولا نعلم كيف نبيعها أو نشتريها. كما أنه لا توجد جهة مسؤولة عن إصدارها أو تحديد قيمتها، مما يثير العديد من التساؤلات حول مشروعيتها».

وسبق وحرّم مفتي مصر الأسبق الدكتور علي جمعة «البتكوين»، وقال في فتوى له نشرت عام 2018 إنه «لا يجوز شرعاً تداول عملة (البتكوين) والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها، بل يُمنع الاشتراكِ فيها؛ لعدمِ اعتبارِها كوسيطٍ مقبولٍ للتبادلِ من الجهاتِ المخُتصَّةِ، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، فضلاً عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول».


مقالات ذات صلة

السيسي يطمئن المصريين بشأن القدرة على تجاوز «الظروف الصعبة»

شمال افريقيا السيسي خلال تفقده الأكاديمية العسكرية المصرية (الرئاسة المصرية)

السيسي يطمئن المصريين بشأن القدرة على تجاوز «الظروف الصعبة»

للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، يعمد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى طمأنة المصريين بشأن قدرة بلاده على تجاوز «الظروف الصعبة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)

السعودية ومصر لوضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى» بين البلدين

قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في تصريحات متلفزة، مساء الخميس: «نعمل حالياً على وضع الهيكل التنسيقي للمجلس المصري - السعودي».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

كلّف الخديوي إسماعيل، المعماري الفرنسي هاوسمان، بتصميم القاهرة الخديوية وتنفيذها في وسط مدينة القاهرة عام 1867، وتصل المساحة التي خُصصت لذلك إلى 20 ألف فدان.

محمد الكفراوي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحريق الذي نشب في حارة اليهود بالعاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - وسائل إعلام محلية)

إصابة 15 شخصاً وتدمير 12 منزلاً في حريق بالقاهرة

أصيب 15 شخصاً واحترق 12منزلاً ومصنعاً للبلاستيك من جراء حريق شب بالقرب من دير القديس سمعان بمنشأة ناصر غرب القاهرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي ربة المنزل مروة تتسوق لشراء كميات قليلة لاستيعاب الأسعار (الشرق الأوسط)

مصريون يترقبون «منحة حكومية» ويخشون «تبعاتها»

أعلن رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي الأربعاء، عن توجيه رئاسي للحكومة بـ«وضع تصور لحزمة حماية اجتماعية تقديراً للضغوط على المواطن».

رحاب عليوة (القاهرة)

إصابة 15 شخصاً وتدمير 12 منزلاً في حريق بالقاهرة

جانب من الحريق الذي نشب في حارة اليهود بالعاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - وسائل إعلام محلية)
جانب من الحريق الذي نشب في حارة اليهود بالعاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - وسائل إعلام محلية)
TT

إصابة 15 شخصاً وتدمير 12 منزلاً في حريق بالقاهرة

جانب من الحريق الذي نشب في حارة اليهود بالعاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - وسائل إعلام محلية)
جانب من الحريق الذي نشب في حارة اليهود بالعاصمة المصرية القاهرة (أرشيفية - وسائل إعلام محلية)

أصيب 15 شخصاً واحترق 12منزلاً ومصنعاً للبلاستيك من جراء حريق شب بالقرب من دير القديس سمعان بمنشأة ناصر غرب القاهرة، مساء الخميس.

ودفعت قوات الحماية المدنية بـ35 سيارة إطفاء و7 خزانات مياه استراتيجية إلى موقع الحريق في العاصمة المصرية، في محاولة للسيطرة على النيران ومنع امتدادها إلى مناطق مجاورة، حسبما أفادت «بوابة الأهرام» الإلكترونية.

وقال مصدر أمني موجود بمحيط حريق منشأة ناصر، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إنه تم إخلاء 20 منزلاً من السكان لضمان سلامتهم ونقلهم إلى أماكن آمنة بعيداً عن النيران والدخان الكثيف.

وتم فرض طوق أمني حول المنطقة لتسهيل حركة سيارات الإطفاء وتأمين الموقع والسكان.