«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

إطلاق متابعات ضد كاتب «حور العين» بشبهة «المسّ بجراح العشرية السوداء»

الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
TT

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

أُعلن في الجزائر، الخميس، إطلاق متابعات قضائية ضد الروائي الجزائري الفرنسي الشهير كمال داود، الفائز حديثاً بجائزة «غونكور» الأدبية، وذلك باسم «جمعية ضحايا الإرهاب»، على أساس أنه «مسَّ بمحظور» يفرضه قانون صدر عام 2006، يخص فترة تسعينيات القرن الماضي، وما شهدته من مجازر على أيدي الجماعات الإرهابية.

وتفاعلت وسائل الإعلام باهتمام كبير مع المؤتمر الصحافي، الذي عقدته المحامية المعروفة فاطمة بن براهم، في العاصمة، للحديث عن رفع شكوى قضائية ضد كمال داود، في واقعتين، حسبها، إحداهما أنه «أفشى سراً طبياً» يخص سيدة اسمها سعادة عربان، بنى عليها روايته «حور العين»، المتوَّجة فرنسياً، لكن من دون ذكرها بالاسم. أما الواقعة الأخرى، فهي سياسية محضة، تخص «التعدي على قانون السلم والمصالحة الوطنية» الذي صدر في 2006، بهدف وضع حد للاقتتال الدامي مع المتطرفين.

الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وفي تقدير المحامية، التي اصطحبت الشاكية معها إلى المؤتمر الصحافي، فإن داود يقع تحت طائلة الخوض فيما تسمى «العشرية السوداء»، وبالتالي القانون، بحكم أنه ينص على عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ، ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية».

داود «سرق قصة حياتها واستخدمها في عمله الأدبي دون إذن منها»

سعادة عربان

وعند صدور القانون، فهم الصحافيون والأوساط السياسية، أن السلطات أرادت طي «صفحة التسعينيات» عن طريق تجريم اتهام، ولو تلميحاً، رجال الأمن والمتطرفين، بالضلوع في مقتل أكثر من 150 ألف شخص، في مجازر ومواجهات مسلحة.

المحامية وعلى يسارها الشاكية ضد الروائي (إعلام اجتماعي)

وتقول المحامية، نقلاً عن موكلتها سعادة عربان، إن داود «سرق قصة حياتها واستخدمها في عمله الأدبي، دون إذن منها». مبرزةً «وجود قرائن» تدل على ذلك، منها وشم في ظهرها ذكره الروائي في «حور العين»، التي بناها على شخصية مخيالية سماها «فجر»، وهي فتاة نجت من محاولة ذبح على أيدي إرهابيين مطلع تسعينيات القرن الماضي، غرب البلاد. وهي في الحقيقة قصة السيدة عربان لمَّا كانت طفلة، والتي ترك العمل الإرهابي آثاراً بليغة على حبالها الصوتية.

ولأن الرواية مصنَّفة ضمن «المحظورات القانونية» في الجزائر، فقد منعت الحكومة عرضها في «الصالون الدولي السنوي للكتاب بالجزائر العاصمة»، عندما نُظم بين 6 و16 من الشهر الجاري. كما رفضت حضور دار «غاليمار» الفرنسية التي نشرتها، بمؤلفات أخرى لها.

جانب من المؤتمر الصحفي (الإعلام الاجتماعي)

واستنكرت «غاليمار»، الاثنين الماضي، «قذفاً» بحق نجمها الروائي، عادَّةً أن «أهدافاً سياسية حرَّكت منتقديه»، فيما بدا أن للقضية أبعاداً ذات صلة بحالة الاستقطاب الحاد الذي تشهده العلاقات السياسية بين البلدين، التي وصلت إلى شبهة قطيعة بعد أن سحبت الجزائر سفيرها من باريس، نهاية يوليو (تموز)، لمَّا تلقت بلاغاً من «قصر الإليزيه» يفيد بأن فرنسا قررت دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي للصحراء.

واندلعت «قضية كمال داود وسعادة عربان» منذ أسبوع، عندما بثت قناة «وان تي في» الجزائرية، مقابلةً مع المرأة الثلاثينية، اتهمت فيها داود بـ«استغلال قصتها وحالتها النفسية الصعبة»، في «حور العين» الصادرة بالفرنسية، وأن ذلك تم من دون موافقتها.

وأكدت أن داود كان قد استشارها بشأن سرد قصتها في عمل أدبي، ورفضت.

وقالت المحامية بن براهم إن زوجة داود، وهي طبيبة نفسية، «شريكة معه في إفشاء السر الطبي الخاص بسعادة عربان»، لأنها كانت تعالَج لديها من تبعات الحادثة، وذلك بين 2015 و2021 في عيادتها بوهران، كبرى مدن الغرب الجزائري.

