«هدنة غزة»: تحركات مصرية جديدة بحثاً عن «اتفاق جزئي»

عقب حديث حول زيارة وفد مصري إلى إسرائيل

رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)
رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: تحركات مصرية جديدة بحثاً عن «اتفاق جزئي»

رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)
رد فعل فلسطيني يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية قرب المستشفى الأهلي بغزة (رويترز)

تحركات جديدة للقاهرة في جبهة مفاوضات الهدنة بقطاع غزة التي تراوح مكانها منذ أشهر، مع حديث إعلام عبري عن وصول وفد مصري لإسرائيل لبحث إنهاء الحرب، وإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن ضم تركيا إلى جهود للوساطة «ستبذل الأيام المقبلة» مع مصر وقطر و«دول أخرى» لم يسمّها.

تلك التحركات، بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تستهدف بها القاهرة «عقد اتفاق ولو جزئياً بهدف إدخال المساعدات وإغاثة القطاع لحين وصول دونالد ترمب للسلطة يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن ثم يبدأ مسار الحديث عن سلام شامل»، وسط ترجيحات بأن تكلل بالنجاح مع دخول الجانب التركي بالوساطة، حيث تجمعه علاقات جيدة مع «حماس»، كما أكدوا أن أي عرقلة ستكون من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يتمسك بالإفراج عن كل الرهائن، وسط رفض من «حماس» التي تطالب بضمانات لعدم عودته للحرب.

ووسط عدم تأكيد أو نفي مصري، نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الخميس، عن مصادر أمنية أن «وفداً مصرياً وصل إلى إسرائيل لبحث إنهاء الحرب في قطاع غزة»، في زيارة تأتي بعد بدء إسرائيل ولبنان، الأربعاء، تنفيذ اتفاق هدنة لمدة 60 يوماً برعاية أميركية وفرنسية.

في حين أفادت هيئة «البث الإسرائيلية»، الخميس، نقلاً عن مصادر، بأن «هناك تحركات من جهات عدة بمن فيها واشنطن والقاهرة من أجل إرساء الهدوء على لبنان والتوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن»، مؤكدة أن «الوفد الأمني المصري سيلتقي مسؤولين إسرائيليين لمناقشة مخطط جديد تمت صياغته في القاهرة يتضمن، مقترحات لإطلاق سراح الرهائن مقابل هدنة وزيادة المساعدات لقطاع غزة».

دخان يتصاعد من مبنى سكني ضربته غارة إسرائيلية في مخيم النصيرات للاجئين (رويترز)

كما نقلت قناة «الحرة» الأميركية، الخميس، تقارير قالت إنها إسرائيلية تتحدث عن أن الوفد المصري «سيطرح مقترحاً يشمل وقف إطلاق نار لمدة تتراوح بين شهر وشهرين، يتم خلاله إطلاق سراح الرهائن تدريجياً مع إعطاء الأولوية لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة».

الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، اللواء سمير فرج، أكد أن «وفداً مصرياً في إسرائيل بالفعل لبحث الوصول لاتفاق قريب، خصوصاً في ظل وضع كارثي تواجهه غزة مع بدء فصل الشتاء».

ويحمل الوفد المصري، «تصوراً مشابهاً لما تم في لبنان عبر هدنة لشهرين»، وفق معلومات فرج، مؤكداً أن «المشكلة الحالية أن نتنياهو يريد عودة كل الرهائن مرة واحدة، و(حماس) تقول من سيضمن أنه عقب تسلم كل الرهائن لا يعود للحرب، وتريد ضامناً وقد يكون الحل كما حدث في لبنان بأن تكون واشنطن ضامناً».

كذلك، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه «بعد أن وضعت الحرب أوزارها في لبنان، هناك تحركات بشكل كبير نحو هدنة جزئية بالقطاع، خصوصاً مع إعلان إعلام إسرائيلي عن وصول وفد مصري لإسرائيل»، لافتاً إلى أن تلك «الإعلانات المتتالية قد تكشف عن رغبة إسرائيلية في تكرار اتفاق كلبنان قد يصل لنحو 40 أو 45 يوماً ويشهد إطلاق سراح بعض الأسرى من الجانبين».

فلسطينية مع أطفالها تخرج من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

وباعتقاد المحلل السياسي الفلسطيني المقرب من «حماس»، إبراهيم المدهون، فإن الحركة «أولوياتها وقف الحرب بأي ثمن وانسحاب إسرائيلي، ونتنياهو غير معني بقبول ذلك؛ إلا إذا تم الضغط عليه»، مؤكداً أنه «لن تكون هناك صفقة دون وقف الحرب إما بشكل دائم أو على الأقل طويل في أولى مراحلها ما بين 30 و45 و60 يوماً».

