مشاورات مصر وتركيا بشأن أفريقيا وليبيا... «مساحات تفاهم وتعاون مشترك»

البلدان اتفقا على استمرار المحادثات

مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)
مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)
TT

مشاورات مصر وتركيا بشأن أفريقيا وليبيا... «مساحات تفاهم وتعاون مشترك»

مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)
مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)

تستمر المشاورات الدبلوماسية المصرية - التركية بشأن الوضع في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي وليبيا، في إطار السعي للتوصل لتفاهمات وتعاون مشترك إزاءها، وسط تحديات كثيرة أبرزها الصراعات السياسية والمسلحة فيها.

أثبتت المشاورات، بتأكيد مصري، وجود «مساحات تفاهم وتعاون مشترك»، عدّه خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، استكمالاً لعلاقات تنمو بين مصر وتركيا، خصوصاً بعد زيارتين رئاسيتين هذا العام، ويعزز مسار التعاون المشترك بين البلدين، خصوصاً أن لهما وجوداً قوياً بهذه المناطق، متوقعين: «قدرة التنسيق المصري التركي على فرض فرص تعاون بتلك المناطق، رغم التحديات التي تشهدها، في ظل تقارب إزاء مختلف الملفات».

واستضافت القاهرة الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين مصر وتركيا حول أفريقيا، وفق بيان صحافي لوزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء، وقد ركزت على منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر. وترأس الوفد المصري مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، السفير إيهاب عوض، وترأس الوفد التركي مدير عام إدارة شرق وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية التركية، السفيرة إليف أولغن، بمشاركة السفير التركي في القاهرة، صالح موتلو شن.

واستعرض الجانبان خلال المباحثات «رؤيتيهما للتطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر»، و«عكست المشاورات وجود مساحة كبيرة من التفاهم حول سبل تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، ما قد يسمح باستعادة معدلات مرور السفن التجارية الدولية عبر البحر الأحمر إلى طبيعتها».

واتفق الجانبان على «تعزيز التعاون من خلال أطر ومسارات متعددة لتحقيق أهدافهما المشتركة بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر، ومواصلة دعم الجهود الصومالية في مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات الجيش الوطني الصومالي في هذا المجال، واستمرار التشاور الدوري بينهما حول الملفات الأفريقية ذات الاهتمام المشترك».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة سبتمبر الماضي (الرئاسة المصرية)

تلك المحادثات تأتي امتداداً لتفاهمات مستمرة طوال السنتين الماضيتين، عززتها زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للقاهرة في فبراير (شباط) 2024، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر (أيلول) الماضي. والمناطق المعنية بالتنسيق والتفاهم تمثل نقاط تماس مشتركة لمصر وتركيا، وفق نائب مدير تحرير «مجلة الديمقراطية بمؤسسة الأهرام»، الباحث في الشؤون الإقليمية، الدكتور كرم سعيد.

ويعتقد سعيد بأن «الصومال أمن استراتيجي للأمن القومي المصري، وتركيا لديها أكبر قاعدة عسكرية بمقديشو، وأمن الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر يمثل أمناً استراتيجياً للبلدين بصفته شرياناً حيوياً للتجارة الإقليمية، وتجارة مصر وتركيا».

ووفق الباحث في الشؤون الإقليمية، فإن هناك مساحة أكبر للتقارب بين البلدين في المنطقة، خصوصاً مع وجود «موقف مصري تركي رافض لمحاولات إثيوبيا الاقتطاع من السواحل البحرية من أرض الصومال» الإقليم الانفصالي غير المعترف به، ومتوافق على «دعم الصومال، وضرورة محاربة الجماعات الإرهابية».

ووقعت إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً في يناير (كانون الثاني) 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، وهو ما قوبل برفض صومالي وعربي، لا سيما من القاهرة التي تخشى من وجود إثيوبي في البحر الأحمر، ولديها خلافات مع أديس أبابا بشأن ملف «سد النهضة».

