مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

أكد أن آراء «غير المختصين» تُشكل «خطورة» على المجتمعات

جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
TT

مؤتمر دولي بالقاهرة يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»

جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)
جانب من مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

دعا مؤتمر دولي في القاهرة إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى»، وأكد أن آراء «غير المختصين» تُشكل «خطورة» على المجتمعات. وأشار مشاركون إلى أن «الفتوى الصحيحة تعد أحد الأسس المحورية لتعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية».

وقد عقد المؤتمر، الأحد، برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظمته «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم»، تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، بعنوان «الفتوى وتحقيق الأمن الفكري»، بمشاركة علماء ومفتين من مختلف دول العالم.

ووفق مفتي مصر، نظير عياد، فإن هناك تحديات «خطيرة» تواجه أمن المجتمعات، ومنها «فوضى الفتاوى»، التي تصدر من غير ذي صفة، وتكون بعيدة عن الاستدلال الصحيح المتفق مع نصوص الشريعة ومقاصدها، وهذه الفتاوى أصبحت سبباً للطعن في الإسلام، وتشويه صورته، ومعوقاً رئيساً لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا شك أن تسميتها فتوى، هو بالأساس من «باب المجاراة»، وإلا فحقها أن تسمى «دعوة أو دعوات للإفساد».

ولفت إلى أن التطرف نحو تكفير المسلمين، واستباحة دمائهم، وتخويف الآمنين وترويعهم ليس من الإسلام في شيء، مؤكداً أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على انتشار هذه «الفوضى»، حتى أننا «نجد عدد المفتين في الواقع الافتراضي يكون بعدد من لهم صفحات أو مواقع على هذه الوسائل، الأمر الذي أثّر بالسلب على الأمن الفكري، والاستقرار المجتمعي بشكل خطير».

وحذّر مفتي مصر من «خطورة الجماعات المتطرفة على الأمن الفكري والمجتمعي على السواء؛ حيث إنها تغرس أفكاراً منحرفة في العقول، تجعل الإنسان مسخاً مشوهاً من دون انتماء أو هوية، غير الانتماء لها ولمصالحها». وأشار إلى أن الفتوى لها دور مهم في «تعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهوية، وإرساء مبادئ المواطنة الشاملة، التي تقوم على التعايش والتسامح وقبول التنوع الديني والعرقي والمجتمعي في الوطن الواحد».

مؤتمر دار الإفتاء المصرية يدعو إلى «ضوابط» لمواجهة «فوضى الفتاوى» (دار الإفتاء المصرية)

وفي كلمته بالمؤتمر، قال وزير الأوقاف المصري، أسامة الأزهري، إن «الفتوى ليست مجرد توجيه ديني، بل هي عملية تفاعل فكرية تتطلب الفهم العميق لواقع الناس ومتطلباتهم في مختلف المجالات»، مؤكداً أن «الفقيه يجب أن يكون على دراية تامة بأحوال الناس وعاداتهم»، مشيراً إلى أن «الفقه لا يتحقق إلا من خلال الفهم الشامل للظروف المستجدة، والأفكار المتغيرة».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أثارت فتاوى بشأن عمل المرأة وتربية الحيوانات انتقادات وجدلاً واسعاً بين رواد مواقع «التواصل»، ما دفع دار الإفتاء المصرية للرد عليها.

وأكد وكيل الأزهر، الدكتور محمد الضويني، أن «ظهور متطفلين على الفتوى أسهم في تعميق أزمات عالمنا العربي والإسلامي»، مبيناً أنه «كلما كانت الفتوى أكثر (شذوذاً وغرابة) ازداد الاهتمام بها، وتناقلتها بعض وسائل الإعلام ومنصات (التواصل)».

