مصر: جدل متصاعد بسبب قانون «المسؤولية الطبية»

الحكومة تصفه بـ«المتوازن»... و«الأطباء» ترفضه وتدعو لـ«عمومية طارئة»

TT

مصر: جدل متصاعد بسبب قانون «المسؤولية الطبية»

مجلس الشيوخ المصري أثناء مناقشة قانون «المسؤولية الطبية» (وزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية)
مجلس الشيوخ المصري أثناء مناقشة قانون «المسؤولية الطبية» (وزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية)

تصاعد الجدل في مصر بسبب قانون «المسؤولية الطبية»، عقب موافقة مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) نهائياً على القانون. وبينما ترفض نقابة الأطباء المصرية مشروع القانون الجديد، ودعت إلى جمعية عمومية طارئة للأطباء، ترى الحكومة المصرية أن القانون الجديد «يحقق التوازن بين حقوق المرضى والطبيب».

ووافق «الشيوخ المصري» أخيراً على تشريع «المسؤولية الطبية وحماية المرضى»، ومن المقرر إحالته إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) لمناقشته وإقراره في صيغته النهائية.

وينصّ مشروع القانون الجديد على تشكيل «لجنة عليا»، تتبع رئيس الوزراء، تسمى «اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض». وعرّف القانون اللجنة بأنها «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، وهي معنية بالنظر في الشكاوى، وإنشاء قاعدة بيانات، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة، بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية».

ويشتمل مشروع القانون الجديد على 30 مادة، من بينها مادتان «أجازتا الحبس للأطباء»، حيث نصّت المادة 27 على «الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر لمن تسبب في خطأ طبي أدى إلى وفاة متلقي الخدمة»، أما المادة 29 فأجازت لجهات التحقيق إصدار «قرارات بالحبس الاحتياطي للأطباء، حال ارتكاب جرائم أثناء تقديم الخدمة الطبية».

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقة شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، وكذا الاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض، نهاية أكتوبر (تشرين أول) الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

واستقبلت نقابة الأطباء المصرية مشروع القانون الجديد برفض واسع، باعتباره ينصّ على «عقوبات مشددة تجاه الأطباء»، ودعت أعضاءها إلى جمع عام طارئ في 3 يناير (كانون ثاني) المقبل للمطالبة بتعديل التشريع الجديد.

وعدّ نائب رئيس الوزراء المصري، وزير الصحة، خالد عبد الغفار، أن «التشريع الجديد متوازن». وقال خلال مشاركته في مناقشة القانون بـ«الشيوخ» أخيراً، إن فلسفة القانون «تستهدف تحقيق التوازن والتكامل بين الطبيب والمريض»، لافتاً إلى أن التشريع «يمنح الحماية الجنائية للأطباء، ويوفر بيئة عمل آمنة للطواقم الطبية، بعد أن تكررت حوادث التعدي على الأطباء».

من جانبه، قال وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المصري، محمود فوزي، إن القانون الجديد «يعزز الثقة بين الطبيب والمريض، ويسعى لتحقيق جودة الخدمة العلاجية»، مشيراً في تصريحات إلى أن التشريع «وضع ضمانات للطبيب، من بينها التعريف المحكم للخطأ الطبي، وحدّد الحالات التي تنتفي فيها مسؤولية الطبيب ومقدم الخدمة الطبية».

نقيب الأطباء المصري خلال مناقشته قانون المسؤولية الطبية مع أطباء الفيوم (نقابة الأطباء المصرية)

لكن نقيب الأطباء المصري، أسامة عبد الحي، عدّ أن القانون الجديد «لا يحقق مصلحة الطبيب والمريض»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم أهمية التشريع لتنظيم العلاقة بين مقدم ومتلقي الخدمة الطبية، فالصيغة الحالية لا تحقق الغاية من صدور القانون».

وتأتي تحفظات الأطباء تجاه القانون حول آلية وصيغة محاسبة الطبيب، حال وقوع خطأ طبي، وفق عبد الحي، الذي قال إن «التشريع لم يتعامل بجدية مع دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، وجعل لجوء جهات التحقيق لها اختيارياً»، مطالباً بضرورة «النصّ على إحالة جميع الشكاوى الموجهة ضد الأطباء إلى (اللجنة) من أجل فحصها، وحال ثبوت ارتكاب الطبيب خطأ طبياً يحال بعدها إلى جهات التحقيق».

في حين ترى الحكومة المصرية أن «إنشاء لجنة المسؤولية الطبية بالقانون تمثل ضمانة أكبر للأطباء».

وبحسب نقيب الأطباء، فإن «التشريع لم يفرق بين الخطأ الطبي الصادر من طبيب متخصص، والخطأ الصادر من طبيب خالف القانون في ممارسة المهنة، بممارسته الخدمة الطبية في مكان غير مرخص، أو من دون مؤهل علمي»، مطالباً بـ«إلغاء الحبس الاحتياطي في مشروع القانون، والنص على بدائل أخرى مع الأطباء».

وكان وزير الصحة المصري قد قلّل من خطورة نصوص الحبس في القانون، بقوله إن قرارات الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون «وضعت وفقاً لضوابط واضحة ومحددة، أهمها أن تصدر من رئيس نيابة في الجرائم التي تقع من مقدم الخدمة الطبية».

ويعتقد عضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ المصري، محمد صلاح البدري، أن قانون المسؤولية الطبية «خطوة جيدة لتنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض»، مشيراً إلى أن «هناك دعاية سلبية تسعى لإظهار القانون باعتباره مخصصاً لحبس الأطباء»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القانون «ينص على إجراءات محددة لمحاسبة الطواقم الطبية حال وقوع أخطاء أو إهمال، بدلاً من الإجراءات الحالية للمحاسبة المنصوص عليها في قانون العقوبات». ورأى البدري أنه «لا يمكن إلغاء عقوبة الحبس بشكل مطلق من القانون»، معتبراً ذلك «يخالف قواعد الدستور».

