ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

تسجيل 1600 حالة تعاني ضعف الإمكانات الطبية

احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)
احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)
TT

ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)
احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

قبل عقدين من الزمان، بدأت فصول معاناة المواطن الليبي محمد الشيخ؛ بسبب إصابته بمرض «ضمور العضلات»، و«عجز الأطباء» عن تشخيص مرض نادر أصاب عضلاته بالتكلس في سنة 2005، حسب قوله.

حالة الليبي محمد، الذي ينتمي إلى مدينة مصراتة (غرب)، والذي يطالب سلطات بلده بالاهتمام بعلاجه، نموذج مصغر لحالة 1600 مريض يشكون «ضعف الإمكانات الطبية، وبطء الإجراءات الحكومية» لحل أزمتهم التي تفاقمت بعد إسقاط النظام السابق في عام 2011.

ويُرجِع متابعون لهذا الملف ولهؤلاء المرضى، تأزم مشكلتهم إلى الانقسام السياسي، الذي أثر على سرعة استجابة الحكومة لعلاجهم في ليبيا أو خارجها على النحو الذي يطالبون به.

لقاء سابق بين وزير الصحة بحكومة الدبيبة رمضان أبو جناح وعدد من المرضى (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

وللعلم، فإن حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أعلنت الأسبوع الماضي، إطلاق «برنامج وطني» يضمن علاج هذه الفئة، وشُكِّلت لجنة لهذا الأمر.

رحلة الألم

بدأت رحلة معاناة محمد (34 عاماً)، التي رواها لـ«الشرق الأوسط» مع التشخيص، والبحث عن علاج في دول الجوار، ليكتشف أن «إصابته مزمنة وتحتاج إلى رعاية صحية خاصة، لا توفرها المرافق الصحية في ليبيا»، ونتيجة لذلك استمرّت معاناته معها منذ 2011.

محمد الشيخ من بين 739 حالة إصابة وثَّقتها سجلات «رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا» من إجمالي 1600 مريض، تقول وزارة الصحة بغرب ليبيا إنها تسلَّمت ملفاتهم من كل مناطق ليبيا في فبراير (شباط) 2024.

وسبق أن عبَّر وزير الصحة بحكومة الدبيبة، رمضان أبو جناح، عن أسفه لتأخر معالجة هؤلاء المرضى، بعد سلسلة مراسلات استعجالية من رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، إلى جهات حكومية، ووُجِّهت مجموعة من الانتقادات إلى حكومة «الوحدة» في سبتمبر (أيلول) الماضي، إثر وفاة 3 أطفال مصابين بهذا المرض في بنغازي (شرق) وسبها (جنوب)، والعاصمة طرابلس (غرب).

الليبي محمد الشيخ (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

ويرى مهتمون بهذا الملف أن قرار الدبيبة القاضي بإعداد «برنامج وطني» لمرضى ضمور العضلات، وتشكيل لجنة بهذا الشأن، يمثلان مجرد جانب من الحلول الطبية والاجتماعية والنفسية لهذه المأساة، وهو ما تمناه محمد أبو غميقة، رئيس «رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا».

لكن على نطاق أوسع، لا ترى الرابطة حلاً جذرياً لهذه الأزمة الصحية سوى «إنشاء مستشفى متخصص، ووحدات رعاية بالمستشفيات الكبرى في البلاد»، وفق أبو غميقة لـ«الشرق الأوسط».

وعلاوة على التواصل مع «الوحدة الوطنية»، فإن الرابطة سعت للاتصال بالبرلمان، والحكومة ببنغازي في شرق البلاد، برئاسة أسامة حماد.

وفي هذا السياق، كشف أبو غميقة عن «مراسلات مسجلة موجهة من الرابطة إلى البرلمان في بنغازي»، تقرُّ بأنَّ المرضى «يدفعون فاتورة الانقسام السياسي»، وعدد العراقيل التي يواجهها هذا الملف، من بينها «بطء توفير الأدوية والميزانيات اللازمة لذلك... نحن مرضى ومساعدتنا تنطلق من مبدأ إنساني بحت، ولذلك لا نعتد بالانقسامات السياسية».

مرض نادر

يعد «ضمور العضلات» مرضاً نادراً، قد ينجم عن طفرات وراثية تفقد المريض نسيجه العضلي تدريجياً، لتصبح أقل حجماً وأكثر هشاشة مع الوقت، وتعوق القدرة على الحركة مع مرور الوقت.

وفي عموم ليبيا، تتعدد أنواع الإصابة بالمرض بين «ضمور عضلات شوكي»، و«دوشين» و«بيكر» و«حزام طرفي»، و«وجهي» و«كتفي»، أو «طفرات نادرة»، بحسب الرابطة.

ووفق «رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا»، قد تضمّ العائلة الواحدة 6 مرضى، ويسكن بعضهم في مناطق نائية، ويشكون غياب المنح الاجتماعية والرواتب التضامنية، التي قد لا تتعدى 650 ديناراً، إن وُجدت، إلى جانب نقص الأدوات المعينة والتعويضية. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).

احتجاج سابق لمرضى ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

وفي محاولة حكومة غرب البلاد لإيجاد حل لهذه المشكلة الصحية، أطلقت الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي، في أغسطس (آب) الماضي، حملة لتوفير جميع المعدات والمستلزمات الخاصة، لكن الرابطة تقول إن «الأجهزة رديئة الجودة، وتهالكت».