وبيّن الضويني أن موطن الداء في «الفتاوى غير المؤصلة وهؤلاء المفتين المفتونين بالشاشات والصفحات»، حيث إنها «لا تعبر إلا عنهم أو عن مذهبهم أو عن جماعتهم، وإنها قد تغفل أبعاداً أخرى ضرورية في صناعة الفتوى»، داعياً إلى «إقرار قوانين وضوابط ومعايير تُعنى بضبط وتصحيح مسيرة الإفتاء، ووقاية المجتمع من تداعيات الانحراف بها عن الصواب، والسعي لتأكيد ثقة الناس في المؤسسات الرسمية، بدلاً من هذه الهوة المقصودة التي تسعى اتجاهات وأجندات لتجذيرها».

وقد وافقت «اللجنة الدينية» بمجلس النواب المصري (البرلمان) في مارس (آذار) عام 2022 على مشروع قانون مقدم من 61 نائباً بتعديل بعض أحكام قانون «تنظيم ممارسة الخطابة». ونصّت التعديلات المقترحة حينها على أن تكون ممارسة الخطابة والدروس الدينية، والحديث في الشأن الديني في وسائل الإعلام المرئية، أو المسموعة أو الإلكترونية «للمختصين فقط». وحدّدت عقوبات على المخالفين، تتمثل في «غرامة مالية أو حبس».

مشاركون في مؤتمر دار الإفتاء المصرية بالقاهرة (دار الإفتاء المصرية)

وقال الأمين العام لـ«مجمع الفقه الإسلامي الدولي» المنبثق عن «منظمة التعاون الإسلامي»، قطب مصطفى سانو، إن «الأمن الفكري هو صمام أمان المجتمع، وضمان استقراره وحمايته من الانحرافات الفكرية والغلو»، داعياً إلى الالتزام بضوابط الإفتاء التي تضمن نشر الوسطية والاعتدال، وتواجه الفكر المتطرف.

وفي كلمتها بالمؤتمر، أشارت الأمين العام لـ«مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي»، ماريا محمد الهطالي، إلى أن الأجيال الحالية تواجه مخاطر متعددة، على رأسها تأثير العوالم المفتوحة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أدت إلى ظهور ظواهر مثل «الإفتاء الافتراضي»، و«السيولة الإفتائية»، مشددة على ضرورة بناء «الوعي الإفتائي» بوصفه ضرورة ملحة.

وأوضحت أن عصر التقنية والذكاء الاصطناعي يتطلب منا فهم طبيعة التساؤلات التي تطرحها الأجيال الجديدة، وعدم الاكتفاء بالتحليل السطحي لهذه التحديات، مؤكدة أن «مواجهة هذه التحديات ليست خياراً؛ بل هي واجب وطني وديني». وأشارت إلى أهمية تقديم إجابات شافية لهذه التساؤلات، وإلا فإن «الفراغ الفكري سيتيح للجماعات المتطرفة استغلال هذه الحاجة لنشر أفكارها السامة».

بينما شدّد أمين عام مكتب الإفتاء بسلطنة عمان، أحمد بن سعود السيابي، على «ضرورة أن يراعي المفتي أحوال الناس عند إبداء الآراء الشرعية»، لافتاً إلى «أهمية العمل الجماعي لتحقيق الأمن الفكري في المجتمعات».


مقالات ذات صلة

مصر: لماذا تسببت مشاجرة «مدرسة التجمع» في صدمة مجتمعية؟

شمال افريقيا وزير التعليم المصري يزور المدرسة محل واقعة المشاجرة (وزارة التربية والتعليم على «فيسبوك»)

مصر: لماذا تسببت مشاجرة «مدرسة التجمع» في صدمة مجتمعية؟

حازت واقعة مشاجرة شهدتها إحدى المدارس الخاصة الدولية بالقاهرة، قبل أيام، اهتماما لافتا في مصر، بداية من التناول الإعلامي وحتى التفاعل معها عبر «السوشيال ميديا».

