قرار الدبيبة تحمُّل الحكومة تكاليف «حج القرعة» يفجّر جدلاً وسط الليبيين

معارضون رأوا أن الأولوية يجب أن تكون لتجويد القطاع الصحي وتحسين الرواتب

عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)
TT

قرار الدبيبة تحمُّل الحكومة تكاليف «حج القرعة» يفجّر جدلاً وسط الليبيين

عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)

أثار إعلان رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، تحمُّل الدولة تكاليف حج المواطنين، الذين يتم اختيارهم لأداء الفريضة بنظام «القرعة» الموسم المقبل، جدلاً كبيراً في البلاد، خصوصاً أن هذه التكاليف تتجاوز 50 ألف دينار ليبي للحاج، مع إعطاء المواطنين الراغبين في تحمُّل هذه التكلفة بأنفسهم حرية القيام بذلك. (الدولار يساوي 4.91 دينار).

وبينما رحَّبت أصوات عدة بهذا القرار، وعدَّته ملائماً للظروف الاقتصادية التي يمر بها الليبيون، انتقد آخرون تحمُّل الدولة هذه التكلفة، مؤكدين أن دعم الحج ينبغي أن يقتصر فقط على ذوي الدخل المحدود، وأن يوجه الفائض لزيادة الاهتمام بالمرضى، خصوصاً ممن يعانون من الأورام الخبيثة.

معارضون لقرار الدبيبة أكدوا أن الأولوية يجب أن تكون لتحسين الرواتب حتى يتمكن الليبيون من تأمين حاجياتهم الأساسية اليومية (أ.ف.ب)

عضوة المجلس الأعلى للدولة، أمينة المحجوب، انضمت للمؤيدين لقرار الدبيبة، وعدّته «إيجابياً»؛ خصوصاً مع قلة عدد الحجاج الذين يتم تسفيرهم للأراضي المقدسة عبر القرعة. علماً بأن عدد الحجاج الليبيين في الموسم الماضي بلغ فقط 7800 حاج، وفق «الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة».

وقالت أمينة المحجوب لـ«الشرق الأوسط» إن تكاليف أداء الفريضة «باتت مرتفعة، ولا يستطيع المواطن المحدود أو المتوسط الدخل تحملها». ورأت أن الليبيين «عانوا كثيراً خلال العام الماضي من تداعيات اقتصادية، جراء أزمة الصراع على رئاسة المصرف المركزي، وتوقف إنتاج وتصدير النفط؛ المصدر الرئيسي لدخل البلاد».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية»، التي تتخذ من العاصمة مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حماد.

في المقابل، أبدى سياسيون ومواطنون ونشطاء، عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتراضهم على القرار، مشيرين إلى أن «الحج فقط لمَن استطاع إليه سبيلاً»، مطالبين في المقابل بتحسين القطاع الصحي، والعمل على زيادة الرواتب، ومعالجة أزمة السيولة المتكررة.

عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، تداول مثل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي «بوست»، كُتب فيه «الحج على نفقة الدولة، وعلاج الأورام لمَن استطاع إليه سبيلاً»، في إشارة ساخرة إلى عدم قدرة مرضى الأورام جميعاً على تحمُّل تكلفة علاجها المرتفعة.

وبينما يرى أستاذ القانون العام، الليبي خيري الشيباني، أن الدولة «لطالما دعمت، ولو بشكل جزئي، تكاليف الحج في السنوات الماضية عبر التكفل بمصاريف الانتقالات أو السكن، حتى بات هذا النهج متعارفاً عليه». وتحدَّث عن «تأييد واسع لقرار الدبيبة في الشارع الليبي، باستثناء بعض الأصوات المحسوبة على خصومه السياسيين، وتحديداً البرلمان والمتقاربين معه».

وانتقد الشيباني محاولة ربط البعض شعيرة الحج «بملف شديد الحساسية مثل علاج مرضى الأورام»، وقال بهذا الخصوص: «لا يمكن لأحد الادعاء بأن الدولة أهملت المرضى، وتفرغت لدعم الحج، فهي تهتم وتُصدر قرارات العلاج بالخارج لتلك الشريحة، وتحاول أيضاً توطين علاجها بالداخل»، عادّاً أن «رفع الدولة الدعم عن الحج سيؤدي لاحتقان الشارع، وأي حديث عن رفع الدعم عن أي شيء بات يواجَه بغضب شعبي، وأفرقاء الأزمة الليبية كافة يحاولون تفادي الوصول لهذه المرحلة».

وعلى عكس ما ذهب إليه الشيباني، يعتقد عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق، أن قرار الدبيبة «محاولة لتجميل وجه حكومته، وتعزيز شعبيتها في ظل الخلاف السياسي الراهن مع مجلس النواب، ووجود حكومة أخرى منافسة لها».

وقال الأبلق لـ«الشرق الأوسط» إنه «بسبب تحمل الدولة جانباً من نفقات الحج في الموسم الماضي تجاوز عدد المسجلين بالقُرعة هذا العام مليون مواطن من أعمار متفاوتة، خصوصاً أن البعض يسجِّل بصفته مرافقاً، وهذا سيضعف فرص الاختيار لأصحاب الأولوية؛ سواء من كبار السن أو المرضى».

الأبلق عدّ أن قرار الدبيبة محاولة لتجميل وجه حكومته وتعزيز شعبيتها وسط الليبيين (الوحدة)

ويرى الأبلق أن «مَن كان ينوي الحج على حسابه الخاص، المعروف بالحج السياحي، بات ينتظر ليحج على حساب الدولة الذي يتضمن الإقامة بفنادق فاخرة». ووفقاً لبعض التقديرات، فقد تراوحت تكلفة الحج السياحي ما بين 180 و200 ألف دينار.

