ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

متابعون يرون أن انقسام البلاد يحول دون تنفيذ توصية الطرابلسي

ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي
TT

ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

تتصاعد ردود الفعل المتباينة بعد الضجّة الإعلامية التي أحدثتها تصريحات عماد الطرابلسي، وزير داخلية حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، المتعلقة بتوصية لفرض الحجاب على طلاب المدارس، وبينما التزمت الحكومة الصمت، عدّها متابعون «مخالفة للإعلان الدستوري الذي يضمن حرية الشخصية للمواطنين».

وكان الطرابلسي يتحدث في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، عن تهريب الوقود، واسترسل باللهجة المحلية في قضايا فرعية، من بينها قوله: «سأتحدث مع السيد وزير التعليم ورئيس الوزراء لإصدار قرار بفرض الحجاب رسمياً؛ أما اللبس ما اللبس، وحرية ما حرية، طيري السما وروحي أوروبا، حريتك نعم لكن ما عايشة بروحك».

ورصد محللون عقبات دستورية وقانونية وسياسية محتملة تعترض تفعيل ما ذهب إليه الطرابلسي، بخصوص فرض الحجاب على طالبات المدارس، في بلد يعيش انقساماً سياسياً وتشريعياً حاداً.

ويرى فريق من الاختصاصيين الليبيين أن الطرابلسي «خالف الإعلان الدستوري»، وما تضمنه من حريات شخصية، ومنهم الباحث الليبي أحمد التواتي، وبالتالي لن تتوفر فرصة لتطبيق هذه التوصية.

ويستند هذا الفريق إلى مادة في الإعلان الدستوري تنص على أن «الدولة تصون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتسعى إلى الانضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تحمي هذه الحقوق والحريات، وتعمل على إصدار مواثيق جديدة تكرم الإنسان بوصفه خليفة الله في الأرض».

وكان التواتي، أشار في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن نفوذ حكومة «الوحدة» يقتصر على المنطقة الغربية؛ لافتاً إلى أن الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حمّاد هي التي تدير المنطقة الشرقية ومناطق عدة في جنوب البلاد؛ وبالتالي فلن يتم تطبيق أي مما يريد الطرابلسي.

وعدّت «منظمة العفو الدولية» تصريحات الطرابلسي «تهديدات»، واصفة الحجاب الإلزامي بأنه «من بين إجراءات تشكل أيضاً انتهاكاً لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي».

الطرابلسي خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي (وزارة الداخلية)

ورأت أن ما ذهب إليه الطرابلسي «يرسّخ التمييز ضد النساء والفتيات وينتقص من حقوقهن في حرية التعبير والدين والمعتقد والخصوصية الجسدية»، وذهبت إلى أن حديث الطرابلسي «قمع للحريات الأساسية باسم الأخلاق».

وعدّ جلال حرشاوي، الباحث المتخصص في الشؤون الليبية بالمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، تصريحات الطرابلسي «مهمة ومثيرة للقلق»، ومع ذلك، يذكّر بأن وزير الداخلية سبق وأعلن عن «تغييرات كبيرة في وقت سابق من هذا العام، ولم يتحقق سوى قليل منها».

ولم يستبعد حرشاوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، حدوث «تهديدات طارئة لمنصب الطرابلسي قد تعرقل تدابيره، في ضوء تفاعلات جديدة طرأت على مشهد التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس».

وتصاعد الجدل في ليبيا بعد اقتراح الطرابلسي، «بإجبار النساء على الحصول على إذن من أولياء أمورهن الذكور (المَحارم) قبل السفر إلى الخارج».

كما أعلن عن خطط لإنشاء «شرطة الأخلاق لمراقبة الأماكن العامة وأماكن العمل والتفاعلات الشخصية، في انتهاك صارخ لخصوصية الأفراد واستقلاليتهم وحرية تعبيرهم».

وأثارت تصريحات الطرابلسي «تباينات» وردود فعل مختلفة على «السوشيال ميديا»؛ ما بين منتقد له، وداعم. كما هاجمته عضوة مجلس النواب الليبي، ربيعة أبو راس، داعية رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، إلى «مراجعة خطاب الوزير».

ويقول الباحث الليبي محمد محفوظ، إنه «لا اعتراض على الحجاب هدفاً سامياً، لكن الاختلاف على طريقة المعالجة»؛ مشيراً إلى أن هذه التوصية حال تطبيقها «قد تسبب ارتباكاً وفوضى».

وبجانب تخوفات دولية مما ذهب إليه الطرابلسي، دعت «منظمة العفو الدولية» حكومة «الوحدة الوطنية» إلى «إلغاء هذه الإجراءات القمعية المقترحة، وبدلاً من ذلك، التركيز على معالجة أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في البلاد، والتي تتسم بالاعتقال التعسفي الجماعي، والاختفاء القسري، والتعذيب».


مقالات ذات صلة

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)

تصاعد أزمة «الدولة» الليبي بعد إعلان تكالة فوزه

تصاعدت أزمة النزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اليوم الثلاثاء، بعد إعلان رئيسه السابق محمد تكالة فوزه مجدداً برئاسته، وسط اعتراض خالد المشري.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

يطالب مرضى ضمور العضلات في ليبيا بإنشاء مستشفى متخصص لخدمتهم، ووحدات رعاية بالمستشفيات الكبرى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية قيد الصيانة في مايو الماضي (الصفحة الرسمية للشركة)

الديون والأعطال والرواتب... أزمات متراكمة تحاصر شركات الطيران الليبية

قدّر تقرير حديث صادر عن هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا إجمالي ديون «الخطوط الليبية» بنحو 1.12 مليار دينار؛ لعدة أسباب، من بينها انخفاض عدد الطائرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير اليونان (حكومة «الوحدة» الليبية)

دخول غربي على ملف «الحريات» بعد تصريحات وزير الداخلية في طرابلس

أكد سفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا التزامه بـ«شراكة راسخة» فيما يتعلق بـ«احترام حقوق الإنسان العالمية» والمبادئ الإنسانية والسيادة والثقافة الليبية.

خالد محمود (القاهرة)

مشاورات مصرية - صومالية لتعزيز التعاون في «القرن الأفريقي»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي في الرياض (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي في الرياض (الخارجية المصرية)
TT

مشاورات مصرية - صومالية لتعزيز التعاون في «القرن الأفريقي»

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي في الرياض (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي في الرياض (الخارجية المصرية)

مشاورات مصرية صومالية جديدة تواصل مساراً بدأته القاهرة ومقديشو بشكل لافت خلال هذا العام، في أعقاب توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي للحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر.

تلك المشاورات، التي أجراها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين في الرياض، شملت التأكيد المصري على المساهمة في بعثة حفظ السلام المقررة بمقديشو في 2025، بعد يومين من استبعاد الصومال لأديس أبابا من قوات حفظ السلام.

وبحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن المشاورات تعد «استمراراً لمسار تعزيز التعاون المصري - الصومالي في منطقة القرن الأفريقي في ضوء تصاعد المخاطر المشتركة للبلدين مع التوجه الإثيوبي المهدد لاستقرار المنطقة، لا سيما بملفي مذكرة التفاهم وسد النهضة»، لافتين إلى أن ذلك التعاون سيكون مثمراً للمنطقة ويتسع مع إريتريا ودول أخرى و«لكن لن تقبله أديس أبابا وستعده مسار تهديد وسيكون عليها، إمّا التراجع عن مواقفها غير القانونية سواء بشأن سد النهضة أو مذكرة التفاهم، وإما المزيد من التصعيد والتوتر».

ووقعت إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً في يناير (كانون الثاني) 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي عن الصومال، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، وهو ما قوبل برفض صومالي وعربي، لا سيما من القاهرة.

تبع الرفض توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب)، تلاه مد الصومال بأسلحة ومعدات لمواجهة حركة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، السبت، رسمياً استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام المقررة في 2025 - 2029، مرجعاً ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

وتصدرت قضايا رفض التدخل في الشؤون الصومالية وتأكيد المشاركة في قوات حفظ السلام بمقديشو وتعزيز مسار التعاون مع إريتريا بالمنطقة، لقاء وزير الخارجية المصري، ونظيره الصومالي، في الرياض، وفق ما أفادت به الخارجية المصرية في بيان صحافي، الثلاثاء.

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

وأعرب الوزير المصري عن «الحرص على مواصلة التنسيق مع نظيره الصومالي لمتابعة مخرجات القمة الثلاثية التي عقدت بين مصر والصومال وإريتريا والقمة الثنائية بين مصر والصومال اللتين عقدتا في 10 أكتوبر (تشرين أول) 2024 بأسمرة».

وأعاد الوزير المصري «التأكيد على موقف مصر الثابت من احترام سيادة الصومال والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه ورفض أي تدخلات في شؤونه الداخلية، فضلاً عن مساندة جهود الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب وفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها».

التأكيدات المصرية خلال مشاورات القاهرة ومقديشو، بحسب مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق السفير صلاح حليمة، تأتي استمراراً لحالة التعاون والتلاقي المصري الصومالي الذي له بعد تاريخي منذ عقود وليس وليد اللحظة والأزمات الحالية التي بدأت بتوقيع أديس أبابا مذكرة التفاهم التي عززت من تقارب البلدين.

وباعتقاد حليمة، فإن «تلك الشراكة المصرية الصومالية التي تنمو وتضم إريتريا قد تتوسع وتشمل دولاً أخرى وتحقق تنمية واستقراراً بالمنطقة»، مستدركاً: «لكن إثيوبيا بتحركاتها العدائية تجاه مصر في ملف سد النهضة أو الصومال بمذكرة التفاهم ستكون سبباً في استمرار التصعيد والتوتر».

ذلك المسار لا يستبعده الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، معتقداً أن «التفاهمات المصرية الصومالية الدائرة الآن، متسقة تماماً مع إيقاع الحراك الإقليمي الأفريقي الذي بدا متصاعداً على خلفية رياح الأزمات الطارئة التي تعصف الآن على تخوم القرن الأفريقي، لا سيما في ملف السد ومذكرة التفاهم».

ويرى أن «تفاهمات القاهرة ومقديشو كانت صادمة لإثيوبيا، خصوصاً بعدما عززت القاهرة تلك التفاهمات الثنائية بإدخال إريترياً ضلعاً ثالثاً في هذا الحلف الجديد، مصر - الصومال إريتريا. وفوق كل هذا، تبذل القاهرة الآن جهوداً كثيفة لتنشيط سياسة التعاون التنموي مع عدد من الدول الأفريقية الأخرى، مما يجعل إثيوبيا تبدو وكأنها مثل الذي انزلقت قدماه في مصيدة تاريخية نتيجةً للسير بلا هدى في طرق وعرة».

ولم يغب ملف قوات حفظ السلام المستبعدة منه إثيوبيا عن المشاورات الصومالية المصرية، وأكد الوزير المصري «حرص مصر في هذا السياق على دعم الاستقرار والأمن في المنطقة، والمساهمة في بعثة حفظ السلام الجديدة في الصومال، وبناء القدرات الأمنية والعسكرية بمقديشو وذلك في إطار اضطلاع مصر بمسؤولياتها في حفظ السلم والأمن الإقليميين وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، وميثاق جامعة الدول العربية»، فيما ثمن الوزير الصومالي «الدعم المصري الكامل لبلاده في محاربة الإرهاب وفرض سيادة الدولة وتأكيد وحدة وسلامة أراضيها».

وأعلن الصومال، السبت، «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً (المقدرة بنحو 4 آلاف جندي منذ 2014) من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي، التي ستبدأ مهامها في البلاد مطلع العام المقبل».

ولم يعد بإمكان إثيوبيا منع مصر من وجودها العسكري ضمن قوات حفظ السلام في الصومال، لأن القانون الدولي الذي ينظم أعمال مجلس السلم والأمن الأفريقي، يمنح الدولة المستضيفة حق الاعتراض والقبول إزاء القوات الدولية المراد توجيهها لحفظ السلام فيها، وفق عبد الناصر الحاج.

ويتوقع الحاج أن «تنشط إثيوبيا في محاولة إقناع مؤسسات الاتحاد الأفريقي عبر مساومة جديدة، وهي صرف أنظارها مؤقتاً عن أرض الصومال، مقابل انسحاب مصري من الصومال وتشغيل سدها والتصدير عبر جيبوتي رغم تكلفته المالية الباهظة»، مستدركاً: «لكن مصر لن ترضى بأي مساومة لا تجبر إثيوبيا عن العدول عن تشغيل سد النهضة دون الذهاب إلى اتفاقية دولية جديدة».