رحاب عليوة (القاهرة)
يوميات الشرق شكري سرحان وشادية في أحد أفلامهما (يوتيوب)

لماذا تفجر «الآراء السلبية» في الرموز الفنية معارك مجتمعية؟

أثارت واقعة التشكيك في موهبة الفنان الراحل شكري سرحان التي فجرها رأي الممثلين أحمد فتحي وعمر متولي عبر أحد البرامج ردود فعل متباينة.

انتصار دردير (القاهرة )
شمال افريقيا السيسي أكد أن استقرار ليبيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي المصري (الرئاسة المصرية)

مصر تُشدد على ضرورة خروج القوات الأجنبية و«المرتزقة» من ليبيا

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «أهمية التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لبلورة خريطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي بحضور رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية، اللواء حسن رشاد (الصفحة الرسمية للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية)

السيسي يؤكد على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية

شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ضرورة منع التدخلات الخارجية وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزارة الداخلية المصرية (الصفحة الرسمية للوزارة على «فيسبوك»)

توقيف «يوتيوبر» مصري «شهير» يثير تفاعلاً واسعاً

أثار خبر توقيف «اليوتيوبر» المصري «الشهير» أحمد أبو زيد، تفاعلاً واسعاً في مصر عبر منصات «السوشيال ميديا».

هشام المياني (القاهرة )

«قوات الدعم السريع» تستهدف محطة كهرباء في شمال السودان

سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات تابعة لـ«قوات الدعم السريع» يناير 2025 (سونا)
سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات تابعة لـ«قوات الدعم السريع» يناير 2025 (سونا)
TT

«قوات الدعم السريع» تستهدف محطة كهرباء في شمال السودان

سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات تابعة لـ«قوات الدعم السريع» يناير 2025 (سونا)
سد مروي في شمال السودان الذي استهدفته مسيّرات تابعة لـ«قوات الدعم السريع» يناير 2025 (سونا)

استهدفت مسيرات انتحارية تابعة لـ«قوات الدعم السريع» محطة كهرباء مدينة دنقلا في شمال السودان، ما أدى إلى إشعال حريق في المحطة وقطع التيار الكهربائي وخدمات المياه في المدينة والبلدات والقرى المحيطة بها.

وقال إعلام «الفرقة 19 مشاة» التابعة للجيش ومقرها مدينة دنقلا، في بيان صحافي، إن «قوات الدعم السريع» استهدفت مواقع عسكرية ومنشآت مدنية، للتغطية على ما أسمته «هزائمها المتتالية في كل المحاور»، وذلك في إشارة لتقدم الجيش في مدينة بحري، إحدى المدن الثلاث للعاصمة الكبرى الخرطوم. وأوضح بيان الجيش المقتضب أن المضادات الأرضية تصدت لعدد من مسيرات «قوات الدعم السريع» الانتحارية.

وقال شاهد من دنقلا لـ«الشرق الأوسط» إن بعض المسيرات نجحت في إصابة محطة الكهرباء، فيما تناقلت منصات التواصل الاجتماعي صوراً للمحطة والحرائق تشتعل فيها حتى صباح يوم الاثنين. وقال عابدين عوض الله، والي الولاية الشمالية حيث تقع مدينة دنقلا لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الدعم السريع» أصبحت تستهدف المنشآت الحيوية خاصة في ولايته، وإن 10 مسيرات انتحارية استهدفت محطة الكهرباء، وأوضح أن «خطة بديلة لتوفير خدمات المياه وانسياب العمل في المخابز والمشاريع الزراعية قد تم بحثها».

ونفذت «قوات الدعم السريع» سلسلة هجمات بالطيران المسيّر خلال الأيام الماضية، استهدفت محطات الكهرباء في بعض المدن، من بينها محطة كهرباء سد مروي، ومحطة كهرباء مدينة مروي بالولاية الشمالية، ومحطة كهرباء الشوك التحويلية في ولاية القضارف شرق البلاد.

