إعادة محاكمة الرئيس الموريتاني السابق بـ«تهم فساد»

الملف يشمل وزيريه الأولين ومسؤولين مرموقين

الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز (الشرق الأوسط)
الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز (الشرق الأوسط)
TT

إعادة محاكمة الرئيس الموريتاني السابق بـ«تهم فساد»

الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز (الشرق الأوسط)
الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز (الشرق الأوسط)

بدأت، الأربعاء، وقائع إعادة محاكمة الرئيس الموريتاني السابق، محمد ولد عبد العزيز، أمام محكمة الاستئناف، إثر طعن محاميه في حكم أصدرته محكمة الجنايات المختصة بالفساد، يقضي بإدانته بالسجن النافذ 5 سنوات، وتغريمه وحرمانه من حقوقه المدنية والسياسية مع آخرين، بينهم مسؤولون سابقون في نظام حكمه، وفق ما أورده تقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

ويسعى محامو الرئيس السابق إلى الحصول من محكمة الاستئناف على براءة موكلهم، واستعادته حقوقه السياسية والمدنية، في حين تُصرّ النيابة العامة ومحامو الطرف المدني (الدولة) على تأييد حكم الإدانة الصادر ابتدائياً، بعد محاكمة هي الأطول في تاريخ القضاء الموريتاني؛ حيث استمرت 10 أشهر من بدء جلسات المحاكمة.

ويشمل الملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ووزيريه الأولين يحيى ولد حدمين، ومحمد سالم ولد البشير، والوزيرين السابقين محمد عبد الله ولد أوداع، والطالب ولد عبدي فال، والمدير العام السابق لشركة الكهرباء الحكومية، محمد سالم ولد إبراهيم فال، والرئيس السابق للمنطقة الحرة بنواذيبو، محمد ولد الداف.

وأدانت محكمة الجنايات المختصة بجرائم الفساد الرئيس السابق بجريمتي غسل الأموال، والثراء غير المشروع، في حين قضت ببراءته من 9 تهم أخرى، من بينها تبديد ممتلكات الدولة العقارية والنقدية، والحصول على مزايا مادية غير مستحقة من مجموعة عمومية، والتدخل في أعمال تجارية تنافي الصفة الوظيفية، عن طريق أخذ وتلقي فوائد من عقود ومزايدات، فضلاً عن منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية.

كما أسقطت عنه تهم استغلال النفوذ، وإساءة استغلال الوظيفة، وإخفاء العائدات الإجرامية، وإعاقة سير العدالة.

وحكم ولد عبد العزيز موريتانيا من 2009 إلى 2019، وغادر السلطة وسلّمها للرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني. لكن سرعان ما ساءت العلاقة بين الرجلين إثر محاولة الرئيس السابق السيطرة على الحزب الحاكم.

وسبق أن اشتكى محامو ولد عبد العزيز في سبتمبر (أيلول) الماضي من استمرار سجنه، مؤكدين أن موكلهم الموجود في السجن منذ قرابة عامين، بعد إدانته بتهمة الفساد والإثراء غير المشروع، يتعرّض للظلم، وأن حياته في خطر بسبب وضعه الصحي الصعب. وطلبوا لقاء الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني من أجل توضيح «ظلم موكلهم».

وقال منسق هيئة الدفاع عن الرئيس السابق، المحامي محمدن ولد إشدو، إن ولد عبد العزيز «يتعرّض للظلم، لأن الملف الذي سجن بموجبه غير مؤسس من الناحية القانونية»، مؤكداً أن هذا الملف «خطير، ويستهدف موكلنا، الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لكنه أيضاً يستهدف الرئيس الحالي ومؤسسة رئاسة الجمهورية، ويستهدف زعزعة أمن واستقرار موريتانيا ومؤسساتها».

هيئة الدفاع عن ولد عبد العزيز طلبت لقاء الرئيس الحالي لتؤكد له أن موكلها «مظلوم» (أ.ب)

وتابع ولد إشدو في مؤتمر صحافي عقد في نواكشوط لبحث هذا الملف:

«سبق أن طالبنا بلقاء الرئيس الحالي، ونحن مستعدون للقاء أعلى سلطة في البلاد حتى نشرح له هذه المخاطر، ولنقول له إن موكلنا مظلوم، وإن المستهدف ليس محمد ولد عبد العزيز وحده، بل إن موريتانيا مستهدفة من أجل تخريبها».