ويعاني القطاع الصحي في ليبيا من تدهور كبير، ورغم أن السلطات الحاكمة بشرق ليبيا وغربها تقول إنه آخِذ في التعافي، فإن المطالبات لا تنقطع بعلاج المرضى في الخارج.

وتدرج أمل العلوي، الباحثة والأكاديمية بقسم العلوم السياسية في جامعة طرابلس، هذه المعاناة ضمن «تحديات عديدة تعانيها ليبيا منذ أكثر من عقد وحتى قبل 2011»، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى «انعكاس الأوضاع في ليبيا على حياة المواطنين، خصوصاً الفئات الضعيفة، ويعد مرض ضمور العضلات أحد أوجه تلك المعاناة».

وتلقي العلوي باللائمة على «الانقسام السياسي، وتردي الوضع الأمني، والتحديات الاقتصادية التي تشتت الجهود، وتضعف قدرة الحكومة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة، مع التكلفة العالية للعلاج، وقلة المراكز والكوادر المتخصصة».

وأمام هذا الوضع، تمسَّك محمد الشيخ بحق المرضى في تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر حكومة الدبيبة والبرلمان، في غرب وشرق ليبيا، وهو ما تراه العلوي «أمراً مقبولاً، خصوصاً أن وعي المرضى بحقوقهم أحد جوانب الحل».


مقالات ذات صلة

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)

لماذا يتجه بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط»؟

منذ سنوات، تتعالى أصوات التحذير من ارتياد شباب ليبيين قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا مشاركون في المناورات البحرية التي نفذتها «أفريكوم» (السفارة الأميركية)

تعهد أميركي بدعم القوات البحرية الليبية

تعهدت واشنطن بمواصلة العمل لدعم القوات البحرية الليبية في تعزيز جهود الأمن البحري الموحدة.

خالد محمود (القاهرة )

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

توغلت «قوات الدعم السريع» على نحو مفاجئ في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي السودان، وفرضت سيطرتها على بلدتي (جريوة ورورو) بمحلية التضامن، فيما استعاد الجيش بلدة اللنكدي بولاية سنار المجاورة.

وبثت عناصر من «قوات الدعم» مقاطع فيديو على منصة «إكس»، يؤكدون فيها وجودهم داخل المناطق التي تبعد نحو 70 كيلومتراً من مدينة الدمازين عاصمة الولاية، التي تضم مقر الفرقة الرابعة للجيش السوداني.

من آثار القصف في الفاشر (مواقع التواصل)

وكانت «قوات الدعم السريع» تقدمت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وبسطت سيطرتها على بلدة رورو، إلا أنها انسحبت، وعادت أدراجها لتنضم إلى قواتها الرئيسية المتمركزة في الدالي والمزوم داخل ولاية سنار.

ومن جهة ثانية، أعلنت منصات إعلامية استعادة الجيش بلدة اللكندي التي تقع على بُعد نحو 60 كيلومتراً من عاصمة ولاية سنار سنجة.

وكانت قوات الجيش استعادت، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مدينتي الدندر والسوكي بسنار، بالإضافة إلى عدد من البلدات الصغيرة المحيطة بهما.

وتشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

وفي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، تبدد الهدوء بتجدد المواجهات بين الجيش والقوة المشتركة للفصائل المسلحة المتحالفة معه من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى. وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن «قوات الدعم» قصفت بالمدفعية الثقيلة عدداً من الأحياء السكنية باتجاه قيادة الفرقة السادسة العسكرية.

الدمار الذي حل بمستشفى الفاشر في إقليم دارفور (صفحة حاكم الإقليم في «فيسبوك»)

وأضافت: «القصف جاء بعد أيام من حالة الهدوء التي شهدتها المدينة، وتراجع المواجهات البرية التي كانت تجري بين الأطراف المتحاربة».

وقالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بالفاشر إن المدينة تشهد حالة من الهدوء بنسبة 80 في المائة مقارنة بالأيام الماضية.

وبحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، فإن «ميليشيات (الدعم السريع) قصفت عشوائياً عدداً من الأحياء المتفرقة»، دون وقوع أي أضرار بالمدينة.

وقالت الفرقة إن الطيران الحربي شن ثلاث غارات جوية «استهدفت معاقل العدو، وحققت نجاحات كبيرة، وتراجعت الميليشيات إلى شرق المدينة».

وأكد الجيش «أن الأوضاع تحت السيطرة، وأن قواته متقدمة في كل المحاور القتالية».

بدورها قالت القوة المشتركة للفصائل المسلحة إنها «أحبطت خلال الأيام الماضية هجمات عنيفة شنتها (قوات الدعم السريع) من عدة محاور على الفاشر»، في حين تقول مصادر محلية إن «(قوات الدعم السريع) توغلت وأحكمت سيطرتها على المستشفى الرئيسي بالمدينة. وتحاول التقدم إلى داخل الفاشر، بعد أن تمكنت خلال المعارك الماضية من التوغل في الأحياء الطرفية، ونصبت خنادق دفاعية على مسافة قريبة من قيادة الفرقة لكنها تجد مقاومة شديدة من الجيش وقوات الفصائل المسلحة».

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

وقال مقيمون في الفاشر إن آلاف الأسر يواصلون النزوح من المدينة؛ بسبب القصف المدفعي والصاروخي العشوائي الذي يستهدف المناطق المأهولة بالمدنيين.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى مقتل وإصابة أكثر من 1000 شخص على الأقل في صفوف المدنيين في القتال الدائر بالمدينة منذ العام الماضي.

ووفقاً لحصر الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، فقد قُتِل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) 2023.