وأدى استهداف محطات الكهرباء إلى قطع الخدمة لفترات طويلة عن عدد من مدن وولايات البلاد، بما في ذلك ولاية البحر الأحمر حيث تقع مدينة بورتسودان التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، إضافة إلى ولايات نهر النيل والشمالية والقضارف وكسلا، في شرق البلاد وشمالها.

معركة مدينة بحري

دخان حريق في مدينة بحري إثر معارك متواصلة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

من جهة أخرى، قال شهود لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش أحرز تقدماً في مدينة بحري، إذ تتقدم قواته نحو وسط المدينة الذي تسيطر عليه «قوات الدعم السريع» منذ الأيام الأولى للحرب. وأضاف الشهود أن «قوات الدعم السريع» بدأت تنسحب من عدة مواقع كانت تسيطر عليها في المدينة، وأن الجيش المتقدم من جهة الشمال استطاع إكمال سيطرته على ضاحية شمبات، ووصل إلى أطراف حي الصافية.

وتستهدف عمليات الجيش الوصول إلى مقر «سلاح الإشارة» التابع للجيش والمحاصر من قبل «قوات الدعم السريع» منذ الأيام الأولى للحرب التي اشتعلت في منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وتقع قيادة «سلاح الإشارة» على الضفة الشرقية للنيل الأزرق في مدينة بحري، وهي تقابل على الضفة الأخرى للنهر مقر القيادة العامة للجيش، المحاصر هو الآخر منذ بداية الحرب. ونفت «قوات الدعم السريع» في بيان صحافي انسحابها من مناطق سيطرتها في مدينة بحري، وقالت إنها تتقدم بقوة نحو أهداف جديدة.

ولا توجد معارك كبيرة في بقية أنحاء العاصمة الكبرى غير تبادل القصف المدفعي بين الطرفين. إذ قصفت «قوات الدعم السريع» مناطق سيطرة الجيش في منطقة كرري بشمال مدينة أم درمان، إحدى المدن الثلاث للعاصمة، بينما قصفت مدفعية الجيش مناطق تجمع «قوات الدعم السريع».

معارك دارفور

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً في مخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وفي إقليم دارفور بغرب البلاد، نشرت «قوات الدعم السريع» مقاطع فيديو لأعداد كبيرة من الآليات العسكرية والأسرى، قالت إنها استولت عليها من الحركات المسلحة المتعاونة مع الجيش في صحراء دارفور، موضحة أنها ألحقت بها هزائم كبيرة. ومن جانبه، قال الجيش إن قواته، مسنودة بالطيران الحربي، نفذت عمليات ناجحة في بعض المحاور بولاية شمال دارفور، دمرت خلالها 20 مركبة قتالية بكامل عتادها وطاقمها، وقتلت العشرات من أفراد «قوات الدعم السريع».

وكانت «قوات الدعم السريع» قد ذكرت في بيان سابق أنها ألحقت «هزيمة ساحقة» بالفصائل المسلحة المتعاونة مع الجيش، في محور الصحراء، وتحديداً في مناطق الحلف، ودريشقي، وماو، في شمال دارفور وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وأضافت أنها استولت على 205 عربات قتالية بكامل عتادها وكميات من الأسلحة والذخائر، ودمرت 67 مركبة أخرى، وقتلت المئات من أفراد تلك القوات، وأن قوات الحركات المسلحة الموالية للجيش «قد انهارت تماماً».

من جانبه، قال حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، وهو أيضاً قائد «حركة تحرير السودان» المتحالفة مع الجيش، إن قواته كسرت شوكة قوة عسكرية ضاربة تتكون من 546 تابعة لـ«قوات الدعم السريع»، بقيادة عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي». وأضاف مناوي أن «قوات الدعم السريع» كانت تنوي السيطرة على منطقة الصحراء لفتح طريق الإمداد الذي يربطهم بدول مجاورة.