استحوذت الأوضاع في سوريا، على اهتمام ساسة ومحللين ليبيين، وسط استدعاء مخاوف وتساؤلات بشأن انعكاسات ما يحدث هناك على بلدهم الذي يعاني من تغوّل الميليشيات وتصاعد الانقسام السياسي، في ظل عدم وجود دستور.
جانب من هذه المخاوف التي يبديها البعض على ليبيا، يراها النائب الليبي إسماعيل الشريف «منطقية»، ويرجعها في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «لوجود لاعبين دوليين من بينهم روسيا وتركيا في الملف الليبي، بما يجعل الترقب سيد الموقف».
وإذ يتمنى الشريف أن تمضي الأمور على نحو إيجابي وسط هذه المخاوف، فإنه يذهب أيضاً إلى أن «الترقب يتضاعف في انتظار وصول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض».
وكما الحال في سوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد، فإن تركيا وروسيا هما القوتان الرئيستان الفاعلتان في الملف الليبي، إذ تدعم أنقرة معسكر حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بينما تحظى قوات القيادة العامة بقيادة المشير خليفة حفتر بدعم روسيا.
ويلحظ الكاتب الصحافي الليبي بشير زعبية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مفارقة مفادها أن «تركيا سبق أن أفشلت زحف قوات القيادة العامة على طرابلس عام 2019، بينما يحسم اللاعب التركي اليوم اللعبة لصالحه في سوريا للمرة الثانية بعد الموقعة الليبية».
ويخشى محللون ليبيون من بينهم الباحثة السياسية بجامعة طرابلس، أمل العلوي، من أن يقود «سقوط نظام الأسد في سوريا نحو تغير التحالفات بين أطراف الصراع في ليبيا، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل للمشهد، وقد يصل الأمر إلى تدفق للمقاتلين وللأسلحة من الخارج».
لكن، ومن منظور آخر يبدو إيجابياً، لا تستبعد العلوي أن «تؤدي التطورات الأخيرة في سوريا إلى فرصة للوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية عن طريق البدء في عملية سياسية جادة لحلحلة هذه الأزمة».
وإلى جانب المخاوف العسكرية، كانت مواقف حكومتي شرق ليبيا وغربها من سقوط نظام الأسد مدعاة تساؤلات لدى البعض، علماً بأن وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة» في غرب ليبيا، أيدت ما وصفته بـ«ثورة الشعب السوري ضد الطغيان»، في حين التزمت نظيرتها بشرق ليبيا الصمت.
الفجوة في الموقف الرسمي بين الحكومتين يراها عمار الديب، رئيس «الحراك الوطني» للأحزاب الليبية «مصدر قلق مستمراً منذ سنوات لانعكاس لحالة الانقسام السياسي على البلاد، الذي يجعل مواقفها متباينة تجاه ملفات السياسية الخارجية، وهو نفسه الدافع وراء جولات الحوار بين الأفرقاء الليبيين منذ سنوات».
في هذه الأثناء، يبدو أن استمرار «الفراغ الدستوري» باعث قلق لدى ساسة ليبيين في خضم التطورات الحادثة في المنطقة وفي سوريا، إذ إنه من «أخطر المراحل التي عاشتها ليبيا والدول العربية بعد ثورات شعوبها»، وفق صلاح بوخزام، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، علماً بأن ليبيا لم تستقر على دستور منذ عام 2011.
ويقول بوخزام في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الفراغ الدستوري «يعطل كل الآليات الدستورية لإدارة عملية نقل السلطة»، ويعدد مخاطره التي تتمثل في «تعطيل المصالح العامة للمواطنين، وتصاعد الهاجس الأمني والاحتراب بين المجتمع، خصوصاً إذا تعددت الأجسام السياسية، تشريعية كانت أم تنفيذية، مما يقود إلى شرعنة التدخل الخارجي وبداية الضغوط الدولية».
ويزداد نفوذ الميليشيات المسلحة في ليبيا، لا سيما في غربها بشكل واسع، في ظل تربيطات داخلية وانفتاح قادتها على أطراف دولية، وهو الأمر الذي يدعم مخاوف البعض.
ويلحظ النائب الليبي محمد عامر العباني، تشابهاً بين حالتي سقوط نظامي الأسد ومن قبله معمر القذافي، من حيث «تعدد وهيمنة الجماعات المسلحة في سوريا التي قد تتمسك بالسلطة، وهذا ما حدث في ليبيا»، وفق ما أفاد لـ«الشرق الأوسط».
أما عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد أبوبريق، فيرصد تشابهاً نسبياً بين تجربتي المعارضة المسلحة في ليبيا وسوريا، إلا أنه يشير إلى «تنوع المشارب الآيديولوجية للمجموعات المسلحة في سوريا، وتعدد داعميها الدوليين والإقليميين».