جانب من حضور الصحافيين في المؤتمر (متداولة)

وحملت بن براهم بشدّة على داود، فهو في تقديرها «باع شعبه ووطنه وقبض الثمن»، في إشارة إلى أنه نال جائزة «غونكور» بـ«مقابل».

واشتهر الكاتب، منذ أن حصل على الجنسية الفرنسية عام 2020 بقرار من الرئيس إيمانويل ماكرون، بكتابات تعارض مسعى جزائرياً لدفع فرنسا إلى الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها خلال استعمار الجزائر (1830 - 1962)، عادّاً ما وقع «صفحة يجب طيّها، والنظر إلى المستقبل». ويثير هذا الموقف إزعاجاً في الجزائر.


مقالات ذات صلة

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
TT

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
أحمد رفعت (الشرق الأوسط)

وافق مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، الأحد، على رفع الحصانة عن وكيل لجنة الشباب والرياضة بالمجلس، النائب أحمد دياب؛ للاستماع إلى أقواله في تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة اللاعب أحمد رفعت، الذي رحل في يوليو (تموز) الماضي، إثر معاناة من تداعيات أزمة قلبية مفاجئة، أرجعها في تصريحات تلفزيونية قبل وفاته لـ«مضايقات تعرَّض لها من بعض المسؤولين».

ويشغل دياب رئيس رابطة الأندية المصرية، وورد اسمه في التحقيقات بعدما ترددت مسؤوليته عن توريط اللاعب الراحل في أزمة قانونية، عبر تسهيل سفر رفعت للاحتراف في الخارج خلال فترة تجنيده، بالمخالفة للقواعد المعمول بها في هذا الشأن.

وتُوفي رفعت (30 عاماً)، في 7 يوليو الماضي، بعد معاناة مع المرض إثر سقوط مفاجئ في مباراة لناديه، مودرن سبورت، بالدوري المصري في مارس (آذار) الماضي. في حين أمر النائب العام المصري في أغسطس (أب) الماضي بـ«تحقيقات موسعة للوقوف على ملابسات الوقائع التي تعرَّض لها اللاعب قبل وفاته».

النائب دياب خلال حضوره جلسة لمجلس الشيوخ (مجلس الشيوخ)

وعقب ضجة واسعة بالقضية التي شغلت الرأي العام المصري، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس، بـ«تحقيقات موسعة في القضية لكشف ملابساتها ومحاسبة المسؤولين عنها»، وطالب الجهات المعنية بـ«حوكمة الإجراءات الخاصة بسفر الرياضيين للخارج في أثناء فترة التجنيد، بما يضمن تسهيل الإجراءات ووضوحها لتحقيق المساواة في التعامل مع ذوي الشأن».

وقال رئيس مجلس الشيوخ، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، إن رفع الحصانة عن دياب جاء بناء على طلب النائب؛ من أجل استكمال إجراءات التحقيق في القضية، ووصف الطلب بـ«السابقة التاريخية»، كونه جاء بطلب دياب نفسه لاستكمال التحقيقات.

وعدّ عبد الرازق، في كلمته أمام الجلسة العامة، أن موقف دياب «يظهر التزاماً راسخاً بمبادئ العدالة واحترام القانون والمؤسسات القضائية»، مؤكداً أن «النائب لا يزال غير متهم بأي اتهام».

ووفق الخبير في الشؤون البرلمانية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، فإن رفع الحصانة يأتي في إطار رغبة النائب في الإدلاء بأقواله أمام النيابة العامة؛ لعدم قدرته على القيام بهذا الأمر من دون موافقة المجلس على رفع الحصانة، حيث تتطلب الإجراءات القانونية للاستماع لأقوال عضو البرلمان أمام النيابة العامة، ضرورة رفع الحصانة.

أحمد دياب (رابطة الأندية المصرية المحترفة)

وقال المحامي المصري محمد رضا لـ«الشرق الأوسط» إن النيابة العامة تقوم بتحديد موعد للاستماع إلى أقوال النائب بعد وصول قرار رفع الحصانة لمكتب النائب العام، للاستماع لإفادته بشكل كامل وتفصيلي، على أن يعقب ذلك اتخاذ قرار بشأنه.

وأضاف: «الاستماع إلى أقوال النائب في الواقعة يمكن أن يكون بصفته شاهداً، لكن إذا تبيَّن خلال التحقيقات تورطه في القضية فيكون من حق المحقق توجيه الاتهام واتخاذ قرار سواء بإخلاء سبيل النائب مع توجيه الاتهام أو حبسه على ذمة التحقيقات حال وجود ما يستلزم ذلك وفقاً للقانون».