وتبع الرفض، توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، تلاه مد الصومال بأسلحة ومعدات لمواجهة حركة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، السبت الماضي، رسمياً استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام المقررة في 2025 - 2029، وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا (الرئاسة الصومالية)

ومنطقة القرن الأفريقي، وفق الباحث بالعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو: «تحمل أهمية استراتيجية في السياسة الإقليمية والدولية، وفتحت شهية عدد كبير من دول المنطقة، وعززت تركيا دورها فيها بشكل كبير وكذلك مصر»، لافتاً إلى أن «التفاهمات التركية المصرية تأتي في ظل وجود تحديات تعترض تقدم وحضور البلدين بتلك المنطقة».

وأضاف: «تسهم المشاورات والتفاهمات في تحقيق تعاون وتنمية مشتركة لصالح البلدين في ظل تلك التحديات الصعبة»، متوقعاً أن «تسهم العلاقات المتنامية بين مصر وتركيا في عرقلة أي محاولة لزيادة التصعيد بين مصر والصومال وإثيوبيا، ولعب أنقرة دور وساطة في ضوء حضورها الكبير لإنهاء التوترات»، في إشارة إلى عقد تركيا محادثات بين مقديشو وأديس أبابا في الفترة الأخيرة.

السفير إيهاب عوض خلال لقائه مدير عام إدارة شرق وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية التركية (الخارجية المصرية)

كما استضافت القاهرة أيضاً، وفق بيان «الخارجية المصرية»، الجولة الثانية من المشاورات مع الجانب التركي حول ليبيا، وترأس الوفد المصري فيها مدير إدارة ليبيا بوزارة الخارجية، السفير طارق دحروج، ومن الجانب التركي مدير عام إدارة شرق وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية، السفيرة إليف أولغن.

وجاءت المشاورات «تنفيذاً للتوجيهات الرئاسية باستمرار التشاور وتبادل الرؤى بين البلدين حول ليبيا، بما يحقق مصالح الشعب الليبي»، وفق البيان المصري، دون الكشف عن مخرجات الاجتماع.

ووفق كرم سعيد، فإن مصر وتركيا «قطعتا شوطاً معتبراً من التفاهمات في الشأن الليبي، وفي الصدارة منها إجراء انتخابات، وبناء مؤسسة عسكرية، وتوحيد شرق وغرب ليبيا، وهذه أرضية مشتركة تنطلق بها الدولتان».

وجاءت تلك التفاهمات «بعد التحول والانفتاح التركيين على شرق ليبيا، وزيارة السفير التركي في طرابلس لبنغازي (قبل نحو عامين)، وزيارة عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب الليبي) لتركيا (بنهاية 2023)، والموقف الداعم لوحدة الأراضي الليبية»، متوقعاً أن «تدفع تلك الركائز التعاون المصري والتركي لمزيد من التطور الفترة المقبلة».

ويكشف التفاهم المصري - التركي المتواصل في الشأن الليبي، وفق طه عودة أوغلو، عن «حالة تفاهم وتجاوز للتباينات السابقة، وقناعة البلدين بضرورة إعادة الاستقرار لليبيا، وإجراء انتخابات قريباً».


مقالات ذات صلة

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)

السيسي: الأوضاع المضطربة في المنطقة تفرض بناء قدرات شاملة لحماية مصر

أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالجهود التي تبذلها القوات المسلحة لـ«حماية الحدود المصرية من أي تهديدات محتملة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من قطاع الاتصالات في مصر (وزارة الاتصالات)

زيادة مرتقبة لأسعار خدمات الاتصالات تعمق أزمة الغلاء بمصر

أثار حديث مسؤول حكومي مصري عن زيادة مرتقبة في أسعار خدمات الاتصالات مخاوف لدى المصريين من موجة غلاء جديدة.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من المحادثات المصرية - الإيطالية للتعاون في مجال المياه (الري المصرية)

تعاون مصري - إيطالي لمجابهة «الفقر المائي»

تعاني مصر من «عجز مائي» بنحو 30 مليار متر مكعب سنوياً، حيث «تبلغ حصتها من مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً».

