«هدنة غزة»... جهود الوسطاء في سباق لتجاوز «العراقيل»

مصر وفرنسا تطالبان بالتوصل لاتفاق... والدوحة تجتمع بوفد «حماس»

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في أعقاب غارة إسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في أعقاب غارة إسرائيلية (رويترز)
TT

«هدنة غزة»... جهود الوسطاء في سباق لتجاوز «العراقيل»

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في أعقاب غارة إسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمدرسة تديرها الأمم المتحدة لإيواء النازحين في أعقاب غارة إسرائيلية (رويترز)

مساعٍ تتواصل من الوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، سواء باجتماع شهدته الدوحة مع وفد من «حماس»، أو بمطالبات من مصر وفرنسا بسرعة التوصل لاتفاق، خاصة في ظل الأوضاع المأساوية بالقطاع، وبدء العد التنازلي لمهلة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي حددها للتوصل لصفقة قبل موعد وصوله للبيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

ويرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن الوسطاء في «سباق مع الوقت ليس ارتباطاً بمهلة ترمب فقط، لكن أيضاً نظراً للأوضاع الصحية والجوية شديدة الصعوبة التي يعيشها الفلسطينيون لا سيما في غزة»، مشيرين إلى أن جهود الوسطاء تستهدف تجاوز «عراقيل» عدم التوصل لصفقة، خاصة بعد شروط جديدة سعى لها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في محاولة منه لـ«عدم منح إدارة جو بايدن فرصة تحقيق مكسب» وأن يجعل إعلان الاتفاق لحليفه ترمب قبيل أو مع تنصيبه.

وشددت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، الأحد، على «ضرورة إنهاء تلك الحرب العبثية على قطاع غزة في أقرب وقت، والتوقف عن الممارسات الإسرائيلية الوحشية، والتوقف عن وضع العراقيل أمام تدفق المساعدات الإنسانية، بما يسمح بإغاثة مئات الآلاف من سكان القطاع بصورة كافية ومستدامة».

ذلك النداء الثاني لمصر خلال ساعات؛ إذ أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أهمية سرعة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الرهائن والمحتجزين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع، فضلاً عن ضرورة تجنب التصعيد والحرب الشاملة في المنطقة»، وذلك خلال اتصال هاتفي جمعهما، مساء السبت، وفق بيان للرئاسة المصرية.

واستعرض رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة، مع وفد من «حماس» برئاسة خليل الحية، «آخر مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة وسبل دفع المفاوضات إلى الإمام بما يضمن الوصول إلى اتفاق واضح وشامل يضع حداً للحرب المستمرة في القطاع»، وفقاً لـ«الخارجية القطرية»، السبت.

دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (رويترز)

وبالتزامن، نفى مكتب نتنياهو، تقريراً نشرته «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، يتحدث عن أن إسرائيل و«حماس»، مهتمتان بالتوصل إلى «صفقة جزئية واتفاق محدود» في غزة، قبل تنصيب ترمب «كبادرة حُسن نية»، واعتبر ذلك «كذبة كاملة»، وفق ما ذكر موقع «تايمز أوف إسرائيل».

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عن «مصادر شاركت في المحادثات التي عُقدت على مدار الأسبوع الماضي»، أن الطرفين لم يحققا بعد «اختراقاً» من شأنه تمهيد الطريق للوصول إلى اتفاق، لكنهم أكدوا أن المفاوضات «مستمرة ولم تنهر».

وما يؤخر الانتقال من مرحلة التفاصيل لمرحلة التنفيذ «طلب المفاوض الإسرائيلي أسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء ووضع أسماء جديدة لا تنطبق عليها شروط المرحلة الأولى من المقترح»، وفق ما ذكر نائب الأمين العام لحركة «الجهاد»، محمد الهندي، الذي تُعد حركته أحد الأطراف الرئيسية بالحرب، في تصريحات، الخميس، مؤكداً أن «المفاوضات جادة ودخلت في التفاصيل وأبدينا مرونة، ووافقت (حماس) على وقف العدوان على 3 مراحل».

ودعا الهندي «الاحتلال للتخلي عن أسماء الأسرى الجديدة التي طرحها وأن يكف نتنياهو عن المماطلة في إبرام الصفقة لحسابات سياسية»، معتقداً أن «هناك علاقة بين نجاح اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتوقيت تسلُّم ترمب للسلطة»؛ إذ يرى أن ترمب «جاد بإيقاف الحرب بغزة مع الحفاظ على المصالح الإسرائيلية».

المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، يعتقد أن «القاهرة والدوحة في سباق مع الوقت لإنجاز الصفقة عبر اتصالات ولقاءات مستمرة، لكن من الواضح أن نتنياهو يريد تأجيل الاتفاق بوضع شروط جديدة، خاصة أن الاتفاق كان قبلها جاهزاً للتوقيع»، مرجحاً أن «تستمر جهود الوسطاء وكذلك مماطلة نتنياهو، على أن يوافق الأخير بشكل دراماتيكي قبيل تنصيب ترمب أو مع وصوله لمنحه شرف الإعلان عن إبرام الصفقة وتنفيذ وعده».