ولفت الأبلق إلى أنه «كان من الأجدر إتاحة الدولة للفائزين بالقرعة برامج مختلفة للحج، كل حسب قدرته المالية»، موضحاً: «هناك مقتدرون مادياً يرغبون في الإقامة بفنادق فاخرة، وآخرون يفضلون الإقامة بفنادق متوسطة، وبهذا تكتفي الحكومة بدعم محدودي الدخل بشكل كامل، بعد التأكد من قدرتهم المادية».

أما الناشط السياسي الليبي، أحمد التواتي، فيرى أن قيمة التكلفة المخصصة لدعم الحج «هي ما تدفع كثيرين للتوقف أمام قرار الدبيبة»، موضحاً أن التكلفة المرصودة وفقاً لبعض خبراء الاقتصاد «تزيد على القيمة الحقيقية لتكلفة الحج بشكل ما، وهذا يثير المخاوف حول تسلل الفساد لهذا الملف».

وانتهى التواتي إلى أن «حديث الدبيبة عن إعطاء الراغبين في تحمُّل تكلفة الحج، بدلاً من الدولة، حرية القيام بذلك، لن يتم التفاعل معه حتى مع الأغنياء».

وتقول «الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة» في ليبيا إن مليوناً و84 ألف مواطن سجَّلوا في منظومة قرعة الحج للموسم المقبل، بينما تقدَّر حصة ليبيا هذا العام بـ7800 حاج فقط.


مقالات ذات صلة

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف إن بلاده تواصل دعم تشكيل «سلطة تنفيذية موحدة» في ليبيا تساعد في إجراء الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري خلال اجتماعها مع عدد من الشخصيات السياسية في ليبيا (البعثة)

خوري تتحدث عن «ترتيبات» لتفعيل مبادرتها السياسية في ليبيا

قالت ستيفاني خوري، إنها تباحثت مع شخصيات ليبية حول «العملية السياسية» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن؛ بما في ذلك معالجة الدوافع الأساسية للصراع.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

طالب المجلس الرئاسي الليبي البرلمان بتجنب «القرارات الأحادية» التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير تركيا وملحقها العسكري (حكومة الوحدة)

ليبيا: مطالب بالتحقيق مع الدبيبة والمنقوش بسبب «لقاء كوهين»

وصول آليات عسكرية مفاجئة إلى طرابلس وقوات «الوحدة» تعزز مواقعها في الزاوية

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جل الليبيين عبّروا عن مخاوفهم من عودة الاقتتال إلى البلد (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوفون من احتمال انهيار «اتفاق وقف النار» بين الحكومتين المتنازعتين

عوامل عديدة دفعت الليبيين خلال الأيام القليلة الماضية للقلق والخوف من احتمالية من عودة الاقتتال بين السلطتين المتنازعتين على السلطة في شرق البلاد وغربها.

جاكلين زاهر (القاهرة )

الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام «الأفريقية»

وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
TT

الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام «الأفريقية»

وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)

رحب الصومال بالمشاركة المصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، وذلك خلال لقاء القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، والوفد المرافق له، في القاهرة، مساء الخميس.

ووقعت مصر والصومال، في أغسطس (آب) الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة في 2025 - 2029، ودعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية.

ووفق إفادة للمتحدث العسكري المصري، فقد أشاد القائد العام للقوات المسلحة المصرية بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر والصومال واعتزازه بعلاقات الشراكة التي تربط القوات المسلحة لكلا البلدين.

وأضاف في بيان له، الخميس، أن لقاء صقر ومحمد نور تناول «مناقشة آخر التطورات والأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار داخل القارة الأفريقية».

ونقل البيان المصري عن وزير الدفاع الصومالي تقدير بلاده لجهود مصر في «إرساء دعائم الأمن والاستقرار لدول القارة الأفريقية كافة»، مرحباً بالمشاركة المصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي بدولة الصومال، مؤكداً على «أهمية التعاون المشترك بين القوات المسلحة المصرية والصومالية في مختلف المجالات». حضر اللقاء رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسة وعدد من قادة القوات المسلحة لكلا البلدين.

وعززت مصر تعاونها العسكري مع الصومال عقب أزمة بين الصومال وإثيوبيا، العام الماضي، بعدما عارضت القاهرة توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

جانب من محادثات وزير الدفاع المصري ونظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)

وفي وقت سابق رحب سفير الصومال بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية، السفير علي عبدي، بإعلان مصر المشاركة في قوات حفظ السلام بالصومال. وقال في إفادة له «ممتنون لتعهد مصر أن تكون من أوائل الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية». واعتبر أن اتفاقية الدفاع المشترك التي تم توقيعها بين البلدين «ستمنع الفراغ الأمني في الصومال»، مشيراً إلى أن الاتفاقية «تتضمن التدريب ودعم المعدات والعمليات المشتركة بين قوات البلدين».

كما أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال لقائه نظيره الصومالي، أحمد مُعلم فقي، في القاهرة، أغسطس الماضي «حرص مصر على المشاركة في بعثة حفظ السلام في الصومال بناء على رغبة الأشقاء الصوماليين»، مشيداً بـ«خطوة التوقيع على بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن «سفينة حربية مصرية سلَّمت شحنة كبيرة ثانية من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية». وكانت القاهرة قد أرسلت طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقّع البلدان اتفاقية أمنية مشتركة في أغسطس الماضي.

وقرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في يونيو (حزيران) الماضي، إرسال بعثة جديدة لحفظ السلم في الصومال باسم «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، اعتباراً من يناير الجاري.