الجزائر: قائد الجيش يشدد على «تعزيز المناعة الأمنية» للبلاد

تحدث مع كوادر عسكرية عن «الذاكرة» الخلافية مع فرنسا

قائد الجيش خلال زيارته مركز الهندسة الميكانيكية العسكرية (وزارة الدفاع)
قائد الجيش خلال زيارته مركز الهندسة الميكانيكية العسكرية (وزارة الدفاع)
TT

الجزائر: قائد الجيش يشدد على «تعزيز المناعة الأمنية» للبلاد

قائد الجيش خلال زيارته مركز الهندسة الميكانيكية العسكرية (وزارة الدفاع)
قائد الجيش خلال زيارته مركز الهندسة الميكانيكية العسكرية (وزارة الدفاع)

شدد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، في اجتماع مع كبار المسؤولين بقطاع الدفاع، على «تعزيز القدرات الدفاعية والمناعة الأمنية للبلاد»، مؤكداً «وضع الركائز الأساسية لصناعة عسكرية جزائرية، واعدة ومتكيفة مع متطلبات الدفاع عن الوطن وبأيادٍ جزائرية خالصة».

وجمع شنقريحة، الاثنين، بوزارة الدفاع، أبرز كوادر الجيش ومسؤولي الشرطة والجمارك والدفاع المدني، بغرض تهنئتهم على مشاركتهم في العرض العسكري، الذي نظمته السلطات في أول الشهر الحالي، بمناسبة سبعينية ثورة الاستقلال (1954 - 1962). وقال بهذا الخصوص، حسبما نشرته وزارته (الدفاع) بموقعها الإلكتروني، إن «الهدف من تنظيم هذا الاستعراض العسكري المتكامل، بقواته البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي عن الإقليم، أن نكون في مستوى الذكرى السبعين لاندلاع ثورتنا التحريرية المباركة، التي كانت وستبقى إحدى أعظم المحطات الكبرى في التاريخ الإنساني المعاصر»، موضحاً أن العرض، الذي جرت أطواره في الواجهة البحرية للعاصمة، «أعطى صورة مشرفة للجيش الوطني الشعبي وللجزائر».

وسمح العرض، الذي كان «نوعياً ومتفرداً»، حسب قائد الجيش، بـ«استحضار حقبة زاهرة من تاريخنا المجيد، وبالوقوف وقفة إجلال وإكبار لأسلافنا الميامين، الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل الحرية والاستقلال والسيادة، ونستلهم منهم قيم الصمود والتضحية ونكران الذات، والتمسك بثوابت الأمة ومكتسبات ثورتنا المجيدة»، عادّاً «تعزيز قدراتنا الدفاعية ومناعتنا الأمنية»، بمثابة «وفاء لتضحيات الملايين من شهداء الجزائر، وصوناً لأمانتهم».

كوادر الجيش والشرطة خلال اجتماعهم مع رئيس أركان الجيش (وزارة الدفاع)

وخاض شنقريحة في «مسألة الذاكرة»، التي تثير خلافات كبيرة مع المستعمر السابق، فرنسا، مبرزاً أنها «تشكّل أحد الروافد المهمة، في مسعى بناء الجزائر المقتدرة والمنتصرة، كجزء لا يتجزأ من المسار الوطني الطموح الهادف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ ركائز أمن وازدهار ونهضة بلادنا وارتقائها الاستراتيجي بين الأمم».

وأشاد قائد الجيش الجزائري «بأولئك الأبطال، الذين آثروا التضحية لنعيش أحراراً أسياداً على أرضنا»، في إشارة إلى مئات الآلاف من الجزائريين، الذين قتلوا خلال المقاومات الشعبية التي قامت في القرن الـ19، للتصدي للغزو الفرنسي، ثم خلال ثورة التحرير لاحقاً.

والمعروف، أن الجزائر وفرنسا اتفقتا، في يونيو (حزيران) الماضي، على تنظيم زيارة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس في خريف هذه السنة. غير أن المشروع ألغي خلال مراحل ضبط ترتيباته، لسببين: الأول، رفض باريس تسليم الجزائريين، أغراض الأمير عبد القادر، قائد أكبر مقاومة شعبية ضد الاستعمار، الموجودة في قصر بوسط فرنسا، حيث كان أسيراً من 1848 إلى 1852، قبل نفيه إلى سوريا. وتعدّ هذه القضية جزءاً من «الذاكرة» ترفض الجزائر تقديم أي تنازل بشأنها. أما السبب الثاني لإلغاء الزيارة، فهو اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء في يوليو (تموز) الماضي، علماً بأن الجزائر تدعم فكرة «تقرير مصير الصحراء عن طريق استفتاء بإشراف أممي».

وكان شنقريحة زار الأحد، «مركز الهندسة والتطوير في الميكانيك والإلكترونيات»، التابع للجيش، بـ«الناحية العسكرية الأولى» (وسط)، حيث أكد في خطاب، أن القيادة العسكرية «تولي عناية خاصة لوضع الركائز الأساسية، لصناعة عسكرية جزائرية»، مشيراً إلى أنها «تعوّل على هذا القطاع لرفع جاهزية قواتنا المسلحة، وتلبية احتياجاتها العملياتية تدريجياً، بما يتوافق وخصوصياتنا وعقيدتنا الدفاعية، في ظل سياق إقليمي مضطرب ووضع دولي يحمل كثيراً من التحديات والتهديدات الجديدة والناشئة».

وشدد شنقريحة على «الاعتماد على كفاءاتنا الوطنية وسواعد أبنائنا، من ذوي الهمم العالية، المفعمة بالطموح والمؤمنة بقدرة بلادها، لامتلاك أسباب القوة ووسائل حفظ استقلالنا وصون سيادتنا الوطنية، وتعزيز مكانتها الرائدة بين الأمم».


مقالات ذات صلة

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا قائدا الجيشين الجزائري والموريتاني يوقعان على اتفاق استخباري بنواكشوط (وزارة الدفاع الجزائرية)

اتفاق استخباري بين الجزائر وموريتانيا لتعزيز أمن الحدود

الجزائر وموريتانيا توقعان على اتفاق تعاون وتنسيق في مجال الاستخبارات، توج مساراً طويلاً من التعاون وتبادل الخبرات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أشخاص اعتقلهم الجيش بشبهة التهريب (وزارة الدفاع الجزائرية)

اعتقال 5 جزائريين بشبهة «دعم الإرهاب»

أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان، عن اعتقال خمسة أشخاص بشبهة «دعم الجماعات الإرهابية»، وذلك خلال عمليات متفرقة عبر التراب الوطني نفذتها قوات الجيش.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة (وزارة الدفاع)

ضباط الجيش الجزائري لتسيير المؤسسات والإدارات الحكومية

يجري حالياً تسيير مؤسستين عموميتين كبيرتين هما «الجمارك الجزائرية» و«مطار هواري بومدين الدولي» في العاصمة، من قِبل ضابطين كبيرين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تبون وإلى يمينه شنقريحة (وكالة الأنباء الجزائرية)

الجزائر: تبون يقلد رئيس الأركان «وسام الشجاعة»

شنقريحة: الدعم المستمر الذي يقدمه رئيس الجمهورية للمؤسسة العسكرية سيزيد إطاراتها ومستخدميها عزماً على مواصلة تطوير وعصرنة منظومتنا الدفاعية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».