عصام فضل (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

توغلت «قوات الدعم السريع» على نحو مفاجئ في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي السودان، وفرضت سيطرتها على بلدتي (جريوة ورورو) بمحلية التضامن، فيما استعاد الجيش بلدة اللنكدي بولاية سنار المجاورة.

وبثت عناصر من «قوات الدعم» مقاطع فيديو على منصة «إكس»، يؤكدون فيها وجودهم داخل المناطق التي تبعد نحو 70 كيلومتراً من مدينة الدمازين عاصمة الولاية، التي تضم مقر الفرقة الرابعة للجيش السوداني.

من آثار القصف في الفاشر (مواقع التواصل)

وكانت «قوات الدعم السريع» تقدمت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وبسطت سيطرتها على بلدة رورو، إلا أنها انسحبت، وعادت أدراجها لتنضم إلى قواتها الرئيسية المتمركزة في الدالي والمزوم داخل ولاية سنار.

ومن جهة ثانية، أعلنت منصات إعلامية استعادة الجيش بلدة اللكندي التي تقع على بُعد نحو 60 كيلومتراً من عاصمة ولاية سنار سنجة.

وكانت قوات الجيش استعادت، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مدينتي الدندر والسوكي بسنار، بالإضافة إلى عدد من البلدات الصغيرة المحيطة بهما.

وتشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

وفي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، تبدد الهدوء بتجدد المواجهات بين الجيش والقوة المشتركة للفصائل المسلحة المتحالفة معه من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى. وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن «قوات الدعم» قصفت بالمدفعية الثقيلة عدداً من الأحياء السكنية باتجاه قيادة الفرقة السادسة العسكرية.

الدمار الذي حل بمستشفى الفاشر في إقليم دارفور (صفحة حاكم الإقليم في «فيسبوك»)

وأضافت: «القصف جاء بعد أيام من حالة الهدوء التي شهدتها المدينة، وتراجع المواجهات البرية التي كانت تجري بين الأطراف المتحاربة».

وقالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بالفاشر إن المدينة تشهد حالة من الهدوء بنسبة 80 في المائة مقارنة بالأيام الماضية.

وبحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، فإن «ميليشيات (الدعم السريع) قصفت عشوائياً عدداً من الأحياء المتفرقة»، دون وقوع أي أضرار بالمدينة.

وقالت الفرقة إن الطيران الحربي شن ثلاث غارات جوية «استهدفت معاقل العدو، وحققت نجاحات كبيرة، وتراجعت الميليشيات إلى شرق المدينة».

وأكد الجيش «أن الأوضاع تحت السيطرة، وأن قواته متقدمة في كل المحاور القتالية».

بدورها قالت القوة المشتركة للفصائل المسلحة إنها «أحبطت خلال الأيام الماضية هجمات عنيفة شنتها (قوات الدعم السريع) من عدة محاور على الفاشر»، في حين تقول مصادر محلية إن «(قوات الدعم السريع) توغلت وأحكمت سيطرتها على المستشفى الرئيسي بالمدينة. وتحاول التقدم إلى داخل الفاشر، بعد أن تمكنت خلال المعارك الماضية من التوغل في الأحياء الطرفية، ونصبت خنادق دفاعية على مسافة قريبة من قيادة الفرقة لكنها تجد مقاومة شديدة من الجيش وقوات الفصائل المسلحة».

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

وقال مقيمون في الفاشر إن آلاف الأسر يواصلون النزوح من المدينة؛ بسبب القصف المدفعي والصاروخي العشوائي الذي يستهدف المناطق المأهولة بالمدنيين.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى مقتل وإصابة أكثر من 1000 شخص على الأقل في صفوف المدنيين في القتال الدائر بالمدينة منذ العام الماضي.

ووفقاً لحصر الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، فقد قُتِل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) 2023.