تلك الأنباء التي تحدث عنها الإعلام الإسرائيلي بشأن التحركات الجديدة، تتزامن مع رغبة أميركية تكررت بشأن أهمية عقد صفقة بغزة، وغرَّد بايدن عقب اتفاق لبنان في منشور على «إكس» قائلاً: «خلال الأيام المقبلة، ستبذل أمريكا جهداً آخر مع تركيا ومصر وقطر وإسرائيل وآخرين للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب دون وجود حماس في السلطة»، في حين قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن تركيا مستعدة للمساهمة «بأي طريقة ممكنة».

ويرى المدهون، إيجابية التواجد التركي في جهود وقف الحرب، خصوصاً مع ما يجمعه من علاقات مقدرة لدى «حماس».

وبحسب الرقب، فإن الرغبة الأميركية وإلحاحها على ذلك الاتفاق الجديد يأتيان في «ظل حالة انتصار يعيشها بايدن بعد تمكنه من وقف الحرب بلبنان، ويرى أنه قد يستطيع استكمال التهدئة في المنطقة ويتوقف الأمر على استجابة نتنياهو له مجدداً»، معتقداً أنه «بتصريح بايدن بضم تركيا للجهود، أصبحت أنقرة جزءاً من الوساطة، خصوصاً وهي دولة محورية ولها علاقات جيدة مع (حماس)، وقد تستكمل مع مصر وقطر جهود حلحلة الأزمة على نحو أفضل».

وتزامناً مع بدء اتفاق لبنان، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، في القاهرة مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني «الجهود المشتركة الرامية لوقف إطلاق النار في غزة»، وفق بيان للرئاسة.

رجل يتفقد الدمار في مصنع استهدفته غارة جوية إسرائيلية ليلية ببلدة الشويفات جنوب بيروت (أ.ف.ب)

ونقلت قناة «الحرة»، الأربعاء، عن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، جويل روبن، قوله إن «(حماس) بلا قيادة، وغزة تعرَّضت إلى دمار، وإيران أدارت ظهرها لـ(حماس) وطلبت من (حزب الله) الموافقة على شروط وقف إطلاق النار، وكل هذه التطورات قد تفتح نافذة جديدة للدبلوماسية لإنهاء هذه الحرب».

وباعتقاد روبن، فإن «تركيا ومصر وقطر دول إقليمية قوية وذات نفوذ ودورها محوري الآن في التدخل وإقناع (حماس) على أنها خسرت الحرب»، بينما يرى القيادي في «حماس» سامي أبو زهري، أن إسرائيل ليست لديها مرونة، قائلاً في تصريحات لـ«رويترز» الأربعاء، إن الحركة لا تزال تريد التوصل إلى اتفاق.

ودعت «حماس» في بيان، الخميس، إلى «تصعيد الحراك الجماهيري أيام الجمعة والسبت والأحد في عواصم العالم حتى وقف العدوان على غزة».

وفي ضوء تلك التحركات والمتغيرات، يتوقع سمير فرج، أن يكون هناك اتفاق هدنة قبل وصول ترمب للسلطة استعدادا لسلام بالمنطقة مع تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، مؤكداً أن إبرام هدنة في غزة قريباً سيجبر الحوثيين أيضاً باليمن على وقف التصعيد ويعود الهدوء لتلك الجبهات وللمنطقة مؤقتاً.

وكذلك، يميل أيمن الرقب إلى احتمال حدوث هدنة جزئية قبل أن يتسلم ترمب السلطة على أن تكون في بداية أو منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل، على أن يتسلم الرئيس الأميركي مهام منصبه الجديد والهدنة الجزئية في حيز التنفيذ.