فلسطينيون ينظرون إلى الدمار بعد غارة إسرائيلية على رفح بقطاع غزة (أ.ب)

ولأسباب عديدة ستستمر محاولات نتنياهو لتأجيل الاتفاق حتى موعد وصول ترمب، وفق تقدير الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أيضاً. وأولها خشية أن تبدأ محاكماته بالفساد بشكل جدي ويهدد مستقبله الشخصي والسياسي، فضلاً عن تخوفه من مقتل معظم الرهائن وهذا ما سيسبب له أزمة جديدة مع الرأي العام خاصة أنه كانت له فرص سابقة ومبكرة لإنجاز اتفاق وإنقاذ أرواح الرهائن لم يتجاوب معها.

وبرغم ذلك المسار الذي ينتهجه نتنياهو، فإن الوسطاء سيواصلون جهودهم و«يسابقون الوقت»، خاصة أن أرض الواقع في فلسطين مليئة بالصعوبات الحياتية والإنسانية شديدة المأساة التي تحتاج إلى جهود دولية وليست من الوسطاء فقط، حسب فرج.

وعلى أرض الواقع، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته في القطاع الفلسطيني المدمر بسبب الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ حيث نفذ عملية عسكرية في مستشفى «كمال عدوان» شمالي القطاع، ليخرج بذلك آخر مرفق صحي كبير في الشمال من الخدمة.

كما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية، الأحد، نقلاً عن مصادر طبية بوفاة رضيع عمره شهر واحد داخل خيمة في دير البلح وسط القطاع، بسبب البرد وانخفاض درجات الحرارة، مشيرة إلى أنه الرضيع الخامس الذي يلاقي حتفه من البرد خلال أقل من أسبوع.

بينما مددت الحكومة الإسرائيلية، الأحد، «التمويل للنازحين من غلاف غزة والبلدات الحدودية مع لبنان المقيمين في الفنادق والمساكن ذاتية الترتيب حتى 28 فبراير (شباط) 2025»، فيما أفاد إعلام إسرائيلي، برصد إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة.

وتظاهر أكثر من ألف شخص في تل أبيب، السبت، مطالبين بإطلاق سراح من تبقى من الرهائن لدى «حماس»، فيما تشير التقديرات إلى أنه لا يزال نحو 100 من المحتجزين في قبضة «حماس»، لكن من غير المعروف كم منهم لا يزالون على قيد الحياة.

وهناك سبب مهم لتسريع الوسطاء جهودهم، وفق الرقب، هو الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون، لا سيما في غزة، التي تتطلب اتفاقاً في أسرع وقت، مستبعداً أن يستجيب نتنياهو لأي ضغوط من أسر الرهائن لإبرام صفقة بداية العام.

ويتوقع أن يستمر نتنياهو في ضغوطه المتواصلة على الوسطاء و«حماس» باستمرار ضرباته وتمسكه بالشروط «المعرقلة» أملاً في استمرار تأجيله لإبرام الاتفاق لوصول ترمب وجني مكاسب سياسية وشخصية له، مرجحاً احتمال أن يعلن ترمب عن الصفقة.

ويتفق معه فرج في أن يذهب نتنياهو إلى اتفاق مع تنصيب حليفه ترمب للسلطة، على أن يناور قبل ذلك الموعد ويعطل أي مسار لاتفاق بضربات أو ما شابه دون أن يلتفت لأصوات ذوي الرهائن، مشدداً على أن مصر حريصة على إبرام الاتفاق لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني قبل أي شيء.


مقالات ذات صلة

تسوية بين وزارة التعليم الأميركية وجامعة جونز هوبكنز بعد شكاوى تمييز ضد عرب ويهود

الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 26 فبراير 2019 تظهر أشخاصاً يسيرون عبر ساحة جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بالولايات المتحدة (أ.ب)

تسوية بين وزارة التعليم الأميركية وجامعة جونز هوبكنز بعد شكاوى تمييز ضد عرب ويهود

عبَّرت وزارة التعليم الأميركية عن مخاوفها من التمييز الذي يتعرَّض له أفرادٌ من أصول عربية ويهودية في جامعة جونز هوبكنز، وتوصلت إلى تسوية مع المؤسسة لحل الشكاوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يلقي كلمة بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في باريس في 8 يناير 2025 (إ.ب.أ)

بلينكن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بات «قريباً جداً»

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مجدداً إن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل و«حماس» بات «قريباً جداً».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يبحثون بين أنقاض مبنى دمر بفعل غارة إسرائيلية في البريج وسط قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

إسرائيل تعلن الضفة «ساحة رئيسية» للتهديدات

بموازاة عمليات عسكرية متواصلة، رأى وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الضفة الغربية أصبحت «ساحة رئيسية» لتهديدات إسرائيل. وتحدث كاتس في لقاء مع مستوطنين

كفاح زبون (رام الله) «الشرق الأوسط» (غزة - باريس)
شؤون إقليمية تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 جنود في شمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأربعاء)، مقتل 3 جنود في معارك في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا قمة ثلاثية لقادة مصر وقبرص واليونان في القاهرة الأربعاء (الرئاسة المصرية)

قمة مصرية - قبرصية - يونانية تطالب بوقف «حرب غزة» وعملية سياسية في سوريا

دعت قمة ثلاثية جمعت قادة مصر وقبرص واليونان، في القاهرة، الأربعاء، إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة، إلى جانب إطلاق عملية سياسية في سوريا.