وانتقل الجدل المثار بشأن مشروع القانون إلى «السوشيال ميديا»، حيث أشار الطبيب ومقدم البرامج الطبية، خالد منتصر، إلى أن «أي قانون يحافظ على حقوق المرضى، ويعاقب الفئة القليلة من الأطباء، ضروري». وقال عبر حسابه على «إكس» إن هناك فئة «تسيء لمهنة الطب بسبب أخطائها الطبية، ويجب أن يكون هناك قانون لردعهم».

من جهته، أكد مدير «المركز المصري للحق في الدواء» (منظمة حقوقية)، محمود فؤاد، «أهمية وجود تشريع مصري للمسؤولية الطبية، للحد من الأخطاء وحوادث الإهمال الطبي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يجب اختزال القانون في الخلاف حول مسألة حبس الأطباء».

ويرى فؤاد ضرورة توفير «بيئة صحية ومناخ طبي آمن داخل المستشفيات، قبل تطبيق القانون»، مضيفاً أنه «مثلما أشارت نصوص القانون على تحقيق أهداف معينة، تخدم المرضى والأطباء، لا بد أيضاً من توفير الإمكانات والأدوات اللازمة للطبيب لأداء عمله».


مقالات ذات صلة

«التعليم» المصرية تطلق حواراً مجتمعياً حول نظام «البكالوريا» وسط جدل متصاعد

شمال افريقيا اجتماع المجموعة الوزارية للتنمية البشرية لمناقشة مقترح «البكالوريا» (مجلس الوزراء المصري)

«التعليم» المصرية تطلق حواراً مجتمعياً حول نظام «البكالوريا» وسط جدل متصاعد

بالتزامن مع جدل متصاعد، أطلقت وزارة التعليم المصرية، الثلاثاء، سلسلة جلسات لحوار مجتمعي بشأن تطبيق نظام «البكالوريا» بديلاً لشهادة الثانوية العامة الحالية.

عصام فضل (القاهرة)
العالم العربي طلاب بإحدى المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)

انتقادات لإضافة مادة الدين للمجموع في مقترح تطوير التعليم المصري

قوبل اتجاه لإضافة مادة الدين إلى مجموع درجات طلاب الثانوية، ضمن مقترح تطوير التعليم المصري، بانتقادات وجدل واسع، في ظل مخاوف عبر عنها البعض من تأثير المقترح.

عصام فضل (القاهرة)
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (أرشيفية - واس)

«في أفضل حالاتها»... مصر توضح طبيعة العلاقات مع السعودية والإمارات

أكدت مصر قوة ومتانة علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واصفةً العلاقات بين الدول الثلاث بأنها «ركيزة أساسية للاستقرار».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي طورت وزارة الداخلية مراكز الإصلاح والتأهيل في السنوات الماضية (وزارة الداخلية - أرشيفية)

«الداخلية المصرية» تنفي إضراب نزلاء «مراكز الإصلاح» عن الطعام

نفت وزارة الداخلية المصرية، ما وصفته بـ«ادعاءات»، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تتعلق بإضراب عدد من نزلاء أحد مراكز «الإصلاح والتأهيل» عن الطعام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق جانب من مدينة العلمين الجديدة (إدارة مهرجان العلمين)

مصر لتعظيم الاستفادة من ساحلها الشمالي عبر «المكون الفندقي»

أكد اجتماع للحكومة المصرية الأحد «اتجاه الدولة لزيادة عدد الغرف الفندقية بطول الساحل الشمالي الغربي» بحسب إفادة رسمية للمتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تونس: الناشطة بن سدرين تبدأ إضراباً عن الطعام من السجن

سهام بن سدرين الرئيسة السابقة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة» (الشرق الأوسط)
سهام بن سدرين الرئيسة السابقة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة» (الشرق الأوسط)
TT

تونس: الناشطة بن سدرين تبدأ إضراباً عن الطعام من السجن

سهام بن سدرين الرئيسة السابقة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة» (الشرق الأوسط)
سهام بن سدرين الرئيسة السابقة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة» (الشرق الأوسط)

بدأت سهام بن سدرين، الرئيسة السابقة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة»، التي تولت التقصي عن انتهاكات الماضي في تونس بعد ثورة 2011، إضراباً عن الطعام في السجن، بحسب ما أورده تقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، اليوم الثلاثاء.

وتقبع الناشطة الحقوقية في سجن منوبة غرب العاصمة، منذ أغسطس (آب) الماضي للتحقيق معها في ست قضايا، من بينها اتهامها بتزييف التقرير النهائي للهيئة في الجزء المرتبط بنزاع الدولة التونسية مع البنك التونسي الفرنسي.

وكتبت بن سدرين على صفحتها بموقع فيسبوك: «بدأت اليوم إضراباً عن الطعام. لم تعد لدي القدرة على تحمل الظلم الذي سلط علي». مضيفة: «قررت أن أغادر هذه الحفرة التي ردمت بها ظلماً، مهما كلفني الأمر».

وتولت بن سدرين، وهي معارضة لنظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، رئاسة الهيئة منذ تأسيسها عام 2014 حتى نهاية أعمالها في عام 2020.

ونظرت الهيئة في مطالب جبر الأضرار لعشرات الآلاف من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بين عامي 1955 و2013، وأذاع التلفزيون جلسات لشهادات من ضحايا التعذيب والقمع.

ويتزامن إضراب بن سدرين مع تاريخ رمزي لذكرى ثورة 14 يناير (كانون الثاني) لعام 2011، الذي شهد سقوط حكم بن علي ومغادرته البلاد.