مقالات ذات صلة

مصر تطالب بإدخال المساعدات الإغاثية إلى غزة «دون شروط»

شمال افريقيا نازحون فلسطينيون يجمعون أغراضهم لإخلاء منطقة المواصي جنوب غربي خان يونس (أ.ف.ب)

مصر تطالب بإدخال المساعدات الإغاثية إلى غزة «دون شروط»

طالبت مصر بإدخال المساعدات الإغاثية إلى غزة «دون شروط»، وذلك عشية استضافة القاهرة لمؤتمر «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة» بمشاركة إقليمية ودولية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا صورة جماعية للمشاركين في المؤتمر الوزاري حول «المرأة والأمن والسلم»  (جامعة الدول العربية)

«الجامعة العربية» لتنسيق جهود حماية النساء في مناطق النزاع

أكدت جامعة الدول العربية، الأربعاء، سعيها لتنسيق جهود حماية النساء في مناطق النزاعات.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

الغزيون يكابدون الأمطار والبرد

تسبب الانخفاض الجوي الذي تشهده غزة، هذه الأيام، في زيادة معاناة سكان القطاع الذين يعانون أصلاً ويلات الحرب منذ 14 شهراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)
مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)
TT

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)
مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)

يساور عدد من مسؤولي وساسة ليبيا في شرق البلاد وغربها قلق متزايد من ملف «شبح توطين المهاجرين غير النظاميين»، بعد أن عاد بقوة إلى واجهة الأحداث، إثر تصريحات صدرت عن وزير في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، في إطار تسويقه مبررات تطبيق نظام «الكفيل الخاص» في إدارة ملف العمالة الوافدة.

وفي بلد استقبل نحو 2.5 مليون مهاجر غير نظامي منذ 2011، وفق تقديرات رسمية، أبدت حكومة الدبيبة على لسان وزير العمل، علي العابد، مخاوف من «التوطين»، على اعتبار أن «تواجد المهاجر لعشر سنوات في البلاد يمنحه فرصة للحصول على الجنسية (وفق التشريع الليبي)، وقد يعطيه حق التصويت على دستور البلاد»، في بلد يُحكم بإعلان دستوري منذ عام 2011، وفق مقابلة للعابد مع قناة محلية.

علي العابد وزير العمل بحكومة «الوحدة» الليبية (المكتب الإعلامي للوزارة)

ويعرف تشريع صادر عن البرلمان الليبي العام الماضي التوطين بأنه «إدخال الأجانب إلى ليبيا بقصد اتخاذها موطناً دائماً لهم، بتأشيرة صحيحة أو بغير تأشيرة»، وكذلك «بقاء الأجنبي في ليبيا بعد انتهاء المدة المحددة لإقامته فيها، أو بعد زوال سبب دخوله»، علماً أن مجرد «دخول الأجنبي أو إقامته دون سبب معلوم هو دليل على أن السبب هو التوطّن في ليبيا».

مخاوف دستورية

إلى جانب المخاطر الدستورية المحتملة، يخشى مراقبون من تهديدات «التوطين» للأمن القومي الليبي، على اعتبار أنه قد ينذر «باختراقات أمنية خطيرة، ويتسبب في ارتفاع معدلات الجريمة في بلد غير مؤهل لاستضافة المهاجرين، ويقع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة»، وفق تعبير الدكتور محمد حسن مخلوف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بنغازي.

وفي خطوة وُصفت بأنها «إجراء احترازي»، اختارت حكومة الدبيبة قطع الطريق «أمام التوطين»، عبر استحضار تطبيق نظام «الكفيل»، وإلزام «صاحب العمل بإخراج العامل خارج البلاد بعد 3 سنوات من تواجده»، وذلك بعد تسجيله في منصة إلكترونية حكومية (منظومة «وافد») بإثباتات، تشمل عقد العمل وتأشيرة إقامة، وفق وزير العمل بحكومة غرب ليبيا.

رفض سيناريو «التوطين»

تصريحات العابد لم تكن الأولى الصادرة عن حكومة عبد الحميد الدبيبة؛ إذ سبق لوزير الداخلية المكلف، عماد الطرابلسي، أن عبّر عن رفضه سيناريو «التوطين»، وتمسك في تصريحات أطلقها في شهر أكتوبر (تشرين الأول الماضي) بأن ليبيا «دولة عبور للمهاجرين وليست المقصد».

مهاجرون غير شرعيين تم ضبطهم في العاصمة الليبية (أ.ب)

وفي حين تواجه ليبيا معضلة الانقسام السياسي المستمر بين حكومتين، الأولى برئاسة الدبيبة في غرب البلد، والأخرى مكلفة من البرلمان في الشرق برئاسة أسامة حماد، لكن هذا الانقسام بدأ يتلاشى قليلاً أمام مخاوف «التوطين».