أحمد إمبابي (القاهرة)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى على تخوم العاصمة ودمدني، من سيطرة «قوات الدعم السريع»، حسب مصادر تابعة للجيش.

وأفادت المصادر بأن الجيش حرر بالكامل بلدة الحاج عبد الله جنوب مدني، فيما تقدمت قواته وأحكمت سيطرتها على القرى المجاورة لها. وبثت عناصر من الجيش السوداني مقاطع فيديو على موقع «فيسبوك» من داخل السوق الرئيسية للبلدة. ولم يتسنَّ الـتأكد من هذه الأنباء من مصدر مستقل، فيما لم تنف أو تؤكد مصادر من «الدعم السريع».

وفي محور أم القرى شرق الجزيرة، دارت معارك شرسة بين «قوات درع السودان»، المتحالفة مع الجيش، بقيادة أبو عاقلة كيكل، و«قوات الدعم السريع»، ولا تزال الاشتباكات جارية بين الطرفين حتى كتابة هذا التقرير، مساء الأربعاء. وقالت «درع السودان» في بيان على موقعها بـ«فيسبوك»، إن قواتها طوقت بلدة (أم القرى) حيث تتمركز «قوات الدعم السريع» في المنازل والأعيان وسط المدينة. وأشارت إلى أن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني تدخل وشن غارات جوية لقطع طرق إمداد «الدعم السريع» بالأسلحة والقوات من الناحية الغربية للمدينة، حيث تجري المعركة في منطقة مكشوفة. وأكدت «درع السودان» سقوط عدد من القتلى والجرحى وسط قواتها.

نازحون في مدينة بورتسودان (شرق) في طريق عودتهم إلى مناطقهم التي استعادها الجيش السوداني (أ.ف.ب)

وجاء الهجوم الذي يعد الأكبر منذ أشهر، بعد يومين من تفقد مساعد القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي، الخطوط الأمامية لقوات الجيش في المحاور المتقدمة باتجاه بولاية الجزيرة. وأطلق الجيش السوداني والفصائل المتحالفة بعد أشهر من الاستعدادات والتحشيد، فجر الثلاثاء، عملية واسعة النطاق على المناطق المحيطة بعاصمة الجزيرة، وتمكنت قواته للمرة الأولى من التوغل في العمق والسيطرة على مواقع عدة.

ومنذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2023، سيطرت «قوات الدعم السريع» على 6 محليات في ولاية الجزيرة، ولم يتبق للجيش سوى محلية المناقل التي ما زالت تحت سيطرته، ويسعى لاستعادة الولاية كاملة.

قصف جوي جنوب الخرطوم

وقتل 7 أشخاص وأصيب 17 آخرون في غارات جوية للجيش السوداني جنوب العاصمة الخرطوم خلال 24 ساعة الماضية، وفق ما أعلنته غرفة طوارئ جنوب الحزام الأخضر بالعاصمة. وقالت الغرفة: «لليوم الثاني يستهدف القصف الجوي الأحياء المأهولة بالسكان، مأ أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين». وأضافت في بيان على موقعها على «فيسبوك»: «فجر الأربعاء، قتل أيضاً 6 أشخاص، من بينهم أطفال، وأصيب العشرات في سلسلة غارات جوية نفذها الطيران الحربي للجيش السوداني».

وقال سكان في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» إنهم سمعوا دوي انفجارات قوية هزت أرجاء المدينة. وأضافوا أن «الطيران الحربي ظل منذ اندلاع الحرب يشن غارات جوية بالبراميل المتفجرة على عدد من مناطق جنوب الحزام الأخضر، ما أوقع ضحايا بالمئات بين قتيل وجريح». ونُقل بعض المصابين والجثامين إلى مستشفى بشائر الوحيد الذي يعمل في منطقة جنوب الحزام.

وأطلق متطوعون نداءات للكوادر الطبية للتوجه إلى المستشفى لإسعاف عشرات الجرحى بإصابات متفاوتة بعضها خطرة. وتعد المرة الخامسة خلال أقل من شهر تتعرض فيها الأحياء السكنية في مناطق جنوب الحزام الأخضر لضربات جوية من الجيش. ومنذ أبريل (نيسان) 2023، أسفرت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» عن مقتل عشرات الآلاف في العاصمة.