من جهتها، أكدت هيئة الدفاع عن الرئيس السابق أن جميع مساعي الحكومة الجديدة للإصلاح في البلد «لن تتحقق دون التوصل إلى حل ينهي ملف العشرية»، وذلك في إشارة إلى الملف الذي يسجن بموجبه ولد عبد العزيز.

كما حذّر ولد إشدو في السياق ذاته من «انزلاق موريتانيا» نحو المجهول، بسبب عدم إيجاد حل ينهي أزمة الرئيس السابق.

وقبل أسابيع قليلة، نشرت الصحافة المحلية في موريتانيا رسالة طويلة تنتقد الأوضاع في البلاد، نسبت إلى الرئيس السابق، وتداولها ناشطون مقربون منه، وكان يخاطب فيها الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، موجهاً انتقادات حادة إلى إدارة الدولة؛ حيث وصفها بأنها «كارثية وبدائية»، قبل أن يشير إلى ما سمّاه «انتشار الفساد وهدر الأموال وضعف السلطة».


مقالات ذات صلة

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

الاقتصاد جانب من جلسات غرفة جدة حول ريادة الأعمال (الشرق الأوسط)

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

تشهد مدينة جدة، غرب السعودية، حراكاً كبيراً في القطاعات الاقتصادية والسياحية كافة، فيما يدفع قطاع اللوجيستيات المدينة للوصول لمستويات عالية في تقديم هذه الخدمة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق التنوع البيئي وجماليات الشعب المرجانية في البحر الأحمر (واس)

ابيضاض الشعب المرجانية يضرب العالم... والبحر الأحمر الأقل تضرراً

تعدّ الشُّعَب المرجانية رافداً بيئياً واقتصادياً لكثير من الدول؛ فقد نمت فيها عوائدها لمليارات الدولارات؛ بسبب تدفّق السياح للاستمتاع بسواحلها وبتنوع شعبها.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي خلال مباحثاته مع نظيره البريطاني جون هيلي في الرياض (واس)

نقاشات سعودية - بريطانية لتطوير التعاون الدفاعي

استعرض الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع نظيره البريطاني جون هيلي، الخميس، الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها عسكرياً ودفاعياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
TT

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

مع اقتراب دفع المحكمة الجنائية الدولية بـ«المرافعات» الختامية في قضية السوداني علي عبد الرحمن، الشهير بـ«علي كوشيب»، المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم بدارفور، وصف الدفاع المتهم كوشيب بأنه «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، وهم: الرئيس المخلوع عمر البشير، ووزيرا «الدفاع» وقتها عبد الرحيم محمد حسين، و«الداخلية» أحمد هارون.

وقالت المحكمة الجنائية، في «ورشة عمل» عقدتها للصحافيين السودانيين في العاصمة الكينية كمبالا، الجمعة، إن المحكمة قررت تقديم المرافعات الختامية في قضية المدعي العام ضد علي محمد علي عبد الرحمن، الشهير بـ«علي كوشيب»، في الفترة من 11 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) 2024، بمقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.

ويواجه عبد الرحمن 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنها ارتُكبت في إقليم بدارفور السودان، خلال الفترة بين أغسطس (آب) 2003، وأبريل (نيسان) 2004، بمناطق مكجر وبندسي ودليج وكدوم بوسط دارفور.

مطالب بتسليم البشير وهارون

وقال المستشار بمكتب المدعي العام داهيرو سان آنا، عبر تقنية مؤتمر فيديو من لاهاي، إن مكتبه يحقق في أحداث دارفور الناجمة عن الحرب الحالية، وإنه كلف فريقاً يقوم بجمع المعلومات في دارفور يتعلق بالقضايا الجديدة، في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يتحدث الناس أنها تحدث في الإقليم المضطرب، وبنهاية التحقيقات سيجري تقديم طلبات لقضاة المحكمة لتوجيه اتهامات.

عمر البشير خلال محاكمته بالفساد يونيو 2019 (رويترز)

وأوضح أن المتهمين الرئيسيين؛ الرئيس السابق عمر البشير، ووزير دفاعه وقتها عبد الرحيم محمد حسين، ووزير داخليته أحمد محمد هارون، لا يزالون دخل السودان. وأضاف: «وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، يجب تسليمهم للمحكمة، وهو التزام لا يزال قائماً». وتابع أن انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي قاده الجيش صعب الأوضاع المتعلقة بتسليم المتهمين.

وقال داهيرو إن تسليم المتهمين يقع على حكومة السودان التي تَعلم مكان المتهمين. وتابع: «سألناهم، العام الماضي، ولم يعطونا معلومات، وقالوا إنهم يحققون في مكان وجود أحمد هارون». واستطرد: «التحقيقات مع كوشيب أشارت إلى ضلوع هارون في كل الجرائم المرتكبة بواسطة كوشيب، وطالبنا بتسليمه ليحاكَم الرجلان معاً، لكن هذا لم يحدث».

وعادت قضية تسليم أحمد محمد هارون إلى الواجهة مجدداً، بعد تصاعد الصراعات داخل حزب البشير «المؤتمر الوطني»، وانتخاب الرجل رئيساً للحزب، رغم التهم الموجهة له من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، والاتهامات التي يواجهها في القضاء المحلي.

مئات الأشخاص يفرون يومياً من دارفور إلى مخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وبإطاحة حكم الرئيس عمر البشير، يواجه الرجال الثلاثة المحاكمة باتهامات تتعلق بتدبير انقلاب 1989، تصل عقوبتها للإعدام. وعقب اندلاع الحرب، في 15 أبريل، خرج هارون ومتهمون آخرون من السجن، ولا يعلم مكان وجودهم، بينما لا تزال السلطات تقول إن البشير وحسين لا يزالان قيد الحبس، دون أن تكشف عن مكان حبسهما.

اتهامات لحكومة السودان

بدوره، قال المتحدث باسم المحكمة، فادي العبد الله، إن المحكمة لا تستطيع توسيع نطاق اختصاصها إزاء الجرائم التي يزعم أن قوات «الدعم السريع» ترتكبها في مناطق جديدة من السودان؛ لأن السودان ليس عضواً في ميثاق روما المكون للمحكمة الجنائية الدولية، وأن اختصاصها يقتصر على قرار مجلس الأمن 1593 الصادر في 2005، الذي أحال الوضع في دافور للمحكمة.

واتهم محامي المتهم سيريل لاوشي، في إفادته، للصحافيين، «حكومة السودان» بأنها قدمت كوشيب «كبش فداء» للتستر على المتهمين الرئيسيين. وقال: «جاء ممثل السودان، وقال: خذوه وحاكموه، فهذا هو الشخص الذي يجب أن تجري محاكمته، على الرغم من وجود المتهمين الرئيسيين؛ عمر البشير ومساعديْه وزيري الدفاع والداخلية».

وأرجع محامي كوشيب تأخير إجراءات المحاكمة إلى عدم مثول المتهمين الآخرين، وأضاف: «كان يمكن أن تسير الإجراءات بشكل يحقق العدالة، بحضور المتهمين». وأقر المحامي لاوشي بوقوع الجرائم موضوع المحاكمة، وطالب بجبر ضرر الضحايا، بقوله: «للمجني عليهم الحق في جبر الضرر، بغض النظر عن إدانة كوشيب أو تبرئته، وحق الضحايا لن يتأثر بكونه مجرماً أو غير مجرم».

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

ووفقاً للمتحدثين باسم محكمة لاهاي، فإن مكتب المدعي العام والممثلين القانونيين للضحايا، وهيئة الدفاع سيدلون بمرافعاتهم الختامية، في الوقت المحدد، أمام الدائرة الابتدائية الأولى المكونة من القاضية جوانا كورنر «قاضية رئيسة»، والقاضيتين راين ألابيني غانسو وألتيا فيوليت أليكسيس.

وبدأت محاكمة كوشيب أمام الدائرة الابتدائية الأولى، في 5 أبريل 2022، على أثر تسليمه نفسه للمحكمة في يونيو (حزيران) 2020، واستجوبت المحكمة، خلال التقاضي، 56 شاهداً، وقفلت قضية الادعاء في 5 يونيو 2023، وينتظر أن تستمع المحكمة إلى مرافعتَي الاتهام والدفاع الختاميتين، قبل اتخاذ قرار بشأن الرجل المحبوس لدى المحكمة في لاهاي.