ففي إجراء استباقي مبكر، أقرّ مجلس النواب في أغسطس (آب) من العام الماضي تشريعاً يقضي بـ«مكافحة توطين الأجانب في ليبيا». وأقرّ القانون عقوبات، تتراوح بين الغرامة والحبس، ومصادرة الأموال لمن قصد التوطن في ليبيا، أو من آوى أجنبياً أو شغَّله بقصد توطينه. وكان اللافت اشتراط وجود «كفيل ليبي الجنسية للأجنبي المتواجد في البلاد»، يكون مسؤولاً عن جميع الإجراءات الخاصة بالأخير.

انتشال جثث مهاجرين غرقوا في عرض السواحل الليبية (رويترز)

وعدّ متابعون صدور القانون آنذاك بمثابة رد فعل عملي على جدل حاد واكب مؤتمر روما حول الهجرة في يوليو (تموز) 2023، واستدعى تحذيراً من رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، للأطراف المشاركة في هذا المؤتمر من اتخاذ قرارات تسمح بتوطين المهاجرين في ليبيا، حسب تعبيره.

إلا أن ساسة ليبيين، ومن بينهم عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد أبو بريق، أشاروا إلى وجود مبالغة وتهويل في الحديث عن «التوطين»؛ إذ عدَّه أبو بريق ضمن «هواجس لدى البعض»، معتقداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يسمى التوطين رهن لقوانين البلد نفسها، ولا يمكن فرضه على أي دولة إلا عبر اتفاقيات أو قوانين».

وفي خطوة عملية ترجمت توجهات ومخاوف حكومة الدبيبة، كان إعلان وزارة العمل إطلاق مبادرة تخصيص «سكن لإقامة العمالة الوافدة فقط»، في حين قالت الوزارة إنه «مسعى قطع الطريق على أي فرصة للتوطين، أو الإقامة داخل الأحياء السكنية، وإلزام العمالة بالخروج والعودة من البلاد في مدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخ دخولها الرسمي»، وفق نص القرار.

ولم يتوقف الأمر عند حدود ليبيا؛ إذ دخلت المنظمة الدولية للهجرة على الخط، مع تصريحات صدرت عن نيكوليتا جيوردانو، رئيسة بعثة المنظمة لدى ليبيا، حيث تحدثت المسؤولة الدولية في وقت سابق هذا الأسبوع عن استراتيجية دولية لتحسين إدارة الهجرة في ليبيا، وضمان قدرة المهاجرين على المساهمة بشكل آمن ومنتظم في التنمية الاقتصادية في ليبيا، معتبرة أن «80 في المائة منهم يأتون من دول مجاورة، مثل النيجر والسودان ومصر وتشاد، ومعظمهم يبحث عن فرص عمل قصيرة أو طويلة الأجل».

حرس الحدود خلال اعتقال عدد من المهاجرين السريين في الجنوب الليبي (الشرق الأوسط)

وفي رد فعل فوري رافض مقترح المسؤولة الدولية، أدرج تجمع الأحزاب الليبية تصريحاتها في سياق «خطة توطين المهاجرين، والإيحاء للرأي العام العالمي والمحلي بأن الأفارقة في طريق هجرتهم يقصدون الإقامة في ليبيا وليس عبور البحر لأوروبا». في حين ذهب الأكاديمي الليبي مخلوف إلى الحديث عن «محاولات أوروبية للمضي بهذا السيناريو إلى النهاية».

أما بالنسبة لمراقبين أوروبيين، ومن بينهم الباحثة الفرنسية المتخصصة في الشأن الليبي، فيرجيني كولومبييه، التي رصدت «مخاوف عميقة الجذور بين الليبيين»، فقد أشارت من جهتها إلى ما عدته «تفسيراً خاطئاً لتصريحات المسؤولة في المنظمة الدولية للهجرة».

وتنطلق الباحثة الفرنسية من حقيقة أن «ليبيا بلد عبور رئيس للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا، إلى جانب أنها وجهة للمهاجرين الباحثين عن فرص اقتصادية»، معيدة التذكير بأن ليبيا «كانت سوق عمل جذابة خلال عهد الرئيس السابق القذافي»، رغم ما عدته «انتشاراً لسوء معاملة العمال الأجانب، خصوصاً القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى».

وفي هذا السياق، خلصت كولومبييه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى تفسير ترويج المنظمة الدولية للهجرة، بدعم من الاتحاد الأوروبي وإيطاليا، لاتفاقيات تنقل العمالة بين ليبيا وبلدان المنشأ للمهاجرين، وذهبت إلى القول بأن تحقيق الاستقرار السياسي وتحسن الأوضاع الأمنية في ليبيا، «يقلل من تدفقات المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا».